أطفال السودان على حافة اخطر كارثة الانسانية في العالم

مع تجاوز الصراع في السودان حاجز الـ 300 يوم، تواجه البلاد أزمة إنسانية لا مثيل لها، حيث يتحمل أطفالها وطأة الدمار والتشرد والنزوح واللجؤ والجوع عطفا عن المرض. ولم تتسبب الحرب في كسر المجتمعات فحسب، بل عززت أيضًا سيناريو كارثي يتسم بتفشي سوء التغذية، مع الانهيار شبه التام للبنية التحتية المتهالكة للرعاية الصحية، وأزمة نزوح الأطفال التي تعتبر الأكثر خطورة على مستوى العالم.تكشف تقارير اليونيسف الواردة من المناطق التي يمكن الوصول إليها عن واقع مؤزي ومؤسف جدا لطبيعة وحجم الماساة التي يعيشها الاطفال واسرهم المغلوب علي امرها، مع ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو الشكل الأكثر فتكاً من سوء التغذية. ومع ذلك، فإن مناطق القتال التي يتعذر الوصول إليها، والتي تنقطع عنها المساعدات الإنسانية، هي التي يصبح الوضع فيها أكثر خطورة مما يتصوره العقل البشري. ومن المتوقع أن يواجه ما يقدر بنحو 3.5 مليون طفل سوء التغذية الحاد هذا العام، حيث يعاني أكثر من 700,000 طفل من سوء التغذية الحاد، مما يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى رعاية متخصصة ومتواصلة منقذة للحياة.وتفاقمت أزمة النزوح، مع نزوح 3 ملايين طفل جديد بسبب الأعمال العدائية المستمرة، إضافة إلى مليوني طفل من الأزمات السابقة. وقد أدت هذه الزيادة إلى أعلى عدد مسجل من الأطفال النازحين داخليا في جميع أنحاء العالم. ان الظروف الانسانية البائسة المتراكمة وغير الصحية في مخيمات النازحين، جعلت هذه المناطق بؤراً للأمراض، مما أدى إلى تفاقم المخاطر التي يتعرض لها الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والذين هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.إن نظام الرعاية الصحية هو الاخر يترنح بسبب النزعات وبات على وشك الانهيار التام، حيث أن 70٪ من المرافق الصحية في مناطق النزاع لا تعمل، كما أن العاملين في مجال الرعاية الصحية لم يتقاضوا رواتبهم لعدة أشهر. إن تصاعد تفشي وباء الكوليرا، إلى جانب انتشار مرض الحصبة بين المناطق ذات الكثافة السكانية العالية للأطفال النازحين، يسلط الضوء على أزمة الصحة العامة الملحة التي لا تحتمل التاخير.ودقت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف، ناقوس الخطر، مؤكدة على المزيج القاتل من سوء التغذية والنزوح والمرض. وتدعو بشكل عاجل إلى “وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام ودون عوائق عبر خطوط الصراع والحدود”، إلى جانب الدعم الدولي للحفاظ على الخدمات والأنظمة الحيوية التي يعتمد عليها بقاء الأطفال.إن آفاق الأمن الغذائي وخيمة، حيث وصل الجوع إلى مستويات غير مسبوقة خلال موسم الحصاد هذا العام. ويهدد موسم العجاف الوشيك بإغراق المناطق الرئيسية في مجاعة كارثية ما لم يتم تضافر وتعزيز الجهود الإنسانية بشكل كبير وغير تقليدي.وباعتبارها المزود الحصري للأغذية العلاجية الضرورية لعلاج سوء التغذية الحاد الشديد، تعمل اليونيسف، بالتعاون مع شركائها، على تصعيد استجابتها لمنع وقوع خسائر فادحة في أرواح الشباب. وتشمل هذه الاستجابة نشر فرق الصحة والتغذية المتنقلة، وبدء حملات البحث عن العلاج، ودعم العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية لتفادي الانهيار التام للخدمات الصحية الأساسية للأطفال.ومع كل تلك الجهود الجبارة المبزولة من اليونسيف وشركائها، فإن حجم الأزمة هائل، حيث أن نصف عدد الأطفال في السودان، أي 14 مليون طفل، في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية. وتمتد خسائر الصراع إلى ما هو أبعد من الصحة البدنية، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على سلامة الأطفال وتعليمهم، مما قد يؤدي إلى عرقلة مستقبل 19 مليون طفل في سن الدراسة.