تداعيات تشكيل تحالف الجبهة الثورية السودانية

خالد التيجاني النور

أثار الإعلان عن تشكيل تحالف جديد من أربع حركات من كبرى فصائل المعارضة المسلحة تحت اسم الجبهة الثورية السودانية بهدف إسقاط حكومة الرئيس عمر البشير ردود فعل لافتة دولياً ومحلياً، كما أثار تساؤلات حول المتغيرات المحتملة لهذا التطور في المواجهة بين الطرفين، والمسارات التي يمكن أن تتخذها موازين القوى الجديدة سياسياً وعسكرياً، وتأثير ذلك على مستقبل الأوضاع السياسية في البلاد.
أطراف التحالف: قوس دارفور والجنوب
أطلق الإعلان السياسي الذي وقعه ممثلو أربع حركات معارضة مسلحة في الحادي عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ببلدة كاودا، الواقعة في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، تحالف الجبهة الثورية السودانية، المشكل من ثلاث حركات مسلحة دارفورية هي حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال- بقيادة مالك عقار والتي كانت تمثل قطاع الشمال للحركة الشعبية الأم التي استقلت بجنوب السودان في يوليو/تمو? الماضي.
ويشار إلى أن اثنتين من هذه الحركات كانتا طرفاً في اتفاقية سلام موقعة مع الحكومة السودانية، هما الحركة الشعبية بزعامة مالك عقار والي ولاية النيل الأزرق المنتخب الذي عزله الرئيس عمر البشير من منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي عقب اندلاع قتال في الولاية بين قواته والجيش السوداني والذي سبقته عودة الحرب بين الطرفين في جبال النوبة في يونيو/حزيران الماضي قبل شهر من انتهاء الفترة الانتقالية وانفصال جنوب السودان.
وحركة تحرير السودان بزعامة أركو مناوي كبير مساعدي الرئيس السوداني السابق الذي وقع اتفاقية أبوجا للسلام في دارفور مع حكومة الرئيس البشير في العام 2006، والذي عاد للمعارضة المسلحة العام الماضي بعد اتهامه للحكومة بعدم التطبيق الكامل للاتفاقية، وعدم إعادة تعيينه في موقعه في الحكومة التي شكلها البشير بعد الانتخابات في أبريل/نيسان 2010 بتهمة عدم تطبيق الترتيبات الأمنية في الاتفاقية.
وكانت حركة العدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم دخلت في مفاوضات مطولة مع الحكومة السودانية في الدوحة بوساطة قطرية ووقع الطرفان اتفاقاً إطارياً لتسوية أزمة دارفور في فبراير/شباط 2009، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بينهما، لكن حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور ترفض التفاوض مع الحكومة السودانية منذ رفضها التوقيع على اتفاقية أبوجا للسلام في دارفور في العام 2006 بعدما كانت أقرب الفصائل المتفاوضة لتوقيع اتفاق وقعه فصيل مناوي المنشق عليها.
ويشار هنا إلى أن هذا التحالف الجديد تشكل أصلاً في أغسطس/آب الماضي من ثلاثة أطراف وقعت على «وثيقة كاودا»، وجاء الإعلان عن تشكيل الجبهة الثورية بعد انضمام حركة العدل والمساواة إليه.
أهداف التحالف: إسقاط النظام
أعلن تحالف الجبهة الثورية السودانية في بيانه التأسيسي أن هدفه الرئيس هو «إسقاط نظام المؤتمر الوطني الحاكم بكل الوسائل المتاحة»، وإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية وفق دستور جديد «لإيجاد سودان ديمقراطي، لا مركزي، ليبرالي، موحد على أساس طوعي».
وبرر التحالف هدفه الساعي إلى إسقاط حكومة البشير بأن «نظام المؤتمر الوطني لم ولن يستجيب للحلول السياسية العادلة إلا تكتيكياً ومراوغة لإطالة عمره في السلطة». وأنه أصبح «مثالاً في نقض العهود والمواثيق.
وتبنى التحالف في إعلانه السياسي مبادئ دستور جديد يقوم «على فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسية»، في صياغة قصدت تجنب الإشارة صراحة إلى إقامة دولة علمانية لإرضاء حركة العدل والمساواة التي تحفظت على ذلك في «وثيقة كاودا» الأولى التي وقعتها الحركات الثلاث الأخرى قبل بضعة أشهر.
