البصلة وقشرتا..خروف تُرّمة وعيد الضحية

أ.د. كامل إبراهيم حسن:

تذكرتُ وأنا طالب في السنة الأولي بكلية العلوم ? جامعة الخرطوم أن بروفسير محمد عبد الله الريح – الطالب وقتها بنفس الكلية ? كان يصدر جريدة حائطية… وكان أن إرتفع سعر كيلو الضان من عشرين قرشاً إلى خمسة وعشرين أو شيء من هذا القبيل فرسم ود الريح كاراكاتير وكانت هنالك فخذة كُتب عليها 20 قرشاً وعليها ( كروس ? أي مشطوبة) وفخذة ثانية كُتب عليها 25 وتعليق يقول: (الخوف يا غالي… تسرح طوالي ) مع الاعتذار للأغنية… قبل أيام قابلتُ الصديق ود الريح ? وبعد أن ذكرته بقصة الكاراكتير ? قلتُ له: يظهر أن خوفك كان في محله… شايف خروفك سرح كيف؟
قررتْ الحكومة بيع خراف الأضاحي علي طريقة الكيلو بمعني أن يختار المواطن الخروف الذي يناسب جيبه فيمُسك بالخروف المُختار ويعلق علي الميزان فيتحدد سعره حسب الوزن وسعر الكيلو… هذا نظام معمول به خاصة عند جماعة الصادر وبالطبع هنالك فرق في السعر بين الكيلو (النظيف) الذي نشتريه من الجزارة والكيلو (الوسخان) الناتج من الخروف المعلق علي الميزان وهو حي لما يحتويه من عفشة وجلد ورأس نيفة وكوارع وخلافه… كما قد يلجأ صاحب الخروف إلى إضافة وزن إضافي عن طريق سقاية الخروف كميات كبيرة من الماء المخلوط بقليل من الملح فيبيعك ماءاً بدل اللحمة… وهذا النظام يشبه لعب القمار ويحتاج إلى خبرة كما إنه عُرضة للغش والاستهبال… وأذكر أن الوالد ? وهو صاحب خبرة كبيرة كوّنها من طول ممارسته للجزارة – كان يقول عندما يُعرض عليه خروف: هذا الخروف يزن كدا كيلو صافي وإذا أضفنا سعر العفشة والجلد يكون سعره المناسب كذا ولم تخب نظرته قط… أما نحن فمثلنا مثل (تور الله في برسيمه) لا دراية لنا يعتد بها فيما يخص الخراف وما يمكن أن تزنه من صافي اللحم لذلك فنحن عُرضة للغش (والخم ) والجهل بالقانون لا يعفيك من المساءلة…
دخلتُ ذات مرة بقالة وطلبتُ من صاحبها فرختين كبيرتين وأضفتُ: أنا عاوزن دجاج مُش ديوك… بحلق فيّ صاحب البقالة كما يبحلق العاقل في ذي جُنة وقال : يا سيد دي فراخ مضبوحة ومجمدة… أعرف ليك كيف الديك من الجدادة !!؟ فقلتُ له: بسيطة فالفرق بينها واضح وضوح الشمس في كبد السماء… صدر الديك بارز إلى الأمام ليساعده في مصادمة الديوك الأخري عندما يقعوا في عشق دجاجة ملظلظة ويريدها كل منهم لنفسه بينما صدر الدجاجة مفلطح لكي يساعدها في حضانة أكبر عددٍ من البيض… كما أن ورك الدجاجة قصير مكتنز باللحم وللديك (سكاكات) طويلة أغلبيتها عبارة عن عظم وعصب… لذلك تجد أن كمية اللحم في الدجاجة أكثر حتى ولو تساوت مع الديك في الوزن… واتذكر أن صاحب البقالة تفضلني بمبلغ خمسمائة جنيه تقديراً لتثقيفي له ثقافة دجاجية كثيفة الريش… أما لماذا طلبتُ أن تكونا كبيرتين لأنه كلما كانت الفرخة صغيرة كلما كانت كمية اللحم أقل وزاد وزن (الخساير) والنتيجة ليست في صالحك… وهذا الأمر ينطبق أيضاً علي الخراف… وهنا (تبدو قضية) فالخروف الكبير يتطلب سعة في (جيب التمام) الشيء الذي لا يتوفر إلا (لي الراضيات عليهم أمهاتهم) وأغلبية الشعب السوداني لا تُصنف مع هذه الفئة… وخروف تُرمة بيعة خاسرة لأن خروف تُرمة كتويسها الذي يقال عنه: (توّيس (تصغير تيس) تُرمة… كان باعوهو ما بفك الصُرمة… وكان ضبحوهو ما بملا البُرمة).