ووفقا لخطة استجابتها الانسانية في عام 2024، تسعى اليونيسف للحصول على 840 مليون دولار لمساعدة 9.9 مليون شخص، بما في ذلك 7.6 مليون من الأطفال الأكثر ضعفاً في السودان. ومع ذلك، فإن الاستجابة لهذا النداء كانت غير كافية إلى حد كبير، حيث تمت تلبية 28٪ فقط من نداء عام 2023. إن نداء راسل بمثابة تذكير قوي : “لا يمكننا التخلي عن أطفال السودان”. وبدون اتخاذ إجراءات سريعة وزيادة الموارد، يواجه السودان كارثة أجيال لها آثار بعيدة المدى.وفي خضم التحديات التي لا تعد ولا تحصى التي نشأت عن هذا الصراع، ألقى إغلاق خدمات الاتصالات والإنترنت، إلى جانب انقطاع الكهرباء على نطاق واسع، بظلال عميقة على حياة أطفالنا. ولم تؤدي حالات انقطاع التيار الكهربائي هذه إلى قطع اتصالهم بالعالم الخارجي فحسب، بل عطلت أيضًا تعليمهم وأثرت بشدة على سلسلة توريد الأدوية، مما أثر على تخزين الأدوية المهمة. إن عدم إمكانية الوصول إلى موارد التعلم عبر الإنترنت، بالإضافة إلى عدم القدرة على الحفاظ على خدمات الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك الحفاظ على الأدوية الحيوية، يضيف طبقات من التعقيد إلى الوضع الإنساني المتردي بالفعل. بالنسبة للأطفال الذين يتحملون بالفعل وطأة النزوح وسوء التغذية، فإن هذه العزلة المتفاقمة وانعدام أمن الرعاية الصحية تمثل عوائق كبيرة أمام نموهم ورفاههم. وبينما نتعامل مع هذه الأزمة، من المهم أن نعترف بالتأثير الواسع النطاق لعمليات الإغلاق هذه على الاحتياجات النفسية والتعليمية والصحية لأطفالنا. إن الدعوة إلى استعادة هذه الخدمات الأساسية وصيانتها أمر حيوي، لضمان بقاء أطفالنا على اتصال بالعالم، وحصولهم على التعليم المستمر، والحفاظ على سلامة نظام الرعاية الصحية لدينا، وخاصة توافر الأدوية المنقذة للحياة. وهذا أمر بالغ الأهمية للتخفيف من الآثار الطويلة الأجل لهذا الصراع على حياتهم ومستقبلهم.تظل الدعوة إلى وقف إطلاق النار والسلام تتجاوز مجرد الرغبة في وقف القتال؛ إنه نداء عاجل من أجل مستقبل جيل كامل. إن الإجراءات التي سيتخذها المجتمع الدولي في المستقبل القريب لن تحدد بقاء الملايين فحسب، بل ستعكس أيضا إنسانيتنا الجماعية في مواجهة الشدائد العميقة.وفي مواجهة هذه الأزمة المتصاعدة، فإننا كسودانيين نقف عند منعطف مفصلي. إن مسؤولية صياغة طريق نحو السلام وإعادة بناء أمتنا تبدأ منا. ومن الضروري أن نتحد، ونتجاوز الانقسامات السياسية والعرقية والإقليمية، للدعوة إلى وقف الأعمال العدائية وإقامة حوار يشمل جميع الأصوات المؤمنة بالسلام سعياً إلى التوصل إلى حل مستدام. ويجب أن يمتد جهدنا الجماعي أيضًا إلى دعم مبادرات المساعدات الإنسانية، وضمان حصول من هم في أمس الحاجة إليها على المساعدة التي يحتاجون إليها بشدة. وكما نعرب عن امتناننا العميق لجميع الوكالات الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني الذين سعوا بلا كلل لتقديم الإغاثة والدعم وسط التحديات الهائلة. إن تفانيكم وتعاطفكم لم يمر دون أن يلاحظه أحد، بل انتم محل فخر واعتزاز وفي صلب دعوات كل سوداني، فجهودكم هي منارة أمل في هذه الأوقات المظلمة العصيبة. ويجب علينا الاستفادة من كل منصة متاحة لنا، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى المنتديات الدولية، لتوصيل صوت محنة أطفالنا والكارثة الإنسانية التي تتكشف يوما يعد يوم. ومن خلال تعزيز الشعور بالوحدة والهدف المشترك، يمكننا أن نبدأ في تضميد الجراح العميقة التي أحدثها هذا الصراع وتمهيد الطريق لمستقبل تتاح فيه لكل طفل سوداني الفرصة للعيش في سلام والحصول على التعليم والازدهار. إن الرحلة المقبلة محفوفة بالتحديات، ولكن بالمرونة والعزيمة والصبر وقبول الاخر والتضامن والسعي الدؤوب لتحقيق السلام، يمكننا أن نخرج من هذه الأزمة أقوى وأكثر اتحادا من أي وقت مضى. إن أطفالنا، مستقبل السودان، لا يستحقون أقل من ذلك.



