الدولة و النظام: مسيرة الفشل والضياع

بسم الله الرحمن الرحيم

وجود السودان ضمن الدول المتصدرة لقائمة الدول الفاشلة، التي تصدر عن مؤسسات دولية، وبمعايير موضوعية وسابقة علي فشل الدولة، مما يؤكد صدقيتها وبعدها عن روح الإغراض، التي تنسبها لها الدول الفاشلة! لا يثير الإستغراب!! بعد الحالة التي وصلت إليها دولة الإيمان وقادتها الأتقياء(إستغفر الله سبعين مرة)! وبعيدا عن شهادة المجتمع الدولي بمؤسساته ودوله. فمجتمعنا المحلي له تقيِّمه الخاص، ويرتكز علي مقياس بسيط، يعلمه ويحس بلسعته القاصي والداني، داخل حظيرة الوطن! وهو قفة الملاح(كيس الخضار) او صينية الأكل، وبكلمة شاملة حالة السوق العامة. فالسوق يمثل مقياس بسيط وعملي، يمس العصب الحي للمواطن، ويتخلل نسيج إمكاناته وإحتماله. لذلك فهو يمثل أهمَّ شهادة تقيِّم مجتمعية ومباشرة ومفهومة ومحسوسة. بعيدا عن أرقام التنمية العجيبة ومنحنيات الإقتصاد الغريبة والتدفقات النقدية والتضخم …الخ من اللغة الأكاديمية الباردة وفبركة التقارير الإقتصادية/السياسية الجافة ، التي تحلق في عوالم مثالية، بعيدة عن الواقع الفعلي. ولا يكتوي أصحابها بنيران الغلاء، وتختنق أسرهم بغازات الديون والإحراج السامة! فحالة السوق الآن، حدث ولا حرج، فهي تحكي عن الإنفلات المجنون، والأسعار الفلكية والبضائع سيئة النوعية. وإختلاط الحابل بالنابل أو جمع الجشع والسوء من كل أطرافهما، فالداخل مفقود والخارج مذهول! ومنتجات تفتقر الجودة والأمان وحسن العرض، بل قد تكون مصدر لأمراض لا شفاء منها. يقابل ذلك مرتبات متدنية بكل المقاييس، أسعار عالية، وضرئب باهظة يتعرض لها التجار، وتاليا تنعكس علي المواطن المسكين الذي لا يجد الحماية والتعاطف من اي جهة. وأصبح كالقصعة تتكالب عليها الحكومة والتجار والحوجة والمطالب من كل حدب وصوب. ويمكن وصف السوق المحلي (او الحالة الغالبة فيه) بأنه سوق علي كيفك! الذي يتمرد علي الإنضباط من أي نوع قانوني/تنظيمي/عرفي/أخلاقي/ذوقي. سوق يحاكي الجحيم علي المواطن البسيط محدود الدخل (وهم الغالبية)، بعد أن سيطرت عليه العقلية الطفيلية، المريضة بحب المال وجمعه بأي كيفية! والتي إكتسبت كل الشرور والحيل والغش والدجل والطمع، من رب البيت الذي يضرب الدف ويهوي الرقص(الحركة الإسلامية الراسمالية الطفيلية المتعفنة). والأسوأ من ذلك هو تحويل الحياة وتفاصيل العيش كلها، الي سوق منفلت لا يعرف الرحمة. بعد أن تم تسليع الخدمات، أو الإستثمار في التعليم والعلاج والكهرباء والإتصالات والموصلات…الخ، وإحتكارها لدي أفراد او مؤسسات معينة، تفعل في البلاد والمواطن كما تشاء! وفقا لمزاجها ومنطق أرباحها. والمؤسف أن هذا الأمر تخطي عضوية الحركة الإسلامية، المعاقة نفسيا ومجتمعيا. ليصبح سمة يختص بها السوق المحلي، وتجرف المجتمع بتيارها الكاسح، وأصبحت تقود المجتمع حثيثا نحو المزيد من الطبقية، وإتساع الفوارق بين أبناء المجتمع الواحد. وما يحمله ذلك من خطورة علي سلامة المجتمع النفسية والأمنية، ويضعف من تماسكه ويكثر من أمراضه وعلله، وهو سلفا غير ناقص!
