الاسلام السياسي و’أخطاره المفترضة’

عبد الباري عطوان

فوز حزب العدالة والتنمية في المغرب وحصوله على اعلى الاصوات في الانتخابات الاخيرة أحدث حالة من الاستنفار في الغرب، وفي بعض البلدان العربية المحافظة المرتبطة به، وجدد المخاوف من اكتساح الاسلام السياسي وسيطرته على مقادير الحكم في المنطقة.
مخاوف الغرب من الاسلام السياسي في غير محلها، لان معظم الاحزاب الاسلامية التي حققت نتائج طيبة في انتخابات الربيع العربي معتدلة، ووسطية، وتؤمن بالتعددية والتعايش مع الايديولوجيات الاخرى، العلمانية منها على وجه الخصوص.
حزب النهضة التونسي تحالف مع حزبين علمانيين، الاول ‘المؤتمر’ الذي يتزعمه الدكتور المنصف المرزوقي، وهو حزب قومي يساري، و’التكتل’ بزعامة السيد مصطفى بن جعفر، والاهم من ذلك ان زعيمه الشيخ راشد الغنوشي اوضح على الملأ بأنه لن يتدخل في الحياة الشخصية والمعيشية للمواطنين التونسيين، ولن يمنع البكيني والشواطىء المختلطة، وسيشجع الاستثمار الاجنبي والسياحة الاوروبية التي تشكل أحد ابرز اعمدة الاقتصاد التونسي.
واللافت ان حزب العدالة والتنمية الذي يسير على نهج سميه التركي، بزعامة رجب طيب اردوغان، التزم بالحفاظ على خصوصية المجتمع المغربي، واحترام الحريات الشخصية، واكد امينه العام عبد الاله بن كيران ان تحقيق العدالة والكرامة يحتل قمة اهتمام قيادة حزبه، وهي مسائل جوهرية اهم واكبر من منع الخمور وفرض لباس معين. واكد انه، اي الحزب، لن ينجرّ الى صدامات جانبية ضد المخمورين او المتبرجات، لان كل ما يتعلق بالحريات العامة للمغاربة لا يمكن لاي حكومة المس به.
ما لا يفهمه الغرب، في نظرته الى هذه الظاهرة، اي تحقيق الاسلام السياسي مكانة متقدمة في الانتخابات الديمقراطية، ان الناخب العربي هو مسلم معتدل بطبيعته، ويضع ثقته في الاحزاب الاسلامية، لانه عانى طويلا من فساد الانظمة العلمانية وديكتاتوريتها وقمعها واهدارها للمال العام، وتفريطها بالحقوق الوطنية.
الغرب يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية وصول الاسلام السياسي الى قمم السلطة في اكثر من دولة عربية، لانه راهن، وطوال الخمسين عاما الماضية، على انظمة ديكتاتورية فاسدة تحت ذريعة دعم الاستقرار، والحصول على النفط العربي رخيصا، وتضخم التغول الاسرائيلي في نهش كرامة الانسان العربي واذلاله، من خلال حروب عدوانية واحتلالات مهينة.
التصويت للاسلاميين في تونس والمغرب، وقريبا في مصر، هو حالة تمرد على هذه السياسات والمواقف الغربية المهينة، علاوة على كون هؤلاء قدموا نموذجا في الانحياز الى الطبقات المسحوقة وهمومها، وانتصروا لمعاناتها، وكانوا الاكثر تفهما لمطالبها واحتياجاتها الاساسية المشروعة في العيش الكريم.
اربعون مليون مصري يعيشون الآن تحت خط الفقر المحدد وفق معايير الامم المتحدة، اي اقل من دولارين في اليوم، اي ما يعادل نصف مجموع سكان البلاد، في منطقة هي الاغنى في العالم بسبب عوائد نفطية تزيد عن 700 مليار دولار سنويا. ولا نبالغ اذا قلنا ان الولايات المتحدة الامريكية مدعومة بدول غربية اخرى ساهمت في ايصال مصر ،ودول عربية اخرى، الى هذه الحالة المعيشية المتردية عندما دعمت الفساد والديكتاتورية، ومنعت، بطرق مباشرة او غير مباشرة، دولا عربية نفطية من الاستثمار في الاقتصاد المصري لخلق وظائف لملايين العاطلين، وتحسين الظروف المعيشية لعشرات الملايين الآخرين.
منطقتنا العربية جربت حكم الديكتاتوريات العسكرية والعلمانية المزورة لاكثر من ستين عاما متواصلة، وتحولت الشعوب العربية الى فئران تجارب في معاملها، تارة لتطبيق اشتراكية مشوهة، وتارة اخرى لافكار قومية منقوصة، وثالثة لرأسمالية استغلالية تشجع اقتصادا طفوليا قائما على الفساد والإفساد، بحيث جاءت النتيجة اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء، وتكوين طبقة جشعة من رجال الاعمال كل همها هو نهب ثروات البلاد وتضخم ارصدتها المالية في المصارف المحلية والاجنبية.
