محمد إبراهيم نقد : إسطورة الظل

فى الذكرى السنوية الأولى لرحيله
محمد إبراهيم نقد : أسطورة الظل

فى العام 1930م ولد الراحل محمد إبراهيم نقد بمدينة القطينة ذات الرمال البيضاء والتى حظيت بتعليم المرأة المبكر فكانت والدته عائشة عثمان من أوائل اللآئى نلن قسطاً من التعليم حيث كان الأبن البكر لأبويه كما إنه البكر لإعمامه وخالاته فكان الأبن البشارة والأخ الأكبر لتسعة أشقاء هم : محمد ، فاطمة ، آسيا ، حبوبة ، فائزة ، آمنة ، عبد الله ، سعاد وسيد وهناك حيث الحيشان الواسعة والترابط الأسرى ، صاحب جده وهو طفل للزراعة كما صاحبه لحفير مشو حيث الجذور ثم صاحب عمه من جهة الأب وهو إبن الخامسة لمدينة حلفا القديمة حيث يعمل عمه محمد على نقد ضابطاً للجمارك ثم تلقى تعليمه الإبتدائى والأوسط بمدينة حلفا مع عمه بقرار من الجد نقد بأن يذهب مع عمه خريج كلية غردون لضمان إستمرارية تعليمه ليطرح هنا سؤالا هاماً هل قراء الجد فيه شيئاً مبشراً؟ ومن حينها لاحت دلائل الفطرة السوية وعمق الإرتباط بالوطن كيف لا وهو الطفل الذى حظى بحب الجميع وأحاطوه بعلمهم ومعارفهم لينهل منها حكمة الأجداد وعبقرية الأعمام ، إن نظرة الجد العفوية البعيدة فى ذاك الوقت لها أبعادها فالإنتقال لمدينة حلفا وطابعها المييز ثم الحياة بحى الموظفين إضافة لزخم مؤتمر الخريجين حيث كان العم محمد على نشطاً فى هذا الجانب كل هذا أثر فى تكوينه ورسم ملامح الشخصية القيادية فى سنواتها الأولى.
ثانوية حنتوب : هاجس الإستعمار المخيف
فى العام 1947م إستقبلت ثانوية حنتوب الطالب نقد فاردة ذراعيها لعقل مبدع وروح قائد وهذا إنتقال جديد لمنطقة الجزيرة بزخمها الإنتاجى والبشرى ثم جيل حنتوب الجامع والمتنوع والذى يمثل كل السودان ومن هنا برز التشكل السياسى والقناعات الفكرية زائداً فترة الزخم الوطنى ومقاومة الإستعمار وفى الثانوية العريقة كان يتردد على داخلية أبو لكيلك والتى كان يسكنها صديقه إسماعيل حسن أبو شقيق الدكتور أبو حسن أبو ولم يكن يدرى أن عدداً من الطلاب ينظرون إليه بإنبهار شديد فإنتهزوا فرص تواجده وتعرفوا عليه لتتواصل حبال الصداقة حتى نهايات العمر وكان هؤلاء هم الأستاذ فاروق أبو عيسى والأستاذ عبد الله ابو عاقلة الذى أصبح فيما بعد من أشهر قضاة السودان وما لفت نظرهم إليه ثقافته العالية مقارنةً بعمره الصغير وضحكته المميزة والجميلة فشاركوه الأنس وكان يحدثهم فى الأدب والشعر وتفاكروا فى أحوال الوطن الجريح ثم إنضم إليهم شمس الدين حسن والذى أصبح شاعراً بعد ذاك أما نقد فكان يتغنى لحسن عطية وغيره قال عنه من عاشروه فى تلك الفترة : هو شخص ذكى ولماح وطيب العشرة ناجح فى إقامة الصداقات ويقول الأستاذ فاروق أبو عيسى عن تلك الأزمنة : فى العام 1949م طالبت حركة الطلبة السودانيين بإدارة وزارة المعارف آنذاك بالسماح بتكوين إتحاد عام للطلاب السودانيين لكن قيادة وزارة المعارف رفضت فقرر الطلاب عامة والشيوعيين بشكل خاص أن ينشأ تنظيم سرى للطلاب تحت مسمى مؤتمر الطلبة السرى ويشار إليه ب(م . ط) وكان التنظيم قائماً على ذات رابطة الطلاب الشيوعيين ونقد عضواً به وإن كنت غير متأكد حيث أن نقد كان فى داخلية أخرى لا تتبع لنا ولأنه (اى التنظيم) سرى وقائم على وحدات صغيرة ويختار أعضاؤه أسماء حركية ولكن أعتقد بما أسمعه من نقاشات معه إنه معنا فى ذات التنظيم والذى كان الأساس الذى تعلمنا منه جميعاً العمل الثورى المنظم.
