مقالات وآراء سياسية

بطاقات مشعثة (23)

معتصم الحارث الضوّي

(1) جدلية هيغل Hegelian Dialectic

تتحكم الحكومات في الشعوب بتطبيق عمليات متتالية:

أولا : خلق المشكلة. تخلقها الحكومة وتنسبها لآخرين.

ثانيا : خلق رد الفعل عن طريق إعلام يقودُ الرأي العام نحو الحل الذي ترغب به السلطات، فيطالب الناس بحل المشكلة حتى وإن كان الثمن تطبيق إجراءات/تشريعات يصعب قبولها في الظروف العادية.

ثالثا : تقديم الحل، إذ تلعب الحكومة دورالبطولة، و”تستجيب للمجتمع”، وهي في الواقع تحقق غاية سعتْ لها قبل خلق الأزمة!

النتيجة : يتخلى المجتمع عن حقوقه وحرياته لأجل وهم الحماية والمساعدة، والأدهى والأمرّ أنه يشعر ب “العرفان” للحكومة لاستجابتها، والزهو لأنه استطاع “الضغط” عليها!

ارتعبَ ساخِروف وهتف: إنك تكشف أبجديات ترويض الشعوب! ألا تخاف؟!

 

(2) لا أملُّ تكرار القراءة لرواية أرض النفاق العظيمة التي كتبها يوسف السباعي، ودون إفساد لمتعة القراءة فإنها تتضمن مشهدا حيث يضع بطل القصة مسحوق الصراحة السحري في مصدر المياه العمومية.

قفز ساخِروف من مقعده وهو ينتفضُ غضبا : الساسة لدينا لا تؤثر فيهم أي مساحيق سحرية، بل ولا سحر هاروت وماروت!

 

(3) قرأتُ قديما عن مصطلح “طُز”، وكيف تطوّر معناه من “ملح” باللغة التركية إلى مصطلح استحقار أو عدم مبالاة في اللهجات العربية الحديثة.

بصراحة، كنتُ اعتقدُ أن المسألة تُقال من باب الطرائف، ولذا كانت دهشتي عارمة عندما سافرتُ لأول مرة على الخطوط الجوية التركية وتيقنتُ من الأمر.

رمقني ساخِروف بنظرة عجيبة وقال: الأعجب كلمة “صعلوك”، وليت صعاليك اليوم كأسلافهم!

 

(4) كثيرا ما نرى شيخا مُعمما يفتي في مسائل مصرفية دقيقة فيأتي بالأعاجيب، ولو سنحت الفرصة لسؤاله لاكشتفتَ أن الرجل لا يتقن الأبجديات فيما أجاب، وهذا يطرح تساؤلا مُلحا عن ضروة تطوير المناهج في الكليات الشرعية.

لعل تضمين المناهج قدرا مُعتبرا عن علوم الاجتماع والنفس والأنثربولوجيا والاقتصاد والقانون والجغرافيا والتاريخ والفلسفة، إضافة إلى التخصص الدقيق في علمين دنيويين –إلى جانب العلوم الشرعية- سيكون للفائدة العامة، ويحمينا من ترهات الفتاوي التي تشيب لها العقول.

فركَ ساخِروف يديه مُتحمسا: يعني في أمل، مش كده؟!

 

(5) تراهم يذبلون ببطء، ويستسلم أحدهم للفراغ، فتتقلص الأحلام تدريجيا حتى يصبح الموت غاية المنال بسبب السأم الذي أضحى رفيق الليل والنهار.

أقولُ : بلوغ سن التقاعد ليس نهاية المطاف، وليس بالتأكيد شهادة موت مؤجلة كما تعتقد أجهزة الدولة الديوانية والمجتمع المتخلف!

الحل في الاستفادة من تراكم الخبرات لدى المتقاعدين، وتوفير أُطر لتوظيفها في مهام استشارية ونقلها إلى الأجيال الصاعدة، ومنحهم فرصا للعمل الأرضي أو الأثيري تتسق وظروفهم الأسرية والصحية. لا تقتلوا الناس قبل آجالهم بسبب الاغتراب النفسي!

تطلّعتُ إلى ساخِروف فوجدتُهُ يلتفتُ جانبا وهو يحاولُ إخفاء دمعة.

