ما أشبه الليلة بالبارحة ..!!

أذكر تماماً تلك الأيام العجاف التي مرت بنا ونحن ، نتلقى تدريات عسكرية للإنخراط في الخدمة الإلزامية ، والتي كنا فيها كبش فداء التجارب الأولى ، فمات من أبناء دفعتنا من مات ، وهو يحاول الهرب من ويلات التدريب القاسي والذي كان يقوم به ( طلاب حربيين ) وحينها قدنا إحتجاجات عارمة في المعسكرات حتى رضخت قيادة المعسكرات لمطالبنا ، بعد أن لقن الطلاب ، المدربين درساً في المواجهة ، وكان حينها الإعتراض على طريقة التعامل ، والتعذيب اليدوي والضرب ، وسوء الغذاء ، وتمام منتصف النهار ، ورضخت القيادة للمطالب ، وأكملنا بعدها التدريبات في المعسكر بعد أن تم إبعاد الطلبة الحربيين ، وإستبدالهم ب ( تعلمجية ) محترفين ، وحينها ظهر الفرق بين الخبرة ، والإستعراض ..

حقيقة بعدها أصبحت بيننا وبين التعلمجية علاقات جميلة بعضها إستمر إلى يومنا هذا ، وبعضها أصبح في الذاكرة ، ونسينا تلك الأيام القاسية التي مارس فيها الطلبة الحربيون قساوة الكلية الحربية علينا ونحن مازلنا طلاب ثانوي ، ولكن مالفت نظرنا حينها ، تلك الغرفة المليئة بكل مالذ وطاب من الغذاء والكساء ، وكل من يزور تلك الغرفة ، يصبح من أهل الحظوة ، ( والمحسنات الغذائية ) والراحة الجسدية من تمام النهار والليل ، فتسللنا ذات ليل هرباً من تمام الساعة التاسعة ، بحجة أننا من الجماعة أياهم ، وذهبنا هناك خلف المعسكر لنرى العجب العجاب ، حلقات من أركان النقاش ، ونقد لكل الأفكار العلمانية ، والطائفية ، ولم يسلم حتى أنصار السنة من سخريتهم ، نعم كان هناك إستقطاب حاد من قبل الحركة الإسلامية للطلاب داخل المعسكرات ، وإغراءات عجيبة ، وتميزهم عن باقي الطلاب ، بالغذاء الجيد ، والراحة ، وتفويجهم لخارج المعسكر لتلقي ندوات لغسيل المخ ، ونفس الصورة كانت هناك في الجانب الآخر ، حيث كان بين الجنود والطلبة الحربيين فارق عجيب ، ومن المعروف أن طلاب الكلية الحربية يمرون بفلترة دقيقة جداً قبل قبولهم ، وتم تدريجياً تسيس المؤسسة العسكرية وبإعترافهم اليوم ، ولكن ظل حال الجنود وضباط الصف كما هو ، وهذا ماجعل بيننا وبين الجنود وضباط الصف داخل المعسكر علاقة جيدة وأخوية ، نعم للحق لقد تعاملوا معنا بكل إحترام وتقدير ، كما انهم عرفوا ، ماسيحدث للطلاب من تفويج لمناطق العمليات دون علمهم ، ( والجميع يذكر تلك الأيام ) ، نعم ذات التمييز الذي حدث لنا داخل المعسكرات ، هو ذات التمييز الذي يحدث بين الجنود وضباط الصف من جانب و الدفاع الشعبي وكتائب المجاهدين والبنيان المرصوص والدبابين من الجانب الآخر ، وهذا التمييز هو ما أضر بالقوات المسلحة ، فالمليشيات الموجودة اليوم في الساحة أصبحت خصماً على القوات المسلحة ، وخصم على تاريخها ومسيرتها ، وأصبحت هذه المؤسسات موازية للجيش ، حتى عندما نسمع تصريحات الوزراء والمسؤوليين ، نجد هذه المؤسسات مقرونة بإسم قواتنا المسلحة دون أي تمييز ، ( التحية للقوات المسلحة ، والدفاع الشعبي ، والمجاهدين ، وقوات الامن ، الخ ) ، وهكذا أصبحت المؤسسة العسكرية لها مؤسسات موازية تقوم بمهامها ولكن دون مسؤوليات ترقى لمسؤولية الجيش ..

واليوم تحويل الصراع في الساحة إلى صراع ديني ، وجهاد وإستشهاد ، دون الإتعاظ بحرب الجنوب التى جلبت على البلاد كل مصائب هذه الحروبات الدينية ، سيقود الصراع الحالي إلى صراع أشد ضراوة من حرب الجنوب ، وأشد ضرر من حرب الجنوب ، وأشد كارثة ، فمايحدث في غرب السودان خطورته أكبر في حالة الإستمرار في المسيرة الجهادية للنظام ، ونتمنى أن ينظر جميع الأطراف للصراع بالزاوية الصحيحة ، وهى زاوية الحوار والتفاوض ، فغداً سيجلس جميع الأطراف ، وسيأتي الجميع للخرطوم ، ولكن بعد أن تراق دماء كثيرة ، دون فائدة ، ودون هدف معين ، ودونكم وحروبات الجنوب ..

ولكم ودي ؟..
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. The Pan Arab and Islamist ideology that has permeated the Sudanese community to the extent that some elements of the riverain pseudo Arabs have deemed the struggle as one of existence or no-existence will only destroy Sudan. the current struggle in Sudan is partly fueled by foreign ideology that penetrated the country initially from Egypt where an ugly Islamic thinking was imposed on the Sudanese population in total disregard to the diverse nature of our community. That is why you can see how some Arab and Islamic countries deeply involved in the conflict out of their desire to capture the whole country in favour of a very tiny segment of the Sudanese population, while the true Sudanese patriots are fighting with their bare hands without anyone providing with the necessary means of defense. But it should be taken into account that the will of the indigenous Sudanese people will triumph in the final analysis and the agents of the foreign forces.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..