أخبار مختارة

آن الأوان للرمي بالعسكر والمليشيات إلى مزبلة التاريخ

الهادي هبَّاني

الزلزال الجماهيري الشعبي الذي حدث في 21 أكتوبر 2021م وردة الفعل الجماهيرية العفوية القوية التي انطلقت ضد الانقلاب العسكري منذ فجر 25 أكتوبر 2021م حتي اليوم، والموج البشري الهادر الذي شهده العالم في داخل السودان وخارجه في 30 أكتوبر 2021م، واستمرار المقاومة بإصرار وصمود حتى اللحظة بجداول وأساليب مدروسة منظمة متفقٌ عليها أصبح لها كود خاص وشفرة لا يفهمها إلا الثائرات والثوار حتى اللحظة، هي كلها فوق حدود فهم واستيعاب حميدتي والبرهان وبطانتهم وتابعيهم ومن لف لفهم. فهم كائنات لم تفرزها حركة الجماهير أو منعطفات صعود نضالاتها للأعلى في مسار تاريخ الثورة السودانية، بل هم لا يفهمون معني الثورة السودانية وعمقها الاجتماعي الإنساني، ولا ترد في ذاكرتهم بطولات السودانيين الضاربة في قدم تاريخ الحضارة السودانية. ولذلك فهم لا يستطيعون استيعاب صمود الشعب السوداني أمام مدافع المستعمر في معركة كرري أو استبسال الوطنيين في معارك الحركة الوطنية ضد الاستعمار ولا معني سقوط القرشي ورفاقه شهداء في معركة تعزيز الاستقلال والديمقراطية في ثورة أكتوبر أو كيف سقط الشهيد طه يوسف عبيد مقدما حياته رخيصة كأول شهيد في انتفاضة يناير 1982م، أو كيف سقطت الطفلة مشاعر محمد عبد الله كأول شهيدة في انتفاضة مارس/أبريل 1985م. ولذلك ليس غريبا أن يسقط كل شهداء ثورة ديسمبر 2018م الخالدة منذ بداياتها الأولي مرورا بشهداء جريمة فض الاعتصام وامتدادا بشهداء المقاومة الباسلة لانقلاب 25 أكتوبر 2021م الغادر بأياديهم الملطخة بالدماء وآلتهم العسكرية التي لا زالت تحصد أرواح الشهداء حتي تاريخ اليوم بكل برود وروح ساديِّة متأصلة فيهم دون أن ترمش لهم عين أو تهتز لهم شعرة.

حميدتي عبارة عن مسخ وكائن غريب نبت من حيث لا يدري السودانيين، فلم يخرج من النيل الصبور وهو يسير سيره الحكيم ويعزف لحنه القديم كمصطفي سعيد في رواية موسم الهجرة للشمال لأديبنا الراحل الطيب صالح، بل لم يرد إلا في خاطرته الاستنكارية (من أين جاء هؤلاء)، فهو لا يسمع إلا “النقعة والذخيرة توري وشها” علي حد تعبيره الهمجي، ولا يعرف عنه السودانيون إن كان قد أرضعنه الأمهات والعمات والخالات، فهو لم يصغي لصوت الرياح تهب من الشمال والجنوب إلا من أجل استراق السمع لكلاب القري الآمنة تستنبح الأضياف جودا وكرما، وأصوات نسائها وبكاء أطفالها الأبرياء قبل النوم لينقض عليها غدرا ويحولها إلي رماد، ولم يري بروق الصعيد تشيل وتحط إلا ليعد نفسه وقراصنته لهجمات الخراب والدمار الموسمية علي القري الآمنة، ولم يري القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل إلا ليتسلل إلي حيث نهبها وتفحيمها وتركها مجرد بقايا حرائق جائرة لا تنبعث منها إلا روائح الاغتصاب والدخان والنيران والقتل والموت والتطهير العرقي.

حميدتي ورصيفه البرهان شئٌ من هذا القبيل، وكما قال الطيب صالح أيضا قلوب لا يسكنها فرح، عيون لا تري أضواءً من نوافذ البيوت، حناجر لا تضحك، وأرض جدباء لا ماءٌ أو زرع أو خبز فيها، وقصة من قصص الغدر والخيانة المستهجنة التي لم ترد في ذاكرة السودانيين إلا في كتب المطالعة للصغار في مناهج معهد بخت الرضاء كقصة “أبو مركوب” و”الثعلب المكار”، وقصيدة “شريعة الغابة” لأمير الشعراء أحمد شوقي وغيرها من القصص البغيضة والحكايات غير الحميدة. ولكن للأسف فحتي السوء نفسه بكل معانيه البغيضة المعروفة وغير المعروفة للبشر، بل والتي لم يشهدها التاريخ ولم يسجلها في صفحاته السوداء حتى تاريخ اليوم يتواضع ويشعر بالذل والمهانة والاستصغار أمامهما لانهما كائنات جامدة كجلود التماسيح لا تحس ولا تشعر بحجم السوء الذي ترتكبه.

