مقالات وآراء سياسية

الجنرال في متاهة النبوءة!

أحمد الملك

عدم الالتزام بتنفيذ هيكلة الأجهزة الأمنية، وابقائها بكل منسوبي النظام السابق كان جزءا من خطة الانقلاب، ثم تتالت الخطوات بلقاء نتنياهو، وتعويق كل محاولات الحكومة المدنية لتحسين معاش الناس، وللمضي قدما في تفكيك النظام السابق وبناء دولة العدالة والحرية والقانون.

من أجل الوصول للنقطة الفاصلة في نبوءة والده، لم يكن من بد أمام الجنرال سوى الانقلاب، ظل مثابرا على المشاركة في اية انقلاب عابر، يبطئ في خطواته ويعكس اتجاهها للخلف، حين تتعثر خطوات الانقلاب، وتتسارع خطواته حين يحين قطاف الثمرة بعد فض الاعتصامات!
لم تشر النبوءة الى صناديق انتخابات، اختارت النبوءة اسهل واقصر طريق لتتحقق، دون المرور بأية عوائق مدنية: صندوق الذخيرة.

ربما كان ذلك أيضا هو الطريق الوحيد المتاح، فالجنرال الذي لا يملك مواهب مدنية كثيرة يشترك مع جيش خبرائه (الاستراتيجيين) في عدم الثقة في المدنيين، هم بالنسبة له مجرد شماعة لتعليق كل الأخطاء عليها، بدءا من ثقب الأوزون وانتهاء بإغلاق الميناء والطريق القومي، فإغلاق الطرق الذي يتم تصنيفه كمهدد أمني حين يقوم به الثوار، يتحوّل بقدرة العسكر والخبراء الاستراتيجيين الى مشكلة سياسية حين يقوم به الكوز القبلي ترك!
سيكتشف قبل توقيع الوثيقة الدستورية أنها لا تصلح ليس فقط لرعاية انتقال سلس، بل لا تصلح أيضا لتُحقق النبوءة التي تطارده مثل كابوس وطني.

بادر بخرقها قبل أن يجف حبر توقيع زعيم الجنجويد عليها، قائد الجنجويد الذي حرص على رفع الوثيقة الموقّعة للصحفيين بالمقلوب كإعلان متعجل بنية الانقلاب الوشيك.

كان الخرق الأول تعيين رئيس الجنجويد نائبا أولا، ثم توالت الخروقات، كلما اتسع الفتق على الراتق كلما نفذت شمس الانقلاب من ثقوب الوثيقة، حتى يقع الانقلاب لوحده ودون الحاجة لرفع السلاح ، دون الحاجة حتى لمارشات عسكرية، تكفي فقط بعض الأغاني الوطنية! لا حاجة حتى لفبركة انقلاب تمهيدي يزور أحد منفذيه الإذاعة لاحتلالها وبث المارشات العسكرية، فيعتذر المذيع المناوب، فيقبل الضابط الذي يبدو أنه يؤمن ب(المدنية)الاعتذار، لا حاجة حتى لتهيئة الجنود للانقلاب بشن الهجوم على المدنيين واتهامهم بالفشل .

الجنرال يغرق في متاهة المراسيم والمراسيم المضادة، لا ينتبه الى ان صفته الجديدة كقائد للجيش (بعد أن اقال نفسه من منصب رئاسة مجلس السيادة) لا تتيح له اتخاذ قرارات هزلية، فلم يحدث ولا حتى في اكثر منعرجات التاريخ انسدادا، أن اقال قائد الجيش مدير جامعة الخرطوم!

يطلق سراح قادة الكيزان، ترتفع العين الحمراء (الخارجية) فيعيد اعتقالهم ويطرد النائب العام من الخدمة (فوق البيعة)! يعتقل لجنة تفكيك التمكين، فالتفكيك لا يتوقف عند تمكين الكيزان، بل يتخطى الخط الأحمر، ويدخل في دائرة (تفكيكه) شخصيا وتفكيك قائد الجنجويد! خوفا من تفكيك صندوق اعمار الشرق، يغلق ترك الميناء والطريق القومي!

يطرد كيزان الصف الأول، ويعيد كيزان الصف الثاني، يؤمن أنهم لن يزاحموه في الكرسي الذي ارسلته له العناية الإلهية عبر نبوءة والده، يعرف ان كيزان الصف الثاني والثالث لا هم لهم سوى النهب واستعادة مجد التمكين، يعودون بقوة مضاعفة بعد زوال كابوس لجنة تفكيك التمكين!

ربما قرا جنرالنا رواية حفلة التيس للبيروفي الرائع: ماريو بارغاس يوسا، وعرف الكثير من تفاصيل حياة الديكتاتور رافائيل تروخيو الذي نصّب نفسه قائدا للجيش في جمهورية الدومينكان، وعيّن شخصية مدنية رئيسا، مجرد دمية، (يكف) بها عيون (الحاقدين الدوليين) على اتساع إمبراطورية شركاته التي ابتلعت الوطن، فكل من يشرب حليبا أو يشتري سيارة او حلوى لأطفاله أو سروالا داخليا، سيهطل (خراجه) على حسابات الجنرال البنكية!!

ان كان الديكتاتور تروخيو يملك الوطن من خلال شركاته، فالجنرال حظوظه افضل: يملك النبوءة ويملك الشركات! شركات الجيش والأمن! التي تتاجر وتهرّب كل شيء، ذهب يورانيوم، لحوم، حبوب. أسلحة، مصارف، تتحرك في اكثر من 80 بالمائة من مساحة اقتصاد البلد، ورغم ذلك يشكو الجنرال الفاقة، فاقة جنوده، الذين يضطرون للسرقة لمواجهة متطلبات الحياة، قبل لجوئهم للكي بالانقلاب كآخر العلاج!

ان كان تروخيو يملك الكتائب، فلجنرالنا أيضا كتائبه وجنجويده، لديه كتائب استراتيجية، خبراء استراتيجيون، (يحلّلون) كل شيء (حتى المكروه عمدا)، ويسدّون عين شمس (الفضائيات)

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..