وتضمنت المبادئ إقرار الوحدة الطوعية لجميع أقاليم السودان، وتأسيس نظام حكم لا مركزي، ، ديمقراطي يقوم الحكم فيه على إرادة الشعب، وتقوم الحقوق والواجبات على أساس المواطنة والمساواة الكاملة دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو النوع، وكفالة حرية الاعتقاد الديني، والانتماء الفكري، وإقرار مبدأ تقاسم السلطة والثروة على أساس نسبة سكان الإقليم مع تطبيق نظام التمييز الإيجابي للأقاليم والمناطق المتأثرة بالحرب.
ويدعو التحالف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية عقب تحقيق هدف «إسقاط النظام»، تدير الحكم لفترة انتقالية مدتها ست سنوات وفق دستور انتقالي، وإجراء انتخابات عامة «حرة ونزيهة على المستويات كافة وفقاً للمعايير والرقابة الدوليين.
وقال رئيس الحركة الشعبية/قطاع شمال السودان مالك عقار إن تحالف الجبهة الثورية لإسقاط النظام السوداني لن يكون محصورا في الحركات الأربع وإنه سيشمل المعارضة السودانية بأكملها، مضيفاً أنها «ستتعامل مع نظام الخرطوم عبر منهجين هما الحرب التقليدية وحرب العصابات المنظمة».
ردود الفعل الداخلية: استنفار النظام
قللت الحكومة السودانية في بادئ الأمر من شأن تحالف الجبهة الثورية وهدفه المعلن «إسقاط النظام» حيث اعتبر وزير الإعلام كمال عبيد « ما صدر عن الحركات المتمردة ليس فيه جديد، ويعكس حالة اضطراب داخل هذه الحركات، ذلك أن بعضا منها فشل في كثير من البرامج السياسية التي شارك فيها إبان الفترة الانتقالية، وفشل في أن يقدم شيئا «، إلا أنه عاد ووصفه بأنه « عمل عدائي ترعاه حكومة جنوب السودان»، وهو ما نفاه نائب رئيس برلمان جنوب السودان أتيم قرنق معتبراً أن الاتهام محاولة استباقية من الخرطوم لتبرير دعمها للمنشقين على حكومة ال?نوب.
بينما اعتبر نائب رئيس الحزب الحاكم نافع علي نافع التحالف الجديد بأنه «امتداد لتحالف جوبا» في إشارة للتحالف المعارض الذي تأسس قبل الانتخابات العامة التي أجريت السنة الماضية وضم الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة السودانية الرئيسة، ووصفه بأنه أداة «للتآمر الخارجي والاستعمار الغربي»، وأعلن عن موقفين أساسيين تجاه تحالف الجبهة الثورية، أولهما أن القوات المسلحة «ستحسم التمرد عسكرياً» في إشارة إلى الحركة الشعبية قطاع الشمال التي ما تزال تخوض حرباً مع الجيش السوداني في منطقة جبال النوبة بعدما فقدت معقلها الرئيس في مدي?ة الكرمك بولاية النيل الأزرق التي سيطر عليها الجيش السوداني مطلع الشهر الجاري، والموقف الثاني تجاه حركات دارفور المسلحة الثلاث في التحالف الجديد حيث أعلن في مؤتمر الحزب الحاكم الذي عقد بالفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور هذا الأسبوع «أنه لا مجال لفتح أي تفاوض جديد مع أي حركة مسلحة، وأن اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور هي آخر محطة للحوار مع حامل سلاح»، لافتاً إلى أن باب الحوار الوحيد المتاح «النظر في استيعابهم وظيفياً».
ردود القوى السياسية السودانية: رفض السلاح
في بيانه التأسيسي دعا تحالف الجبهة الثورية السودانية «القوى السياسية السودانية والحركات المسلحة، والشعب السوداني والشرفاء في القوات النظامية» للانضمام إليه «بناءً على الأسس والأهداف» التي أعلنها، بيد أن الاستجابة لهذه الدعوة غلب عليها التحفظ أو الانتقاد، وباستثناء مؤتمر البجة بشرق السودان وحركة تحرير كوش غير المعروفة بشمال السودان، لم تعلن أية جهة انضمامها للتحالف الجديد.
فالصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض الذي يعتبر أن»السودان يواجه كارثة كبرى»، ويتبنى الدعوة إلى «تغيير النظام» سلمياً، بدلاً من «إسقاط النظام» بالقوة خشية انفراط عقد البلاد إلى دويلات، فقد انتقد إعلان تحالف الجبهة الثورية السودانية إسقاط النظام بالقوة لأن من شأن ذلك استدعاء التدخل الغربي، قائلاً « إنه لا داع لتكرار التدخل الغربي في ثورة ليبيا، وذلك لأن السودان يمكن أن ينقسم إلى دويلات صغيرة بسبب الاختلافات العرقية والقبلية والدينية». وقال إن السودان يمكن أن يسير على غرار تجربة أميركا اللاتينية في تغيير ال?كم العسكري سلمياً إلى حكم ديمقراطي، مشيراً إلى دول مثل البرازيل وأوروغواي.
أما المؤتمر الشعبي المعارض، بزعامة حسن الترابي، فقد أعلن اتفاقه مع مضمون الإعلان السياسي لتحالف الجبهة الثورية وهدف تغيير النظام غير أنه «يختلف معه في الوسائل»، حسب تعبير كمال عمر المسؤول السياسي للحزب.
ردود الفعل الدولية: الالتزام بالتفاوض
لعل ردود الفعل الدولية كانت مفاجئة لتحالف الجبهة الثورية السودانية الذي كان يتوقع منها موقفاً مشجعاً على خلفية التوتر بين القوى الغربية وحكومة الرئيس عمر البشير، لكن جاء موقفها بخلاف ذلك فأدانته الأمم المتحدة، فيما اكتفت الولايات المتحدة بانتقاده.
ففي بيان صحافي أعلن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة «نحن ندين أخبار تأسيس تحالف عسكري جديد بين بعض حركات التمرد في دارفور والحركة الشعبية الشمالية والذي دعا إلى استخدام القوة ضد الحكومة السودانية».
كما أدان ايرف لادسوس، رئيس عمليات حفظ السلام لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إعلان التحالف الثوري، قائلاً «هذه خطوة أخرى في نمط من التصعيد سيأتي بنتائج عكسية»، وأضاف أن «الأمم المتحدة مستمرة في التشديد على أنه يجب على كل أطراف الصراعات المختلفة وحكومة السودان بمناطقها الحدودية العودة إلى مائدة التفاوض وحسم خلافاتها من خلال الحوار السياسي».
أما الإدارة الأميركية فقد انتقدت على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة للإطاحة بحكومة الرئيس السوداني عمر البشير، وقالت إن الحرب لن تحل المشكلة. وقال في تصريح صحافي إن « الولايات المتحدة تؤيد تغيير النظام في السودان عن طريق عملية ديمقراطية شاملة». وأضاف « الولايات المتحدة تؤيد الجهود غير العنيفة لتحويل السودان إلى دولة أكثر انفتاحاً، وديمقراطية. نحن لا نعتقد أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق عن طريق وسائل العنف. ونحن قلنا رأينا هذا لهذه المجموعات (المسلحة). وقلنا لهم إن هدف?م المتمثل في تأسيس نظام حكم ديمقراطي يجب أن يتحقق بإشراك حكومة السودان في حوار سياسي، بدلاً من الاشتراك في صراعات مسلحة».
ودعا المسؤول الأميركي « جميع الأطراف إلى وقف الأعمال العسكرية.» وطالب «حكومة السودان والحركة الشعبية في الشمال إلى العودة إلى مائدة المفاوضات لا يجاد حلول، عن طريق التفاوض السياسي والعسكري، لمشاكل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق» مع الاستعجال بالوصول إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار.
ومن الواضح أن الموقف غير المشجع من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة تجاه إعلان الجبهة الثورية السودانية لا يتعلق بالهدف السياسي للتحالف وهو تغيير نظام الحكم في الخرطوم، بل بتوجهها لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق هذا الهدف، وهو أمر من شأنه توسيع نطاق الحرب الأهلية في السودان وما يترتب على ذلك من تبعات وتداعيات، أهمها تعريض دولة جنوب السودان الوليدة لخطر الانزلاق مجدداً إلى أتون حرب شاملة مع الشمال بعد أشهر قليلة فقط من استقلالها، وهي لا تزال تحتاج إلى الوقت وكثير من الجهود لتأسيس بنيات أولية لدولة جديدة م? تزال تعاني من آثار ويلات الحرب. إذ من المؤكد أن يؤدي توجه التحالف الجديد إلى استخدام القوة ضد حكم البشير إلى إشعال حرب بالوكالة نظرا للروابط التاريخية لأعضاء الحركة الشعبية في كل من السودان وجنوب السودان، علاوة على تبادل الخرطوم وجوبا الاتهامات بشأن دعم كل منهما لمعارضي الطرف الآخر عسكرياً.