سئل بعضهم هل سيضحون وقد بلغ سعر الخروف حتى في الجزيرة الخضراء مليونى جنيه (ما تنطر عينيك أنا بالطبع اقصد الجنيه القديم أى ما يعادل ألفى جنيه بالجديد)… فكانت ردودهم متباينة… قال البعض: سوف أضحي بدجاجتين وديكتين (أى سمينتين )… وقال البعض الآخر يكفيني أن ضحى نيابة عني البشير النذير… وقال البعض سوف أشتري أثنين كيلو ضأن من الجزارة مع قليل من المرارة قبل العيد بأيام وحينما يحل العيد نخرج اللحمة والمرارة وزيادة في التمويه ندلق زجاجتين من (رتشي) الأحمر ليقوم مقام الدم وأهو نكون قد نحرنا مع جماعة البرعي ( الذين نحروا ضحاياهم وسال دماؤها) دون أن نضطر لنحر أفئدتنا… بعدها تُحضر أم العيال شية مدنكلة وتظبط المرارة ونكون عيدنا ولا أحلي عيد وانضممنا إلى زمرة المضحين… صحيح لن نستطيع قطع ذلك الطريق (الأرّق من السبيبة) وأحّد من شفرة السيف ممتطين للكيلوين لحمة… ولكن أهو وكما يقول المثل : القحة ولا صمة الخشم… ولمثل هؤلاء نقول: حيلك يا فالح وماذا أنتَ فاعلٌ مع الأطفال الذين يريدون رؤية الخروف بالعين المجردة وهو يقول باع… باع… مع هؤلاء لن تجدي الأعيبك هذه نفعاً…
أنا أرى الحل في أمرين… إما أن تتفق الحكومة مع تاجر الماشية وجزاري الجملة بأن تُحدد خراف الأضحية وتوزع علي الجزارات بجانب الذبيح الإعتيادي ولكن لكل صنف سعره ويأتي الزبون ويطلب أثنين كيلو من لحمة الضحية على غرار أيام زمان مع البنزين (عاوز عادي ولا سيوبر)… ولك أن تسأل ولماذا الفرق في السعر ؟ والإجابة بسيطة لأن خراف الضحية سوف تكون (معصعصة) مشحونة بالشحم و(الجلافيط ) بينما الضاني التجاري يكون من البهائم الصغيرة المدوعلة التي تستطيع أن تمضغ اللحم والعظم…
أما إذا لم يعجبك هذا الحل فإليك بحلٍ ثانٍ… ولكن قبل أن أفصح لكم عنه دعني أقص عليكم هذه الواقعة الحقيقية… علي أيام ( ثورة مايو ? الله لا طراها بخير ) كان التفاح (معدوم في سوق الخرطوم)… وكان أن سهّل الله ورفع قدمي في زيارة إلى سوريا… وعندما قررتُ الرجوع إلى السودان إشتريتُ كيلويين من التفاح لأبنائي خاصة وهم قد ولدوا في بلد يأكل الناس فيه التفاح من الأشجار المزروعة علي أطراف الطرقات مباشرة خاصة في الريف وبالمجان (لا قرش لا تعريفة)… بل رأيتُ بأم عينيّ أستاذنا محمد صالح يعلف خرافه بالتفاح في السفارة السودانية ببراغ عندما كان ملحقاً ثقافياً هنالك… كان هنالك أحد الطلاب السودانيين في سوريا وطلب مني أن أهدي أخته الصغيرة تفاحة لأنها لم تذق طعم التفاح في حياتها… بالطبع رفضتُ طلبه لذلك إقترح عليّ أن أسمح لها بأن تمسك أخته التفاحة وألتقط لها صورة بعدها أسترد تفاحتي ووافقتُ علي اقتراحه… وأنا هنا أقترح عليك أن تستخدم طريقة التفاحة بمعني أن تأخذ أفراد العائلة إلى أقرب نقطة تجمع للخراف وتختار خروفاً ادعج أقرن وأن تطلب من صاحبه أن يسمح لأطفالك أن يحتضنوه وتلتقط ما شاء الله لك من صور… وعليك أن تستنسخ عدداً كافياً من الصور بعدد أطفالك علي الأقل (الله يحفظهم) حتى يستطيع الواحد منهم أن يفاخر زملائه في المدرسة بعد إجازة العيد والعودة للدراسة قائلاً: شايف خروفنا بتاع الضحية حلو كيف !!؟ وعندها لا يستطيع أحد شفع الحرام أن يغالط فالبرهان بالصورة ولا يحتاج إلى تأكيد… وإن كنتَ من الشطار فيمكن أن تلوّن الخروف مرة بالبيجي ومرة بالأصفر ومرة بلون زينب أو بلون (عشا… الجمل رفسا… وقطع نفسا) ولأبنائك الخيار في أن يختار كل منهم اللون الذي يعجبه أو إذا كانوا من محبي الفشخرة فلهم الحق في إدعاء أنهم ذبحوا أكثر من خروف مُش زي ناس هيثم أبوهم (المقشط) جاب ليهم خروف واحد بس… وكل سنة وأنتو ( مخرفين ) يعني عندكم خروف رغم ما قال به صديقي ومن وحي الثورة السورية بأن كلمة الذبيحة صارت تذكره بكلمة الشبيحة (تهدد أمنه) وتبث الرعب في جسده …

