إنطباعات عائد من البلد: جدل الهوية بين عليّة القوم و عامتهم – صـورة – لا تختلف طغمة الإنقاذ الحاكمة اليوم كثيرا عن تلك النماذج من سادات قريش و ملوك بني أميَّة

الهادي هباني
مرَّت قضية الهوية مثقلة علي ذاكرتي في شريط سريع من الخواطر و قد كنت واقفا داخل فناء مبني جوازات المغتربين من ناحية البوابة الغربية متكئا علي جداران مكاتب أراضي المغتربين متجها جنوبا (في إنتظار الإنتهاء من إجراءات تأشيرة الخروج) يواجهني مباشرة صيوان كبير بميكرفونات جهورة و خطيب ضخم الجثة أو (صحابي جليل) بقاموس ساخر اللغة عند العامة مستعيضا عن شَعره الحليق تماما بلحية كثيفة متدلية حتي أعلي صدره مرتديا لبسة السفاري الشهيرة (موديل 89م) و علي يده اليمني ساعة لا تغفلها العين حيث يستخدم يمناه للتلويح و التكبير و التهليل أثناء الخطبة في لوحة و مشهد للرجل بمجرد نظرة عابرة تعرف أنه من ماركة صُنِع خِصِّيصاً للإنقاذ و هو يخطب أمام جمع قليلٌ خليط من مغتربين لا ناقة لهم و لا جمل في الأمر كله وقد وجدوا (مع أزمة أماكن الإنتظار) مكانا ظليلا لإنتظار إنتهاء معاملاتهم و وجوه أخري يبدو من زيَّها و مظهرها العام أنها من نفس ماركة الرجل من العاملين بإحدي الإدارات و المصالح الحكومية الملحقة بجهاز المغتربين و هو يتحدث بإنفعال عن الحرب أو الجهاد (كما يسميه) في جنوبي كردفان و النيل الأزرق. و لا يحتاج المرء لجهد كبير ليدرك أن العملية برمتها جزء من حملة التعبئة المنظمة مسبقا للترويج لمشروع السودان العروبي المسلم الهادف لفرض الثقافة العربية الإسلامية علي بلادنا دون غيرها من الثقافات و تسعير نيران الحرب و إثارة النعرات العنصرية لإطالة أمد الطغمة الحاكمة من خلال أجهزة الإعلام الحكومية الموجهة و من خلال أجهزة إعلامية أخري تابعة لبعض المؤسسات و الأجهزة الحكومية من ضمنها إدارة الإعلام و التواصل التابعة للإدارة العامة للإعلام والشئون الثقافية، و إدارتي الهجرة و المنظمات و الإرشاد الأسري بالإدارة العامة للجاليات و الهجرة (و كلها إدارات ضمن الهيكل التنظيمي و الإداري لجهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج و الذي يتم تمويله بشكل رئيسي من عرق السودانيين العاملين بالخارج، و بدلا من أن تلعب دورها في خدمة المغتربين و المهاجرين السودانيين تكرِّس مواردهم في خدمة مصالح و توجهات سلطة الإنقاذ و سياساتها التي تكرِّس الفتنة و الحرب الأهلية و الإضطهاد القومي و التطهير العرقي و تقود لمزيد من التفتيت و التقسيم وفقا لما يعرف بمثلث حمدي).
و لا تخلو مجالس الناس في السودان علي إختلاف مستوياتهم الإجتماعية من حديث عن العروبة و الهوية و التنوع و أصبح مثلث حمدي من المصطلحات العادية التي يفهمها الجميع و يتم تداولها في مجالس عليَّة القوم و صفوتهم و كذلك في مجالس البسطاء من عامة الناس. و تصاب بخليط من مشاعر الدهشة و الإعجاب و الإلفة و عمق الإنتماء الفطري لعامة الشعب عندما تستمع لأحد البسطاء من رواد مجالس ست الشاي و هو يتحدث عن التنوع ساخرا و معلقا علي ما تبشِّر به الإنتباهة و الطيب مصطفي و منبر السلام العادل، أو عن العروبة و الهوية بطريقته الخاصة المميزة و بلهجة عاميِّة طلِقة أشبه بلغة الراندوك مرتبة واضحة المعاني لها سحر خاص يناسب كل الأذواق يجعلها تنساب لفهمك بهدوء و سلاسة دون عناء أو جهد أو حاجة لإستخدام أيٌ من علامات الإستفهام أو الإستيضاح و كأنه يمتلك مفتاحاً سحرياً لمختلف ألسنة السودانيين و ألبابهم.
و علي عكس مجالس الصفوة (التي تعِجُّ بالمطايب و المكيفات مختلفٌ ألوانها، السكر، الشاى الأخضر و الأحمر و الأصفر و غيره من ألوان الطيف، القهوة العربي بمقبلات الفُستُق و المكسَّرات الفارسيَّة، الفول و التسالى و اللِّب الأسمر و الأبيض من أغلي محمصَّات وكالة الغورية و الحسين و السيدة زينب، نقاوة تمر القُنديلة ماركة حوش بانقا، و أزكي ما أبلحته و أرطبته القطيف “واحة النخيل” من تمر الرطب، البن العجمى، النِسكافيه و متطلباته من حليب البقر المهجِّن و التوابل من أجود ما أنتجته بلاد السند، الفناجيل بمختلف أنواعها و أشكالها، كبابي الشُّب مقاس “كب يا أبو على”، المياه المعدنية، كولا و بيبسى كولا، ميرندا، شعير الشامبيون المعتق، الشربوت الصافي، و الشربوت المخلوط بما لذَّ وطاب من خيرات بلادنا) مجالس في بروج عاجية معادية للوحدة و التنوع و لا تستأنس سيرتهما و تلفظ كل من يثيرهما و يتحدث عنهما في مجالسهم المغلقة تلك المتخمة بحِس الإستعلاء العرقي و الترفع و الإدعاء الفج و الأحاديث المبتذلة، و أقلام السدنة و المأجورين التي أدمنت إقتفاء نتانة الصيف في أحذية الحكام و السلاطين علي مر العهود و الأزمان من ذوي الوجوه الكالحة التي كلما لمحتها مجرد لمحة خاطفة إزدت إيمانا و يقينا و بما لا يدع مجالا للشك أن الإنسان قد خلق بالفعل من طين و ماء مهين، و علي عكسها، فإن مجالس ست الشاي و مجالس البسطاء دائما ما تعِجُّ بالناس الجيدين و الحديث الجيد و الحكاوي الصادقة الممتعة القريبة للقلب و النفس، الواقعية المعاشة فعلا عن الحياة اليومية لعامة الكادحين من أبناء و بنات شعبنا كما هي علي سليقتها بهمومها و معاناتها دون زيف أو رتوش و هم يناضلون نضالا يوميا له معناه، مدعاة للفخر و الإعزاز، جدير بالإحترام و التقدير من أجل إكتساب أسباب بقائهم و في نفس الوقت الإحتفاظ بسودانيَّتِهم و وقارهم و عاداتهم و تقاليدهم السمحة برغم ضيق الحال، و لن يجد المرء أدني صعوبة أو (قشة مرة) “كما يقولون” في الدخول إلي قلوبهم و أريحيتهم و وعيهم العفوي البسيط، فهم يجيدون الإستماع للحديث و يتَّبِعُون دائما أحسنه، و تجد تجاوبا و شغفا من نوع فريد كلما تحدثت لهم عن الديمقراطية و حرية التعبير و حرية المعتقدات و التنوع الثقافي و سيادة حكم القانون و السيادة الوطنية كضرورات لإقامة دولة موحدة يسودها الأمن و السلام و ستلاحظ أن الجميع يستمع إليك باهتمام و إعجاب و أمل و تفاعل إيجابي فتنهال عليك كلمات الإطراء و الأسئلة البسيطة الجادة المفيدة من بعضهم، و يكتفي البعض الآخر برمقك بنظراته المليئة بالإعجاب و كأنه يقول لك هل من مزيد؟ و منهم من يقوم بكرم السودانيين المعهود بالإصرار علي دفع قيمة الطلبات (برغم ضيق الحال) و من الجانب الآخر تجد ست الشاي و قد بذلت جهدا إضافيا مقدرا و عناية خاصة في تهيئة طلبك من القهوة أو الشاي فتزيد كمية السكر و ما اخترته من أصناف (الدواء) أو النعناع الأخضر أو المجفف، القِرفة، الجنزبيل، و الحبَّهان بأكثر من المعتاد، و تزيِّن صينية الشاي أو القهوة بالمزيد من بخور التيمان تعبيرا عن إعجابها بما تقوله و يعبِّر عن آمالها و تطلعاتها، و ما هي إلا دقائق لتكتشف قدرتهم السحرية علي إمتصاص مشاعر الحزن و الإحباط و إحياء روح التفاؤل و الأمل و الإيمان الراسخ بحتمية التغيير فتخرج من تلك المجالس ممتلئاً بعظمة شعبنا و إرثه و قدرته علي الصبر و أيضا علي قلب الموازين في أي لحظة.