والسؤال هل في مجتمع وصل غالبية أهله، الي هذه الدرجة من ضنك العيش، وإنعدام فرص العمل وإرتفاع تكاليف المعيشة، وإستمرار التضييق الأمني، والحروبات المشتعلة دون توقف، وإنفتاح المستقبل علي أفق مظلم، يحمل من المخاطر والمخاوف اكثر ما يعد بالخير والنماء والأمان. وترافق ذلك مع توجيه جل الموارد الي النواحي الأمنية والدفاعية والإعلامية. أي إرتفاع تكاليف إستمرارية نظام القهر الإنقاذانوي، بصورة طردية مع إزدياد صعوبة العيش والتململ الداخلي و(القرف) من الوضع القائم. ولا يعني ذلك أن القطط السمان، توقفت عن النهب المنظم. بل العكس هو الصحيح، فقد تحولت الي نمور لا تخشي في الفساد لومة لائم! ووصلت أرقام الفساد علي عهدها الي أرقام فلكية! والمضحك والمبكي في آن، هو إتساع صدر التسامح والغفران مع المفسدين! لدرجة تغري الجميع ليس بالفساد وحده! ولكن بالتباهي به، وتاليا تغيير مسمياته والحكم عليه وتبريره، وجعله سمة عادية يتعايش معها المجتمع، وهذ إذا لم يشجعها ويسعي لها! هل في أوضاع كهذه، يمكن الحديث عن نجاح دولة او تقدم مجتمع او تحلي أفراده بالفضيلة و القيم الخيِّرة؟! وهل يجوز الحديث عن وضع الخطط والإستراتيجيات وبناء دولة حديثة ومسؤولة؟! او الحديث عن مجتمع ودولة في الأصل؟! لا أعتقد ذلك، إذا كان هنالك نوع من الجدية والرغبة في الإصلاح الحقيقي! فاقصي ما يمكن الحديث عنه في أوضاع كهذه، وصلت فيها البلاد الي هذه الدرجة من السوء والإنحطاط. هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه. بعد طوفان الدمار والفساد الإنقاذي، الذي أغرق البلاد في المحن والفتن. وكتم أنفاس العباد وضيَّق عليها الواسعة بما رحبت. وجعل البلاد في إنتظار نوح السوداني. لينقذها مما هي فيه. بعد أن يبني سفينته من مواد الديمقراطية المتينة، وماكينة الحداثة والعقلانية، ودفة المواطنة وحقوق الإنسان التي توجه مسيرتها. وهذا ما يحتاج الي التضامن بين كل التنظيمات المعارضة والحركات المسلحة. ونسيان الخلافات ولو بشكل مؤقت او تأجيلها، حتي إنجاز الهدف الأساس. وهو التخلص من هذا الكابوس الجاثم علي صدر الوطن، ومداخل خروجه من عنق الزجاجة، ما يقارب الربع قرن من الزمان. وذلك عبر مدخل غير تقليدي يفاجئ السلطة القائمة، الغائبة عن إيقاع الزمان وأهمية وحساسية المكان. بعد أن أصابها الوهن، وضربت في جسدها الشيخوخة وأمراض الكبر. ودبت الخلافات والحزازات بين أعضائها. وأصبحت تحتاج فقط لمن يدفع منسأتها التي تتوكأ عليها، والضارب في ثباتها وقوتها السوس. مما يؤكد أن الحامل والمحمول يسكنهما الخواء. ويعتمدان فقط في بقائهما، علي حالة الإرهاب والخوف، اللذان تمت زراعتهما عبر القهر والعسف، اللذان لازما السلطة الإنقاذية كظلها طوال فترة وجودها.
