خريف ملوك الكرة

جميع العبارات التي تُعرّف بها البرازيل تبدو صغيرة إذا كان الأمر يتعلق بتقديم هذا البلد كروياً، يكفي أن تضع كلمة "البرازيل" على محرك البحث غوغل حتى ترى الكم الهائل من الصفحات المكتوبة عن الكرة التي سحرت العالم منذ عشرات السنين، ولربما صحح لك غوغل فيما لو كتبت البرازيل وكتب لك هل قصدت "ملوك الكرة"؟.

لكن الكرة البرازيلية اليوم ليست ملكة جمال اللعب وربما ليست إحدى الوصيفات، وليس النجم البرازيلي السابق سقراط وحده يرى أن متابعة منتخب بلاده الحالي "أمر صعب، ويدعو للملل"، بل العديد من مواطنيه والملايين من عشاق المنتخب البرازيلي لا يكادوا يصحون من صدمة كروية حتى تأتيهم أخرى منذ عام 2002 وحتى اليوم.

سقراط خَرَجَ عن الدبلوماسية والتأنق الصحفي في تصريحاته الأخيرة تجاه السيلساو حين قال: "البرازيل هَجَرت طريقتها الهجومية والمنتخب الآن يبدو غبياً، ولولا ظهور بعض الطفرات مثل نيمار فإنه سوف يتم تدميرنا في المونديال".

تصريحات سقراط تبعتها تصريحات للمدرب البرازيلي العجوز ماريو زاغالو انتقد فيها المنتخب الحالي والمدرب مانو مينيزيس وقال إنه إذا بقيت الأمور كذلك فسيلقى المنتخب العديد من الصعوبات، فهل بالفعل البرازيل في أزمة!

أسماء بلا أفعال

منذ تتويج منتخب السامبا بكأس العالم عام 2002 بنجومية جماعيّة لجيل مملكة الراء (رونالدو، ريفالدو، رونالدينيو، روبيرتو كارلوس)، انتظرَ عشاق السَحَرة رؤية امتداد أنضج لهذا الجيل، يُضاف إليه نجوم بقيمة كاكا وجونينيو وأدريانو وروبينيو، وبالتالي بدا الحفاظ على الكأس العالمية للمرة لثانية على التوالي وإضافة نجمة سادسة أمراً يكاد يكون في "الجيب الصغرى" في ألمانيا 2006، خصوصاً إذا عَلمت المنتخبات الأخرى أن "الكوتش" كارلوس ألبرتو باريرا الذي قاد البرازيل إلى إحراز كأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة، ومساعده ماريو زاغالو الذي حقق كأس العالم لاعباً عام 1958 ومدرباً عام 1970، هما في سدة القيادة لمنتخب بهذا الوزن.

هذا الثَقل جعل الصدمة أقسى، فالمنتخب الأصفر لم ينتقم لنفسه أولاً أمام نظيره الفرنسي الذي هزمه "شر هزيمة" في مونديال 1998، وخَرَجَ بخسارة جديدة منه، قد تبدو صغيرة بحجمها (0 – 1) في مونديال ألمانيا، لكنها مؤلمة جداً، وَدّع بها المونديال من الدور ربع النهائي، ليشعر مشجعو السيلساو بخيبة أمل كبيرة لم يشعروا بها منذ عام 1990 حيث آخر خروج لهم من الدور ربع النهائي بخسارة "غير مستحقة" أمام الأرجنتين بهدف كلاوديو كانيجيا.

وهم التوازن

أربع سنوات من النجاح على صعيد كوبا أميركا وكأس القارات وتصفيات كأس العالم، وحتى في المباريات الودية لا زالت أصوات المعلقين تصدح للأداء الخيالي للسامبا أمام إيطاليا ودياً في افتتاح استاد الإمارات شباط عام 2009 والفوز بهدفين لإيلانو وروبينيو.

كل ذلك لم يكن كافياً ليحمل المنتخب البرازيلي إلى أبعد من الدور ربع النهائي في كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا بخسارتها أمام هولندا 1 – 2، فهذا الجيل أصاب القلوب البرازيلية في مقتل حينها، إذ كان يقوده مدرباً أثار جدلاً واسعاً هو كارلوس دونغا.