و عادة ما يتم تناول قضية الهوية في مثل هذه المجالس المدهشة بشكل تلقائي مختلف تماما عن حوارات الصفوة التي ظلت دائما حبيسة مجالسهم تلك في بروجهم العاجية و في دهاليز السلطة و دواوينها و أجهزتها الإعلامية الموجهة المنحازة بالطبع لتغليب الثقافة العربية و الإسلامية علي غيرها من ثقافات بلادنا الزاخرة المتنوعة، و كذلك في منابر فئات محدودة من المثقفين و السياسيين و المتخصصين التي لا تجد حظها من الإعلام و النشر و لا تجد وسيلة للوصول لعامة الناس و تظل بالتالي كسابقتها حبيسة لا تراوح مكانها.
و قد تختلف المنطلقات التي يتم بها تناول الموضوع بين هذا المستوي الإجتماعي أو ذاك و تتباين وفقا للموقف الإجتماعي و السياسي لكل مستوي من تلك المستويات من موضوع الهوية نفسه إلا أن مجرد تناوله خاصة علي مستوي جمهور البسطاء و الكادحين من أبناء شعبنا و بهذا الشكل التلقائي واسع النطاق يعتبر في حد ذاته تطورا كبيرا و خطيرا في بلادنا.
و علي عكس ما قد يبدو للبعض من سخرية و عدم إهتمام في تناول موضوع الهوية بين العديد من أوساط الكادحين إلا أن هذه السخرية تحمل في طيَّاتها و مكنوناتها قدرا لا يستهان به من العمق و الجدية و الوعي الإجتماعي و السياسي الجدير بالإحترام و لكن يتم التعبير عنه بأساليب بسيطة مفهومة لكل الناس، و لعل في قصة مشجع هلال العاصمة التي يتم تداولها ضمن طرائف مجتمع الكورة ما يبين ذلك بسخرية مثيرة للإعجاب عندما وقف الرجل (و هو هلالابي علي السكين) محتار لفترة طويلة لم يتمكن خلالها التمييز بين لاعبي هلال العاصمة و لاعبي هلال كادوقلي في المباراة التي جمعتهما بالعاصمة و قد جاء متأخرا بعد بداية المباراة فصاح ينادي بخليط من مشاعر السخرية و السخط و بأعلي صوته (ياكوتش ،،، ياخي عليك الله دخِّل لينا هيثم مصطفي عشان نعرف روحنا شايتين وين؟). فمع طرافة القصة و سخريتها و ما تعكسه من قبول السودانيين بكل رحابة صدر و روح رياضية عالية لواقعهم المتنوع بدون عُقَد أو حساسيات برغم المعاناة و ضنك العيش إلا أنها تحمل في طياتها معناً عميقا يعبِّر في جوهره عن صورة حيِّة من صور التمازج القومي في بلادنا يبرز فيها عالم الكورة واحدا من الأوساط الهامة التي تعكسه بوضوح و تبين الوتيرة المتسارعة التي يتطور بها.
و برغم الواقع المذري الذي يعيشه شعبنا طوال فترة حكم الإنقاذ و حتي يومنا هذا (و ما وصلت إليه الأحوال السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية لمستويات غير مسبوقة من الفقر و البؤس و التشرد و التفسُّخ و الإنهيار الإقتصادي التام و التدهور المريع في الصحة و التعليم و الفقدان الكامل للسيادة الوطنية و الإنفلات الأمني و إتساع دائرة الحروب الأهلية المفتعلة) و الحملة المنظمة التي تقودها الحكومة و أجهزتها الإعلامية الرسمية و غير الرسمية بتدبير و مباركة من أعلي قمم السلطة لإثارة النعرات العنصرية و الإستعلاء العرقي و عرقلة عملية التعايش السلمي من أجل فرض الثقافة العربية علي بلادنا دون غيرها من الثقافات الوطنية، إلا أنها لن تستطيع (مهما بذلت من جهود) إيقاف مسيرة التمازج القومي في بلادنا، و علي عكس ما يتوقع دعاة المشروع الحضاري، فإن هذا العداء و الكُره المعزَّز بكل هذه الجهود المبذولة في طمس هوية شعبنا سيتحول في نهاية المطاف إلي قوة دافعة تولد من رحم معاناة الناس تُعَضِّد و تُقوِّي أواصر التلاحم الوطني بين كافة جماهير شعبنا علي إختلاف ثقافاتهم و أعراقهم، و هو ما يشكل في الحقيقة بعبعا و هاجسا للسلطة و عرَّابيها من الأقلام المأجورة و دعاة الفكر الظلامي و يدفعهم لإثارة مزيد من الفتن و التحريض لأجهزة الدولة البوليسية و القمعية لتطهير العاصمة القومية التي أصبحت، برغم أحزمة الفقر و المعاناة التي تحيط بها من كل جانب، قلعة تعكس أرقي صور التعايش السلمي و التمازج القومي بين أبناء شعبنا تشد علي أياديهم و تراكم معاناتهم اليومية علي كافة المستويات و تحوِّلُها إلي حالة من السخط الذي سرعان ما سيخلق مزاجا عاما لدي الناس ينقلهم من حالة السخط و المعاناة إلي حالة الفعل الثوري التي قد تكون بدأت فعلا بتواتر بعض الإحتجاجات المتقطعة و المظاهرات المحدودة المتفرقة هنا و هناك في بعض أحياء العاصمة و بعض المدن الأخري و التي بالتأكيد ستتسع شيئا فشيئا و ستستقطب أقساماً أخري من جماهير شعبنا مع مرور الوقت و إشتداد الضائقة المعيشية و تفاقم عجز الدولة عن الوفاء بالمتطلبات اليومية الضرورية لحياة الناس.
و علي الرغم من وجود قوي إجتماعية تحاول بإستمرار في كل الأزمان و العهود التآمر علي التاريخ و إحداث قطع فيه (بإعتقاد واهم منها بقدرتها علي إلغاء تاريخيَّته و تحويل حركته عن مسارها الطبيعي و التحكم فيها و توجيهها في إتجاهات تخدم مصالحها الذاتية الضيقة و بشكل دائم)، إلا أنّ المقصود بالقطع هنا (كما يقول المفكر الراحل حسين مروة في موسوعته “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية”) ليس القطع بمفهومه السكوني (الميتافيزيائي) أي القطع المطلق لحركة التطوّر في إحدى مراحله ثمّ البدء في المرحلة اللاحقة من نقطة الصفر أي البدء المطلق أيضا، بل مفهومه الجدلي التاريخي وهو المفهوم الذي يَعتَبِر القطع جزءاً من خط الإستمرارية نفسها. فإنّ فهم العلاقة الجدلية على هذا النحو بين القطع و الإستمرارية في حركة تطوّر المجتمع البشري يرجع للأساس العلمي لمفهوم الحركة نفسها في الطبيعة والمجتمع والفكر جميعا، وهو الأساس القائم على وحدة التناقض الداخلي لقانون الحركة. و هو ذات التناقض الذي بنى عليه الفيلسوف زينون الأيلي (489 ق.م) إنكاره المطلق لوجود الحركة عندما تصوّر لإثبات ذلك سهما ينطلق في الفضاء قال أنّه (أي السهم) لا بدّ و أن يكون في أيّة لحظة زمنية خلال إنطلاقه ثابتا في نقطة معينة لأنّه لا يمكن أن يكون في لحظة واحدة موجوداً في مكانين إثنين أي أن وجوده في كل نقطة ينفي النقطة التي سبقتها و يبدأ من الصفر في النقطة التي تليها و هكذا.
و بالتالي خلص إلي أنّه إذا كان السهم في كلّ جزء زمني ساكنا في نقطة بعينها لزم أن يكون في مجموع الأجزاء الزمنية ساكنا أيضا في النقاط الأخري لأنّ استمرار السكون لا ينتج غير السكون و بالتالي فلا حركة إذن. و من هنا جاء إنكاره المطلق للحركة.
و لمزيد من محاولات إثبات فرضيته عن الحركة تصور زينون رجلا أسماه (أخيلوس) يسابق سلحفاة و إفترض أنّ السلحفاة تقدّمت علي الرجل بعشرة أمتار منذ البدء بناءا على أنّ سرعة الرجل تعادل عشرة أمثال سرعة السلحفاة، فحين بدأ الرجل السير وقطع عشرة الأمتار الفاصلة بينه وبينها وجدها تقدّمت مترا واحدا أي عُشر المسافة التي قطعها هو فلمّا قطع هذا المتر كانت هي قد قطعت عُشر المتر فإذا قطع هذا العُشر تكون السلحفاة قد تقدّمت عليه بجزء من المائة من المتر،،، و هكذا يظلان متلاحقان إلى غير نهاية دون أن يلحق أخيلوس السلحفاة بناءاً علي إفتراض زينون بالقطع المطلق لمرحلة معينة لتبدأ المرحلة التي تلي القطع من الصفر و كأن ما سبقها لم يكن له وجود أصلا فالمسافة التي قطعها أخيلوس في المرحلة السابقة لا تضاف وفقا لمنطق زينون للمرحلة الجديدة و تبدأ بالتالي من الصفر تماما.
