الثورة المصرية: مبارك والثورة ومرسي وأخوان مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تسلم الرئيس المخلوع مبارك الحكم في مصر بعد حادثة اغتيال الرئيس السادات بواسطة (مجموعة اسلامية) بقيادة الاسلامبولي كانت هنالك (رائحة خيانة) حيكت ضد السادات، مع احساس قوي (بتورط) الولايات المتحدة ومخباراتها وبقية دول الغرب في الأمر حيث أنها قررت أن السادات قد (استنفذ أغراضه) ويجب التخلص منه. فرضوا عليه أن يتخذ نائبا له لأول مرة طوال فترة حكمه، فقام باختيار مبارك الطيار الحربي بناءا على معايير وضعها السادات بنفسه ودافع عنها بشدة رغما عن أن مبارك لم يعرف عنه انه امتدادا لضباط 23 يولية أو الضباط الأحرار، ولم يعرف عنه الشارع السياسي أى نشاط سياسي حتى أداؤه لليمين الدستورية كنائب للرئيس.
عند حدوث الاغتيال (حادث المنصة) ونجاة مبارك دون أى خدوش بدأت (الشكوك)، بل وجهت تهم مباشرة (من اسرة السادات) و بعض السياسيين بأنه كان مشاركا في المؤامرة، بدليل أنه كان يجلس في موقع مكشوف أثنا العملية ولم يصاب، بل استطاع بسرعة أن يختبئ تحت المقاعد والخروج من المنصة سالما رغما عن اصابة عدد كبير ممن كانوا بالمنصة.
استمر حكم مبارك لفترة امتدت لثلاثين عاما . لم تكن له شعبية وسط شعبه كشعبية ناصر كمثال، لكنها أيضا أقل من شعبية السادات بكثير، لكنه في السنوات العشر الأولى حاول أن يكمل ماقام به الزعيم جمال عبدالناصر، وخلفه السادات، معتمدا علي الكوادر التي ادارت الحكم اثناء حكم من سبقوه من الرعيل الأول لثورة يوليه مع تشديد القبضة على الأخون المسلمين وبعض الفصائل الارهابية والسلفية والتكفيرية التي كادت أن تحول مصر الى دولة فاشلة غير مستقرة.
أطلق مبارك أيدي رجال الأمن والمخابرات والشرطة والأمن المركزي عليهم جميعا حتى كسر شوكتهم، وبموافقة دول العالم الأول التي رأت في وقت من الأوقات (السنوات العشر الثانية من حكمه) أنه قد حان الوقت للتخلص منه وبعلمه، لكنه في جولة مطولة لكل الدول الغربية المؤثرة استطاع (قبل حوالى خمس سنوات من نهاية حكمه) أن يقنعهم بأن ذهابه يعني (انهيار مصر) وتسلم الارهابيين والاسلاميين والقاعدة (العدو الأول للغرب) للحكم. وافقته تلك الدول نظرا لمصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية بمصر وبالمنطقة و(حماية لاسرائيل).
نقول وصل نظام مبارك الى نهايته نظرا (لعدم مواكبته) لمستجدات العصر وطموحات الشعوب، خاصة التى يكون الشباب فيها أكثر من 60%. لم يتفهم النظام أن (للصبر حدود) ، وأن الشعوب هي التي تصنع التاريخ وليس الحكومات. كما فشلت حكومته في تقنع نفسها قبل شعبها بأنها يجب أن تكون (خادمة للشعب) المصري ولا تتصرف كأنها (سيدة) الوطن والمواطن، واللى مش عاجبه يشوف له وطن آخر. لكن استجاب القدر، والقيد انكسر بواسطة الشباب الذي كان يحمل (كل الشموع) في نهاية نفق مبارك المعتم في أواخر أيام حكمه، آملا في دحر النظام ثم محاكمته واعادة كرامة الوطن والمواطن ووضع دستور يحافظ على ذلك ويقود البلاد لتصبح في مقدمة الدول حضاريا وعلميا واقتصاديا وثقافيا (طموحات مشروعة).