لذلك الخلاص من هذه الورطة ومن ثم التأسيس لوطن حقيقي يعبر عن الجميع. يتم عبر مدخلين أثنين وكلاهما مشتبك مع الآخر. المدخل الأول يستوجب القيام بمراجعة جذرية ونقدية، تستصحب الصرامة والمكاشفة في عملها. لمجمل تاريخنا السياسي وبالتحديد منذ الإستقلال، وذلك لا يمنع تناول الفترة السابقة له. والمؤثرة بدورها علي المرحلة اللاحقة المراد التركيز عليها. فهذه المسيرة الطويلة منذ الإستقلال، لم تكن علي قدر الطموحات والآمال بأي شكل من الأشكال. فمنذ بواكير العمل السياسي الوطني. نجده واجه مشكلة مفصلية. تمثلت في زراعة التجربة الديمقراطية ذات المنشأ الغربي، داخل النسيج الوطني. دون المرور بإعداد الجسد الوطني لهذه العملية. ومعرفة مكونات وظروف وملابسات وإحتياجات الجسم المراد زراعته(الديمقراطية).وإمكانات الجسد الوطني علي تحمل هذه العملية. والأهم الطبيب الذي نذر نفسه للقيام بهذه العملية(الأحزاب السياسية الوطنية). وهل هي مؤهلة في الأساس للقيام بهذا الدور. وهي تفتقد للمهارة والخبرة والإيمان بالتجربة الديمقراطية أصلا. والدليل الفاقع الذي كثر تكراره وهو إنعدام هذه الممارسة داخلها. وأقصي ما تسعي إليه من التجربة الديمقراطية هو الحكم لا غير. ولكن دعم هذه التجربة، بهضمها وتمثلها وعيشها وإكتساب ثقافتها وروحها، ومن ثم عكسها للآخرين للتعلم والإقتداء. فهذا ما لم يجد الجد والعزم لإنجازه. ولكن الضعف والتخاذل عن القيام بهذا الدور كاملاً لم يمر مجانا. ولكنه حمل عواقب وخيمة علي الأحزاب والبلاد عموما. لأنه فتح المجال لدخول العسكر الي ميادين السياسة، وإمتلاك الدولة أو الفضاء العام بصورة شاملة. وإقصاء كل التكوينات والتنظيمات السياسية الأخري، وتهميشها وفرض الحصار عليها. وتاليا إعاقة عملية بناءها الداخلي وفرصة التعلم من الممارسة الفعلية للحكم. وكل ذلك لم يضعف الأحزاب والعملية الديمقراطية فقط! ولكنه أحدث قطيعة نفسية وسياسية وخلل في النضج المتدرج للمجتمع! وضرب بقوة في حوافز دعم الثقة بالنفس، والقيام بالمبادرات الذاتية في كل المجالات، والإحساس بالمسؤولية الوطنية والمجتمعية. وشكل حاجز نفسي كبير، بين الدولة من جانب والمواطن من الجانب المقابل. مما شوش علي فكرة الدولة والثقة في مؤسساتها لدي المواطن. وتفاقم هذا الشعور بعد تحول الدولة الي جهاز للقهر وفرض الوصاية والنهب والتمييز ضد المواطنين! وليس جهاز محايد لتقديم الخدمات وتوفير الأمان لهم! وبمعني آخر تحول الموطن الي آلة، تخدم طغيان الطغمة العسكرية الحاكمة ومناصريها من المدنيين. ويتوقف دورها عند هذا الحد، بمقابل زهيد. وفي الغالب دون إلتزامات من الطغمة المخدومة، تجاه هذه الآلات الكادحة فوق ما يسمح لها بالدوران. وقد يصل الحال الي عدم توفير الأمان لها او حفظ حدود البلاد التي أنجبتها، من قبل الطغمة الحاكمة التي غالبا ما تبرر وجودها، بالحفاظ علي حدود هذه البلاد كما وجدتها! هذا مايخص جانب المواطن. أما في جانب الطغمة العسكرية الحاكمة، فقد زادت هذه السيطرة علي جهاز الدولة، من وهمّ وزيِّف المؤسسة العسكرية، المتمثل في قدراتها السحرية علي صنع الإنجازات، ومعرفتها المسبقة بالحلول الصحيحة(قبل حودث المشكلة!!)، ومسارعتها للتنفيذ، الذي يناسب تكوينها فيما يخص الحسم والعزم كما تعتقد وأهمة! وأن الأحزاب السياسية عبارة عن تجمعات للكلام(الكبار المفخم) وطق الحنك والثرثرة الفارغة، وأن الديمقراطية وصفة مائعة لإدارة الدولة، ولا تتناسب مع شعب رعاع وكسلان يحتاج الي الشدة في التعامل معه! والمحصلة أن سلوك الطغمة العسكرية الطغياني بمساعدة أشباه المدنيين، يشابه سلوك الأب القاسي داخل العائلة، بكل ما يحمله من عواقب وخيمة وشرور مستطيرة علي مستقبل الأبناء!