 

(6) يفترض أحدهم شيئا ما، وبناء عليه يصدر الأحكام القاطعة بأن الأمر كذا لا محالة. تسمى مغالطة فرْضِ الصِحة Begging the question fallacy

هذه ظاهرة خطيرة وشائعة للغاية؛ بين العوام والمثقفين على حد سواء، ولكن خطورتها الأعظم عندما ينتهجها الساسة أداة للاستنباط، فيصبحُ الأساس معطوبا، والبناء بأكمله قصرا من قشور البيض!

من يخبر أمثال هؤلاء أن افتراضك ليس أساسا للحكم لأنه مجرد تنبؤ أو تكهّن، ولذا لا ينبني عليه أي شيء.

عالجوا عقولكم قبل أن تعالجوا شؤون الوطن!

رنا إليّ ساخِروف بحُزن وقال : ما أطول القائمة التي نحتاج معالجتها!

 

(7) وطني

يوسف مصطفى التنيّ

وطني شَقـيـتَ بشِيبهِ وشبابِهِ

زمناً سقاكَ السُمَّ مـن أكوابِهِ

قد أسلموكَ إلى الخرابِ ضحيّةً

واليومَ هل طربوا لصوتِ غُرابهِ؟

وطني تَنازعَه الـتحزُّبُ والهوى

هذا يكيدُ لهُ وذاكَ طغىَ به

ولقد يُعاني مِن جَفا أبنائهِ

فوق الذي عاناهُ من أَغْرابهِ

بالأمسِ كـانوا وحدةً فتفرّقتْ

فَسَطا الـمُغـيرُ بظُفره وبنابهِ

واليومَ هُم شِيَعٌ تُنافسُ بعضَها

في رِقّها لمسوَّدٍ أو نابهِ

حتى الذي نزفَ الدماءَ مُسخَّراً

كالطيرِ حَفُّوا خُشَّعـًا بركابهِ

كم أُوهمَ الدهماءُ فيهِ فأمّلوا

في العالم الثاني جزيلَ ثوابهِ

ومشتْ زُرافاتُ الحجيجِ لبابهِ

فكأنما البيتُ الحرامُ ببابهِ

وطني يعيثُ بهِ العدوُّ ولا ترى

مِنْ دافعٍ عن حَوْضه ورِحابهِ

وإذا انبرى ليذودَ عن سُودانهِ

البارعُ الـمِقْدامُ مـن كُتّابِهِ

لم يعدمِ الشرُّ الدخيلُ جـماعةً

لـتُرتّلَ الأمداحَ في محرابهِ

وطني أُصـيبَ بمعـشـرٍ آواهمُ

وأظلَّهـم فسعَوْا ليومِ خرابهِ

لو طُهِّر السـودانُ من دُخلائهِ

لـتَطهّرَ السودانُ مـن أوشابهِ

لهفي على السودانِ من دُخلائهِ

لهفي على السودانِ من أحزابهِ

حدجني ساخِروف بنظرة ناقمة وصرخ: ما زالت تنطبق على الواقع رغم انقضاء تسعين سنة على صوغها. أيُ شعب نحن؟!

 

[email protected]

معتصم الحارث الضوّي

معتصم الحارث الضوّي استشاري مستقل لتقديم الاستشارات في الإعلام والعلاقات العامة. يعمل أيضا (بصفة تطوعية) مديرا للإعلام والعلاقات العامة في المنظمة الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص- لندن، وعضوا في المجلس الاستشاري لقناة نادوس. * مدير الإعلام والعلاقات العامة لدى مركز لندن الدولي لتطبيقات القانون الدولي سابقا. * المدير العام بالإنابة وكبير مقدمي البرامج لدى قناة شبكة الأخبار العربية (ANN) سابقا. * مدير مكتب صحيفة "كل العرب" القاهرية في لندن سابقا. * مدير تطوير الأعمال في الشرق الأوسط- شركة (RR Donnelley) الدولية سابقا. عضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب السودانيين. عضو مؤسس والسكرتير الإعلامي سابقا في اتحاد الكتّاب والإعلاميين السودانيين في المملكة المتحدة. عضو مؤسس وسكرتير الإعلام والعلاقات الخارجية في رابطة الصحفيين والإعلاميين السودانيين في المملكة المتحدة وإيرلندا سابقا. مؤسس ومدير جمعية "ثقافة تبحث عن وطن" في بريطانيا منذ سنة 2009. مؤلف 3 كتب، وترجم 5 كتب، كما أشرف على تحرير 14 كتابا. حصل على تكريم سنة 2013 من الاتحاد العربي للإعلام الإلكتروني، وسنة 2009 من منتدى الصحافة العالمية، وسنة 2008 من الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب للتميّز في الترجمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..