وللإدارة الأميركية سبب آخر في عدم تشجيعها تحالف الجبهة الثورية فقد دعت في بيان لها إلى استئناف المحادثات بين الخرطوم وحركات دارفور غير الموقعة على وثيقة الدوحة للسلام في دارفور، وذلك في ختام ورشة عمل ناقشت قضية السلام في الإقليم نظمها المعهد الأميركي للسلام بالتضامن مع مكتب المبعوث الخاص للسودان، وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أصدرته الأربعاء بأن الورشة نجحت في إثراء نقاش بناء حول دارفور. واعتبرت وثيقة الدوحة لسلام دارفور خطوة للأمام لسلام دارفور وحثت الموقعين عليها لتنفيذها بشفافية كاملة. و دعت وا?نطن الحكومة السودانية وكل الحركات المسلحة لتحقيق أهدافهم من خلال الوسائل السلمية محذرة من أن «المطالب غير الواقعية ربما تشكل خطرا على عملية سلام دارفور».
وحثت الخارجية الأميركية كذلك الخرطوم على المرونة في تعاملها مع الحركات المسلحة، في إشارة منها إلى السقف الزمني الذي حددته الخرطوم بـثلاثة أشهر للالتحاق بوثيقة الدوحة بعد التوقيع عليها من الحكومة وحركة التحرير والعدالة في يوليو/تموز الماضي.
المتغيرات الجديدة: ضياع فرص الاستقرار
بالنظر إلى طبيعة الصراع على السلطة على امتداد العقدين الماضيين من عمر نظام الحكم الحالي والتي غلب عليها اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية بين النظام ومعارضيه واتخذت أشكالاً وتحالفات شتى، فمن الصعب القول بأن تحالف الجبهة الثورية السودانية يشكل متغيراً جديداً غير معهود في المشهد السياسي السوداني، بل يشكل بالأحرى امتداداً لسيرة طويلة من المعارضة المسلحة، ومن الملاحظ أن أياً من تلك المواجهات العسكرية بين الحكم والمعارضة لم تنته بنصر عسكري حاسم لأي من الطرفين، وكانت طاولة المفاوضات على الأغلب هي الساحة التي يحت?مان إليها، ولذلك عرف السودان سلسلة من المفاوضات وسيلاً من اتفاقيات السلام، وهي إن أفلحت أحياناً في إسكات أصوات المدافع لحين إلا أنها لم تفلح أبداً في وضع نهاية للصراع المسلح وحالة عدم الاستقرار.
غير أن المعطيات الراهنة المحيطة بالوضع في السودان تجعل من شأن التحالف المعارض الجديد أن يمثل عامل ضغط أكثر قوة على نظام الحكم، ليس بالضرورة عسكرياً، إذ أنه ينذر بتبديد مكاسب أهم اتفاقيتي سلام حققهما النظام، اتفاقية السلام الشامل للجنوب، واتفاقية الدوحة للسلام في دارفور.
فحكومة الرئيس البشير خسرت أكبر أوراقها حين راهنت على مقايضة السلام بانفصال الجنوب، ولم تمض أشهر قليلة حتى بدأ يتحقق السيناريو الأسوأ الذي كان البشير يحذر من حدوثه «أن تخسر البلاد وحدتها ولا تكسب السلام»، فقد عادت الحرب إلى جبال النوبة بجنوب كردفان، وإلى جبال الأنقسنا بالنيل الأزرق، وتتوتر الأوضاع على طول الحدود مع الجنوب في ما ينذر بعودة حرب شاملة.
وانضمام ثلاث من حركات دارفور المسلحة إلى التحالف الجديد يشكل تهديداً جدياً لفرص نجاح اتفاقية سلام دارفور التي حظيت بسند دولي، علاوة على أن هذا التحالف يمد حركات دارفور بأسباب حياة جديدة من خلال التحالف مع دولة جنوب السودان مما يوفر لها عمقاً افتقدته بسقوط نظام القذافي في ليبيا، وصمود المصالحة بين حكومتي تشاد والسودان.