في جميع دول العالم تلعب الطبقات الوسطى دورا وطنيا في ضبط ايقاع المجتمع، وتكريس حرياته الديمقراطية، والحفاظ على الحد الادنى من وحدته الوطنية، والعدالة الاجتماعية بين طبقاته، حرصا على مصالحها اولا، واستقرار بلادها ثانيا، الا في معظم بلداننا العربية، حيث تحالفت هذه الطبقة مع الديكتاتوريات الفاسدة، وضد مصالح المواطنين في اغلب الاحيان.
الثورات العربية التي انطلقت بصورة عفوية في معظم البلدان العربية، تهدف الى تغيير هذا الواقع المريض، وتصحيح اخطاء متراكمة، ووضع حد لحالات الاذلال والقهر التي تعاني منها شعوب المنطقة، وتأسيس نظام عربي جديد قائم على العدالة الاجتماعية والشفافية والمحاسبة وحكم القانون.
الانتخابات التي تجري حاليا في مصر، وقبلها في تونس والمغرب، وقريبا في اليمن وسورية، وبإذن الله في السعودية ودول الخليج الاخرى، هي الركن الاساسي في عملية التصحيح هذه التي نتحدث عنها، وطالما تقرر الاحتكام الى صناديق الاقتراع فإن على الجميع، بما في ذلك الغرب، القبول بالنتائج، والتعايش، بل والتعاون معها، واحترام رغبة المواطن واختياره الديمقراطي الحر، لان اي تدخل مخالف قد يعطي نتائج عكسية مدمرة على المنطقة والمصالح الغربية في الوقت نفسه.
الشعوب العربية ليست شعوبا قاصرة حتى يصيغ لها الغرب ديمقراطية متخلفة، يجري تفصيلها وفق مصالحة المتغولة في الهيمنة ودعم العدوان الاسرائيلي، والتغيير في المنطقة لن يأتي تغييرا منضبطا ومتحكما به، مثلما يريد توني بلير منظر المحافظين الجدد، ورئيس وزراء بريطانيا الاسبق. التغيير القادم سيكون تغييرا عربيا اسلاميا وفق المصالح العربية والاسلامية اولا، ودون التعارض مع احترام مصالح الآخرين اذا كانت مصالح منطقية تحترم خصوصيات المنطقة وطموحات شعوبها في الكرامة والتحرر والسيادة الوطنية.
حكمنا الديكتاتوريون الفاسدون لاكثر من ستة عقود، واوصلونا الى مراتب دنيا من الفشل السياسي قبل الاقتصادي، وكانوا يخططون لتوريث الحكم لمجموعة من اولياء عهودهم المدللين الفاسدين الفاجرين، فماذا يمنع ان يحكمنا اسلاميون في نظام ديمقراطي تسوده الرقابة البرلمانية والشفافية والقضاء العادل المستقل والمؤسسات الدستورية، خاصة اذا حوّلنا هذا الحكم الى قوة عالمية محترمة، مثلما هو الحال في تركيا، او جعلنا من النمور الاقتصادية، مثلما يحدث في ماليزيا واندونيسيا.
يحذر البعض من امكانية استيلاء هؤلاء على السلطة، والتمترس فيها لعقود، واجهاض العملية الديمقراطية التي اوصلتهم الى الحكم، وهذه مخاوف مشروعة، ولكن يجب عدم نسيان عملية التغيير الثوري التي تسود المجتمعات العربية والاسلامية حاليا، التي تمثل ضمانة لحماية الديمقراطيات الوليدة، وما مليونيات ميدان التحرير في مصر التي نظمها شباب الثورة للحفاظ على مكتسباتهم ، واجبار المجلس العسكري الحاكم على اسقاط وثيقة الدكتور علي السلمي للتحكم بالدستور المقبل، واطاحة وزارة الدكتور عصام شرف، وتحديد موعد واضح لانتخابات رئاسية تعيد السلطة الى حكم مدني، الا احد ابرز الامثلة على منع اي انحراف عن ارادة الشعب.
فليأخذ الاسلاميون فرصتهم، وليحترم الجميع احكام صناديق الاقتراع، وليكف الغرب يده عن التدخل في شؤوننا لمصلحة اسرائيل وهيمنتها وعدوانها، ولنهب ثرواتنا بأسعار رخيصة، فقد شبّ العرب عن الطوق، والاجيال الجديدة لن تقبل ما قبلنا به نحن وآباؤنا طوال العقود الماضية، من ذل وهوان وهزائم، والشباب العربي الذي صنع ثورات التغيير هذه لن يبخل بدمه من اجل حمايتها.
الاحزاب الاسلامية الحالية معظمها يتبنى اجندات معتدلة، وليعلم الجميع ان اي محاولة لاجهاض فرصها في الحكم ستكون الطريق الاسرع للفوضى والحروب الاهلية، وعدم الاستقرار، وعودة الاسلام المتطرف، وهو اسلام قد يبدو تنظيم ‘القاعدة’ معتدلا بالمقارنة مع أجنداته.