والأحزاب السياسية حتي علي المستوي الداخلي لم تنجُ، من عواقب تعاملها غير الجاد والإنتقائي في ممارستها للديمقراطية والنهج المؤسس. لتعصف بها الإنشقاقات والخلافات الشخصية. وتاليا ضعف مساهمتها في تجذير السلوك الديمقراطي في المجتمع، كنهج وممارسة. والسبب في ذلك يعود الي إنشداهها وشد بصرها نحو الحكم والسلطة حصريا! وليس التغيير الإيجابي داخل المجتمع. أي قيادة المجتمع لآفاق أرحب من الحرية والعمل الجاد والإبداع والتقدم بمعناه الشامل. ورفع سقف طموحات المجتمع وغاياته لمستوي أعلي، وتحديد الوسائل الفعَّالة للوصول لهذه الغايات. وزراعة الثقة في نفس المجتمع، بتعلية شأن المواطن الفرد وتعريفه بحقوقه وإعطائه أهميته التي يستحقها. مع السعي الجاد والخلاق لتجاوز كل التناقضات المجتمعية. وذلك ليس بالهروب منها او إنكارها، ولكن بمواجهتها وتحليلها ومعرفة أسباب تفاقمها. ومن ثم وضع الحلول التي تراعي قدرات المجتمع ودرجة تطوره وتحمله، والتدرج في الوصول لتلك الحلول الجذرية. عبر خطط وبرامج عملية تلتصق بأرض الواقع الفعلي. بعد القطع نهائيا مع الوعي الأيديولوجي المزيف، وإحتكاره المطلق للصاح وإمتلاكه الكامل للحقائق! وممارسة نوع من التواضع الذي ينحو نحو التعلم من المجتمع وتعليمه في آن واحد. بعيدا عن حواجز التعليم والثقافة والمهنة والدخل…الخ. وكل ذلك لا يتم، إلا من خلال تقديم برامج وشخصيات حزبية. متقدمة علي المجتمع وهامَّة به في نفس الوقت. وتعتبره هدفها الأساس من كل مكتسباتها المعرفية والتنويرية والأخلاقية. وبمعني آخر تخليص الهم والوعي الديمقراطي السوداني، من اهم تشوهاته وكعب أخيل الممارسة الديمقراطية. ألا وهو الوصول الي الحكم والديمومة فيه بشكل حصري. كهدف يسمو علي كل غاية او ممارسة! لأن ذلك يضعف من الديمقراطية كمنهج متكامل للحياة. وبالتالي يفقدها أهم مزاياها كتجربة أنجزتها البشرية. بعد مجهود وتضحيات كبيرة. ولقيمتها كوسيلة فعالة لإدارة الحياة الإنسانية بصورة سلمية وحضارية. قائمة علي التفاهم والحوار والمشاركة والمساواة. والهموم والغايات المشتركة. وبكلمة واحدة نزع السلوك البربري والوحشي والعدواني من تصرفات او ردات فعل النفس البشرية. هذا من جانب ومن الجانب الآخر يخلص القيادات السياسية، علي مستوي التجربة السياسية السودانية، من الوقوع في الأخطاء الكارثية والسقطات التي لا تغتفر. والتي أحدثتها في تاريخنا السياسي. عبر إحتكارها لقيادة العمل السياسي. دون منافسة حقيقية او معايير موضوعية، تنسجم مع مفهوم الحزب نفسه. كشكل حديث للتنظيم وممارسة السلطة وإدارة الإختلافات، وحسمها عبر قنوات الإقناع او التصويت، وغيرها من آلياتها الذاتية القادرة علي تقديم حلول مقنعة لكل الإشكالات الداخلية(الحزب) او الخارجية(الدولة). وفي نفس الوقت تعطي الفرصة لتقييم الأداء، والمكافأة علي الإنجاز والمحاسبة علي التقصيِّر، إذا ثبت بعد التقيِّم، الضعف في الأداء العام، والفشل في القيام بالمهام الموكلة إليها سياسيا، وتاليا تعزل من منصب القيادة. لأن ذلك يتيح لها الفرصة لمراجعة النفس، ويفتح لها المجال لتقديم عطاء أفضل في مجالات أخري، أكثر فائدة لمجتمعها وتعزيزا لقيم الديمقراطية. وكم فقدنا في السودان بسبب التمسك و(الكنكشة والشعبطة) بالعمل السياسي، غصبا عن فقر القدرات السياسية والتنظيمية والقبول العام! من كفاءات لها قدرات فكرية او إدارية او إجتماعية