الإعتقال الأول
والى جامعة الخرطوم عام 1951م جاء من أقصى المدينة رجل يسعى فرحبت به ودخلها نقد وشارك فى المظاهرات ضد المستعمر حيث تم إعتقاله ومحاكمته بالسجن لمدة شهر كما تم فصله من الجامعة وتوقع الجميع بعدها أن ينخرط فى وظيفة ما ولكنه لم يفعل وسعت الأسرة لمقابلته وكلهم فخراً وإعتزازاً به ونظراً لأن مدينة القطينة كانت شعلة إستنارة وعلم خاضت الأسرة معركة عنيفة مع الأستعمار لإستخراج إذن الزيارة وبمجرد خروجه من السجن ذهب مباشرة الى المشفى لإستقبال جثمان عمه المتوفى عبد الله نقد منور ومنها الى فراشه وبعد إنقضاء فترة الحداد إتخذ قراره بالسفر الى بلغاريا لإكمال دراسته الجامعية فى الإقتصاد السياسى والفلسفة وكبداية لهذا القرار الخطير لم يخبر أحداً من أفراد العائلة وحين وصلها أبلغ الأسرة التى لم ينقطع عنها طوال فترة إقامته فيها حيث واظب على إرسال الخطابات هنا يقول الأستاذ فاروق ابوعيسى : حين كان عائداً من بلغاريا إلتقيته فى الإسكندرية حيث كنت أسكن مع أحد أقربائه وهو مأمون محمد عيسى والذى أصبح محامياً مرموقاً فجاءنا نقد زائراً وبعد إنتهاء الدراسة عدنا للسودان ليجمعنا الحزب الشيوعى مجدداً خاصة بعد زواجه من الأستاذة فتحية ودام زواجهم 17 عاماً حيث أصبح صديقاً للأسرة وكثيراً ما كان يأتى لقضاء الأيام معنا فى أمدرمان بميدان الربيع.
الأزمات
قاد الفريق إبراهيم عبود أول إنقلاب عسكرى فى السودان وذلك عام 1958م وكان إنقلابه إستلاماً للسلطة من رئيس وزرائها عبد الله خليل وفى ذات العام تفرغ محمد إبراهيم نقد للعمل الحزبى ولكن النظام الجديد لم يكن أقل رحمة على الشيوعيين حيث أعتقل نقد من مبنى إتحاد نقابات عمال السودان مع الشفيع وقاسم أمين وأحمد الشيخ وهم من القيادات العمالية وأعضاء اللجنة المركزية فقدم حينها لمحاكمة وتم الإفراج عنه بعد البراءة ولكن تم إعتقاله للمره الثانية فى ظل ذات السلطة وكان إعتقالاً تحفظياً وتم ترحيل نقد الى ملكال مع زملاء آخرين ولم تزره الأسره هناك حيث مكث بضعة أشهر حتى قرروا الإضراب عن الطعام الذى أستمر قرابة أسبوع وتمكنوا من خلاله من تعبئة الجماهيروالإلتفاف نحو قضيتهم.
فى الحادى عشر من نوفمبر 1965م تم حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان وتعود جذور المسألة الى ندوة معهد المعلمين الشهيرة التى نظمها الإتجاة الإسلامى وتحدث فيها كل من يوسف الخليفة أبوبكر وسعاد الفاتح وأدارها محمد احمد الفضل وفيها تحدت سعاد الشيوعيين وبعدها إنطلقت المظاهرات ضد الحزب ونادت جبهة الميثاق الأسلامى بضرورة حل الحزب الشيوعى وبالفعل تم إقرار تعديلات دستورية فى الجمعية التأسيسية تحظر قيام الحزب فأجازت الجمعية الأقتراح بالإجماع وهكذا تم حله ومصادرة أمواله وطرد ممثليه من الجمعية التأسيسية.