قاد الشباب ثورته في عدة مراحل بما في ذلك 6 ابريل 2010م الى أن نجحوا في 25 يناير 2011م فى ازالة النظام واقتلاع جذوره كما فعلنا هنا في السودان في أكتوبر 1964 وابريل (6 ايضا) عام 1985م.
لكن كالعادة في منطقتنا الجغرافية هذه تم (سرقة الثورة) من صانعيها، وتناولته كلقمة سائغة أكثر الجماعات تنظيما (86 عاما) وهي جماعة (الأخوان المسلمين) التي تخطط لحكم كل الدول العربية والاسلامية، وتحويل كل دولة الى (امارة)، وتمزيق الأوطان، والعودة الى ما كانت عليه الدولة العثمانية، وبمساعدة وتأييد كبير تحت المائدة من سيدة العالم الولايات المتحدة حتي (تريح دماغها) من مشاكل المسلمين وخلافاتهم (المصطنعة)، التى يبدو أنها لا تنتهي أبدا، وتبدأ خلافات جديدة وانقسامات وتحركات سلمية وعنيفة وسياسية وارهابية..الخ. كل هذا يصب في اتجاه (العولمة ) وصياغة العالم بما يسهل لسيدة العالم ادارته طبقا لأهوائها خاصة، كما ثبقت أن لها (ذيول مدفوعة الأجر) في كل ركن من أركان اكل هذه الدول على أعلى المستويات، ولها (مخالب) في كل بقعة من البقاع الجغرافية والسياسية والاقتصادية.
كلنا تابع جيدا ما جرى بمصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وبعض المناطق ببعض الدول العربية والاسلامية (الربيع العربي). هل سألنا أنفسنا لماذا لم يحدث بمثيلاتها بالدول لاالافريقية و الدول غير المسلمة؟ هل سألنا أنفسنا من هو وراء ما يحدث ببلادنا على وجه الخصوص؟ وهل نحن جزء أساسي من هذه اللعبة؟
ما علينا، نعود الى ما حدث بجارتنا الشمالية. قامت (الثورة الشبابية) والأسباب معروفة للجميع. (سرقت) الثورة، وهذا أيضا معروف ومخطط له. الدليل على ذلك ايضا واضح وملموس للكل. عند قيام مثل هذه الثورة كان (من المفترض) منطقيا وتاريخيا وعلميا أن يقوم من تولى الرئاسة في شكل مجلس سيادة أو مجلس عسكري أوفرد تم اختياره بطريقة متفق عليها ان تكون له (خارطة طريق) واضحة. تبدأ هذه الخريطة من تكوين (لجان مؤهلة) لوضع دستور للبلاد، ثم اعطاء فرصة للأحزاب لتكون نفسها بطريقة مثالية، يليها تجهيز نفسها لخوض انتخابات (نيابية) للبرلمان ومجلس الشورى، ثم تعد نفسها في نهاية المطاف لخوض انتخابات رئاسية. لكن ما حدث هو العكس، أى البداية كانت الاصرار على الانتخابات الرئاسية، وكان هذا هو السبب الرئيس لسرقة وفشل الثورة.
بدأت المؤامرة (باقناع الشعب والأحزاب) بضرورة قيام انتخابات الرئاسة أولا بحجة أن المجلس العسكري يقود البلاد طبقا لهوى من تبقى من النظام السابق (الفلول)، و ويهدف الى تبرئة الرئيس السابق وابنائه ووزرائه وأعضاء الحزب ومن قاموا بقتل الشهداء أثناء الثورة، خاصة ما يعرف باسم معركة الجمل بميدان التحرير (بلطجية وفلول وأمن وشرطة).