القدس العربي

تعليق واحد

  1. إن كانوا على شاكلة من عندنا فاسمح لي أقول لك أنها أحلام ( زلوط ) فهم أول ما

    يفعلوه هو تدمير أي قوة معاديه بكل الحيل والوسائل الخبيثة ( وغايتهم تبرر الوسيلة )

    وسيتمنى الشعوب الدكتاتورية اقلها هي في عائلة واحدة تحكم هنا كل من في الحزب

    دكتاتور وسيد قومه ومالك إقطاعية يسرح ويمرح بدعوى ( التمكين ) اسم الدلال للفساد

    والإفساد الممهنج بينما كل من سواهم عملاء وخونة ومأجورين ومرتزقة وكفار هؤلاء لن

    يفلتوا الحكم ان مسكوه الا أن تقطع ايديهم ويرموا مع حكمهم الى مزابل التاريخ

    والقطع هذا يكلف أكثر مما شهده هذا الربيع ذو التكلفة المتواضعة في الدماء مقارنة

    بالشعار الاشهر لهم ( فلترق منا دماء او ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء ) أو بالبلدي

    كده اما نحن او الطوفان وليس طوفان نوح بل طوفان الدماء هكذا يقولونها دون مواربة

    أو حياء هكذا العقيدة عندهم ( فويل للعرب من شر قد اقترب ) العوج الفكري عند

    الإخوان المسلمين كما يسمون أنفسهم متأصل ومتجذر وقائم على الترفع الكاذب على

    خلق الله حتى ظنوا أنهم الخير يمشي على الأرض ولا خير الا خيرهم ولا عيش الا عيشهم

    وان هم ذهبوا فلتفنى كل الدنيا بذهابهم ولتقوم القيامة لموتهم ومع ذلك هم المانعين عنا

    الشر كله أو هكذا يظنون فيخوفوننا بكل عظيم كلما لاح في الأفق قرب نهايتهم ونسوا

    أن لا عاصم من أمر الله شئ في الأرض ولا في السماء

    ما سميته الإسلام المتطرف فيه من العدالة مالا يوجد عند هؤلاء اقلها أحكام الله نافذة