سنوات الظل
عاد نقد نهائياً للسودان فى العام 1958م حيث تفرغ للعمل الحزبى ومن الملاحظ عدم معارضة الأهل له بل كانوا فخورين به ويحترمون قراراته رغم حاجة الأسرة لمساعدته المادية حيث يعول الأب أسرة مكونة من 9 أفراد وفى الفترة الممتد من عام 1970م _1985م لم يعتقل أبداً ولكنه قضى اغلب السنوات فى الظل وفى ذلك قال : الإختفاء قرار حزبى ، ويذكر أن جعفر النميرى إستولى على الحكم فى السودان عام 1969م بإنقلاب عسكرى أبيض وذلك بعد فترة طويلة من عدم الإستقرار السياسى والإجتماعى ومع أن النميرى حظر بعد توليه الحكم النشاط الحزبى الا أن الحزب الشيوعى السودانى تجاهل القرار وواصل نشاطاته العلنية علماً أنه تمتع آنذاك بنفوذ لا يستهان به فى الأوساط العمالية وفى صفوف الجيش السودانى كما تمتع بتأييد الأتحاد السوفيتى سابقاً والدول الموالية له والواقع أن النميرى حاول فى البداية التعاون مع الشيوعيين حيث ضم عدداً من قادته الى الحكومة التى شكلت بعيد وقع الأنقلاب ولكن بعد حوالى عام أقال النميرى ثلاثة من الوزراء الشيوعيين ثم أبعد ممثلى الحزب عن النقابات العمالية وإتحادات المزارعين والإتحادات الطلابية والنسائية ورداً على هذه الإجراءات أصدر الحزب الشيوعى السودانى فى ربيع عام 1971م بياناً دعا فيه الى إسقاط حكم النميرى وفى ال19 من تموز يوليو قاد الرائد هاشم العطا إنقلاباً عسكرياً وأعلن عن تكوين مجلس قيادة جديد وبعد ثلاثة أيام هرب النميرى من غرفته فى القصر الرئاسى حيث كان محبوساً وأعلن عبر الراديو والتلفزيون إنه عاد ليحكم السودان وفى اليوم التالى أعدم 4 من قادة الحزب الشيوعى وفى مقدمتهم هاشم العطا ثم أعدم عشرة من ضباط الحزب فى الجيش وأعتقل المئات من أعضاء الحزب وقد ألحقت هذه الإجراءات ضربة قاصمة بالحزب الذى شلت نشاطاته لعدة سنوات حتى أعاد تنظيم نفسه.
وما جرى انه تم عقد محاكم ميدانية إيجازية لمحاكمة المتهمين وتم القبض على الرائد هاشم العطا فى مقابر حمد النيل مرتدياً زيه العسكرى وفى ال25 من شهر يوليو بدأت حملة مكثفة للقبض على عبد الخالق محجوب وعقدت محكمة خاصة له برئاسة العقيد أحمد محمد الحسن والذى إعترض عليه عبد الخالق لما يعرف عنه بإنتمائه للقوميين العرب ومعاداته للشيوعيين والتقدميين وأصدر لاحقاً حكم الإعدام عليه ومعه الشفيع أحمد الشيخ الحائز على وسام لينين والأستاذ جوزيف قرنق وقال بعض المعاصرين لتلك الفترة أن المعتقلين تعرضوا للتعذيب الشديد أثناء التحقيق وسيق بعضهم للمحاكمة وهم فى حالة أقرب للموت ثم كانت المطاردات للقبض على الأستاذ التجانى الطيب والأستاذ نقد وهنا كان لابد من العودة للظل مرة أخرى.
ويحدثنا الأستاذ فاروق أبوعيسى قائلاً : فى العام 1984م رتب لى لقاءً مع نقد تحت الأرض فأخذت فى عربة الى بيت فى حى الصافية وكان لقاءً حاراً حيث إجتررنا الذكريات ودار النقاش بيننا فى عدد من المحاور هى الوضع السياسى فى مصر حيث كان نقد حريصاً على معرفة ما يجرى هناك وهذا يدل على إهتمامه للعلاقة بين البلدين رغم إنه لم يتربى فى أحضان الشيوعية المصرية مثل التجانى الطيب بل كان يتهم إنه غير متعاطف معهم وما يحدث يدل على عكس ذلك والوضع فى السودان آنذاك ثم تطوير علاقتى بالحزب الشيوعى وبالتأكيد لم لدى مانع لحبى الكبير للحزب ومعرفتى العميقة بوطنيتهم وفى أثناء هذا اللقاء حضر إلينا الشفيع خضر ولم أكن أعرفه حينها لصغر سنه فلاحظت إهتمام نقد الكبير به وكان الشفيع يمثل الحزب فى مستويات عالية رغم صغر عمره فسألت نقد عنه فقال : هذا شاب له مستقبل فى الحزب وأنا ارعاه رعاية خاصة وتجدد اللقاء مرة أخرى فى العام 1985م فى ذات المنزل بسرية تامة وكان النقاش يدور حول إرهاصات التغيير وتراكم الرفض والمقاومة للنظام وبالفعل ماهى الا أيام وتداعى حكم النميرى وخرج الجماهير الى الشوارع تقودها النقابات لتسدل الستار على أعتى دكتاتوريات القرن الماضى.