تكونت أحزاب باعداد واسماء لا يستطيع أى مواطن تذكر اسمائها أو أسماء قادتها، وبالتالي برامجها. الحزب الوحيد الذي كان منظما ومؤسسا بطريقة سليمة ولديه عضوية بجميع المدن والقرى والنجوع هو جماعة الأخوان المسلمين (لا يهم العدد)، والى حد ما ما يعرف الآن بحزب النور السلفي. أما من تصدروا لقيادة ما تبقى من ما يعرف (بالثورة المنهوبة) فكان بعضهم من كبارات الحزب الوطني المحلول و بعض قيادات الحزب الناصري وبعض القيادات الاسلامية التي انشقت عن الجماعة (الأخوان) بعد ما تكشفت لهم حقيقتهم وأهدافهم، وآخرون بدأ ظهورهم أثناء الانتخابات الآخيرة للرئيس السابق، اضافة الى الشخصية الدولية البرادعي (مشكوك في أمره) والذي ترأس حركة تمرد الأخيرة. رضخ المجلس العسكري للضغوط ووافق على قيام الانتخابات الرئاسية أولا مع منع شفيق ومنع مدير المخابرات السابق عمر سليمان من خوض الانتخابات (هل سالنا أنفسنا كيف مات الأخير؟!!). وكانت هذه هي (بداية الخطأ) والذي قاد الى قيام ثورة 30 يونية 2013م بعد عام واحد من انتخاب الرئيس محمد مرسي.
نأتي للرئيس المخلوع أو المرفوض من غالبية الشعب المصري بما في ذلك من قاموا بنتخابه محمد مرسي. هنالك سؤال هام جدا وهو: هل جاء مرسي ممثلا للأخوان المسلمين أم رئيسا لكل المصريين؟
سؤال آخر بذات درحة الأهمية: هل كان في (نية) الرئيس أن يسلم مصر للأخوان عند تسلمه للحكم مباشرة عبر الانتخابات، أم كان ينوي أن يقود مصر في خطوات مدروسة للخروج من ازمتها مع الاستعانة بكل الكفاءات التي تزخر بها مصر مهما كانت اتجاهاتها السياسية؟
اكتشف الشعب المصري أن الرئيس الذي قام بانتخابه كرس سنته الأولى من حكمه (لتمكين حزبه) مع الوقوع في (عدة أخطاء جوهرية) اعترف بها في خطابه قبل الأخير، استفزت الجميع بما في ذلك البسطاء من أبناء الشعب والقضاء والعسكر، وبالطبع الأحزاب المنافسة، اضافة الى مجموعة مهمة جدا وهي مجموعة شباب الثورة الذي شعر بأن (ثورته قد سرقت) بالفعل، وأنه قد خدع في رئيسه المنتخب!!
اعترف الرئيس بأنه وقع في أخطاء، لكنه لم يعترف بأنه قام بتمكين الحزب من كل مفاصل الدولة. كمثال قام بتعيين حوالى 13 ألف من كوادر الحزب في مناصب قيادية بالتربية والتعليم فقط، رغما عن الانهيار الاقتصادي الذي وصل باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي الى 14 مليار دولار من أصل أكثر من 40 مليار عند تسلمه للحكم!! الغلاء الفاحش والعطالة المتزايدة وقضية النائب العام والفوضى بمنطقة سيناء واستشهاد العديد من ضباط وجنود الشرطة والجيش وانفلات الشارع المصري وظاهرة البلطجة( شبه المقننة)، مصحوبة بانتشار الشائعات بأن النظام محمي بالأميريكان طبقا (لأجندة سرية) نوقشت بواشنطون في وجود أغلبية المكتب السيسي للحزب قبل الانتخابات. كل هذه الأشياء دعت حوالى 33 مليون من المعارضين الذين لم ينتخبوه والذين انتخبوه أن يخرجوا الي الميادين ويطالبوه بالرحيل، وبالتالي اضطر الجيش للتدخل لحماية مصر والثورة من مستقبل مظلم مع تحمل كل التبعات.