وفضلاً عن الضغوط المتزايدة على الحكم في الخرطوم بفعل سمعة عدم الاستقرار السياسي التي يضفيها إعلان التحالف الجديد بغض النظر عن جدية تهديده العسكري لسلطته، فإن ارتفاع وتيرة المعارضة المسلحة سيضر بشدة بجهود الخرطوم لتدارك أوضاعها الاقتصادية الآخذة في التردي بشدة منذ انفصال الجنوب بسبب فقدانها عائدات النفط التي كانت توفر الموارد الرئيس لموازنة الدولة وحاجتها للنقد الأجنبي، وستجد الحكومة نفسها مجبرة على إنفاق المزيد من الموارد المحدودة أصلاً في الحفاظ على قدراتها العسكرية، أو تحسينها، لمواجهة أي تصعيد من جانب ?حالف الجبهة الثورية.
المسار المرجح: التفاوض بعد الإنهاك
تحتمل تطورات الأحداث في السودان ثلاثة مسارات على ضوء إعلان تحالف المعارضة المسلحة الجديدة.
المسار الأول: أن تنجح الجبهة الثورية في دعوتها للقوى المعارضة كافة للانضمام إليها لتصبح بؤرة لمعارضي النظام، وأن تتعزز هذه الجبهة بثورة شعبية، وحدوث تصدع في القوات المسلحة، فتزحف على مركز السلطة على غرار النموذج الليبي. وهو سيناريو لا يبدو قابلاً للتكرار في ظل المعطيات الراهنة، فالقوى السياسية المعارضة الرئيسة وإن اتفقت مع الهدف السياسي للتحالف بضرورة تغيير النظام أو إسقاطه إلا أن أياً منها لم يبد استعداداً لقبول نهجها في استخدام القوة العسكرية وسيلة لتحقيق ذلك الهدف، أما شعبياً، في الوسط النيلي، فلا يحظى ?لتحالف الجديد بترحيب على خلفية طابع مكوناته المستندة في نظريتها السياسية على صراع الهامش والمركز بكل مضامينه وإحالاته والتخوف من تبعاته.
إضافة إلى ذلك فإن القوى الدولية الكبرى لا تبدي حماسة لنهج التحالف الجديد خشية أن يؤدي نموذج الحرب بالوكالة بين الشمال والجنوب إلى عودة الحرب الشاملة، وانعكاس ذلك سلبياً على دولة الجنوب الوليدة التي ما تزال تتلمس طريقها؛ فلذلك من المستبعد أن توفر القوى الغربية غطاءً عسكرياً دولياً للمعارضة المسلحة السودانية على غرار ما جرى في ليبيا.
والمسار الثاني: المحتمل أن تنجح الحكومة السودانية في الاستفادة من معطيات عدم الحماسة الواسعة حالياً، محلياً ودولياً، لتحالف الجبهة الثورية الجديد، فتعمد إلى توسيع قاعدتها السياسية بإشراك قوى سياسية معارضة في السلطة لتخفيف الضغوط السياسية عليها، كما تنجح في الوقت نفسه في الحفاظ على تفوقها العسكري الراهن على المعارضة المسلحة بعد فرض سيطرتها على النيل الأزرق، ومحاصرة تمرد الحركة الشعبية في منطقة جبال النوبة ومنعه من التمدد، وكذلك الحفاظ على حالة التوازن العسكرية الحالية في دارفور التي تراجع فيها نشاط الحركات ?لمسلحة إلى حد كبير. غير أن ما يقلل من احتمال نجاح الحكومة في تحقيق مكاسب حاسمة هو استمرارها في نهج الهيمنة السياسية الذي لا يتيح إلا كوة صغيرة لتوسيع قاعدة الحكم، كما أن طبيعة المواجهة العسكرية مع المعارضة المسلحة يغلب عليها نمط حرب العصابات غير النظامية مما يصعب حسمها عسكرياً، فضلاً عن أن طبيعة المناطق الجغرافية في جبال النوبة والأنقسنا ودارفور قد تشكل موئلاً آمناً للحركات المسلحة مما يجعلها عامل استنزاف مستمر.
المسار المرجح: وفي ضوء محدودية فرص احتمال أن يفرض أياً من الطرفين أجندته على الطرف الآخر يبقى الاحتمال الأكثر رجحاناً في المستقبل المنظور أن تستمر حالة توازن قوى بين الطرفين لا تعطي لأي طرف انتصاراً حاسماً، وهي شبيهة بحالة اللاحرب واللاسلم واللاستقرار التي طغت على المشهد السوداني طوال العقدين الماضيين، غير أن هذا المسار ليس مرشحاً للاستمرار لفترة طويلة، وهو ما يعني المزيد من الإنهاك للقوى المتصارعة، وهو ما سيقود في نهاية المطاف تحت ضغوط كثيفة من القوى الدولية الكبرى إلى إعادة الأطراف للتفاوض من جديد على تس?ية سياسية للصراع على السلطة.
لمركز الجزيرة للدراسات المصدر: تقدير موقف أعده الكاتب