سجال الفكر بين حسين مروة ونقد
حين أصدر العلامة حسين مروة كتابه (النزعات المادية فى الفلسفة العربية الأسلامية) تولى نقد قرظه ونشر ما كتب حينها فى صحيفة الميدان حيث إعتاض عن مفردة المادية بالعقلانية فالعقل يناقش ويفحص ومن السهولة أن يقول البعض هذا من تقولات الماديين لكن من الصعب وصم العقلانية بالتقول كذلك ليس فى كتاب مروة ما يشير الى المادية بمعناها الألحادى كما يفسرها المتشددون فأصحاب المقالات والمذاهب الذين أتى مروة بعينات من أفكارهم هم داخل الدائرة الدينية لا خارجها وكأن نقد أراد أن يقول : أن الأصوب لعنوان مصنف مروة الذى عمل فيه 10 أعوام متواصلة هو (النزعات العقلانية أو العقلية فى الفلسفة العربية الأسلامية) وكتب نقد ناقداً يقول : يؤرخ مروة وفق التحقيب التقليدى للنزعة العقلانية بنشأة علم الكلام بدأ حواراً خفياً بين الفكر والواقع منذ عصر الراشدين وأخذ الحوار يصبح صراعاً علنياً بين الفكر والسياسة فى ذروة السيطرة الأموية ثم جاء زمن بداء فيه الصراع حول هذه المشكلة كادت تخفى نفسها وراء غبار المعركة الفكرية الفلسفية بين المعتزلة وخصومهم أولاً ثم بين الفلسفة وخصومها أخيراً ، لم يكن نقد بعيداً عن عالم الفلسفة وكانت شهادته الجامعية فيها ولولا تفرغه للعمل الحزبى لكان ذا شأن فى مجال الفلسفة والفكر.
أما حواره مع حسين مروة فيستدعى التساؤل أكثر عن شخصية ذلك المفكر المتخفى على الدوام وفى حالة كتاب حوار حول النزعات المادية بداء نقد الأنتباه له بشكل نقدى لكنه آثر تقديمه لعدد من القراء السودانيين وأجل مهمة العودة النقدية له الى وقت لاحق بعد أن تتوافر الأسباب للحوار الذى لم يكتبه نقد منذ ذلك الوقت بكامله إلا بعد الأعتقال الأول بعد أن دارت الحياة السياسية دورتها التقليدية يقول نقد : عدت الى مروة ضمن من عدت إليهم فى المعتقل والى صفحات ورؤوس مواضيع فى كراسات إستعضت بها منذ الديكتاتورية الأولى عن المكتبة الخاصة والأحتفاظ بالكتاب بعد قراءته وكتب نقد ذلك فى مقدمة الكتاب(حوار حول النزعات المادية مع حسين مروة) بعد أن فرغ منه فى العام 1990م وما يجمع بين الكتابين هو الأهتمام البالغ فى الكشف عن قصور المنهج الماركسى التقليدى فى إستكشاف قضايا التراث العربى فنقد وصل لذلك من خلال تساؤله المستفيض عن تحقيب حسين مروة للتاريخ العربى الى حقبتين قبل الأسلام فقط_جاهلية أولى وثانية_ ونقد تسائل عن ذلك بأكثر من طريقة منبه الى أن الأنقياد وراء أدوات المنهج بميكانيكية بالغة تخرج من التاريخ العربى قبل الأسلام ووجه نقد سؤالاً لحسين مروة : ماذا عن ثمانية عشر قرناً من التاريخ المدون ؟ أيستقيم حبسها فى مصطلح ما قبل النظر الفلسفى ؟ وكتب نقد حواره مع مروة هذا وصدر فى العام 1990م وبين الكتابين ما يؤكد على فرادة نقد كمفكر لأن مدخله للموضوع هو ما خلف الضجة الفكرية العالية .
