العفش داخل البص

بشفافية

العفش داخل البص

حيدر المكاشفي

«العفش داخل البص على مسؤولية صاحبه» عبارة سادت ثم بادت، لم يكن يخلو منها حتى وقت ليس ببعيد أي بص من البصات السفرية في مشارق السودان ومغاربه ومن أقصاه إلى أقصاه، كان أصحاب هذه البصات وسائقيها يحرصون على كتابة هذه العبارة بخط واضح وجميل على جانبي البص من الداخل قبل أن يدشنوا عمل بصهم الجديد بأي خط من الخطوط السفرية، يبدو أن للحرص على ضرورة وجود هذه العبارة داخل البص سبب قوي جعل سائق وكمساري أي بص يتبرأون من المسؤولية عن أي عفش لا يوضع تحت إشرافهم على سطح البص، المؤكد أن هناك سبب ومناسبة جعلت سائقاً ما يفترع هذه العبارة ليتبعه الآخرون فتطبق شهرتها الآفاق، إحدى الاجتهادات تقول أن أحد ركاب البصات بعد زمن وجيز من ظهورها كان يحمل معه مخدرات لفّها بعناية داخل بطانية ووضعها على الرف داخل البص وفي إحدى محطات التفتيش صعد الشرطي إلى البص وبدأ يتجول بين الركاب ويجيل النظر في ما حملوه من محتويات داخل البص على الارفف أو تحت المقاعد، حاسته الشرطية جعلته يرتاب في تلك البطانية فجذبها فاذا بقناديل من البنقو تتساقط من داخلها، فصاح في الركاب، من صاحب هذه البطانية، لم يجبه أحد، كرّر السؤال مثنى وثلاث، وأيضاً لم يجبه أحد، فاتجه بالاتهام إلى السائق، ولكن شاء حظ السائق السعيد أن ينتبه في تلك اللحظة أحد الركاب وكان من أهلنا الفلاتة لهم التحية، وكان غافياً وغافلاً عما يدور، وقد وضع رأسه بين ركبتيه، لم يعرف من هو السائل بل أدرك فقط من السؤال الأخير أن هناك بطانية لم يظهر لها صاحب، فصاح مع آخر حرف من آخر سؤال وجهه الشرطي، إنها لي، وهكذا نجا السائق من الجرجرة والسين وجيم بينما وقع صاحبنا في شر غفوته، وبمجرد وصول البص محطته الأخيرة ذهب السائق إلى أقرب خطاط وطلب منه كتابة هذه العبارة التي خلدّها التاريخ..
الآن أنظروا إلى هذه العبارة «قرار المسيرية بتشكيل حكومة يخص متخذيه»، أليست هي نفسها «العفش داخل البص على مسؤولية صاحبه، مع الفارق ما بين حمولة بص وهموم وطن بأكمله، هذه العبارة المفارقة لأي مسؤولية والتي تحمّل المسيرية مسؤولية قرارهم بتكوين حكومة لها رئيسها ووزراءها ومستشاريها، حكومة كاملة الدسم لا ينقصها سوى العلم والنشيد الوطني، لا يتورع الدكتور ابراهيم غندور المسؤول السياسي بحزب المؤتمر الوطني الذي يدير حكومة البلاد أن يقول بلسان الحال والمقال، إذا كوّن المسيرية حكومة داخل حكومة واصبحوا دولة داخل الدولة فهذا أمر لا يعنينا وإنما هو شيء يخصهم، والعتب هنا ليس على المسيرية الذين ربما يكونوا قد تعاملوا برد فعل غاضب على بعض المعطيات والمؤشرات، وإنما العتب على مثل هذا الكلام المعيب الذي لا يعني سوى أحد أمرين، إما أن الحكومة وحزبها كانوا وراء هذه «اللعبة» كتكتيك مضاد وتمت تحت رعايتهم ومباركتهم، أو أنهما لا يباليان حقيقةً بما يجري فتركا حبل أبيي على غارب المسيرية ليحلّوا معضلتها الشائكة بمعرفتهم، هذا أو ذاك فكلاهما تقدير خطل وخطر لن يحل مشكلة في تعقيد أبيي ولن يعفي الحكومة من مسؤوليتها بل سيزيد الأمور وبالاً وخبالاً قد تقود نهايته في أرحم التقديرات إلى تفتت الوطن إلى ست دويلات هذا إذا لم يتشرذم إلى عشرات المشيخات، ليت غندور اكتفى بنفي علمه بهذا التشكيل ولم يتعداه إلى ما يجعله شبيهاً بصاحبنا «الفلاتي» في نكتة «العفش داخل البص على مسؤولية صاحبه» وليحفظ الله البلاد…

الصحافة

تعليق واحد

  1. و كمان حكاية الحلة اللي وجدوا فيها طفل وليد و مقتول. حدث هذا في الترماج في أم درمان في الخمسينات. مدت الحرامية يدها للحلة و لما إعترض الكمساري علي أحقيتها للحلة, أصرت أن الحلة حفتها, لكن لما فتح الكمساري الحلة و بانت حقيقتها, صاحة المرة أنا حرامية!!
    عليه فليأخذ الناس حذرهم عند السفر و خاصة في هذا الزمن. يعني أن العبارة ( العفش داخل البص علي مسئولية صاحبه) لها دلالة قانونية بالغة الأهمية و لم و لن ينتهي مفعولها.