فذة، كان في إمكانها أن تحسن توظيفها، لتنعكس علي المجتمع في شكل تغيير إيجابي، تدعم مسيرته الفكرية والإدارية والإجتماعية. وتاليا دفع الحياة السياسية الي الأمام ولكن من مداخل أخري أكثر إبداع وثراء وفائدة. ولكنها ركلت كل ذلك وفضلت الولوج الي ساحات العمل السياسي من مداخل غير شرعية. بعد أن قصرت بها قدراتها بشكل اساس! وإنغمست في ماء السلطة غير الشرعية الآسن. فخسرت نفسها وتاريخها مواهبها، وتضررت بلادها بصورة مأساوية. وفي النهاية لم تنال السلطة كما تشتهي، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد يرجع السبب في ذلك، لجزء من تركيبة الشخصية السودانية(لو جاز الوصف) التي تكره الإنقياد للآخر، او تفوق الآخر عليها، مهما كان مجال ذاك الآخر او قدراته الحقيقية! أي أن ذلك الجزء من الشخصية السودانية يؤمن بقدراته الخارقة، وأحقيته بالرئاسة والقيادة في كل المجالات، وأنه ما خلق إلا ليكون، قائد او زعيم او أنسان مُهِمّ، محط أنظار وإعجاب الآخرين! أي لا يؤمن بتفاوت القدرات وتكامل الوظائف، وتوجيه المواهب والقدرات، بمختلف منابعها، لغاية واحدة وهي خدمة المجتمع، صاحب الفضل في ظهور ورعاية الموهبة او القدرات العالية. وهذا الجزء من الشخصية السودانية(لو صحَ وجوده) قد يكون متضخم جدان في الشخصيات السياسية، وبالأخص القيادية. وساعدها في ذلك عدم منازعتها لتلك المكانة من رفقاء الدرب او أعضاء التنظيم، حياءً او قلة ثقة بالنفس اوحيلة او خوفا علي مصالح معاشة او متوقعة او متوهمة!
والمدخل الثاني للخروج من دائرة الفشل والحصاري الإنقاذي، أو الوضعية المحزنة التي لا تليق بدولة او مجتمع طامح للحياة، حتي ولو الحياة البسيطة والطبيعية! هو مراجعة وسائل وآليات النضال السابقة ضد هذا النظام الجهول، سواء في مسارها السلمي او العسكري. فالكيانات السياسية والمعارضة بالتحديد، تعودت علي أساليب محددة و تقليدية، لمواجهة النظام. الذي بدوره طور قدراته الذاتية لمواجهتها! ي ردة فعله تكون سريعة وحاسمة، لمعرفته المسبقة بطريقة تفكير المعارضة وآليات عملها. لذلك لن يكون هنالك أمل لمواجهة هذا النظام المجرم، إلا عبر حلان لا ثالث لهما. إما أن تطور التنظيمات السياسية والحركات المسلحة أساليب عملها، وتفاجئ النظام بإسلوب آخر لا يتوقعه ويكون به الخلاص. او أن يبادر المجتمع السوداني من تلقاء نفسه، بتطوير قدراته الذاتية. بعد أن يتجاوز التنظيمات السياسية والكيانات المعارضة، للخلاص من هذا الكابوس بوصفه المتضرر الأكبر منه. ويمكن أن يستفيد من ثورات الربيع العربي بوجه عام، وحركة تمرد المصرية بوجه خاص، في مواجهة النموذج الإسلامي الفاشي الفاشل! والأفضل من كل ذلك، هو التنسيق بين التنظيمات السياسية والحركات المسلحة من جهة، والمجتمع الداخلي من الجهة الأخري، لإنجاز هذا الأمر الحيوي، ليكونوا شركاء وعلي قدم المساواة في تشكيل النظام القادم. ليشكل مدخل أو بداية الطريق لبناء نظام سياسي وطني ديمقراطي، يقطع نهائيا مع ثقافة وتراث الشموليات وذهنية الإستبداد، ويؤسس لواقع أكثر معقولية ومستقبل أكثر إشراق. والخلاصة يجب معرفة الأسباب التي عطلت تلك الأدوات، لمعالجتها او إجتراح بدائل جديدة، أكثر نجاعة لتحقيق المراد في أقرب فرصة وبأقل تكلفة. بدلا عن ترك الحبل علي الغارب لهذا النظام القمئ، ليصل بالبلاد الي هذه المرحلة من الفشل والدمار والإنهيار علي كل المستويات. حروب