جذور الكلمة
للراحل عدد من المؤلفات (قضايا الديمقراطية فى السودان) و(علاقات الأرض فى السودان : هوامش على وثائق الأرض) و(حوار حول الدولة المدنية) و(حول تجديد البرنامج) وكان نقد ينتقى كلماته كما ينتقى الصائغ الذهب النظيف فتنزل الكلمات على النفوس مثل الرذاذ ولعل الحكمة التى أتفق الجميع على وصف الأستاذ بها هى التى دفعته لإيجاز كتابة علاقات الرق فى السودان حيث يحدثنا فى مقدمة الكتاب : رغبة جامحة ومقيمة أشبه بهاجس تسكن الخاطر سنوات وعقود بمزيد من المعرفة بسودان 1500-1900م عصر التشكل والتكوين تأسيس دولة الفونج ? العبدلاب وهزيمة المهدية ثورة ودولة وما أكثر ما تكثفت الرغبة والهاجس فى سؤال أى مؤثرات وعوامل ومؤسسات أسهمت فى كيمياء ذلك التشكل والتكوين؟ ونجد الحكمة تلازم كل صفحة من صفحات ذلك الكتاب فنجده يتحدث عن مشكلة الجنوب التى تمنى ألا يحضر يوم إنفصاله فيقول : وتفاقمت أزمة المجتمع السودانى عما عرف وحصر آنذاك فى مشكلة الجنوب ليصبح أزمة ومشكلة السودان بكلياته ويمضى بالقول : تراكمت مخلفات الماضى بكل ثقلها رواسب وإفرازات الأمس واليوم فى الحاضر اللئيم وشمخ التحدى وبات على أبناء السودان أن يواجهوا التحدى بذات الشموخ والجسارة أبناء الزبير وأحفاد من أسترقهم الزبير مواطنين آباء تجمعهم وتوحدهم مواطنة لايحد منها ولا ينتقص فيها فارق عرق أو جنس أو دين .
أنتقد نقد بفكر ثاقب الجمود والمفاهيم الخاطئة التى رسختها التجربة الستالينية وأطروحات ستالين العميقة وكتب الكثير من الأوراق والمقالات التى ساهمت بشكل كبير فى التحرر من الأرث الستالينى ولعبت دوراً لا يستهان به فى تثبيت الفهم الصحيح للنظرية الأشتراكية وأطروحات ماركس ولينين ومن أكثر الكتابات تأثيراً الورقة التى كتبها تحت عنوان (كيف حاصر الجمود أطروحات ماركس وأنجلز عن الأشتراكية) ويستطيع كل من يقراء هذه الورقة أن يفهم الى أية درجة ساهمت أفكار نقد المتحررة فى بقاء الحزب الشيوعى السودانى ككيان فكرى وسياسى بل وجماهيرى ليس فقط بعد سقوط التجربة السوفيتية بل منذ الصراع حول بقاء أو حل الحزب الذى نشب بين مجموعة عبد الخالق وجماعة أحمد سليمان فى بداية السبعينيات من القرن الماضى بعد إنقلاب مايو1969م والذى إنتهى لصالح بقاء الحزب وحتى اليوم بفضل الأفكار النيرة لنقد.
بين ضفاف اليونان وشعر المكى : هناك عطاءً للثورة
كان أسم (عبدالرحمن) هو الأسم الحركى لنقد ويحدثنا الكاتب فتحى الفضل والذى تجمعه به ذكريات فى دولة اليونان بالقول : كنت فى صحبته فى زيارة لليونان عام 2010م بدعوة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعى اليونانى وما أعمق مافى هذه اللقاءات من ذكريات عزيزة وموحية ولكن يظل الشهر الذى قضيته فى صحبته أثناء زيارة اليونان معلماً فى علاقتنا السياسية والأخوية تعرفت عن قرب على الأنسان القائل بالحق والفاعل للحق وكان يكرر مراتٍ كثيرة عند سؤاله عن المستقبل أنه قد تعب ويجب أن تتقدم أجيال جديدة وأحياناً يسكت عن الحديث ويتأمل فى وجوه من حوله من من الزملاء فى فرع الحزب فى اليونان ويتابع الحديث بما معناه أنه كان يتمنى أن ينتقل المؤتمر الخامس بالحزب خطوات كبيرة الى الأمام لكن الصعاب فرضت النتائج التى خرج بها .