فهما يجسدان سوءاً ليس كالسوء الذي نعرفه، ولكن كالسوء عندما يكون سيئا وممزوجا بالبرود وعدم المبالاة والجهل مثلهما. ولذلك لم يكن غريبا تخطيطهما وارتكابهما لجريمة فض اعتصام القيادة العامة أحد أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي عرفها تاريخ السودان بسبق الإرصاد والترصد من خلف ستار أبراجهما العاجية وهم يشاهدان عبر شاشات الكاميرات عالية الجودة استكمال حلقاتها والتلذذ بكل بشاعتها وتفاصيلها الدقيقة المحزنة دون أن تهتز لهما قصبة أو تنتابهم ذرة من مشاعر الرحمة وهم يسطران خطاب الانقلاب الذي ألقاه البرهان من كرسييه السلطاني بعد انتهاء الجريمة واكتمال أركانها دون حياء أو خجل وهو مرصع بنياشين وزي وطني لا يستحقه وهو يكذب كما يتنفس بكل برود دون أن تهتز له شعره أو يبدو عليه أي إحساس بالندم وبحجم السوء الذي ارتكبه وبحجم وبشاعة الألم والمعاناة التي واجهها الشهداء غرقا وهم يشهدون الموت البطيء يتخللهم ويسيطر عليهم في أعماق مياه النيل ليسلب أرواحهم الطاهرة وهم لا حول لهم ولا قوة للمقاومة وأياديهم وأرجلهم مكبلة بكتل أسمنتية صماء جامدة لا فكاك منها. إنها فكرة شيطانية لا ترد إلا في ذاكرة شيطان أصم بلا مشاعر أو ذرة من إنسانية.

وهذا ليس غريبا عليهم وقد ارتكبوا مثله أضعافا مضاعفة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيره من مناطق السودان المختلفة. ويتجلى فيهم السوء في أبشع صوره عندما ندرك أنهم يرتكبون هذا السوء بقناعة تامة بأنهم على صواب، بل ويحسنون صنعا ويعملون لصالح الوطن الذي ينتمي إليه كل أولئك الشهداء الذين قٌتِلٌوا على أياديهم وأن السلطة والثروة قد كٌتِبَت لهم ولبطانتهم دون سِوَاهٌم وأن السودان كله بأراضيه وبحاره وثرواته وشعبه إرثا لهم ومرتعا لهواهم وتسلطهم وجبروتهم.

مع كل ذلك نقول الشعب أقوي من الطغاة وأن إرادة الجماهير ظافرة منتصرة ولا تقوي أعتي الأنظمة والديكتاتوريات في العالم لمواجهتها، والنصر وشيك وأقرب للشعب من حبل الوريد. ولا ينتظر الشعب السوداني نصيرا من الخارج ولا بيانات الدول الأربعة والخمسة أو السبعة أو غيرها فقد هزم المستعمر في الثورة المهدية لوحده، وأسقط حكم العسكر في اكتوبر 1964م ومارس/أبريل 1985م لوحده بدون انترنت أو قنوات إعلامية فضائية أو وفود وساطات جيئةً وذهابا. فقط لوحده في مواجهة العساكر على الأرض وجها لوجه أعزلا عاريٌ الصدر لا حجَّاز ولا شاهد إلا الله وحده لا شريك له.

واليوم الشعب في قمة صموده وإصراره الفريد المدهش والحركة الجماهيرية في قمة صعودها والمقاومة المدنية نار موقدة وأصداء هتافات الثوار وزغاريد الكنداكات تسبق المواكب وتهز أركان عروش العسكر والمليشيات وهي تتقدم بثبات لكنس هذا الكابوس الذي يسعي لتكريس الديكتاتورية والظلم والذل والهوان، والجهل، والتخلف، والظلام. ولا عاصم اليوم للبرهان وزبانيته ومرتزقته ولحميدتي ومليشياته ومستأجريهم من غضب الشعب ومن أجلهم الوشيك فلتتوحد جماهير الشعب وتواصل مقاومتها المدنية المسلحة بالسلمية والصبر والصمود وبعدالة القضية وما النصر إلا صبر ساعة.