إلا أنّه بناءا على هذين التصورين يكون السهم في حقيقة الأمر موجودا وغير موجودا في النقطة المعينة نفسها وفي اللحظة المعيّنة نفسها وهكذا في كلّ نقطة وفي كلّ لحظة على خطّ السهم الزينوني. والأمر نفسه يتم في مثال أخيلوس والسلحفاة، فلو أنّ الحركة هي التقطع فقط (كما كان يفكّر زينون) لكان افتراض عدم إمكان أخيلوس اللحاق بالسلحفاة أمرا صحيحا و محتوما. غير أنّ فهم الحركة بكونها وحدة النقيضين (التقطّع وعدم التقطع) أي (الإستمرارية) يجعل لحاقه بالسلحفاة ممكنا و هذا هو الفهم الذي يقبله العقل و المنطق.
هذا المفهوم الجدلي للحركة ينطبق على الحركة التاريخية لتطوّر المجتمع ولتطوّر الفكر بالطريقة نفسها التي ينطبق بها على الحركة في الطبيعة فالتاريخ أي (تاريخ المجتمع وتاريخ الفكر معا) كلاهما عبارة عن وحدة لخط الإستمرارية و وحدة لتراكم التغيّرات الكمية والتغيرات الكيفية أو (النوعية) التي تنشأ و تولد من رحمها أي وحدة التقطّع و الإستمرارية في خطّ هذه التغيرات نفسها.
فثورة أكتوبر بإعتبارها مرحلة من مراحل التطور الإجتماعي و الفكري لم تكن حدثا بدأ من الصفر أو السكون معزولا عن التطورات الإجتماعية و الفكرية التي سبقتها بل كانت نتاجا لتراكم كل ممارسات سلطة 17 نوفمبر 1959م إبتداءا من أول قرارات للفريق عبود في أول خطاب له بعد إستلامه السلطة متمثلة في حل الأحزاب السياسية، منع التجمعات و المواكب و المظاهرات، وقف صدور الصحف، و صدور الأمر الدستوري الأول بإعلان حالة الطوارئ، مرورا بحركة 9 نوفمبر 1959م و التي تم إعدام ضباطها الخمسة و محاكمة زملائهم بالسجن لفترات وصلت ل 59 عاما، و كذلك حل النقابات من قبل مجلس الوزراء العسكري الحاكم في قراره بتاريخ 3 ديسمبر 1958م و ملاحقة قادة الحركة النقابية و الشبابية و الطلابية و النسوية و إعتقالهم و تعذيبهم و تشريدهم و التي لم تثني جماهير شعبنا عن مواصلة النضال طوال فترة الحكم العسكري بكافة الوسائل الجماهيرية مظاهرات، إعتصامات، و إضرابات شكلت جميعها تراكمات و تحولات كمية أفرزت في النهاية تحولا نوعيا كبيرا و عظيما ممثلا في ثورة أكتوبر المجيدة.
و بنفس القدر فإن إنتفاضة شعبنا في مارس/أبريل 1985م كانت أيضا نتاجا لتراكم نضالاته طوال سنوات حكم السفاح نميري متمثلة في 19 يوليو 1971م، أغسطس 1973م، 5 سبتمبر 1975م، 2 يوليو 1976م، يناير 1980م و يناير 1982م و غيرها من مختلف أشكال المقاومة الجماهيرية المجربة و المواجهات العسكرية المسلحة في جنوب البلاد و مساهمتها في إضعاف نظام مايو و التي شكلت جميعها تطورات تاريخية فعلية أفرزت في النهاية إنتفاضة الشعب في 1985م. فهي إذن كسابقتها في أكتوبر 1964م لم تولد من فراغ أو تبدأ من الصفر أو السكون كما يعتقد دعاة المشروع الحضاري. و بالتالي لم تنجح محاولات السلطتين العسكريتين في الفترتين أن تحمي مصالح فئات إجتماعية بعينها لا تختلف كثيرا عن الفئات التي تحميها اليوم طغمة الإنقاذ و في تصفية حركة الجماهير و في إيقاف حركة التاريخ و مسيرة التطور الإجتماعي. و ستظلان (أكتوبر و مارس/أبريل معا) هكذا جزءاً لا يتجزأ من خط الإستمرارية خالدتان في ذاكرة شعبنا يستقي منهما الدروس و العِبَر و يمضي إلي الأمام و هو يخوض بثبات و صبر غِمار ثورة جديدة عارمة قادمة لا محالة. و كذلك لن تفلح هذه المرة أيضا طغمة الإنقاذ الحاكمة في شل مسيرة شعبنا و طمس هويته مهما بلغت درجات التزييف و الإستغلال للسلطة و الدين.
و من المعروف أن هنالك فرقٌا بين التراث في حد ذاته و بين معرفة هذا التراث، فالتراث واحد لا يتغير أي (موجود كما هو بشحمه و لحمه)، و لكن معرفته أي (معرفة التراث) تتعدد و تختلف بإختلاف المنطلقات الإجتماعية و الموضوعية للجهات المتعددة التي تقوم بتفسيره، أي موقفها من واقع الصراع الإجتماعي في الوقت الحاضر و بالتالي تميل دائما لتفسيره بما يخدم مصالحها و يتماشي مع أفكارها التي تتبناها في الوقت الحاضر نفسه. فعلي سبيل المثال، بما أن ثالوث المؤسسة الدينية في البلاد المتمثل في هيئة علماء السودان، مجمع الفقه الإسلامي، و مجلس الإفتاء ينتمي لنفس الفئة الإجتماعية و السياسية الحاكمة فإنها تكرِّس علمها و معارفها الفقهية و الشرعية عن الدين و التراث في خدمة مصالح الطغمة الحاكمة و تقوم بتفسير نصوصه و تكييفها شرعيا بما يخدم هذه الطغمة و يبرر جبروتها و تسلطها فتصدر عنها علي سبيل المثال فتوي بعدم جواز خروج المسلمين في التظاهرات. أو فتوي نائب رئيس هيئة علماء السودان عبد الحي يوسف بناءا علي مقال رئيس منبر السلام العادل عن معرض الكتاب المقدس الذي أقامته مدارس كمبوني (و هو تقليد خاص بالمسيحيين درج علي إحيائه المسيحيين الشباب سنويا في الجامعات و المعاهد العليا منذ عدة سنوات) بعدم جواز ذلك و إعتبره منكرا باطلا يتحتم علي من بسط الله يده من رئيس ووالي و مسئول (أي الحكومة) أن يمنع هذا المنكر و الباطل ويحول دونه وإلا كان خائناً لله ورسوله ولجماعة المسلمين. في حين أن المولي عزَّ و جلَّ قد أمرنا في ديننا الحنيف أن نؤمن بالأديان و الكتب السماوية فقد قال المولي عزَّ و جل في سورة البقرة الآية (285): (آمَنَ الرسولُ بما أُنزِلَ إليه مِن رَبِّه والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه لا نُفرِّقُ بين أَحَدٍ مِن رُسُله وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرَانكَ رَبَّنَا وَإليكَ المَصيرُ) صدق الله العظيم. إلا أن الجماعة ليس لهم (قشة مرة) و هم في المراوغة و المخاتلة و مجاراة ظاهر القول ما يجعلهم أكثر مهارةً و قدرةً من ود الموية و القرموط يصعب صيدهم و مسكهم كمخاتلة حبهم للمطايب و النِعم فإذا أعجبهم الطعام أفتوا بأن قالوا من القرآن (كلوا من طيبات ما رزقناكم) و من السنة (أحسنوا الصحن) ،،، أما إذا لم يعجبهم المذاق قالوا (ما ملأ ابن آدم وعاءا شراً من وعاء بطنه). فهم جاهزون دائما (للنَّجِر) لا يخشون في تحريف الكلام أو تصحيفه أو حمله بمعانيه المجردة فقط لومة لائم.