  2. جاورني في السكن ، اخوه عرب ، كنت أظنهم من المغرب العربي ( تونس ، الجزائر ، المغرب ) وهذا عادي بحكم قربهم الجغـرافي من ليبيا . ولكن لهجتهم لاتشبه لهجات أهل المغـرب العـربي . سألتهم فقالوا نحن من العـراق !! وسألوني الاخ / من أي بلاد قلت سوداني ، قالوا خيار الناس . تداخلنا وتعـارفنا كما يحـدث في الغـربه . أنا أول مـره اشـاهد فيها أشـقاء مـن العـراق ، كل ما أعـرفه عـن العـراق ، كان السـودانيين يغـتربون فيه بغـرض العـمل وجني المال ، لذا إستغـربت وجود عـراقيين بغرض العمـل في ليبيا ، وكمان جيراني الحيطه بالحيطه ، قالوا كنا آمنيين في بلادنا ، وكنا غـافلين ، وكنا نشـاهد مايحدث في العـالم مـن خـلال الشاشات ، ونحن مسـترخين في أسـرتنا ، آمنين في منازلنا ، وننعـم بدفء اسـرنا ، ثم قالوا ( وبرمشـة عين ) ( عيني أبوسمره ) – لي أنا – تغـير المشهد ، اصبـح العـالم يتفـرج علينا ، وأصبحنا نحن الممثلين الحقيقيين الذين تتطاير أشـلائهم ، مـن القنابل والمتفجرات والرصاص ويتشـردوا ، ويتيتم أطـفالهم ، ويتصـدق عليهم العـالم ، ( متل شافت عينك ، عيني ) . أبو سـمره ، عيني ، ديروا بالكم لحالكم ، السـودان بكره يبقي متل العـراق ، والمايشتري يتفرج ، لاتخـربوا بيتكم بإيدكم ، ماكو حـد يعـطيكم وطـن تاني .
    هـذه النصيحـه الغـاليه ، وهذه العـبره الحيه التي جائتني تسـعي عـلي قـدمين ، لتشـاطـرني سكني ، مازالت كلماتها حيه فـي قلبي وفي ذهني ، وانا أشـاهد وطني يتسـرب ، ويذوب ، وبتلاشا ، ويتبخـر ، ونحـن ننزلق رويدا رويدا نحـو هـاوية الحـرب الاهليه ، والتفتت ، والموت الزؤام ، نفس الطـريق المظلم المخيف الذي سـارت عليه ، إفغـانستان ، والصـومال ، والعـراق ، وبعـد خمـس سـنوات انقل اليكم نصـيحة إخوانكم العـراقيين ( ابوسمـرات ديروا بالكـم ع حالكم ) العـفش ، والبص ، والطـريق مسؤليتنا كلنا !!!

  3. الاغاني داخل البص علي مسؤلية من؟. لوسنحت الفرصة ان تسافر بالص السياحي ا ستجد ماهو اخطر من البنقو. بعد خروج البص من المدينة تمتد يد الكمساري الي الاشرطة او السي دي اغاني اغاني اغاني ولاشىء سواها . الاصل في البص ان لا نستمع لاشىء من اراد ان يذكر الله له الحق ومن اراد ان ينوم او لايستمع لاي شىء فله الحق ايضا .ان السفر معه مخاطر كثيرة لاقدر الله وقع حادث سير مثلا . كيف للانسان ان يموت وهو يستمع الي الاغاني . وكيف لرجل وهو يسافر مع والدته ويجلس بجاورها ويستمع للاغاني . اعتقد لااحد يحترم والدته يستطيع ان يستمع لهذه الاغاني التي يعرفه الجميع وهو يجلس بجانب والده او والدته . نناشد المسؤولين منع الاغاني في البصات احتراما للمسافر من اراد ان يستمع للاغاني وحر في بيته او بمفرده اما ان ترغم الناس على الاستماع فهذا حقيقة يتنافي مع الاداب العامة ( خلاص عرفنا البطانية اصبحت مسئولية الفلاتي ولكن السؤال الاغاني داخل البص مسؤلية منو ) انا طبعا لست مع البنقو ولكن من يستخدم البنقو يستخدمه باختياره ولكن بستمع الي الاغاني رغم انفه.

  4. يا امير الامثال الشعبية السودانية….لله درك يارجل اشهد الله بان لك ملكة نادرا ما يجود الزمان بمثلها الا هي تطويع الامثال الشعبية لعكس وتوضيح الواقع الان …قلما يجود الزمان بمثلك يا اخ حيدر .ابحث ونقب عن كل مفرداتنا السودانية الجميلة واسقطها على واقعنا المعاش …..لتخرج لنا درراً من بين اناملك..لك الود والتقدير ..مع منحى لك جائزة العام للصحفي المبدع لهذا العام .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..