مقالات وآراء

البرهان و النزول من الشجرة

امجد مصطفي

خيارات البرهان الحاليه للخروج من المأزق الصعب الذي وضع نفسه فيه تتراوح ما بين السيء والاسوأ، وهو اشبه في وضعه الحالي بهرة تسلقت شجرة عالية بسهوله، لكنها ما ان وصلت الي القمة حتي ادركت انها لا تستطيع البقاء علي قمه الشجرة، لكنها ايضاً لا تستطيع الهبوط من الشجرة بنفس السهولة التي تسلقت بها، كما انها لا يمكنها القفز من الشجرة بدون ان تؤذي نفسها اذيً بليغاً، فأصبحت حائره وحيده لا تملك الا النداء والاستغاثه، علّ سيدها او احد الماره ينقذها بطريقة ما.

خيارات الانقلابيين للخروج من المأزق الحالي الذي حشروا انفسهم فيه تتمحور حول تسليم السلطه لحمدوك حصرياً علي وقع نداءات الشارع السوداني والمجتمع الدولي، مع التسليم بخروجهم من المشهد السياسي تماماً، حتي وان تضمنت اي تسوية دوراً للقوات المسلحة في الفتره المقبله، حيث انه من العسير تصور بقاء البرهان او “حميرتي” او “الكضابشي” كما يطلق عليهم تهكماً، في اي موقع سلطه يخول لهم الخروج علي الملأ من حين لآخر واطلاق التصريحات الاستفزازيه كما اعتادوا.

الاحتمالات الوارده لأي تسويه مقبله قد تعتبر مقبوله لدي الاطراف المعنيه، في ما يخص مصير الانقلابيين في احسن الاحوال ربما تتضمن نوعاً من الخروج الآمن لهم لحظياً بدون مواجهة اي محاكمة عاجله علي جرائمهم (كما يرغب معظم افراد الشعب السوداني)، او بدون الاقتياد مباشرة لحبل المشنقه (كما يرغب معظم افراد الشعب السوداني ايضاً).

لفهم تعقيد الموقف الشديد بالنسبه للانقلابيين يجدر بنا ان نعود بالزمن قليلاً، وقبل الانقلاب مباشرة، حيث كانت مطالب الشعب أنذاك موحدة تجاه الفراغ من التحقيقات الجاريه حول جريمة فض الاعتصام وتقديم المسؤلين للعداله، والعقوبه المتوقعه بالنظر الي حجم الجرائم المرتكبه خلال فض الاعتصام هي الاعدام. المشتبه الرئيسي والوحيد في هذه الجريمه هو لجنه البشير الامنيه، او المكون العسكري (نفس الشئ) زائد الجنجويد حيث ان الكباشي قد اعترف مشكوراً بمسؤليتهم عن هذه الجرائم في حديث تلفزيوني شهير.في ما يخص مرتزقة الجنجويد هنالك تعقيد اضافي يتمثل في الجرائم التي ارتكبوها ضد الانسانية في دافور، ناهيك عن جريمة تجنيد الاطفال والزج بهم في محرقة اليمن، وهذه كلها جرائم لا تسقط بالتقادم كما يعلم الجميع.

ما سبق يجعل الانقلابيين امام بضعة خيارات احلاها مر: اعادة حمدوك للسلطه والخروج من المشهد السياسي تماماً بدون ملاحقات قضائيه ولكن بدون اي مناصب حكومية و بدون اي امتيازات مع احتمال مواجهة العداله لاحقاً وهذا اشبه بتجرع السم البطئ، او الخروج من المشهد السياسي والهروب من السودان علي طريقة بن علي، وهذا مستبعد الي حد كبير بسبب العبء الكبير الذي سيتحمله اي طرف يؤويهم، بالاخص مع بدء محاكمة كوشيب امام المحكمة الجنائيه الدوليه العام القادم، والتي من المؤكد ان تجر اقدام الانقلابيين الي لاهاي وتفرض علي من يؤويهم تسليمهم علي اي حال.

الخيار الاسهل والمتوقع ان يلجأ الانقلابيين اليه هو محاولة تسويف الامور واضاعة الوقت، مع الدفع بوجوه مختلفه الي المشهد السياسي تحت ستار استكمال مؤسسات الحكم المدني بالاستعانه بما يعرف باحزاب المترديه والنطيحه وبقايا فلول الكيزان والمؤتمر الوطني، علي امل ان يكسبوا ما يكفي من الزمن حتي الوصول الي انتخاباتهم التي يتوقع منها ان توفر لهم مهربا من العداله اذا تمت هندستها جيدا (علي الطريقه المصريه) لاعاده انتاج نظام عمر البشير مرة اخري من دون البشير نفسه. مشكلتهم مع هذا الخيار هو عناد الشارع واستمراره في التظاهرات والاحتجاجات السلميه وصولاً الي العصيان المدني والاضراب الشامل، زائد الضغوط الدوليه والعقوبات المتوقع ان تزيد وتيرتها، مما يجعل استمرارهم في السلطه مستحيلا، ويعيدهم الي الخيارات الاسوأ المذكوره اعلاه.

باختصار، النزول من الشجرة سيكون عسيراً للغاية ومؤلماً جداً للانقلابيين، وكما يقول المثل السوداني: التسوي بإيدك يغلب اجاويدك.

[email protected]

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..