و علي عكس تفسير دعاة المشروع الحضاري فالتراث العربي الإسلامي يحدثنا بأن الآثار الإيجابية التي تركتها الديانات اليهودية والنصرانية علي العقلية العربية في المجال الديني، كانت من العوامل التي مهدت لقبول سكان الجزيرة العربية للإسلام نفسه حيث ساعدت عقيدة التوحيد التي نشرتها تلك الديانات بين العرب قبل الإسلام على تفكيك الوثنية والتعددية الإلهية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والكشف عن زيفها و مجافاتها للعقل و المنطق والحس البشري السليم لذلك فإن الإسلام قد وجد الطريق أمامه معبدا و الأرض ممهدة فوجدت فكرة التوحيد قبولا و أصبحت فيما بعد أول مبدأ دعي له الإسلام و جعله أول أركانه الخمس (شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله) و مفتاحا و مدخلا له. كما يحدثنا القرآن الكريم كيف أن المسيح عيسي بن مريم قد بشّر بالإسلام و بالنبي الكريم محمد (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)، و التاريخ الإسلامي يحدثنا بأن الأوس والخزرج قد كانوا من أهم عوامل نجاح دعوة الرسول الكريم محمد وهو القائل في حقهم (وهو لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى)، ( اللهم أعز الأنصار الذين أقام الله بهم الدين والإيمان، هم الذين آووني ونصروني وآزروني وحموني، هم أصحابي في الدنيا وشيعتي في الآخرة وأول من يدخل بحبوحة الجنة من أمتي).
و بلادنا التي ظلت مسرحا للتعايش السلمي لقرون عديدة أيضا حافلة بالمشاهد الحيَّة التي لا تحصي أو تعد و التي تعكس هذا التعايش فقد أرسل لي صديق مصري بإعجاب وثيقة يرجع تاريخها لعام 1935م و هي عبارة عن خبر بأحد صفحات ملحق (حضارة السودان)، و هي جريدة يومية سياسية أخبارية كانت تصدر في تلك الحقبة، العدد 1367 بتاريخ 9 ذي الحجة 1353ه الموافق الخميس 14 مارس 1935م بعنوان (القائمة الأولي بإعانة ساكني المدينة المنورة لصاحبها أفضل الصلاة و السلام) و كانت تضم قائمة من 16 شخصية سودانية معروفة تبرعوا بمبلغ إجمالي قدره 223 جنيه و قد كان يمثل مبلغا ضخما في ذلك الوقت و كانت حينها بلاد الحجاز تعتمد بشكل كبير علي مواسم الحج والعمرة وكانت مناطق جدة ومكة و المدينة تنتظر قوافل الحجاج السودانيين بفارق الصبر لكرم السودانيين وما يحملونه معهم من عطايا للحجاج والفقراء في تلك البلاد في ذلك الزمن. وكثير من كبار السن من سكان مكة و المدينة يذكرون هذا الأمر و قد ورد ضمن رواياتهم أن السودانيون كانوا يلقبوا بأولاد عباس وعند قدوم حملة الحجاج السودانية تأتي إليهم جموع من أهل مكة والمدينة ويقولوا لهم (يا أولاد عباس أدو الناس). و الملفت للنظر هنا أن أحد المتبرعين حضرة السراي الكبير الخواجة هنري جيد وهو سوداني مسيحي مما يبين مدي التعايش الذي كان يسود بين المسلمين و المسيحيين في بلادنا في تلك الفترة. فإذا صحَّت مقولة أن السودانيون كانوا يلقبون بأولاد عبَّاس (أو العبَّاس عم الرسول) فإن الخواجة هنري جيد (و قد دفع عدله بالتمام و الكمال) يصبح من البكور في ذرية الرجل و بالتالي لا يصبح العبَّاس حِكرا علي الجعليين كما تروي قصة الجعلي و قد طلب بمجرد وصوله الحجاز لأداء فريضة الحج و قبل أن يبدأ مناسك الحج أن يذهبوا به قبل كل شي لزيارة قبر جده العبّاس و بعدما وصل هناك و شال الفاتحة و نزَّل ليهو دمعتين عاين لقبر جدو و قال (هملتك هملة آ جدي العبَّاس ،،، هسّع أكان مت في جبل أم علي ما كان عملنا ليك قبة أخير من قبة ود أخوك التعبانة ديك) فالقصة برغم طرافتها إلا أنها تبين كيف أن الرجل كان يهمه العبَّاس أكثر من الرسول الكريم و من مناسك الحج نفسها الأمر الذي يكشف أن العروبة عند دعاة مثلث حمدي تأتي في المقام الأول فهي مقدمة في مشروعهم الحضاري عن الإسلام نفسه.
فليس غريبا أن ترتبط فكرة المشروع الإسلامي لدي طغمة الإنقاذ الحاكمة بالعروبة و بالثقافة العربية و التراث العربي عموما و الذي يمثل الإسلام جزءا منه علي الرغم من أن ظهور الإسلام في جزيرة العرب و نزول القرآن باللغة العربية لا يعني أن الدين الإسلامي دين عربي أو أن العرب لديهم فضل علي غيرهم من البشر حيث يقول سبحانه و تعالي في سورة الحجرات (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، و يقول الرسول الكريم محمد عليه الصلاة و السلام في حجة الوداع (لا فرق بين عربي أو عجمي و لا بين أبيض و أسود إلا بالتقوي). فأهمية الإسلام منذ ظهوره تكمن في كونه جاء متميزا عما سبقه من ديانات فلم يكن عقيدة خاصة بالعرب بل دعوة لكافة البشر توجِه خطابها للأمة و لكافة الشعوب و تتجاوز الأطر القومية و القبلية علي عكس ديانة موسي التي كانت موجهة لفرعون و لليهود دون غيرهم من البشر (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)). أو ديانة المسيح عيسي عليه السلام الذي أرسله الله إلي اليهود أيضا أو بني إسرائيل (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بل أن الإسلام قد جاء ليحارب التعصب و القبلية و عبادة كل قبيلة لإله خاص بها و ذلك أيضا من خلال عقيدة التوحيد نفسها كما أسلفنا و التي لعبت دوراً بارزاً في توحيد قبائل العرب و التقريب بينها و صهرها في بوتقة واحدة و إزالة مشاعر التفرد و النفور.
فمفهوم الجاهليِّة لدي دعاة الفكر السلفي و علي طليعتهم الأخوان المسلمين القائم علي الإدعاء بعزلة مكة عن محيطها الخارجي، إدعاء باطل الهدف منه إثبات أن الإسلام نزل في بيئة أميِّة جاهلة مغلقة بعيدة عن الفكر (أو منقطعة عنه) و ساكنة في أحد نقاط مسيرة السهم الزينوني الذي تحدثنا عنه سابقا، بإعتقاد فج و جهل عظيم بأنهم بذلك يخدمون الإسلام في حين أنهم في الحقيقة يضرونه و يحوِّلونه لدين منعزل متصادم مع واقع الحياة المتغير و متناقضا مع مقولة أنه صالح لكل زمان و مكان.
فالتاريخ يبين أن العرب كانوا منفتحين علي ما حولهم من حضارات و إمبراطوريات و أن مكة بفعل رحلتي الشتاء و الصيف كانت ملتقيً للقوافل التجارية و مسرحا للأدب و الفكر و التمازج القومي و التلاحم الديني و ظهور مدارس فكرية متقدمة في ذلك الوقت يأتي في مقدمتها الحنيفية و التي كان يطلق علي معتنقيها الحنفاء (أي الميّاَلون عن الضلال إلى الاستقامة) فقد كانت ترفض اليهودية و النصرانية معا و كذلك عبادة الأصنام و تدعو لمكارم الأخلاق و ترفض الزنا و المخاذنة وشرب الخمر والتعامل بالربا ووأد البنات و كان المنتمين لها من الشخصيات التي تميزت بالسمو العقلي والأخلاقي أو بالحنكة السياسية أو الثقافية العالية، ولما كان الشعراء يمثلون في مجتمع ما قبل الدعوة المحمدية الفئة المثقفة لذا كان عدد من كبار الشعراء آنذاك من الحنفاء منهم أمية بن أبي الصلت، زهير بن أبي سلمى، النابغة الذبياني، و عامر بن الظرب، ولهم قصائد في الإيمان بوحدانية الله والبعث والحساب، وفي الترفع عن الدنايا. و ينتمي إليها أيضا زيد بن عمرو بن نفيل العدوي عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بل أن القرآن حدثنا أن سيدنا إبراهيم الخليل أبو الأنبياء كان حنيفيا إذا قال في سورة آل عمران (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفياً مسلماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
و بالتالي فإن ربط الدين الإسلامي بالعروبة و الإدعاء بأنه نزل علي أمة منعزلة جاهلة يعتبر تشويها و تحريفا و تفريغا له من محتواه التوحيدي الشامل الذي يحارب العنصرية و لا يفرق بين الناس علي أساس العرق و اللون و الإنتماء القبلي و يدعو للإنفتاح علي كل الأفكار و الحضارات.