قلب دفاع منتخب مونديال 1994 أوجد التوازن بين الخطوط الثلاثة ولم يخرج السيلساو إلا بأخطاء فردية لفيليبي ميللو وجوليو سيزار في مباراة هولندا كان ذلك أحد الآراء المدافعة عن دونغا، ومنهم من قال أنه أفقَد الأصفر سِحره بالحد من مهارات اللاعبين ولم يكن فوزه في مباريات الدور الأول ومباراة الدور الثاني إلا "بريق كاذب"، فعند أول مواجهة قوية انهزم السيلساو وخرج من الباب الصغير بوجوه خائبة، لكن بالتأكيد هؤلاء المُنتقدين (محللين وجماهير) لم يكونوا قد تعرفوا على منتخب مانو مينيزيس خليفة دونغا منذ 2010.

قمصان صفراء في الملعب

القمصان الصفراء التي بدأ المنتخب البرازيلي بارتدائها عام 1954 تكاد تكون العلامة الفارقة الوحيدة في الملعب التي تميز اللاعبين، منذ أن تسلم مانو مينيزيس التدريب.

ورغم عدم شهرة المدرب خارج "بلاد البن" إلا أنه لقي دعماً كبيراً من رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم ريكاردو تيكسييرا الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 1989.

فتيكسيرا دعم مدرب كورينثيانز السابق بعد أن كان الخيار الثاني خلف راميلو من فلومينينزي وقال عنه: "مينيزيس يتناغم مع المشروع الذي نعده لتجديد دماء المنتخب وقيادته للفوز بمونديال2014 "، ودافع عنه منذ قيادته لمباراة الولايات المتحدة الودية في العاشر من آب/ أغسطس التي استهل بها مينيزيس مسيرته بالفوز 2-0.

لكن المنتخب سقط في المباريات الودية الثلاث التي خاضها أمام منتخبات كبيرة وهي فرنسا والأرجنتين وألمانيا، كما ودع مبكراً بطولة كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا) التي أقيمت في الأرجنتين، مقدماً واحدة من أسوأ مشاركات السيلساو في البطولة الأقدم عالمياً عندما اكتفى بفوز وحيد وتعادلين، واختتم مسيرته بإهدار جميع ضربات الترجيح الأربع التي سددها لاعبوه بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي أمام الباراغواي.

هذه الطريقة بالإقصاء أعادت للأذهان البرازيلية الخروج من المونديال قبل عام، في بطولة يعتبرها البرازيليون "علامة خاصة" لمنتخبهم في السنوات العشر الأخيرة ما أصاب المشجعين بانكسار كبير جراء السقوط الجديد من الطوابق العليا.

وجاء تصريح مينيزيس عقب الخسارة ليصب الزيت على النار حين قال: "هذه المباراة ساعدتنا على أن نعرف أنه علينا المضي في نفس الاتجاه من أجل بناء فريق قوي يمثل ما تتطلع الجماهير البرازيلية لرؤيته".

بعد عام واحد من تولي مينيزيس المسؤولية، عَلَت الأصوات في وسائل الإعلام البرازيلية بالشكوك حول قدرات المدرب الذي يبلغ من العمر 49 عاماً.

وجاءت الهزيمة أمام المنتخب الألماني 2-3 لتفجر موجة أعنف من الانتقادات ضده، لكن هناك بالتأكيد من سيدافع عن اختيار المدرب… إنه رئيس الاتحاد البرازيلي تيكسييرا حين قال: "مواجهة الحقيقة رغم صعوبتها تكون أكثر فائدة من تحقيق انتصارات وهمية في المباريات الودية تتبعها هزائم كبيرة في المباريات الرسمية مستقبلاً".

ليس زمن البرازيل

تأتي الإجابات متناقضة من كل ناحية، فالبعض يقول أن هذا ليس زمن البرازيل، والبعض يؤكد أن النبع لا يمكنه أن يجف بهذه السهولة لكن عليه أن يغيّر مجراه… يغير فكره، وكثير من المُحللين والنقاد يشيرون إلى أن مركز القوة الكروية الآن يستقر في القارة العجوز، أكثر من نصفه في إسبانيا والنصف الآخر بين هولندا وألمانيا.

ولعل نصائح سقراط باختيار جوسيب غوارديولا المدير الفني لبرشلونة الإسباني ليقود منتخب "راقصي السامبا" تعزز هذا القول بقوة.

إذ يُلمّح طبيب الكرة البرازيلية أن المنتخب الحالي لا ينهج الهجوم في لَعبه كما هي هوية المنتخب البرازيلي في أذهان المتابعين: "من يلعب في خط دفاع برشلونة؟ إنهم غير قلقين من الخط الخلفي لأنهم يُهاجمون دائماً. لهذا أتمنى أن يكون غوارديولا مديراً فنياً لنا".

