أدونا فندقكم .. ندق ونديكم !!

في طفولتنا إنتشرت موضة الرقصات الغربية مثل (الجيرك) و(التوستي)، وكانت مهارة (دق الجيرك) الذي يعتمد على حركة الأرجل على الجانبين، خطوتين يمين وخطوتين شمال، ومهارة (لعب التوستي) والتي تعتمد على الزحلقة والإنزلاق مع حركات الوسط نصف الدائرية .. كانت تعتبران سيدتي ساحات الرقص في المناسبات، كما إشتهرت معهما أغاني مصاحبة صنعتها المغنيات لتشابة في لحنها وايقاعاتها أيقاعات موسيقى الجاز والروك أند رول، ومن أطرف تلك الأغنيات والتي كنا لا نمل من ترديدها والرقص على انغامها أثناء زحلقتنا على الطين الناتج من بقايا مياه الأمطار أو على طش الغسيل الممتلئ بالماء والصابون كلما جازفت الوالدة وطلبت منا مساعدتها في الغسيل، فقد كنا نستغل غفلة عين رقابتها ونتسابق للوقوف على الطش ورقص التوستي عليه مع أنغام الأغنية:
يا حاجة دقي لينا الكاروشة
يا حاجة طوّلي الجبون ده
ياحاجة قصّري الجبون ده
( يصاحب هذا المقطع الانخفاض للأسفل أثناء الرقص ثم الأرتفاع لأعلى كناية عن طول الجبون (الإسكيرت) أو قصره).
ثم تليه كسره لطيفة نغني فيها:
أدونا فندقكم .. ندق ونديكم
كان أبيتوا تدونا .. الكاروشة تمسكم
كنت أنتوي أن أتخذ هذا المقطع الأخير كمدخل لكتابتي عن الشحدة وتبادل المنافع بين الجيران، ولكن نتيجة الخرف المبكر وجدت نفسي أنزلق واتزحلق وراء التوستي وأترك خلفي موضوعنا الأساسي على طريقة سياسة بسمارك الداخلية بدلا عن سياسته الخارجية.
ما علينا أحسن نخلينا من الرقيص ونرجع لمرجوعنا الأولاني، فالتعامل بين الجيران والتكامل الإقتصادي بينهم كان في السابق سمة من سمات مجتمعنا المتكافل المتراحم، فمع رقة الحال وبساطة الحياة قد يخرج الأب للبطش والسعي لكسب الرزق دون أن يترك خلفه ما يقيم أود العيال وامهم، ولذلك تلجأ ربات البيوت لسياسة (أدونا ونديكم) .. تديني حبة دقيق عيش (قبضة قبضتين) وأديك حبة لوبيا أو فاصوليا .. بصل .. طماطمايات .. حبة زيت .. كتحة كتحتين ويكة وغيرها من مكونات الحلة والتي تتشاركها ربات البيوت دون حرج، فالإجراء دائري وما (أشحده) اليوم أقوم برده غدا، وهكذا ينعم الجميع بوجبة الغداء في تكافل هو جوهر ما دعانا الإسلام إليه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع) وقال: (وما من أهل قرية يبيت فيهم جايع ينظر الله إليهم يوم القيامة) صدق رسول الله.
وينسحب على منظومة شحدة الجيران بقية الإحتياجات من الأدوات المنزلية كمثلنا الأول (أدونا فندقكم ندق ونديكم) .. مفرمة اللحمة .. فرامة الملوخية، ثم مع دخول الأصناف العربية لموائدنا صاحبتها شحدة قرقارة المحشى وصينية الكنافة أو حلة الكيك (المقدودة من النص)، كذلك شحدة العدّة في الطوارئ عند حضور الضيفان حيث يتسابق الشفع ويتصايحون للمرسال رغم وصيتهم بالتكتم والتحدث همسا من وراء ظهور الضيفان، ينطلقوا لبيت الجيران صائحون:
أمي قالت ليكم أدونا صحانة الصيني حقتكم نغرف فيها الغدا للضيفان.
أو
قالوا ليكم أدونا صينيتكم الكبيرة وكبابي الشربات حقتكم عشان جونا ضيفان.
وعند العودة بالعدة المطلوبة لا يتحرج العيال من المرور بها بين يدي الضيوف، رغما عن التشديد المسبق عليهم بإحضارها عبرالحيطة أوالزقاق الورا.
مرت أزمان وتغير الحال بتغير جيل الحبوبات والأمهات بجيل آخر من ربات البيوت اللاتي يعملن بسياسة الفسالة والكعابة البينة (ويمنعون الماعون)، وظهرت معه مصطلحات (يخربني ما عندي) و(يبقى لي بي نار كان عندي) كلما إحتاجت جارة لجارتها وسعت إليها بالشحدة، رغم أن الغرض المشحود قاعد يعاين ويسمع في الحلايف البي الكضب، بل وواكبها أدب النكتة كتلك التي تحكي عن جارتين (متكاجرات) تصادف ركوبهن البنطون مع بعض وقبل وصوله للضفة الاخرى سقطت إحداهن في الماء فمدت لها رفيقتها الكوز قائلة:
عليك الله ناوليني حبة موية في الكوز ده.
فما كان من رفيقتها الفسلة إلا أن قالت:
يخربني ما عندي غير الواقعة فيها دي.‬