الصحافة

تعليق واحد

  1. تحليل عمي من الكاتب جزاه الله خيرا وكما ال أن الحل الأخير هو المرجح وهو أن يصيب الانهاك اطرفين فيجلسوا للتفاض وهذا الانهاك لعامة الشعب النصيب الاكبر منه من تتيل وتشريد وجوع ومرض لذا على هذه الأطرف الملعونة جميعها معارضة وحكومة أن تجلس للتحاور وتصر الشر وترضى بالحلول الوسط حتى يأذن الله للشعب السوداني المسلم أن يغيرها جميعا ويقذب بها الى مزبلة التاريخ فالحكومة هي أسوأ ما مر على تاريخ السودان وهذه الحركات العلمانية العنصرية فهي مرفوضة من كل الوسط والشمال وأجزاء كبيرة من الغرب والشر وحتى الجنوب د بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر تجاه الاسلام ونموذج لعلمانيتهم كما ققالوا أعلن تحالف الجبهة الثورية السودانية في بيانه التأسيسي أن هدفه الرئيس هو «إسقاط نظام المؤتمر الوطني الحاكم بكل الوسائل المتاحة»، وإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية وفق دستور جديد «لإيجاد سودان ديمقراطي، لا مركزي، ليبرالي، موحد على أساس طوعي».

  2. لدى خبراء الإستراتيجية في "إسرائيل" رؤية تتمحور في أن السودان، بموارده الطبيعية

    الكبيرة، ومساحته الواسعة، وعدد سكانه الكبير، إذا ترك لحاله، فسوف يصبح أهم من

    مصر والسعودية .والعراق سابقا. , وسوف يصبح قوة هائلة تضاف إلى قوة العالم العربي.

    والاسلامي و كقوه مؤثره في افريقيا ….ومن هذا نري الاستهداف الاسرائيلي البين للسودان حاليا. في زعزعه امنه واستقراره كما نراها الان واضحه وجليه في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وبل بدأ يتقلقل في شمال السودان كما نراه الان فيما يسمي بمتضرري سد مروي وكانت لهم هنالك عده اليات كثيره ولاتحصي لتنفيذ هذه المهمه واخرها طائره التجسس التي مابرحت تفارق سماء السودان
    ومن هذه المعطيات لابد لنا ان نقف وقفه وطنيه مجرده من الحزبيه والطائفيه.
    …… ولكي يتحقق ذلك لابد ان يكون همنا الاول السودان بجميع احزابه وطوائفه وسحناته
    وعـــــــــــــــاش الســـــــــــــودان حـــــــــــرا ابــــيــــا