هذا و يؤكد التاريخ أن التيارات و المدارس و الإتجاهات التي ربطت العروبة و القبلية بالإسلام في عمومياتها تمثل القوي الإجتماعية التي عملت دائما لإستغلال الدين من أجل مصالحها الضيقة. و لعل من دخلوا بيت أبي سفيان في فتح مكة من أعيان قريش و كبار تجارها و سادتها و فضَّلوا إعلان إسلامهم من هناك قد فعلوا ذلك حتي لا يكونوا في مرتبة واحدة أو تحت إمرة قادة الفتح الإسلامي و منهم من كانوا عبيدا أو رعاة لبعضهم قبل عقدين فقط من الزمان من أمثال بلال بن رباح و عبدالله بن مسعود و غيرهم في حين أن معظمهم (و علي رأسهم أبي سفيان) من الذين ينحدر أصلهم لقبيلة قريش و يمتد نسبهم إلي قصي بن كلاب (جد الرسول الكريم محمد) الذي حوَّل قريش من قبيلة مستضعفة تسكن الجبال والشِعاب وأطراف مكة إلى القبيلة الحاكمة التي تمسك بزمام السلطة والثروة في العاصمة الدينية المقدسة، وتسكن الأبطح أكرم بقاعها وتقيم بيوتها في الحرم، وتصبح أشرف قبائل جزيرة العرب، ويطلق على أفرادها “أهل الحرم” ويصبح النسب إليهم مكانة رفيعة تتطاول إليها أعناق شيوخ القبائل الأخرى. و لذلك فقد كان هؤلاء بمثابة الثورة المضادة للتغيير الإجتماعي و الفكري الذي أحدثه إنتصار الدعوة الإسلامية و بالتالي فإن دخولهم الإسلام كان في المقام الأول بهدف الحفاظ علي مواقعهم الإجتماعية و القبلية و استعادتها و من أجل أن يجدوا (عاجلا أم آجلا) حظا لهم في الدولة الإسلامية الوليدة فظلوا يتربصون بها سعيا للسلطة. فهم من أشعل الفتنة بين علي و عثمان و كذلك بين علي و أم المؤمنين، و هم الذين رفعوا المصاحف علي أسنة الرماح في معركة صفِّين، و الذين قتلوا الحسين في كربلاء، إلي أن وصلوا السلطة و تربعوا علي عرش الخلافة الإسلامية لفترة دامت أكثر من 88 عاما. و من المعروف أن دولة بني أميَّة و برغم أنها شهدت بعض السنوات تولي فيها الخلافة من يحفظ لهم التاريخ سيرة حسنة في العدل و الحكمة إلا أن بنو أميَّة عموما اشتهروا بالتسلط و الجاه و الترف و رغد العيش و اللهو و المجون فمنهم هشام بن عبد الملك الذي نفِّذ أبشع جرائم القتل السياسي عندما أمر والي العراق خالد القسري بقتل الجِعد بن درهم. و في عيد الأضحي بعد أن إنتهي من الخطبة و كان الجِعد مكبلاً بقيوده أسفل المنبر أمام الملأ خطب في الناس قائلا قولته المشهورة (أيها الناس إذهبوا و ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح اليوم بالجِعد بن درهم ثم نزل وذبحه في أصل المنبر أمام الملأ في مشهد مريع (مشابه تماما لمشهد إعدام شهيد الفكر محمود محمد طه) قرظَّه و أشاد به بن القيِّم الذي كان أحد حاشية هشام بن الملك و الجِعد و مستشارهم من علماء الدين (كما كان عوض الجيد، النيّل أبوقرون، و بدرية سليمان حاشية للسّفاح نميري) في أبياته المشهورة:
ولأجل ذا ضحى بجِعد خالد القسري يوم ذبائح القربان
إذا قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان
و منهم كذلك الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان (الذي تولي الخلافة بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك) و الذي مزَّق المصحف الشريف عندما فتحه يوما فأول ما أطل له قوله تعالي (و استفتحوا و خاب كل جبَّار عنيد) فثار غيظه و قال مخاطبا المصحف الشريف أتتوعدني؟ ثم علقَّه و ظل يضربه بالنشَّاب حتي خرقه و مزّقه و هو ينشد بقولته المشهورة:
أتتوعد كل جبار عنيد ،،، فأنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ،،، فقل يا ربي مزَّقنى الوليد
و لا تختلف طغمة الإنقاذ الحاكمة اليوم كثيرا عن تلك النماذج من سادات قريش و ملوك بني أميَّة في غيّهم و جاههم و قصورهم العاجيِّة و تسلطهم و جبروتهم و ربطهم للدين الإسلامي بالعروبة و القبلية و إستغلاله لتعزيز موقعهم الإجتماعي و تحقيق مصالحهم الذاتية و تحويله من دين يدعو للتعايش و يحارب القبلية و العنصرية و التعصب إلي مطيِّة لتسعير نيرانها، و من دين يدعو إلي مكارم الأخلاق إلي مجرد فتاوي و صكوك غفران لتقنين و توطين الفساد و التفسُّخ و الإنحطاط و التملق و المداهنة، و من دين يدعو إلي السلم كافة إلي مجرد طبول لتسعير نيران الحرب، و من دين يدعو إلي الحكمة و الموعظة الحسنة إلي ألسنة سليطة لا تجيد غير السب و الذم و الشتم و الوعيد.
و في الختام و إذا صحَّت مقولة أن السودانيون كانوا يلقبون بأولاد عبّاس كما يقول شيوخ مكة و المدينة فأترك الأمر للقارئ و فطنته و خياله ليتصور ماذا كان سيحِل بنا لو أن العبَّاس قد مات بالفعل و دفن في جبل أم علي؟؟؟.
الهادي هباني
[email][email protected][/email]
الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض على المواطن تأشيرة خروج ليسمح له بالخروج ، طبعا ما هي بلدنا عبارة عن سجن كبير ، وما اكثر الجلادين .
مع الأسف العنصرية لم تخلقها الإنقاذ ، بل هي موجودة فينا أصلا في الشمالي والجنوبي وابن الغرب وابن الشرق على حد سواء
لماذا ؟
لأننا ببساطة شعب متخلف وهمجي وبربري
لماذا ؟
لأن المؤسسات التعليمية عجزت عن تربيتنا وتعليمنا ، كما عجزت مجتمعاتنا وأولياء أمورنا عن القيام بالحد الأدنى من واجبهم تجاهنا
لو ذهبت الإنقاذ سيأتي مثلها أو أسوا فنحن شعبنا كله طينته واحدة
نحتاج للتربية والإصلاح أكثر من حاجتنا لتغيير الحكومات
( من يختلف منعي فعليه بأن يتمشى بشوارع أي عاصمة أوربية ويراقب سلوك الناس ليدرك مدى درجة تخلفنا الحضاري والسلوكي والاقتصادي وهلمجرا على قولة الصادق )
الاستاذ الهادى هباتى
نحن كشعب كثير الاعراق والثقافات لايمكن لثقافه معينه ان تسيطر كليا على كل الثقافات الاخرى ..فكل عرق فى السودان يرى انه صاحب تاريخ مجيد وانه الافضل ..واذا كان الاسلام قد جمع اغلب القبائل السودانيه منذ القدم وتنافست كل القبائل من الشرق والغرب والشمال والجنوب على فهمه ..وجب عليهم ان يتعلمو اللغه العربيه لغه القرأن فكل القبائل لها لهجات ليس لها ابجديه ومن هنا انتشرت اللغه العربيه تدريجيا مع انتشار الخلاوى .اذا لايمكن ان ننسى ان اللغه العربيه اثرت فى مجمل قبأئل السودان (المسلمه) او زات الاغلبيه المسلمه كان هذا التأثير كبير او كان تأثير صغير فهناك الكثير من القبأاتل لازالت تتحدت بلهجاتها المحليه ..