[email protected]

‫15 تعليقات

  1. قطعة نثرية عظيمة ،،،، كتابة سياسية بطعم الادب الراقي ،،، لك التحايا اجلها و بارك الله فيك ،،،، و ثورة حتي النصر علي كل الظلاميين ،،،،

  2. لقد صدقت وأبنت بشجاعة نادرة مش زي ناس قد تشكل جرائم ضد الانسانية وأمثال هذا هم التكنوقراط الثوريون المطلوبون لحكم الفترة الانتقالية والذين عميت أو تعامت عنهم أعين قحاتة 4 طويلة؟!

  3. حقا ان واحدة من صفحات التاريخ السوداء التي لن تمحى من الذاكرة أبدا هي جريمة فض اعتصام القيادة العامة لنها موثقة بكاميرات الجلادين والضحايا وكاميرات قوى اقليمية ودولية اخرى والأخيرة سوف يظهرها التاريخ حين يحين موعد نشرها ومما زاد من فظاعتها أنها ارتكبت ضد مواطنين عزل مسالمين لم يحملوا السلاح ولم يؤذوا أحدا بل حملوا قضية الوطن وأكفانهم على كتوفهم نيابة عنا جميعا ، ثم انها ارتكبت بتعبير اهلنا في السودان قبايل العيد ( وما أدراك ما هي) اذ أنها ارتكبت في العشر الأواخر من رمضان وفي وقت تنزل الله سبحانه وتعالى الى السماء الدنيا ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” ، علما بأنه تم اغتصاب بنات داخل مسجد جامعة الخرطوم ويا للهول . وسوف يأتي اليوم الذي يروي فيه الشهود كل ما رأوه بأعينهم وسمعوه باذانهم . أما الخذلان الذي لا يغتفر فهو طرد الثوار من داخل القيادة العامة وقفل أبوابها ليواجهوا مصيرهم المحتوم ، وتم كذلك حرق الخيام وطمس ومسح كل جداريات الثورة العظيمة قبيل بيان البرهان .

  4. قطعة ادبية قمة الروعة من اديب اريب تستحق ادراجها ضمن المنهج التربوي لابناءنا الطلاب.

  5. قطعة ادبية قمة الروعة من اديب اريب تستحق ادراجها ضمن المنهج التربوي لابناءنا الطلاب.يسقط عملاء محور الشر

  6. الزول دا زمان كان ضد الثوره وبيشكر العسكر.
    الجد شنو. والا الكيزان بيلمعوا فيه عشان لو انقلاب العسكر فشل يجيبوه فى حكومة الثوره. ويقوم يشق صف الثوره زى ما ناس جبريل واركو مناوى شق صف الحريه والتغير
    تبا لكم أيها الارزقيه

    1. جيب مرة واحدة شكر فيها العسكر ؟
      مقالاتو مبذولة امامك في الراكوبة على الانترنت …
      وما بتقدر وحتكب الزوغة لأن الهدف هو فقط التشكيك والزوغان كعادة الكيزان …

  7. العدو – واحد وهم عسكر اللجنة الامنية – الذين ناصرو الكيزان لسقاط حمدوك قصيرى نظر – بيان تجمع المهنيين يمنح العدو الدافعية لبعاد حمدوك المطالب بعودة الوضع الى ما قبل 25 اكتوبر — نختلف كمدنيين – ولكن دعونا نتفق ضد عدو واحد وهو البرهان وزبانيته
    سوف لعام ونصف دعوة الشيوعيين لاسقاط الحكومة المدنية
    يؤسف لبيان تجمع المهنيين الهزيل الموقل فى المصالح الذاتية بعيدا عن هم الوطن .
    انتظرو 30 عاما من حكم البرهان وحميدتى وبسبب الغباء السياسى والجرى وراء المصالح الحزبية

  8. انت يا الهادي هباني كضب كضب شديد وكلامك ده مجرد تجاره ثمنها معروف .
    لو عندك رجاله مع العسكر وحميدتي تعال اثبت لينا هنا مع الثوار علي الارض وفي الميدان.
    الورجقه الكتيره في الميديا ما ح تحقق ليك رغباتك يا غبى

    1. فعلا من اين اتى هؤلاء…
      و لكل ظالم نهاية تليق به و بظلمه و فساده.
      و هل العسكر و حميدتي رجال يا هبنقة.
      انتظار الغباء مخرج.
      كيزان حرامية عليهم من الله ما يستحقون.
      و لا يحيق المكر السيء الا باهله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..