أما عن تصريحات الرئيس الذي اجبر على الرحيل بعد خلعه أن أنصاره لن يسكتوا على ذلك متبوعا باندلاع الحركات الارهابية بسيناء وقتلهم للنظاميين بسيناء والقاهرة والمدن الأخرى فضحت أمر الأخوان بأن حالة الهدوء طوال العام الذي حكم فيه الأخوان يدل على أن (الجناة) منهم أو تحت أمرهم وتحكمهم!! هذا الأمر يصب في غير مصلحة الاسلاميين بصفة عامة والأخوان، بصفة خاصة الأخوان المسلمين الذين اضاعوا (بغباء) كل ما قاموا به طوال 86 عاما وسط الشعب المصري، وكقيادة للتنظيم في العالم. أما تدخل القرضاوي والغنوشي بعد ازالة نظام مرسي فهو عبارة عن دق الاسفين الأخير في نعش الأخوان بمصر,
حال الأخوان الآن وفي المستقبل القريب يذكرني بحالهم أيام عبدالناصر حيث وقفت كل (الدولة والشعب) ضدهم بوضوح وكادوا أن (ينقرضوا) الى أن جاء حكم السادات وسمح لهم بالعمل (كجمعية) مع منعهم من العمل كحزب مما أعادهم الى الحياة السياسية مرة أخرى. أما أثناء حكم مبارك فقد وجدوا الفرصة للدخول الى البرلمان تحت اسماء أحزاب أخرى وكمستقلين، لكن عين الجهات الأمنية لم تغفل عنهم و(بعلمهم). حدث ذات الشئ بالسودان في نهاية حكم الرئيس نميري حتى قيام ثورة ابريل حيث قاموا باحتلال كل المناصب المهمة بالاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء، واصدار قوانين سبتمبر.
نقول أخطأ مرسي ، كما أخطأ واستعجل الاخوان في تطبيق سياساتهم (كلها) في عام واحد بحيث كانت واضحة جدا لكل من يسير على قدمين (عدم خبرة وجهل بطبيعة الشعوب)، وبالتالي مرفوضة نظرا لأنها تبدو (كسرقة واضحة) لثورة قادها الشباب من غير الأخوان، ولم يجدوا النتيجة المتوقعة من ثورتهم. نقول اللهم نسألك اللطف (آمين).
أحداث وتعليقات
? التغيير المراقب في الحكومة تحصيل حاصل، وياسادة الحل واضح وبلاش لعبة الكراسي ، وأحمد زى حاج أحمد.
? انتصف يوليه ولم تصل كمية المبيدات التي وعد بها مدير وقاية النباتات والوزير الهمام. ما يوجد حاليا لا يتعدى 20% من المطلوب والموسم……… كان الله في العون!! بالمناسبة أسعار المبيد المعني بكل اسمائه التجارية تضاعفت عدة مرات.
? يقال أن البرلمان ملئ بالخفافيش والفئران مما تسبب في مرض العديد من العاملين به، ولم يستطيعوا التخلص منها!!! لماذا لا تلجأوا للسيد خضر جبريل موسى الذي تتمسكون به رغما عن أخطائه الشنيعة؟ طيب ماذا سنفعل بالخفافيش والفئران الذين يجلسون بداخله في كراسي وثيرة وتكييف عال العال الذين نطلق عليهم (النوام)؟
? أتمنى أن يتوافق الجميع وفورا على الجلوس لوضع الدستور وأخذ الأمور بجدية لحل مشاكل السودان وكفاية عناد ومكابرة. السودان حقنا جميعا وحق أصيل للأجيال القادمة.
? قفل أنابيب البترول خطأ كبير، وهذا البترول حق السودانيين جميعا شمالا وجنوبا، ونحن في الشمال من صرفنا على اكتشافه وانتاجه. فلماذا نتخلى عن حقنا؟
? الله يخليك يا أستاذ/ السر أحمد قدور، كل حلقة محاضرة بديعة في الفن والتاريخ والسياسة.

بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
جامعة الجزيرة
8/7/2013م
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تفقد المصداقيه دائما وليس ماحصل بكوكوب اخر كلنا شهود ونسمع ونرى والماساه انك بروفيسر قل الحق ولو على انفسكم

  2. قاد الشباب ثورته في عدة مراحل بما في ذلك 6 ابريل 2010م الى أن نجحوا في 25 يناير 2011م فى ازالة النظام واقتلاع جذوره.

    أزالوا النظام نعم لكن الجذور باقية وهذه الجذور هي السبب المباشر في ما حدث ويحدث وأنت سيد العارفين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..