عمومــــــــــــــــــــا
دعــــــو كل القبائل تفتخر بما لديها من تراث وثقافه وادب وفنون وتقاليد
دعــــــو اهل الشرق يفتخرون
دعــــــو اهل الغرب يفتخرون
دعـــــو اهل الشمال يفتخرون
دعـــــو اهل الجنوب يفتخرون
ابتعــــــــــــــــــــدو عــــــــــــن الكراهــــــــــــــه فنحـــــــــــن مسلمـــــــــــون
يقول الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )صدق الله العظيم
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى) صدق الرسول الكريم
اخى نعم لا والف لا للاستعلاء العنصرى ولكن الاهم من كل ذلك لا للادعاء العنصرى فليس للعباس عم الرسول العظيم نسب فى السودان ولا لغيره من الصحابة
الاخ الهادي موضوعك دسم بس كتير علينا ارجو الاختصار احلي الكلام ما قلي
الهادي هباني…. ياخي….إنت روعة
لم أستطع تمالك نفسي حتى إنتهيت من قراءة مقالك الدسم
أشكرك على ما بثيته فينا من أمل لغد افضل
نعم الوعي متزايد بعكس ما يريده الطغاة وسدنتهم
أكاد أجزم أن السودانيين بفطرتهم السليمة لم يساورهم أي شك في الفكر الهدام العنصري الذي أتي به الطيب مصطفى ليس فقط لأنه مجافي لطبيعة وناموس الكون
بل لأن الريبة تنبع من كون أن جميع الأبواب مُشرعة أمامه
لحد إغلاق الصحف الأخرى التي لا تتماشي مع تياره
أخيراً
هي قادمة
هي قادمة
ستشرق شمس السودان حتماً
أستفتح يومي بقرأة الراكوبة والانتباهة وللحق لم أجد في كتابات اسحق فضل الله أو الطيب مصطفى أي تعنصر للعروبة ولكن تجد التعنصر للمنهج الاسلامي واضح في كتاباتهم رغم عدم وجود شيئا من ذلك على أرض الواقع وهذا اختلافنا معهم ولا أجد العنصرية إلا في بعض مقالات كتاب الراكوبه ومعلقيها أمثال المدعو أحمد البقاري وهذه دعوة خالصة لتوحيد الجهود لاجل محاربة الفساد واقامة الديمقراطية وذلك باسقاط النظام الحاكم الذي يضم أشخاص من كل قبائل السودان
عبد الرحمن المهدي حسيب منو ونسيب منو؟ للتوضيح
أخونا الهادى كتاباتك جميلة جدا (عبارة صنع خصيصا للانقاذ) دى اجمل بس المقال طويل حبتين طبعا العيب مننا ما منك لان الانقاذ ما خلت لينا بال ولا صبر عامة الموضوع شيق جدا لك التحية
"لو أن العبَّاس قد مات بالفعل و دفن في جبل أم علي؟؟؟"
كل كوم وام علي دي كوم تاني …
أعمل حسابك دي كانت زمان الرجال بيخافوا منها …أولادا هسع يكونو شنو..؟
هييييييع …. :mad: :mad: :mad:
يا هباني هيييييييي …ارعى بى قيدك
بس مقالك رائع … ;)
اشكرك كثيرا اخ هبانى على مقالك الرائع ، وحقيقة ان الفكر المستنير والمميز لا تعلوه شائبة مهما تعالت واتته السهام فهو كمن يحاول ان يطفئ ضوء الشمس بوضع يده على عينيه متوهما انها انطفات ، وكذلك الشعب السودانى ذلك الشعب ذى الموروث القديم الذى يحمل التسامح والحب والتعايش لن تقدر عليه الانقاذ ولا غيره — فذكرة الشعب وضميره منتبهان لكل عمليات التزييف ويفهم تمام الفهم ويعى تمام الوعى ان من اراد بهذا الشعب خيرا فلابد ان يحترم تنوعه ، فالقوة والوحدة فى التنوع ، فذلك التنوع هو الذى يقودنا الى بر الامان ويدفع عن الهوس الدينى ، ولعل الانقاذ فاشلة كما هى عادتها فى فهم حركة التاريخ وتحسب بان استيلاءها على الحكم واخذها بعصب الاقتصاد انها خالدة فى الحكم وتستطيع تغيير التركيبة المجتمعية والتنوع ، كلا فان الله لا يهدى عمل المفسدين ، فالاعمال بالنيات والعبرة بالخواتيم ، فكم جلس حسنى مبارك فى حكمهو فعل مافعل والقذافى وغيرهم وغيره، فما اغنى عنهم جيشهم وعسسهم . يحمد للشعب السودانى انه يصبر بذاكرة لا تغيب شى فهو يصبر على من اذاه ويحلل ويحفظ ويقيم وفى لحظة الفعل المناسب يخرج ما عنده ، الثورة فى السودان قادمة لامحالة والانقاذ ذاهبة الى مذبلة التاريخ بلا رجعة اماذلك العته الذى يفعله الخال المنغولى فهو مردود على فكره المشوه
قال فرانسيس دينج في احد كتبه انه لم يراوده هاجس او تؤرقه رؤيا في يوم من الايام ليصحو مفزوعاً من نومه فيسأل نفسه…من انا…؟ السبب ربما هو احساسه الدائم ان بما وراءه رصيد ضخم في شكل بلد اسمه السودان حتى تشرب لونه بمعنى الاسم !
ليس هناك هوية اعظم من ان تنسب نفسك للسودان وليس هناك بلد اعظم من السودان بأرضه وناسه وغاباته وصحاريه وانهاره التي ابدع الخالق في تشبيكها جنوباً فأخرجت نيلاً شمالا فأحيا ارضاً كانت ميته (مصر) ولو لا هو لما وجدت في الدنيا اصلاً لتشتهر بالنيل اكثر من ارض النيل نفسها (السودان)
لن ارضى بغير (سوداني) هوية ولو كنت ابيض الإهاب ولن ارضى بغير السودان موطناً وان جار عليه الزمن أو تكالبت عليه الكلاب…ثم بعد ذلك اهوى ما شئت من هويات – عربي – افريقي – زنجي – مسلم – مسيحي فكلها اضافات للأصل الثابت (سوداني)…
المقال جيد ينم عن المام وادراك مصحوب بوعى وثقافه اطلاعية ممتازه ولتعلم اخى نحن مشكلتنا الاساسي فى الهويه السودانيه ان كل من اتى فى دفة الحكم يتجاهل التنوع الثقافى والاثنى للشعب السودانى لان ذلك يصب فى سياق مصلحتة الذاتيه فلذالك لابد من اللجؤ الى القبيله لتحقيق ذاتة لانة فى الاصل هو وليد قهر متراكم وعليه الحل الوحيد لهذة الازمة هو التسلح بالثقافه التامه فى تقبل الاخر بغض النظر من اين هو
اخونا ود الهباني
ياخ انت زول كــــتــااااااااااااااااااااااب
كتر بالله وربنا يحفظ ضراعك ويخضر يراعك
ياجماعة انا قريب بغير جنسيتي باركو لي الجواز الجديد والجنسية الجديدة واي خدمات نحنا موجودين سواء في كفالة او غيره ولو
وبخلي السودان بما حمل للبشير ولباقي الشعب النايم وان شاءالله بنجب اجيال لاتعرف شيئا عن السودان بل سوف امسح جميع الملامح السودانية واطمسها للابد حتى لا يعرفون ماكان اصلهم وماهي بلدهم
اصو البلد دي عمرها ماحتصلح ولو بعد 100 عام
وبيباي سودان وبيباي بشكير
اخي هباني مقالك اكثر من رائع ويا ريت كل يوم تتحفنا بمقالاتك لانني سئمت المقالات المكررة التي لا تسمن ولاتغني من جوع
لا فض فوك ! :rolleyes:
ملة العرب لم تجد العزة والكرامة الا بعد بعث النبى الخاتم … والرسول ص ارسل للبشر جميعا ولم يرسل للعرب حصريا .. كما يشتهى العربان ومن دار فى فلكهم من العنصريين والتبع من العبيد الافارقه .. الاسلام دين للبشر جميعا رغم انف العنصريين والكهنه والحاخامات الذين يريدون احتكاره لينالهم نصيب من الدنيا ..
قال تعالى ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكــم ان الله عليم خبيــر ) هذه الاية الكريمة تكفى وهى مقياس لنا كشعوب فوالله لن تنفعنا القبيلة ولا العشيرة وليست هى مقياس لنا من افضلية وغيرها تقوى الله هى المقياس الحى للرجل من اخلاق وكرم وحسن خلق وشجاعة وقد حذرنا الرسول الكريم ( ص ) بقوله ( ليس منا من دعا الى عصبيــة ) هذا هو منهج الرجل الحكيم المؤمن بربه ومن زايد عن ذلك بقبيلة او قومية اخرى فهو جاهل مخالف لشرع الله وسنة رسوله . بكل أسف بعد ان بدأت هذه العصبيات والقبليات فى الاندثار والتلاشى بين المواطنين سرعان ما قام الاخوان الشياطين باشعال نار القبلية والعنصرية مرة اخرى قاتلهم الله الا يعلمون ان الفتنة اشد من القتـــل .؟؟؟
صديقي الرائع الاستاذ الهادي هباني تحياتي وتقدير وشكري غير المحدود لهذا المقال الممتع ، ووجهة امتاعه الزائد انه متفائل تفاؤل العارف والواثق وهذا لعمري ماتميز الاتساذ الهادي هباني ……
سابدا هنا بنكتة بسيطة ساخرة سمعتها بقهقهة لا تقف ،سمعتها في اجازتي الاخيرة في السودان . والنكتة تحكي ان رباطابي قد سمع الجعلي يحكي عن شجرة النسب العربية فقل الجعلي : اصلاً نحن جدودنا اثنين واحد اسمه جعل جابنا نحن الجعلين ديل ، وشايق جاب اخوانا الشوايقةديل ، وبي كدة بنكون نحن والشوايقة ديل اولاد عم ،قالها هكذا مساويا بين اصبعيه السبابة والوسطي.
فجاء الرباطابي وقل له اصلاً نحن جدودنا اثنين واحد اسمه ربيط والثاني اسمه بريط ،ربيط ده جابنا نحن الربطاب ، أما بريط فجاب اخوتنا البريطانين ديل (فهههههه) البريطانين ديل يكونو اولاد عمنا لزم .
