إهْتِزَازَ العَدالَة.. أمْ السَّلامَة.. أمْ غيَابَهُمَا!!

دنيا دبنقا
في السابع والعشْرين من ديسَمبر للعَام المُنصرِم، قُتل نظاميان وجُرح أربعة، بينهم ثلاثة من الشرطة، إثر مُطارَدة نظامي مُسلح، لمُواطِن إحْتمى بمبَاني محْكمة جنَايات بَلدية نِيالا، بجُنوب دارفور، بسَبب نزَاع أرْض بيْنَهما، حسب تصريحات صحفية لمسؤولين؛ فدعونا أولاً نترحّم على من فقدُوا أرْواحهم، ونُواسِي أهَاليهم وذوِيهم على الفقد الجلل، ونسْأله تعَالى عاجِل الشِفاء للجرْحَى؛ فالمُتتبع لمُجْريات الحادثة التي شهِدتْها المحْكمة، ومَا أحْدثته مِن هَرَج ومَرَج وإضّطرَاب، لا ينبِْغي لنا تفويته دون قراءَته عبْر زوَايا مُتأنيّة، فبدْءاً نُدينها، وغيرُنا من أصْحاب الضَمائر الحيّة، سيُدِينُونها بأقْوى عِبارَات الشجْب والإسْتنكار، لأنّها كشَفت وأزاحَت السِتار عن عوْرات النِظام المُتناسلة، فالحَادثة تُخالف كُل القوَانين والتشْريعات السَماويّة والإنسانيّة، ولمْ تألفَها النُفوس المُؤمنَة، بقيم العدَالة والحَقّ والحُريّة وإحْترامَ الآخَر، وبالطبْع إهتزت لها نفُوس الكثِيرين- وفزِعت منها، وهو ما يُنبؤ إلى إهْتزاز العدَالة وإجْراءات السَلامة الأمنيّة- إن لمْ نقُل: إنّها غائبة، بمُؤسّسات الدّولة، وإلاّ فمَا الذي يدفع شخْصاً يحْمل سِلاحاً ناريّاً، يَعتدِي على أشخاص، تُؤدّي إلى قتل بعْضهم وإصَابة آخرين، ومنْهم من لا ذنْب له سِوى أنّه دخل إحْدى دُور العدالة، إعْتقاداً منْه أنهَا ستُوفرهَا له، لكنّه لم يسْلم ولمْ يجِد العَدالة، قد تحقّقت له، ونأمُل تحْقِيقهَا بأسْرعْ ما يُمكن، لأنّ عَبَط السُلطة وغَبائِها، جعَلنا لا نُصدّق تصْريحَاتهم، وليْس تجَنّياً أو تَعدّياً إذا مَا قُلنا: إن السُلطات، تدّعي زُوراً وبُهتاناً، توفيرَها سُبل الحِماية والأمَان، للداخِلين إلى المُؤسسَات، وتمْتلؤُ حلاقيم قِياداتها عقِب كل حادِثة، كذباً وتضْليلاً للرأي العام، أنها تقُوم بواجبَها بما فيه الكِفايَة، وتوفّر الحِماية للداخِلين والخارجين، من وإلى المحَاكم، ما يدْعُونا إلى التسَاؤل.. هل أخْضعْتُم الدَّاخِيلين للمَحْكمة، إلى إجْراءَات التفْتيش والسّلامَة؟، وإلاّ فكيْف لشخصٍ يحْمل السِلاح، ويتجرّأ بالدُخُول إلى المَحْكمة؟ دُون توْقيفِه وتجْريده ممّا يحْمل من أسْلحَة، ومِن البدِيهي أنّ كلّ إنسَان، في ظل دَولة القانُون والعدالة، يعْرف أنّ الدَّاخِلين إلى المُؤسّسات، يتمّ التأكُّد من عدَم حَمْلهم للأسْلحة البيْضاء، فكيف بمَن يحْملون الأسْلحة الناريّة؟!، ذلك لتحْقيق السَلامَة للجَميع، ومِن هُنا نعْتقد أنّ الذي لا يكُون صَادقاً وأمِيناً مع شعْبِه، لا يَصْلح أن يُوفّر لهم سُبل الأمن والحماية، وأسْتأذنَكم هُنا لنتذكّر، مقولة سيدنا عمر بن الخطاب، أحد الخُلفاء الرَّاشِدين، رضي اللهُ عنْهُم، وهُو يلَخّص لنَا وظيفة الحَاكم، في قوْله: “وُلّينا على النّاس لنَسُدّ لهُم جَوعَتهم، ونُوفرَ لهُم حِرْفتَهم، فإنْ عَجِزْنا عَن ذلِك إعْتزلْناهُم”، وفي مقالةٍ أخْرى لهُ، قال: “أخْشَى أن يسْألنِي اللهُ، عَن بغْلة تعْثر في العِراق، لِمَا لمْ أسوّي لهَا الطرِيق” فكيف بأرْواح أُزْهِقت!؟ ودماء أُسِيلت!؟