    حتى فيما بينهم واسأل متى كانوا بالحكم حتى يعودوا اليه كما قلت أنت ؟؟؟

  2. "رغم معرفتنا أن التاريخ لا يعيد نفسه وقع الحافر على الحافر إلا أنه من المشروع بل من المهم الاستفادة من تجارب التاريخ ، و لأن الأحزاب المسماة اسلامية يجمعها لي العنق للخلف للسفر نحو الماضي بوصفه المانح للشرعية و باعتبار أن أجمل و أكمل ما يراد للبشرية قد حدث في فترة خارج التاريخ مرة و احدة لا تتكرر ، مثل هذه الأيدلوجية تقوم على المسلمات و تكره الروح النقدية ، ترضى بالواقع في حالة الضعف و تتجمل بادعاء قبوله ، لكنها تسعى لاستكمال سيطرتها على المجتمع عبر التسلل للعقول بتجميل الماضي و إمكانيات البترودولار و القمع المبطن للمخالفين و حين تتهيأ لها الظروف ستكشر عن أسنانها … أتذكر عندما كنا طلابا في الجامعة كان اليساريون في أركان النقاش يقولون لنا : " لو سيطر الكيزان على البلد حينها سيقولون للبنات : ارجعي فهذا اللبس غير شرعي ، ثم بعدها مع زيادة التمكين سيقولون لها : تستحقين الجلد ، و بعدها سيجلدونها على رؤوس الأشهاد . " كنا نظنهم يبالغون لكننا اكتشفنا كم كانوا حسني الظن بالكيزان …يحدثنا التاريخ أن الأمويين بدأوا برفع شعار المطالبة بدم عثمان ، و نعرف كيف تحولوا لملك عضوض خانق والغ في الدم ، أما العباسيون فرفعوا شعارات رد المظالم و رفع الغبن عن آل البيت و عندما تمت لهم السيطرة لم توفر سيوفهم رقاب من حاربوا معهم و كان الغدر أحد أسلحتهم المخيفة ، استخدموه مع الأصدقاء و الأعداء … كل أيدولوجية تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة فهي إقصائية و تتلبس أهلها حالة : أن كل ما يفعلونه ، هو لغاية سامية مقدسة ، حتى بيوت الأشباح تعتبر جهادا لنيل الثواب … لكن مثل هذه الأيدلوجية تلبس لكل حالة لبوسها ، فكل أيدلوجية أصولية نابعة من الديانات الإبراهمية الثلاث (يهودية ، مسيحية إسلامية) هي بالضرورة إقصائية تتحين الفرص و عندما يستوي عودها تقول : لا أريكم إلا ما أرى …. ندرك أن التقدم العلمي و الإنساني عامة يحل عراها عروة عروة و أنها بنت الماضي بجدارة و أن المستقبل ليس لها بأي حال فهي في حالة تراجع مستمر ، فمن تكفير القائلين بالديمقراطية إلى خوض غمارها و من جلد الفتيات للبسهن البنطلون للسماح بلبس البيكيني ، و من أن الخمور رجس إلى السماح بتجديد رخص أماكن بيعها ، و الرخصة في اللغة تعني الإباحة …. ستمر شعوبنا بفترة انتقالية لن ترى فيها تقدما بأي صورة إنما شد للخلف و الخوف من تهتك نسيجها الاجتماعي ……Email:[email protected]

  3. أخونا عبدالباري عطوان الله يهديك ويكون في عونك خفنا عليك من ان تصاب بداء التعصب وتصلب الشرايين وهو مرض سياسي جديد

    وكل توقعاتك وتحليلاتك كانت في محلها من ضمنها الشباب الليبيين قالوا عليهم شجعان وبمساعدات غربية قضوا على الطاغية اكي مبروك عليهم ولكن نرجوا منهم الاهتمام بحالهم وليس بحدود تركيا ومناوشة حدود سوريا والتي ان شاء الله لم تهزم وحتى لو مسحوا سوريا من الارض نحن مؤمنيين بان الشعب السوري شعب عظيم وواعي اذا فعلا تغير النظام ولا قدر الله جأت على سورية فوضي مقصودة ومع الفوضي دخل كل من هب ودب وكل من لديه حقد ويريد الانتقام

    نرجوا لك التوفيق ولو سمحت في لقاءات التلفزيونية لا تكن متشنج وعصبي مع المزيعيين الذين يطبخون السؤال ويريدون ان يفرضوا عليك الرد او ان ترد بطريقة ترضي طموحهم وتضمن استمراريتهم في وظائفهم

    عوضنا الله في العظام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..