الواقع ياهباني هناك حقيقة يجب ان نعيها، وهي ان التاريخ السوداني القديم تاريخ غير مشرف واتسم جله بالرق ولم يعرف العرب وبقية العالم عن السودان غير انه مكان للرقيق ، فعندما جاء عبدلله ابن السرح ووقع اتفاقية البقط الشهيرة ، والتي قبلها عظيم النوبة بكل اجحافها وظلمها لاهل السودان اولاً اظهرت ان اهداف عبدالله ابن ابي السرح لم تكن اهداف نبيلة ودعوية كما يشاع …..ولم تكن افضل باي حال من اهداف الاتراك ،فقد تضمنت هذه الوثيقة اهانة عظيمة للشعب السوداني بان يرسل عظيم النوبة ثلاثمائة واحد ستون عبداً من اواسط رقيق بلادكم ليس فيه المسن ولا المريض ولا الاعرج ولا كذا ….الخ بهذه العبارات هل نظن ان اهداف عبدالله بن ابي السرح كانت نشر الدين الاسلامي؟
والتاريخ يحكي انهم كانو يستلمون رقيقهم علي دائر النفر ……ولم تقضي هذا الاتفاقية بما يخدم الاسلام غير مسجد صغير ، لا يؤمه احد ، وتم ذلك كله لضمان حكم عظيم النوبة وسلامة بقاءه في السطلة بهذه المناسبة ترى لمن ينتمي اهل الانقاذ ؟ اليس موقف عظيم النوبة المتخاذل يشبههم ؟اليس همهم من همه؟
حتي المثقفين امثال عبداللة الطيب حينما يتحدث عن عروبة الاسلام فانه يجتهد في سودانية بلال ابن رباح بينما يتجاهل ابره ،لان تاريخ الاخير غير مشرف ، فهو يدعي بان ارض السودان في ذلك الزمان يقع ضمن ارض الحبشة وعليه يكون بلال سودانياً والحمدلله انه لم يكن من سلالة العباس حينها ههههه.ولا يستبعد سيادته بان هجرة المسلمين الاولي كانت لارض السودان.
دعني اختلف معك في روياتك بان اهل الحجاز كانو يلقبون السودانين باولاد العباس ، اذ ان الرواية الحقيقية قرأتها في كتاب للدكتور منصور خالد (لا اتذكر عنوانه) فقد قال بان السعودين في ذلك الزمان لا يفرقون بين الحجاج السودانين والحجيج النيجيرين وكانو جيمعهم ينادونهم بالتكارنة .وكانت بعثة الحجيجين يطوفون كبعثة واحدة ، وان احد الحجيج السودانين في ذلك الزمان قد اعترض علي هذه التسمية باعتبار انهم سودانين ، ورغم ذلك فان السعوديين لم يتمكنو من التميز بينهم ، مما اطرهم للبلس العمم تميزاً لنفسهم ،ولكن ساعة الاحرام فانهم وجزم انك انت نفسك لن تستطيع ان تميز بينهم حتي من اتي من الشمال والوسط(مثل حمدي) اللهم الا اذا تحدثو .
افاتني ياهباني ان اوضح بان هذه التاريخ السوداني المشين والمهين قد دفع باكثيرين للبحث عن هوية اخري لم تعد محل اعتراف مركز الهوية العربية (الخليج) والطريف ان السودانين لم يدعو العروبة فحسب ،بل ذهبو باشتطاط غير مسبوق في التسابق العروبي حث اختار جلهم بيوت قرشية ليس من شك في عروبتها فهنا تسمع بعض القبائل تدعي ان جدها العباس وبعضها يدعي ان جده الزبير ابن العوام ثم اخرون يقولون انهم من اصلاب بني امية . وهكذا .
اما اهداف الانقاذ من هذا العنصرية هو خلق مزيد من التفرقة بعد ان استحالت المزايدة علي الناس باسم الدين ، ولم تعد الايدلوجيا الدينية مبرراً كاف ومقنع لخوض الحروب في دارفور والنيل الازرق وجبال النوبة ، ولم يعد كذلك تبرير الفساد والظلم السياسي والاحتماعي باسم الدين ، فكانت الانقاذ في حاجة ماسة لنجر ايدولوجيا تبريرية اخري لخوض الحروب ، فاغرت الجنجويد وتم الاعتراف بهويتهم العربية ضد اخوتهم الفور والزغاوة والقبائل الاخري بحجة العروبة ،ولذلك قد خاضو الحرب نيابة عن المتنفذين الكبار وحفظو لهم دمائهم من هذه الحروب . ولذلك ركتب الانقاذ ايدلوجيا العنصر والقبيلة بغرض التعويض عن ضياع الايدلوجيا الدينية التي لم تعد مقنعة ولم تعد اقل من مسخرة وضحك علي الناس.فاستغلت الجهل والتخلف لتعميقهما في المجتمع .
فسخرت الايدولجيا القبلية باعتبار ان الدين والقبيلة هما من الايدلوجيات التي تجعل الفرد مطيع للقيادة بلا تروي (ايدولجيا تعصب )
ثم ان الاستبداد عادة مايرتبط بتمجيد الطغاة من قبيل ان سليل كذا وسليل كذا واخو اخوان وابن وشجاع وكريم ولا يهاب الموت ، وكلها مدائح تقال للطغاة ولكن اثبتت الايام ان الظلم لن يمر بلا مقاومة ،وان مثل هذا الادب لا يقل بؤساً عن ادب الحكامات
وها هو القذافي يسقط امام اعتي الة حرب واشجع القبائل كما يمجدونه .
ولك وللراكوبة ولقراءها الكرام كل الود والاحترام
أخي الكريم وفيت وكفيت.
نشهد الله أن هذا النظام الذى يسيطر عليه البشير وخاله العنصري التعيس وأشقاؤه وعشيرته الأقربون وعصبته المستبدة قد أوردوا البلاد والعباد فى بلادنا السودان موارد الهلاك. هم كالجراثيم والفيروسات والهوام أصابوا الأمة السودانية فى مقتل فأصبحت تعاني الأمراض والأسقام والآلام والسهر والحمى.
هذه الفئة الباغية أصابت البلاد بالأمراض التالية:
– الفساد المالى والادارى والأخلاقي من رأس النظام إلى أخمص قدميه.
– إنحطاط النظام السياسي للدولة السودانية من النظام القومي إلى نظام الاثنية الواحدة والاستعلاء العرقي النتن.
– التمييز الإقتصادى من احتكار للسلطة والثروة فى فئة صغيرة وتوجيه التنمية والاستثمار الحكومى والأجنبي لخدمة جهة صغيرة محددة هي موطن الإثنية الحاكمة. واتخاذ سياسات التمييز لهذه الاثنية مثل مشروعات محاربة الفقر فى مواطن الطغة الحاكمة.
– تدمير مشروع الجزيرة العملاق أحد معجزات الدنيا فى مجال التنمية الإقتصادية والاجتماعية، وكذلك تدمير مشروعات الزراعة المروية فى السوكي ، مشاريع النيل الأبيض ، حلفا الجديدة ، القاش ، طوكر والزراعة الآلية فى القضارف، الدلنج ، هبيلا. وتدمير زراعة الصمغ العربي والثروة الحيوانية فى كردفان ودارفور . ونتيجة لذلك زادت معدلات الفقر والتشرد فى جميع هذه الأصقاع.
– الأزمة الإقتصادية ، الغلاء الطاحن والضائقة المعيشية وانهيار الجنيه السوداني نتيجة تخبط وعشوائية النظام.
– أسلوب العنتريات والتهديد والوعيد والاستفزاز والسباب والشتائم والهمز واللمز الذي يمارسه أقطاب النظام ضد الشعب السوداني، من قبل البشير ، نا فع ، على عثمان ، الخال الرئاسي ، الجاز ، مندور ، غندور ، كمال حقنة ، كمال عبداللطيف ومجموعة الكورال.
– الحروب العبثية التى يشنها النظام على المواطنين فى كجبار وأمري وبورتسودان ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وكسلا.
– تفسخ النسيج الإجتماعى للمجتمع السوداني نتيجة للسياسات الجائرة للنظام.
خلاصة القول أن هذا النظام أصبح متعفناً فاقداً للشرعية والصلاحية ويحمل بذور وعوامل فنائه فى داخله. وقد دنت وحانت ساعة هلاكه.
الثورة قادمة قادمة !!