الاخبار

تعليق واحد

  1. استاذة كمال ابراهيم حسن اسلوب جميل في الكتابة بس في نهاية الكتابة شفع الحرام مثل ها الاسلوب لايليق بمكانتك … وصباحك خير

  2. -البروفيسور كامل إبراهيم حسن لك التحيات الطيبات مثنى وثلاث ورباع، وربنا

    يعطيك الصحة و العافية والعمر الطويل، أمتعنا يا بروف ولا تطوِّل الغيبة من قرائك.

    – بصراحة التهمت المقال بنهم مثلي مثل ذلك "القرمان لشية الضان"، كيف لا ومقالات

    البروف دائماً طاعمة وممتعة ومفيدة .

    – لك شكري وتقديري استاذ نا كامل ونكرر لا تغيب عن قرائك وهم كُثر، وفي

    انتظار روائعك دائماً وباذن الله.

    – مناشدة للاستاذ محمد لطيف/ جريدة الأخبار / يا أخوانا البروفيسور دهـ بعد كدهـ

    ما تفرطوا فيه والزموه بالكتابة لقرائه، رغم تقديرنا لظروف البروف .

  3. مع اعتزارى للدكتور كامل الا أننى أبدى رأيى فى كتاباته مع بعض الاحساس بالحرج…

    أولا: اسلوب الدكتور فى الكتابة الساخرة يتسم بالضعف ويكون الموضوع دائما غير مترابط بصورة جيدة.

    ثانيا: كلما أقرأ مقالا للدكتور ينتابنى احساس بأنه يحاول تقليد دكتور محمد عبد الله الريح وقد أثبت هنا تأثره به.

    ثالثا:أكرر اعتزارى للدكتور ولكن هذا ما أحسست به وقد قرأت له عدة مقالات لم أشعر بموهبته فى هذا المجال، كما قرأت جل مقالات ود الريح والبون بينهما شاسع

  4. عزيزي دكتور كامل ..سلامات.. سنين مرت منذ آخر مرة التقيك فيها .. قابلت الاخ حسن عند زيارتي الاخيرة للبلد وكان من الفترض ان ازورك بصحبته كما اتفقنا لكن ذلك لم يحدث ..المهم انك بخير وما زلت تكتب ،اقرأ اي موضوع مذيلا باسمك ..كل سنه وانت طيب ، اقترح عليك ان لا تضحي هذه السنة وتنتظر عودتي القادمة للسودان لاصطحبك الي مدينة الفاشر العريقة بصحبة الاخ ازهري وصديقي القديم صلاح محمد عثمان ونجلس في تلك الباحة التي تسميها the old nice place وعلي ضوء القمر، لنستمتع بشواء لحم الضأن ، المتبل ب(المرين) .. التحية لك يا استاذ ويا ليت تلك الايام السعيدة المليئة بالمرح تعود …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..