  3. الاخ موسى ميكائيل حتى لو افترضنا ان اسرائيل لها هذه الاجندة و انا ما بختلف معاك فى ان اسرائيل ما عايزه سودان موحد قوى فى جميع المجالات يكون دعما للقضية الفلسطينية العادلة و القضايا الاخرى لكن الا تتفق معى ان الذى ينفذ هذه الاجندة اناس سودانيون ضيقوا الافق و الخيال يريدون لكل السودانيين ان يسيروا خلفهم كالضان لانهم يملكون الحقيقة و الفهم و ان من يخالفهم الراى فى الهم الوطنى ما هو الا خاين و عميل و عدو للاسلام!! والله اسرائيل نفذت اجندتها عن طريق هؤلاء الما عندهم فهم ولا وطنية بدون ان تخسر مليم او جندى واحد لان العنده فهم و وطنية لا يحرم شعبه من الحرية و الديمقراطية و يقول لهم ما اريكم الا ما ارى و ما اهديكم الا سبيل الرشاد(فرعون قال هذا الكلام)!!! الشعوب المنقادة كالضان لا ترجى منها فائدة و تهزم ليك اسرائيل او تاخذ حقهابالقوة الناعمة او الخشنة!! الشعوب الحرة مالكة السيادة على وطنهاو التى حكوماتها تحترمها و تجتهد فى خدمتها و تعمل ليها الف حساب هى الشعوب البتخوف اسرائيل و غير اسرائيل و الكلام ده اى زول يخليه حلقة و يعلقه فى اضانه!!!!!

  4. اتمنى ان تتغير الحكومة اليوم واللحظة لكن والله ما حتابع جنس د يل النغيير حيجى

    انشاء الله من داخل السودان من رجال السودان فى الوقت الذى يشاء الله والطريقة التى يشاء

    ا لله ليس من ناس النهب المسلح الدخلوا القصر ولبسوا البد ل واستبدوا وسوو القدر وقالوا نحن

    السماء والقمر وهم سجم ورماد شى امريكا وشى اسرائيل والحكام يمشوا يعزو يشحد وا اللهم اجعلها

    سنة هجرية جديدة فى كل شىء

    ناس الراكوية الموقع الادارة وا لمعلقين المشاكسين والعا قلين وكتاب المقالات كل سنننننننننة وانتم

    طيبين ماتنسونا من الدعوات

  5. الاخ خالد
    من يريد ان يفهم دور التحالف الجديد في اسقاط النظام – لا يحتاج كثيرا في ان يقرأ ما يدور في واشنطن او الامم المتحدة – وانما ببساطة في ان سقوط النظام يعتمد على تقويض الآلية التي يراهن عليها وهي القبضة الامنية – وتشتييت هذه القوى في عدة جبهات سيضعف الامن ما سوف يجعل النظام في خبر كان – خاصة ورياح التغيير تقترب من الخرطوم كثيرا – ولا يوجد للنظام قوة يحارب في كل الجبهات – في ظل الفساد – وقلة الموارد – واعتقد انهم يدركون ان ايامهم اصبحت معدودة – و لايوجد لهم مخرج من هذه الازمة – وهناك من يريد منهم ان يغادر المركب قبل ان تغرق ولكن اين المفر ؟

  6. لو أسقط بند "فصل المؤسسات الدينه عن الدوله" عن هذا المانفيستو، لوجدتم مشاركات فعليه من شرائح كبيره من الشعب السودانى بالفطره لا بالكيزان و الجبهجيه.
    فإتخاذ الجبهجيه الدين مطيه لتحقيق هدفهم الظاهر فساده(الحكم ليس إلا) و من ثم إفساد العباد و البلاد، ليس حتما بالضروره يعنى إلغاء و طرح كل ما له علاقه بالدين الحنيف حتى يستقيم شأن الشعب السودانى ليكون على بر الحريه و الديمقراطيه و العداله الاجتماعيه. لأن هذه الأمور ثوابت فى ديننا بالأصاله. إنما أفيون الشعب السودانى هو النعرات العنصريه و ليس الدين!
    كلنا يعلم تماما أن هناك فئه ليست بالقليله من الشعب السودانى لا تقبل بتشريع الربا مثلا، و لا ترضى بإنتشار البارات و الملاهى الليليه التى أرادها مالك عقار فى مدينتى الدمازين، و أشياء أخرى تنافى ثقافاتنا!
    و لذلك ينبغى لكل التحالفات التى تبغى وحدة السودان و تسعى لإدارة التعدد الثقافى و الأثنى الواسع وسع السودان، لابد لها أن تنظر لهذا الشأن بعين الإعتبار! حتى لا يكون هناك تمرد و هامش آخر فيما بعد الكيزان!! خلاص كفانا سياسات إقصاء الآخر دى!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..