- أيْ أنّ الحُكّام قد وُلُّوا على النّاس: ليَسدُّوا لهم جَوْعتهم، ويُحقّقوا لهم أمَنهم، ويوفِّرُوا لهم حِرْفتهم، ومن قبْل تؤكدّه آياتٍ كَرِيماتٍ: “الذِّي أطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وآمنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”، فمتَى ما توّفرتْ هذِه القاعِدة، ستُحْترَم الحُكُومَة والدّولة، ومُؤسّساتِها الخدَميّة، نَاهيكُم عن مُؤسسَاتٍ تتعَلق بتحْقيق العَدالة وإحْقاقها لأهلِها، فَهِي الأوْلى بالمَعْرُوف عن غيْرها، وألاّ يدْخُلها داخِل إلاّ بعْد إجراءات السَّلامة، فَويْحَكم يا هؤلاء! أمَا كان لكُم الإقرَار والإعْترَاف، بعَدم توْفيرِكم للأمَان!، لأنّ الإعْترافَ بالذنْب فضِيلة، وعَونٌ لوضْع الحَد لهذِه الظواهِر، وتاريخ ذاكِرة دارْفُور، مُنذ عَشيّة إنْقلابَ الإنْقاذ، مليئةٌ بقصَص إقتحَام المَحَاكم والمُؤسّسات، ولا تحْتاج منَّا لأدلّة ومُصوِّغَات، لأنّه ليْس بالأمرِ الجَديد، فقبْلاً قد أخذَ بعضٌ من النّاقمِين جُناةٍ عُنوةً وإقتدارا، من داخِل إحْدى المحَاكم بنيالا، فكيْف لكُم أن تُلْدغُوا مرة أخرى من ذات الجُحْر!، ألسْتُم بمُؤمِنين؟!، وألمْ تُعلّمُونا في مدارِسكم أنّ “المُؤمِن لا يُلدغُ من الجُحرِ مرَّتيْن”؛ بيْد أنَّ الأنْكى والأمرَّ- فالسُلطات في تصْريحاتِها، لمْ توجِّه أصابع الإتّهام إلى أيّة جهة، وترَكتْ البَابَ مُوارَباً، ثمّ حَمّلتْه للكشْف الجَنائي، ممّا سيفْتح نفّاجاً للتكهّنَات، وهكَذا تتسَاقط القضايا والحُقُوق، طَالمَا أنّ دَواهِي الأزْمة السُودانيّة لم تقْتصِر تجليّاتها عَلى القتْل والتشْرِيد، وإمْتدّت آثارها فسَاداً وسَلباً لقُوت الشعْب، كمَا ظهَرت آثارها باكِراً ضِيقاً ومهْزلةً على حيَاة المُجْتمع، ولن تجدَ بيْتاً سُودانيّاً قدْ سَلم من عُوارِها الغائِر، الا الذّين لم يُؤْمنُو ولمْ يعْملُو الصَّالِحات، فوَلغُوا في هَبرِه لغفاً وسُحْتاً، والمُجْتمع مَغلُوب على أمْره، لأنه مُنذ أن إصْطَلح بعْضٌ من جمَاعة- الدّكاكِين- أو رُخص التجَارة- السِياسيَّة، وألبسُوا الحُكْم ثوباً وَطنياً، ظنّوا أنّهم يُمارِسُون السِياسَة، ويُقيمُون العَدل بيْن الوَرَى، مِن لدُن أوّل حُكومة وطنيّة، إلى آخر مجْموعة- سَطتْ بلَيْلٍ على الحُكم، لكنّ جَميعَهم ظلُّوا يُمارسُونها على طريقة المَنلوج، بل الدِّيكور والترْمِيز التضْليلي، لذوي السَّفه السُلْطوي، ممّا جعَلت هذه الثلة تظنّ أنها وطنيّة، لكنَّها مَا هِي إلا مجْموعة جمَعَت بيْنهَا المَصالِح الذاتيّة، وستُفرقهَا بِلا شَك- شأْفة الحُكم والسُلطة، التِي طالمَا تُدار بالسيْطرة عَلى ثُلاثيّة: القبيلة، الأمْن والإقْتصَاد؛ لا عَلى ثُلاثيّة: العَدَالة، الصّدق والأمَانة؛ وكأنّمَا عمَدُوا في إدَارة البِلاد، عَلى الجَمْع بيْن الأخْتيْن وأمّهمَا، للمزيد من السيْطرة، تمْهيداً لسرِقة موَارده- وقدْ كان، وليْس تحْقيقاً للعدَالة، ولمّا وُلّيَ الأمْر لغيْر أهله، فلننتظر الساعة، وبنِي وطَنِي مَغْلوب على أمْرِه، وبَات غيْر مُهتمّ بقيَم القوْميّة والوَطنيّة والحُريّة، وغيْرها من مُفْردات سُوق العَدالة الإنسَانيّة، وصَار لاهِياً ومُنْصرفاً إلى شُؤون معَاشِه، كَافِراً بقضَاياه الأسَاسيّة الأخْرَى، وكعَادة أهْل الحُكْم والتزلّف، والذِين مردُوا على بيْع الأحْلام للبُسَطاء، يُبرّرون سوْءاتِهم ويُحمّلونها وفْقاً لنظريّة المُؤامرة، التي ظلوا يُردّدونهَا لرُبْع قرنٍ من الزّمَان، كلمَا إدْلهمّت الأمُور، ليصْرفونا عن القضَايا والهُموم الوطنيّة.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..