غياب المُلهم

بيليه, غارينشيا, ماريو زاغالو, توستاو، جيرزينيو, زيكو, سقراط, روماريو, بيبيتو, رونالدو وغيرهم من المُلهمين… ساهموا بمهاراتهم الفردية ولعبهم الجماعي وإلهامهم لزملائهم بصناعة اسم البرازيل الذَهبي وجعله الأكثر ارتباطاً بكرة القدم وكأس العالم.

ومن الواضح أن البرازيل حالياً تفتقر لوجود النجم "المُلهم" والقائد بعد تراجع أداء رونالدينيو وروبينيو وإصابات كاكا المتلاحقة.

لم نعد نرى المهارات الكروية التي سَحرت متابعي اللعبة الشعبية وانتزعت آهات السلطنة والطرب الكروي فالقطع الموسيقية لم تكن تحتاج لعناء التفسير، أما اليوم فيجد متابعو الكرة ومشجعو السيلساو صعوبة في تقبل نتائج المنتخب وتخيله بدون ألعابه المعتادة، فدونغا قبل كأس العالم كان يفوز بدون متعة ويتعرض لوابل من الانتقادات، أما مينيزيس اليوم فهو خسر كوبا أميركا وما زال بعيداً عن تقديم أي متعة في المباريات الودية… وبالكاد يحقق الفوز ودياً على منتخبات متواضعة فأي عواصف بانتظاره.

وجماهير المنتخب الذي يحتل المركز السادس في التصنيف العالمي، علماً بأن أسوأ مركز وصل له السيلساو منذ بدء العمل في هذا التصنيف كان المركز الثامن عام 1993. متخوفة بالفعل من عدم إمكانية منتخب مينيزيس كسر عقدة عدم فوز المنتخب بالبطولة على أرضه.

هناك من يدافع

ويدافع لاعبو المنتخب البرازيلي عن مدربهم بين الحين والآخر كلما ازدادت الضغوطات عليه وكان آخرهم لاعب إنتر ميلان دوغلاس مايكون حين قال: "مينيزيس مدرب ممتاز، ولا يجب أن نفعل معه مثلما فعلنا مع دونغا، فنحن لدينا بطولة القارات في البرازيل وغيرها من الالتزامات، لذلك يجب أن تعطى كل الحرية لمينيزيس وألا يتم انتقاده لمجرد نتيجة سيئة تحققت".

ورغم كل الانتقادات للأداء الهزيل وعدم وجود لاعبين كبار في تشكيلة مينيزيس إلا أن الأخير يصر على دعوة لاعبين شبان ليس لهم تاريخ دولي ضخم أمثال جيفانيلدو فييرا الملقب بـ"هالك" (24 عاماً) مهاجم بورتو البرتغالي، وجوناس جونكالفز لاعب فالنسيا الإسباني الذي سجل أول أهدافه الدولية ضد مصر في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي عندما سجل هدفي الفوز، وأدريانو كوريا (27 عاما) لاعب برشلونة ولويس غوستافو (24 عاماً) لاعب بايرن ميونيخ والذي بدأ مشواره الكروي مع نادي كورينثيانز البرازيلي.

مسيرة مدرب

بدأ ماريو مينيزيس مشواره في فرق الشباب في مسقط رأسه بولاية ريو غراندي دو سول عام 1992 وأول منصب احترافي له كان مدربًا لمقاطعة غواراني فينانسيو ايرس عام 1997، وصنع لنفسه اسماً للمرة الأولى عام 2004 عندما قاد فريق 15 نوفمبر الذي يلعب بالدرجة الثالثة للدور قبل النهائي لكأس البرازيل بعد التفوق على فريق فاسكو دا غاما المنتمي للدرجة الأولى في طريقه بالمسابقة، في عام2005 عُيّن مدرباً لفريق غريميو أحد أشهر أندية البرازيل وصعد معه إلى الدرجة الأولى، وفي الموسم التالي احتل غريميو المركز الثالث في موسمه الأول بالدرجة الأولى، وفي 2007 وصل لنهائي كأس ليبرتادوريس للأندية الأبطال في أميركا الجنوبية قبل أن يخسر أمام بوكا جونيورز، وفي 2008 تولي مينيزيس تدريب كورينثيانز الذي كان يلعب في الدرجة الثانية أيضًا، وفاز معه بكأس البرازيل.

قاد مينيزيس البرازيل في 21 مباراة فاز بـ13 مباراة وخسر بـ4 وتعادل بمثلها.

الجزيرة الرياضية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..