منى سلمان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. قلتي يا أستاذة الاغنية القلتيها في مقدمة المقال دلالة على تبادل المنفعة بين الجيران !!!
    بجد يا عندك برأءة الاطفال وما عارفة المعنى الحقيقي أو فعلا أصابك الخرف المبكر

  2. (تديني حبة دقيق عيش (قبضة قبضتين) وأديك حبة لوبيا أو فاصوليا .. بصل .. طماطمايات .. حبة زيت .. كتحة كتحتين ويكة وغيرها من مكونات الحلة)
    أقول شنو .. غير زرف الدموع مافي شئ.. حسبي الله و نعم الوكيل في الفساد و أهله

  3. أدونا فندكم دي أغاني قاع المدينة يا استاذة منى صحيح كانت رائجة لكنها من تمتم الآنادي. الفكرة بتاعة المقال رائعة ومعاشة، شكرا.

  4. نعم فهمنا القصة قصدك الكيزان ما عندهم فهم آسف ماعندهم موية غير السياسة الخبيثة الواقعين فيها دى

  5. جريزلدا الطيب الله يطراها بالخير تسرد بصودانية اسرة بعض الضيافات السودانية : خصمتك بالنبي اشربي ليك عصير , وتسمعها تقول لجارتها بالحيطة : الرسول ما عندك ليمونة وشوية سكر ! وتضحك جيرازلدا لبساطة الحياة في ذلك الزمن الجمبل

  6. الكلمة المتداولة فندك وليس فندق ففي ذلكم الزمن الغابر الجميل كنا نعرف الفندك اما الفنادق فهي للخواجات

  7. ياسلام رجعتينا للزمن الجميل زمن الجسيران اسره واحده والباب فاتح فى الباب اسع جحارك بالحيطه مايكون عارف عنك او انتا عارف عنو حاجا سبحان الله مشاغل الحياه مسحت اى حاجه جميله فينا . منو العوض وعليهو العوض.

  8. بحف كتاباتك ممتعة ولا تخلو من همس يفهمه من يفهم ويجهله من يجهل وكثيرا ما تذكريني بالكاتبه سلمى سلامة رد الله غربتها . شكرا لك ارجو الا ينقطع هذا الوصل بينك وبين قرائك .

  9. رجعتينا للزمن الجميل يابت سلمان زمن الجار هو سيد البيت والعكس زمن مافى حواجز بين الجيران رغم الحيط الفاصله كان التداخل والمقيله والاكل السوا والجبنه ياسلام زى مابقولوا كانت (أيام لها إيقاع) ياترى هل سيعود ذاك الإيقاع يوماً ما؟ لاأظن ذلك.

  10. الغريبة والله قبل ما أقرأ مقالك ده كنت انا واحد صاحبي بنتونس ونجتر في الذكريات في زي كلامك ده ؟ وكنت بقول ليهو انا كان بيرسلوني السوق وكنت بمشي اجيب ربع كيلو لحمة ! ربع كيلو ! كان بيشدو منو حلة الملاح نتغدا بيها وكنا في البيت حوالي عشرة انفاس وكما تبيت نفطر منها الصباح بس عليك الله عاوز اعرف البركة الفي ربع الكليو لحمه دي راحت وين ؟

  11. هووووووووووووووى هوووووووووووووووووى
    الغنية دى حقتنا
    وحقوق الطبع والنشر برضو حقتنا
    ماتلعبى بالنار
    اسحق فضل
    عن هئية الدفاع عن الهندى الذى اصبح ” من المغضوب عليهم والضالين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..