ويتابع القول : فى أحدى ليالى أثينا الباردة ونحن نسير الى الفندق مررنا بمركز للموسيقى كنا فى معية المناضل الشيوعى السودانى اليونانى(بنايوتى) وكان نقد قد أشار سابقاً الى إهتمامه بالموسيقار الفنان التقدمى ثيودوراكس متذكراً زيارته للسودان على أيام الدكتاتورية العسكرية التى كانت جائمة على صدر اليونانيين وهنا تقدم(بنايوتى) وأشترى عدداً من تسجيلات ثيو كهدية لنقد وعندما وصلنا الفندق أستمر نقد فى الحديث عن الموسيقى والشعر مذكراً بعلاقته الطبية بالمرحوم الشاعر محمد المكى إبراهيم وأذكر فى عام 1970م وعند زيارته لبراغ كنا كثيراً ما نلتقى بمحمد المكى ودون أى مجاملة أو إلحاح كان ينشد المكى بعض قصائدة الرائعة وكان نقد يردد معه بعض الأبيات من قصيدتى (الشرف الجديدة) و(قطار الغرب) .
قضايا الأبداع
خصص نقد جزاءاً من وقته الثمين ليعالج قضايا الأبداع والمبدعين وكان مشغولاً بفتح آفاق جديدة لتطوير موقف الحزب من قضيتى الدين والديمقراطية من زاوية سودانية محضة إرتقاءً بالنهج الذى أرساه الشهيد عبد الخالق فى(الماركسية وقضايا الثورة السودانية عام 1967م) فضلاً عن الوجهةالتى إختطتها اللجنة المركزية فى عامى 1977م و1978معبر وثيقتيها التاريخيتين (الديمقراطية : مفتاح الحل) و(جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن) واللتين أسهم الراحل فى صياغة أفكارهما الأساسية ، كما إعتاد على حل المشكلات التى جابهت مكتب الأدباء والفانيين قبل وبعد الأنتفاضة لقد ظل نقد حتى آخر نفس فى صدره شديد الثقة فى الدور الذى يلعبه الإبداع فى بلورة الوعى الثورى ودفع الجماهير فى إتجاة فعل التغيير ومن المدهش أن يعود الإبداع عند وفاته ليلعب دوراً تعبوياً وثورياً فى مهرجان تشييعه.
من الشعب وإليه
فى العام 1989م حين جاء نظام الإنقاذ للسلطة تم إعتقال أغلب رموز المعارضة ومنهم نقد الذىأقتيد من منزله وتم حبسه فى سجن كوبر لما يقارب العام ثم تم التحفظ عليه بمنزله بالرياض فى العام 1994م قرابة ال4 سنوات ولم يكن مسموح لأحد بزيارته بإثتثناء والدته وفى أيام التحفظ كان نقد يخرج ليمارس هوايته بالتشجير والزراعة ويتمشى وكان الحراس يمشون خلفه ويراقبونه فى كل خطواته والمكان الوحيد الذى كان يذهب إليه هو دار الوثائق السودانية تحت حراسة مشددة وفى الأثناء درس المخارج والمداخل وكان يلاحظ حتى تغير ورديات الحراس وفى يوم جمعة وفى ساعات الصباح الأولى خرج من منزله ببساطة دون لفت الأنظار ولم يكن متنكراً وفى العام 2005م وصلت لأسرته معلومات تؤكد قرب ظهوره للعلن خاصة بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل حتى إنهم جهزوا له الملابس ولكن ما جاء تناقلته وسائل الإعلام كان مختلفاً حيث بينت أن مدير جهاز الأمن السابق فاجاء نقد حيث كان مختبئاً وعلقت أخته فوزية بالقول : حتى إذا داهموه هذا ليس أمراً غريباً أو ذا قيمة وأوضحت أن هنالك توجه لإنشاء مركز ثقافى يحمل أسم الراحل.