بين سجن وبيت اشباح
وعطالة ودم مباح
ومزلة تودى الغربة
والغربة جراحها جراح
والحل فى بلدك زاتو
تتحدى سلاح بسلاح
تهزم خفاش العتمة
ويغسل سودانا صباح
************
الخمج الماحق سوقنا
من بعض وفا المحتاج
والعبرة الرابطة حلوقنا
من فيض كاس الدجال
الوهم الداير يسوقنا
اصبح مفضوح الحال
ما فضل الا مروقنا
وبسلاحنا نعدل الحال
بسلاحنا نعدل المال
*********
يا غضبة نيلنا الطامح
وكتين يكسح طوفان
يا سيل الشعب الجامح
فى الثورة بعد عصيان
يا ضراع الولد الجارح
بسلاحك فى المليان
الكى للالم الناتح
والعبرة لكل غبيان
الاخ هباني الانقاذ جرت الشعب السوداني للعنصرية هل تريد ان تفعل مثلها وتصور كيف يكون الجال لو ما كنت سوداني واهل الحارة ما اهلي كنت اقولها لمدرس يمني زاملته بمارب وكان يرددها دائما باعجاب اتركوا العنصرية هداكم الله فقد تجاوزها الزمن
(صحابي جليل ) ؟ فقط ارجو الاتبعاد عن الهتر والاسفاف بامور الدين
اتفق معك في ماذكرت ان هناك ازمة هوية ولا اعتقد انها اسلامية ولكنها اازمة عروبة
إبان أزمة حل الحزب الشيوعي اكتشف الحزب أية ( ان جاءكم فاسق بنبأ )فاصبحوا يرددونها كالببغاوات وكثير منهم لم يحفظوا فأتحة الكتاب. تذكرت ذلك والسشيطان يعظ ويدس بين السطور كلمات تنم عن عدم الادب فى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاليوم قد اكتشفوا الحنفاء فما الداعي لنزول الاسلام وعندنا كل هؤلاء الحنفاء المنفتحين
كاتب المقال الاستاذ الهادى هبانى تشعب فى الامر وخلط ومزج الوقائع التاريخية المجردة التى تحتاج الى عمق كبير ودارسة متأنية للحالة الاجتماعية وللعادات والتقاليد التى تحكم الناس فى تلك العصور الغابرة ، ووقع فى شربكة الاحداث منذ الخلافة الاموية بل منذ فتح مكة وحتى إتفاقية البقط ،لقد حشد كل ثقافته وإطلاعه وملكاته الادبية فى صياغة ادبيات فئة سياسية او فكرية لإقناعنا وكرس كل جهده فى صناعة الامور بقالب واحد ورؤية أحادية ونظر الى موضوع العروبة بالجانب المظلم منها ولم ينظر الى الجوانب المشرقة فيها واراد ان يصور لنا ان مشكلة الهوية فى السودان لازالت قائمة ، وكثيرين يحملون العصبية العربية لبعض قبائل السودان حروب السودان وإنفصال الجنوب كأنما هذه القبائل قد عرفت عنصريتها اليوم وأنها تفتخر بها حديثاً فهذه القبائل منذ مئات السنين وهى تفاخر بعروبتها وإنتماءئها العربى قبل الاتراك وبعد الاتراك وبعد ملحمة اكتوبر وابريل وحتى بعد الإستقلال بل ان الطائفية فى السودان سخرت كل طاقاتها من اجل الانتساب للبيت النبوى والعروبة وادعت انها حفيدة النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال لأهل بيته : اعملوا فلن أغنى عنكم عند الله شئ . اعتقد ان الذين ينادوا بالعروبة ليس من باب فرضها ولكن خوفاً على انفسهم من حملات الإنتقام والأحقاد التى يضمرها لهم الغير والتاريخ شاهد على ذلك والشاهد على ذلك ما فعله عبد الله التعايشى بهم وبأهلهم وفى عقر دارهم وما فعله من إبادة جماعية عندما ارسلهم بقيادة النجومى لتوشكى وما فعله من تهجير لقبائل دارفور من عشيرته فى النيل الازرق والجزيرة وام درمان فقد كان عمل منظم ومدبر ومحكم ، وشواهد التاريخ لا تكذب ، لهذا من الطبيعى ان يدافع العرب واشباه العرب عن انفسهم عندما يمارس ضدهم هجمة شرسة جداً تستهدفهم بقوة .
المشكلة ان القبائل التى تعربت واصبحت عربية بالثقافة العربية او بالتصاهر والتمازج مع العرب الذين هاجروا للسودان تضع كل البيض فى سلة واحدة حيث تظن ان الجعليين والشوايقة وقبائل النيل الشمالى هم الاكثر عروبة وانها نتيجة لقرائن السياسة التى جاءت بالكتاب الاسود فإنهم فرضوا الثقافة العربية عليهم وانها القبائل التى تقاسمت السلطة فى البلاد وكانوا هم رعايات ونسوا هؤلاء ان القبائل الاكثر عروبة نسباً وثقافة عربية من كرم ونجدة ومروة هم القبائل العربية التى تسكن فى الجزيرة وشرق النيل الازرق بما فيها شرق النيل الحالية وكذلك فى كردفان ودارفور وتخوم القولد ودنقلا (كقبائل بدوية ) هى قبائل معروفة النسب العربى ومعروف هجراتها للسودان ولازالت تحتفظ بالبداوة العربية وتأكل لحم الإبل مثل عرب الخليج ولغتها سليمة ومحافظة ومشابهة لدول الخليج بل بعض من عاداتها هى نفس عاداتهم ،واكبر دليل على عروبتهم اكثر ممن يدعون العروبة بالإنتساب الى العباس وأبناء عمومتهم انهم يقولون لهذه المجموعات بــ ( العرب ) كتخلف وعدم تحضر وهذا شاهد على عروبتهم ممن يدعون العروبة . هؤلاء العرب الذين ذكرتهم لا يستعلون ولا يطلبون ملكاً ولاجاهاً كل مايطلبونه هو مرعى مفتوح وبهائم يرعونها او زراعة محدود يقتاتون بها وهم اكثر القبائل تمازجاً وتعايشاً مع القبائل الاخرى وخاصة فى جنوب السودان منطقة اعالى النيل حيث ان قبيلة رفاعة وكنانة تتواجد بكثرة مع الشلك وتعيش بينهم لقرون عديدة ولم يحدث يوماً من الأيام نزاع قبلى او نزاع على اساس عنصرى بل العلاقة بينهم علاقة حميمية وعلاقة جوار ومنافع ومصالح مشتركة باعتبارهم كلهم قبائل رعوية ولم ينفصلا عن بعض إلا مع إنفصال الجنوب . وشئ مهم يجب النظر للإستعلاء النوبى على كل قبائل السودان وعزفهم المنفرد دائماً وتغريدهم خارج السرب وعاداتهم المصرية الواضحة حتى فى كثير من مفرادتهم .
الخلفاء الراشدين عليهم السلام وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام بالاضافة لحكم عمر بن عبدالعزيز لا يتجاوز 31 عام ,,, وبنظرية النسبة والتناسب لمن تقسم 32 على 1432 وتضرب فى 100 تطلع النتيجة 2.25 فى المية اها ياجماعة الخير احسن الديمقراطية والشفافية ولا حكم بنو امية (نموزج الاسلاموويين )
4 ل 8 سنة ونشوف غيرو وننبسط جدا حتى لو حكم الشيطان .. والدين فى قلوبنا ومعاملاتنا اليومية من البيت وحتى الرجوع للبيت والنوم والصحيان … مش دجل وكذب ونفاق …. والحرامية تسرق على عينك وتبنى المساجد اسال الله ان ينعم علينا بالدمقراطية ونحن نساله كما انعم علينا بالاسلام ونحن لم نساله
وشكرات
وشئ مهم يجب النظر للإستعلاء النوبى على كل قبائل السودان وعزفهم المنفرد دائماً وتغريدهم خارج السرب وعاداتهم المصرية الواضحة حتى فى كثير من مفرادتهم .
محمد العربي
انت تدعو الذين يسمون انفسهم بالعرب ان يتفاخرو او يتمسكو بعروبتهم وفي ذات الوقت تلفت الأنظار للأستعلاء النوبي واننا نغرد خارج السرب.
فالتعلم يا اخي العربي نحن اكثر الناس متضررين من العنصرية التي يمارسها العصابة الأنقاذية المجرمة ولم ندخل في اي عراك مع اي قبيلة بل التعايش السلمي الموجود في اقصى الشمال ليس له مثيل في اي بقعة من بقاع السودان.
نحن لا نمارس الأستعلاء العرقي كما تتوهم بل نفتخر بأننا اصحاب حضارة عريقة وهذا من حقنا ولن يستطيع اي كائن ان يسلب حقنا في التفاخر والتباهي بالحضارة النوبية ومن حق اي سوداني ان يفتخر بحضارة النوبة مهد الحضارات.
نحن اكثر الناس حريصين على الوحدة الوطنية اما ان يكون بعض مفرداتنا وعاداتنا مصرية اتحداك ان تثبت لنا
نحن اصحاب حضارة ولنا عاداتنا وتقاليدنا ولا نرى في المصريين سواء انهم من سارقي الحضارة النوبية.
لن ينصلح الحال ان كان تفكيرك وتحريضك منصب تجاه العنصر النوبي .
يلا الفت الأنظار للاستعلاء النوبي عشان تلقى السم القدر عشاك يا عروبي يا موهوم