بالجملة لا تنتهي، فقدان ثلث البلاد بشعبها وخيراتها، وتحويلها الي بؤرة صراع جديدة، تستنزف قدرات بلاد منهكة أصلا. وديون بالجملة، الله وحده يعلم كيفية التخلص منها او من آثارها الضارة علي حاضر ومستقبل البلاد. وهذا ناهيك عن تعطل عجلات التنمية إلا من الجزء اليسير، وعبر فوائد منهكة لديون مرتفعة التكاليف بسبب، إحجام كثير من الدول عن الإستثمار في السودان، أو منحه أموال كسلفة مستردة، وذلك بسبب تدهور أحوال البلاد في كافة المناحي، وإنعدام الثقة في قدرته علي رد الديون او الإيفاء بمتطلباتها! مما يزيد من مخاطر الإستثمار ومنح القروض. كل ذلك دفع الطرف الوحيد الدائن(حكومة الصين الشيوعية!) لإستغلال الطرف الآخر(النظام الإسلامي!) لتعظيم فوائده لاقصي درجة، وبأكبر قدر من التنازلات. والحكومة الصينية سلفا ليست لها رؤية او مواقف، لا قانونية ولا أخلاقية في طبيعة النظام او مدي شرعيته وتمثيله الحقيقي لمصالح المواطنين. وهي لا تكترث لحقوق الإنسان داخل بلادها، فكيف يتأتي لها أن تهتم بحقوق الآخر الغريب عنها؟! والهدف الوحيد الذي يحرك سياسة حكومة الصين هو، الأرباح الفاحشة لا غير! وثالثة الأسافي في تعظيم المديونية هو، إستثمار الأموال في مشاريع غير منتجة، وبالتحديد توظيفها لحماية النظام! مما يتسبب في ضياع الأموال وفرص توظيفها بطريقة مثلي، ذات عوائد عالية ومستمرة. وتاليا بقاء أصل الدين وتصاعد فوائده مع مرور الزمن، وإستمرار العجز عن التسديد، وهكذا يتم الدخول في حلقة التضييق وإنسداد آفاق المستقبل، وإنفتاح أبواب جهنم العقوبات الدولية والحرمان من المكاسب والتعاون، وضياع المدخرات البسيطة في تسديد بعض الفوائد، وهي تفتح فاهها ساخرة وتقول هل من مزيد! والأسوأ من كل ذلك أن تلك المشاريع ذات المديونة العالية. تتم عبر إستقطاعات فساد لا حصر لها. وبعد إكتمالها يستفيد منها المحاسيب أولا. وما فاض عن الحاجة يذهب لبقية المواطنين الجوعي. الذين إستوطن أجسادهم الواهنة المرض. وفتحت عليهم جبهات السرطانات والفشل الكلوي والإيدز، أبواب الموت الزؤوم في كل دار ومدخل وبلاد. وحوصرت طموحات الشباب المعارض او الرافض للإنخراط في مؤسسات النظام، من كل إتجاه. ومن لم يأته الفرج عبر الهجرة الي الخارج وبغض النظر عن ذاك الخارج. فقد كتب عليه الضياع والتسكع، وهو خاوي البطن والذهن والرغبة، في الطرقات او تحت ظلال الأشجار الشاحبة بدورها، من بؤس الحال وسوء المآل! لوطن كان العشم فيه كبيرا والآمال المعقودة عليه عظيمة. وكان أبنائه في فترة من الفترات، نموذج للكفاءة والسلوك القويم. في كل الدول والمحافل الخارجية. ليأتي زمان تهان فيه كرامة المواطن داخل أرضه! والهوان ومرارة الغربة خارج أرضه. وتسلب همته ومقدرته ومواهبه! وتحطم فيها روحه وعزته! وتصبح بلاده مأوي للجوع والمسغبة ومحط للمساعدات الإنسانية غصبا عن خيراتها! ليصدق عليه قول الشاعر المرحوم الفذ إسماعيل حسن في قصيدته وا أسفاي، حليل الكان بهدي الغير×صبح محتار يكوس هداي. وأيضا أصبحت بلاده مرتع للقوات الأجنبية وأجندة ثابتة علي موائد الأمم المتحدة والدول الغربية، لكثرة مشاكلها وتعقيدها ولا إنسانيتها وعجز النظام عن حلها. لدرجة جعلت الكثير من المنظمات والدول والأفراد وبعض المشفقين، يصلون من أجل أن يحفظ الرب بلاد السودان او ما تبقي منها، سالمة و لا يطالها الخراب والتفكك، الذي بانت تباشيره في كل إتجاه.
