إلا…رفع الدعم

أفق بعيد

جاء في الأخبار أمس معلومات عن اجتماع رئاسي لبحث قرار رفع الدعم عن المحروقات، ورغم أن الخبر لم يجزم بأن القرار قد صدر، إلا أن من الواضح أنه خيار مطروح بقوة وأن هناك خطوات عملية تمضي في هذا الاتجاه.
دعم السلع بشكل عام ليس قاعدة اقتصادية في أوضاع الاقتصاد الطبيعي، وهو إجراء استثنائي، ومن الممكن في الفتكير الاستراتيجي للاقتصاد أن تكون خطوة رفع الدعم جزء من سياسات الاقتصاد الكلي وفق خطة اقتصادية طويلة الأمد، حتى يعود الاقتصاد لحالته الطبيعية.
لكن الثابت الآن أننا نفتقد للسياسات الكلية والاستراتيجية بعيدة الأمد، وأننا لا نتحرك وفق تفكير استراتيجي في أي شئ يتعلق بالأوضاع في بلادنا، بمالا في ذلك الاقتصاد، وإنما نعمل بسياسة “رزق اليوم باليوم”، ووفق هذا الوضع فإن قرار رفع الدعم عن السلع بشكل عام، وخاصة المحروقات، يعتبر في حد ذاتهخ اجراء استثنائي لفك ضائقة ما، وهو ينبغي أن يكون آخر الخيارات المطروحة.
أضاعت بلادنا فرصة تدفق الموارد المالية بعد استخراج البترول وبدء تطبيق اتفاق نيفاشا، لوضع خطة اقتصادية استراتيجية للاستفادة من موارد البترول في تنمية المشاريع الانتاجية، خاصة الزراعة، بشكل يسمح بعد ذلك برفع الدعم، بعد توفير بدائل اجتماعية أخرى. ويختلف الخبراء في تقدير عائدات البترول خلال فترة العشر سنوات، لكنها في كل الأحوال تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، لم توظف بالشكل السليم، ولم يعرف أحد اين ذهبت بالضبط، وكأنها تبخرت في الهواء.
وكان طبيعيا بعد ذلك أن تمر البلاد بأزمة اقتصادية حقيقية بعد غياب موارد البترول، وتناقص إيرادات القطاعات الاخرى خاصة الزراعة والثروة الحيوانية، رغم التطمينات العديدة التي قدمها المسؤولون عن السياسة الاقتصادية في الدولة بأن البلاد لن تتأثر، فقد كان ذلك حديثا غير مسؤول. ومثل ذلك الحديث بأن هناك موارد إضافية تستطيع تعويض موارد البترول، وقد قدموا أرقاما واحصائيات، خاصة عن إيرادات التعدين، بالذات الذهب، لكن لم يكن لها اثر حقيقي على واقع الناس.
وقد تم رفع الدعم عن مشتقات البترول في العام الماضي، فانعكس ذلك ميتة وخراب ديار على المواطنين إذ تصاعدت أسعار كل السلع بشكل جنوني، ولا زال مؤشر التصاعد مستمرا. وحدثتنا الدولة عن الحكومة الرشيقة وتخفيض الانفاق الحكومي، لكنها عادت وشكلت حكومة اتحادية مترهلة وحكومات ولائية أكثر ترهلا، مع وجود مناصب وهمية للترضيات السياسية والجهوية.
رفع الدعم مرة أخرى يعني ببساطة شديدة وضع ملايين المواطنين تحت خط الفقر، مع الملايين الموجود أصلا تحت هذا الخط، ويعني إخراج عشرات الآلاف من الأسر من دائرة الكفاف لما بعده. أضف |إلى ذلك أن كل المعالجات التي يتم الحديث عنها عبر إشراك ديوان الزكاة ووزارة الرعاية الاجتماعية لم تترك اثرا ملموسا في حياة الناس.
ليس أمام الحكومة من قرار يعالج الأوضاع الإقتصادية المتأزمة، ولا ينعكس سلبا على حياة الناس، أعني عامة المواطنين، إلا بخفض حقيقي للإنفاق الحكومي بتخفيض ميزانيتي الأمن والدفاع، وترشيد الأداء الحكومي بإعادة تشكبل الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بشكل يضمن بقاء الوظائف الضرورية، والغاء وظائف الترضية والمكافآت، وحل والغاء عشرات الأشكال والأجسام والمجالس الهلامية التي تستنزف مواردنا الضئيلة.

فيصل محمد صالح
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (ليس أمام الحكومة من قرار يعالج الأوضاع الإقتصادية المتأزمة، ولا ينعكس سلبا على حياة الناس، أعني عامة المواطنين، إلا بخفض حقيقي للإنفاق الحكومي بتخفيض ميزانيتي الأمن والدفاع، وترشيد الأداء الحكومي بإعادة تشكبل الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بشكل يضمن بقاء الوظائف الضرورية، والغاء وظائف الترضية والمكافآت، وحل والغاء عشرات الأشكال والأجسام والمجالس الهلامية التي تستنزف مواردنا الضئيلة.)

    هذه الفقرة هي بيت القصيد و مربط الفرس ، و لا أزيد

  2. أستاذ فيصل ، إنت برضو مصدق أن الشعب السودانى لسه مستمتع بالدعم الحكومى لبعض السلع والخدمات ؟ ما معنى دعم ؟ .

  3. هؤلاء ما كان الاولى بهم أن يفكروا في رفع انقاض البيوت المتهدمة بفعل الامطار بدلاً عن رفع الدعم عن المحروقات !!!أنهم يتلذذون بمعاناتنا فهم لا يملكون ذرة من ضمير أو احساس تجاه الغير , اللهمّ إنهم شقّوا على عبادك فاشقق عليهم واخزهم . فلا بد أن نكسر حاجز الخوف واللا مبالاة حتى صار حالنا مع هؤلاء الحكام الرمم كحال مريض مخدر أسلم نفسه لجراح ” غشيم ” فمزق الجسد ولم يبالي طالما أن ضحيته لم تحرك ساكناً , ولسان حاله وكأني به يردد : أنه لا يموت الذئب ولم تفنى الغنم !!!. أما آن لنا أن نكسر القيد ؟ عجيب أمرنا مع حكامنا ؟! .. كل حكام المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي يخشون غضب شعوبهم فيتوددون لهم ويقدمون لهم التسهيلات الحياتية عدا هؤلاء القابضون على السلطة عندنا فإنهم يتفننون في ارهاقنا وذلك لهواننا عليهم ، فمن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ ايلامُ, ولكن يقيني أننا لم نمت ولكن لكل اجل انقضاء وسوف ينتفض هذا الشعب الأبيُّ ويذهل هؤلاء الطغاة المستخفون .

  4. أستاذ فيصل …. لك التحية

    إذا كان تم في العام السابق رفع الدعم عن المحروقات ، وأصاب ذلك المواطن المسحوق بمزيد من السحق ، وينوون أن يرفعوا الدعم عن المحروقات مرة أخرى ، طيب السنة الماضية رفعوا شنو ، تترفع عناقريبهم إن شاء الله .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..