مع كل الإرهاصات المريرة التى مر بها الحزب الشيوعى السودانى عقب إستشهاد رمزوه التاريخية من الشهيد عبد الخالق محجوب والشهيد الشفيع أحمد الشيخ إستطاع الراحل الكبير أن يلملم جراح الحزب ويقود التنظيم الشيوعى فى السودان تحت ظل أعتى الدكتوريات العسكرية ظل نقد متخفياً بين فقراء شعبه يقود العمل الحزبى فى غضون أقوى القبضات الأمنية محتملاً كل محاولا السلطة القمعية العسكرية ومخططاتها للإيقاع به متحصناً بحب السودانيين الفقراء قائداً ميدانياً لهم منذوراً للشهادة رغم كل الإمكانت المتاحة والدعوات المفتوحة لمغادرة البلاد وربما لم يكن الفقيد الكبير هو الوحيد بين رفاقه التاريخيين الذى لم يرحل شهيداً غير أن نقد كان على الدوام شهيداً مفترضاً فقد رافقه إحتمال الشهادة منذ تصدره قيادة الحزب الشيوعى فى سبعينات القرن المنصرم وإصراره على البقاء وسط قواعده الجماهيرية مكابداً معها شراسة القبضة الأمنية حتى وفاته المنية وهو فى لندن مساء الخميس الموافق22 مارس 2012م ولسان حال مشعيه يقول (للشمس حتمشى مبارنك ، فخراً للشعب السودانى ، والطبقة العاملة الثورية)

تعليق واحد

  1. يا بت التجاني مقالك سمح بالحيل واستمعنا به ولاول مرة اعرف ان نقد ولد في القطينة. استمعنا به من بدايته وحتى.. الطبقة العاملة الثورية.

    لكن بس داير اقول ليك حاجة.. صورتك دي ما سياحية.. (بدون زعل)

  2. لك وافر لشكر الاستاذ مروه التجاني وانتي تتناولي احد الشخصيات الهامة في تاريخ السياسة السودانية ,كان رجلآ مثير للجدل يتآقلم مع كل الاجيال والازمان والظروف السياسية وفقآ لاسطورة الظل , ويعد الاستاذ نقد من اواخر القادة التاريخين في مسيرة الحزب الشيوعي بصورة عامة والسوداني بصفة خاصة ,ساهم بمنتوج فكري مقدر , واكثر مايميز (نقد) بين اقرانه كان مبدئيآ
    وصاحب مواقف ومرحآ صاحب طرائف , ولازلنا نزكر موقفه الذي يجمع بين الموقف المبدئي والطرفة بميدان ابو جنزير عندما تخلف زعماء الاحزاب عن الوقفة الاحتجاجية وحضر وحيدآ(فكتب لافتته الشهيرة حضرنا ولم نجدكم وانصرف).

  3. اجمل ما سمعت عن الاستاذ نقد قول المشيعين له ماك الوليد العاق لا خنت لا سراق واقول له مثل ما قال الاستاذ على عسيلات فى مقال له فى صحيفة الميدان انشاء الله ياضراع تتوسد الباردة

  4. نقد وزمرته ادخلو السودان فى ظلام حالك لم ينعم السودان بماقدم لهم من تعليم راقى فقد وضعوا السودان فى نفق مظلم وصراع ايدلوجيات لآأول له ولاأخر كما اعترف اخيرا منصور خالد بأن جيلهم لم يحسن قيادة اليلاد وأنهم السبب فى كل مأسى الوطن وتجى البنت مرو فى الزمان لتجرج من بطلا أنه الوهم

  5. المقال جميل ويمثل قطرة من تاريخ الهرم الكبير ولكن الاجمل انه جاء من بنوته صغيرة زى مروة عشان نحس بالامل والتفاؤل وانه البلد بخير طلما فيها شباب بهذه الشاكلة

  6. في يوم الأحد 20 مارس/آذار 2012 وقف الدكتور حسن الترابي والسيد الصادق المهدي وكبار رجالات الدولة ومشايخ الطرق الصوفية ومعهم الآلاف المؤلفة من السودانيين يصلون على جثمان محمد إبراهيم نقد الذي ظل سكرتيرا للحزب الشيوعي لأكثر من 40 عاما من الزمان،ليس هذا فحسب بل الدولة ذات المشروع الحضاري الإسلامي ممثلة في رئاسة الجمهورية وأجهزتها والصحف السودانية عدته فقيدا قوميا ونعته كما تنعى أي سياسي سوداني كبير ذاكرة محاسنة ودماثة خلقه ومختتمة نعيها بالدعاء بأن ينزل الله شآبيب رحمته على قبره لدرجة أن إمام مسجد حي الديم بالخرطوم عندما حاول الاعتراض على تفاعل الدولة والمجتمع مع رحيل نقد بذلك الشكل انقض عليه المصلون خلفه رافضين مقاله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..