والخلاصة، السودان ليس بدولة فاشلة، بل عدي مرحلة الفشل الي الفشل المركب او ما بعد الفشل، فإضافة للمعايير الدولية للفشل التي تنطبق عليه، كموافقة شن طبقة؟ فيمكن إضافة المزيد من نوعية، العناد والمكابرة والفجور في الخصومة والكذب، وخيانة الأمانة الجسدية والوطنية لقادة النظام ورجالاته. ودفعهم البلاد الي هاوية الضياع، التي لن يرجع منها أبداً. وخلخلة قيم مجتمعه وتبديد رأسماله المعنوي، كوطن للشرف وعزة النفس والإستقامة. وكل ذلك بسبب صبية أغرار مشوهين. شكلوا خلاصة أمراض المجتمع وعلله وجهله وضلاله وإنحرافه! وترافق ذلك مع الحصول علي السلطة بصورة مطلقة. ليعظم ذلك من حجم المأساة ويضاعف في عدد الخسائر. التي طالت أعمدة الدولة الأساسية. الخدمة المدنية والنظام السياسي والمشاريع الإقتصادية والخدمية، والتواصل المجتمعي والأداء الثقافي والرياضي…الخ. ولم تتوقف الإمور عند هذا الحد. ولكنها عمدت الي إشعال الحرئق فيها! لتمحو ذاكرة الأمة والمجتمع وتؤسس لفصل جديد! يكون له القدرة علي تقبل الخراب والتطبع مع الفساد، وإنتهاك القوانين وتجاوز مسألة الشرعية! فصل يعلي من شأن جماعة أبدعت في دفن كل شئ جميل. ولا تجيد غير عملية البيع بالجملة والقطاعي لمقدرات الوطن وثرواته، والتفريط فيه وفي حقوق شعبه. كأنهم جماعة أجنبية مخربة. أرسلت لتقويض أسس الدولة، ليسهل السطو والسيطرة عليها من قبل الآخرين، الذين تدعي أنها أتت من أجل التصدي لهم. إبتداءً بامريكا وجدادها وإسرائيل ودفنها، مرورا بالروس ودنو عذابهم تحت سيوف وضراب الدبابين او السيافين! وتكوين منظمات جديدة، بديلة عن المنظمات الدولية الجائرة، التي تتقصدهم وتستهدف مشروعاتهم المؤمنة! ولكن الواقع يحكي عن، أن الخارج لم يجد أفضل من هذه الجماعة الضالة. لمساومتها علي كل ما في البلاد. بثمنٍ بخسٍ، يتلاءم مع همتهم ونفسيتهم وعجلة أمرهم، كعصابة تبيع ما لا تملك، وتتصرف كملك في غير ممتلكاتها. ولا عزاء للشهداء والواهمين من فصيلتهم، ومن يعتقدون أن هنالك بصيص أمل في إصلاح هذه الجماعة الفاسدة، من أعلي رأسها الي أخمص قدميها. والسؤال الذي يفرض نفسه، يصلحوا ماذا؟ وهل هنالك حسنة واحدة او مساحة صالحة، يتم الإنطلاق منها او الإتكاء عليها للقيام بعملية الإصلاح؟ ألا تبدو كلمة الإصلاح غريبة وشاذة في حضور هذا النظام المخرب؟! لذلك الحديث عن الإصلاح في مثل هذه الظروف أعتقد أنه غير ذي جدوي. فاذا كانت لديهم نية في الإصلاح، فلماذا لم يقوموا به منذ البداية؟ وإذا كانوا عاجزين عن الإصلاح كما أرجح، فلا داعي لطرحه أساسا، لجماعة غير قابلة وراغبة وقادرة علي الإصلاح. وفي كل الأحوال من يدفع ثمن الأخطاء الفادحة التي إرتكبها النظام! وكيف يتم تعويض الضحايا عن خسارتهم التي لا تقدر بثمن؟ فهو نظام أتي عبر الإنقلاب علي السلطة الشرعية المنتخبة. ومارس السلطة دون رقابة شعبية. وبقوة الحديد والنار والمعتقلات وتكميم الأفواه. وفصل المخالفين للصالح العام سيئ الصيت. حتي وصل مرحلة الصراع مع نفسه، ليحرج قاعدته وجموع المخدوعين. ويظهر تلاعبه بالدين الحنيف. ولم يكتفِ بذلك ولكن إستمرت المزايدة به من قبل طرفي الصراع. لتتكشف الحقائق في الهواء الطلق، لكل من ألق السمع وهو شهيد. أن القصة كلها مجرد صراع علي السلطة، يتلفح برداء الدين، دون إحترام لقداسة الدين ومشاعر المؤمنين الحقيقين. والهدف من ذلك فقط، إستغلال العاطفة الدينية المتجذرة، في نفوس شعب متدين بطبعه، ووفاء لتاريخه ومسيرته الطويلة مع شأن العقائد والعادات والطقوس. ليخرج عليهم نظام بعقده وحبه للسلطة والمال والجاه عبر المدخل الديني. الذي كان يظن المواطنون أنه بعيد عن المتاجرة والإستغلال. وأن كل من ينطق بلسانه فهو صادق إبتداءً، ومبرأ عن كل مصلحة، ومجرد من كل غاية. لتنطلي عليهم الحيلة بسهولة، ليس لعبقرية المحتالين ولكن لحسن ظن المخدوعين. المهم نجحت حيلتهم أيما نجاح، ولكن النتائج النهائية كانت كارثية علي أولئك البسطاء، الذين صدقوا تلك الدعاوي والأكاذيب. عشما في تغيير وأقعهم الي الأفضل. وعند هذه النقطة بالتحديد، يتحمل كل من صدقهم جزء من المسؤولية. لأنه إستسهل الحلول للواقع المعقد والقضايا الصعبة. دون المرور ببذل الجهد والعرق والتفكير المضني. لصنع واقع أفضل. أي كمن يراهن بكل ما لديه في لعبة رهان خطرة، تحمل إحتمالات الفشل الذريع. ولكن حلمه في الصعود بسرعة البرق. صور له أن طريق الثراء يمر عبر هذه اللعبة، ليمضي فيها من غير تروٍ او إنتباه. ليقع في المحظور وينتبه بعد فوات الأون، حيث لا ينفع الندم! وبدلا عن تغيير خط السير والإستعداد بقوة لمعالجة الأخطاء وتغيير الواقع. يقع في فخ اليأس، والرضا من الغنيمة بالهوان وإيثار السلامة الشخصية. بعد أن فقد الطموح والرغبة في وضعٍ أحسن! والمحصلة الختامية لهذه الحالة. هو الوضع الراهن الذي يعيشه المواطنون الآن. صعوبات في تدبير أمر المعايِّش اليومية، إنعدام بارقة أمل في الغد المأمول، الذي ينذر بأوضاع أكثر قتامة وآلام وضياع. ويشير بثبات الي إتجاه الصوملة والبلقنة واللادولة! وهذا ما جرته علينا حكومة الإنقاذ. بتهورها وجهلها وغرورها، طوال وجودها في قمة السلطة وتحكمها في كل البلاد. وما جنته براقش المجتمع المحلي علي نفسها، بإستسلامها لهذه الجرائم الكبري، و تصديق الشعارات الرنانة. لجماعة تتاجر بالدين وخداع المشاعر وبيع الوهم والأكاذيب. ليقبض المجتمع في النهاية الريح، ويصادق البؤس، ويصبح رهينة للفاقة والحرمان. ويحتل المراتب الأولي في قائمة الدول الفاشلة والمعرضة للزوال. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عبدالله مكاوي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..