أخبار السودان

قادة الانقلابات .. من ..واجهات ومخالب..الي طموحات ومقالب..

قادة الانقلابات .. من ..واجهات ومخالب..الي طموحات ومقالب..

محمد عبد الله برقاوي.
[email protected]

الانقلابات العسكرية في عالمنا المعاصر ..والتي شكلت حضورا في العالم الثالث بصورة خاصة عقب الحرب العالمية الثانية التي بدأت بعدها موجة استقلال ذلك الجزء من الخارطة السياسية دولة اثر دولة..هي بالطبع العلة الأساسية التي جرت كثيرا من البلدان الي تخلف وحروبات وشتات جعل شعوب تلك البلاد تحن الي عهد المستعمر..وهو شعور ان لم يجاهر به الكبار من أهلنا ..هنا في السودان فانه يراودهم في الدواخل .. قياسا الي خيبة الأمل في الحكومات الوطنية التي أعقبت ألاستقلال و التي قعدت بالبلاد دون الحد الأدني من الطموحات التي راودت قادة الحركة الوطنية الذين قادوا النضال لرفع راية الوطن الحر وبالتالي كانت حلما مات في مهده في كثير من الاوطان التي استقلت في ..وما بعد تلك الفترة..
بيد اننا وحتي نكون منصفين في التحليل فان فشل ذات الشعوب وقادة الأستقلال في أغلب الحالات في ادارة دولهم ودولاب الحكم فيها بالصورة الرشيدة والتعاطي مع الديمقراطية كنهج هو احسن الخيارات المطروحة لتداول السلطة ..هو ايضا من العناصر التي توفر الذرائع التي تدفع بالجيوش للوثوب الي سدة الحكم.. بدعوي اعادة الأمور الي نصابها وتحسين أمن البلاد واصلاح معيشة العباد وتهيئة المناخ لانتخابات حرة ..ووعود عرقوب بالعودة الي السكنات.. وبقية المشهد معروفة ولنا في ذلك أكثر من مثل في عالمنا العربي والأفريقي كان كارثة ووبالا..ودفعت الشعوب الثمن غاليا في فقد ملايين الآرواح التي سحقتها طواحين الصراع ما بين العسكر والعسكر او المقاومين لهم من ابناء الشعب وهي مشاهد ربما لم ولن تغيب عن ذاكرة الكثيرين اذ هي ماثلة في كل زاوية وفي كل شارع .. وفي كل بيت.. فضلا عن تسببها اما في زيادة مأساة البلاد التنموية واما في استشراء الفساد..و اما في تقسيم البلاد ..جغرافيا ..وديمغرافيا …
ولعل السمة السائدة في انقلابات البلاد المحيطة بالسودان وهو غير مستثني بالطبع منها ..كامثلة حية..فانها غالبا ماتتم علي يد الضباط الشباب الذين تدفعهم روح المغامرة وتلبس الثورية الي ذلك العمل الذي قد يدفع فيه الضابط حياته ثمنا لما قد يكون تضحية حقيقية من منطلق الأيمان بالفكرة في حد ذاتها من دوافع وطنية أو ايدلوجية أحيانا.. او من منطلقات الطموح الذاتي .. بيد ان مربط الفرس وان صدقت النوايا عند البعض فشلوا أم نجحوا فان مبدأ تدخل الجيش في أمور الحكم في حد ذاته هي الشرارة الحقيقة التي تقود الي بقية الحرائق..
ونجد ان اولئلك الفتية المتحمسين من صغار الرتب والذين يطلقون علي انفسهم مسميات كالضباط الأحرار أو اللجنة الثورية للاصلاح أو الهيئة العسكرية للانقاذ.. يبحثون دائماعند اعداد خطتهم الي سند من ضباط كبار كواجهة لانقلابهم ..كسبا للجيش نفسه الذي يمتثل الي ذلك الواقع بحكم قواعد التعليمات والانضباط… وذلك ما حدث مثلا في بدايات ثورة يوليو 1952 المصرية التي اختار شبابها من الضباط الاحرار صغار الرتب ..اللواء محمد نجيب قائدا للانقلاب ضد حكم الملك فاروق.. ثم ما لبثوا ان أقالوه بعد سنوات قليلة حينما تباينت الخطوط بين طموحاتهم المندفعة بفورة الشباب وبين ..حكمة الرجل الذي يتخذ اسلوب التروي علي ما يبدو في اتخاذ القرارات ودراستها لضمان النتائج الجيدة ..و تحقيق الأهداف بعيدة المدي.. فما كان منهم الا ان اسفروا عن وجه الحقيقة من اختيار الرجل كمدخل لقلوب الشعب الذي لم يعرف انقلابا من قبل…و لما يتمتع به من احترام في اوساط الجيش وباعتباره ضابطا كبيرة له مكانته في نفوس ضباطه وفراده..فقال له شباب الثورة ان مهمته انتهت.. وكان جزاؤه مثل سنمار اذ اودع الأقامة الجبرية حتي وفاته في اخريات سنوات القرن الماضي..
فيما نجد ان تجربة الانقلابات العسكرية التي بدأت عندنا في السودان.. ربما كانت انطلاقتها مخلتفة في باديء الأمر.. وبعد اقل من ثلاث سنوات من الأستقلال..و نتيجة لفشل الحزبين الكبيرين في العبور بالبلاد وسط تلك الأمواج المتلاطمة في بحر صراعاتهما سعيا وراء الا ستئثار بالحكم.. وقطعا للطريق من قبل حزب الأمة امام غريمه الحزب الوطني الاتحادي.. تقول المؤشرات ان رئيس الوزراء وقتها ..عبد الله بيك خليل قد باع القضية برمتها واستدعي .. الرجل الطيب. الفريق عبود قائد الجيش وقتها في 17/11/1958. ومن معه من كبار الجنرالات لقيادة رسن الجمل بما حمل ..وبقية القصة معروفة ..والتي انتهت بقيام ثورة21 اكتوبر عام 1964 ..
الا ان النموذج الاخر الذي كان نقطة تحول خطيرة في تاريخ حياتنا السياسية وتبدلا حقيقيا وتلونا في خارطة ودورة الحكم فيها هو انقلاب الضباط الذين سموا انفسهم احرارا تيمنا وتقليدا و أعجابا بضباط مصر ..فقام انقلاب العقيد جعفر محمد نميري في 25/5/1969 ..وهو انقلاب قبل ان نخوض في جانب من دوافعه ولونية خلفيته السياسية وملابسات اختيار قائده ..لابد ان أن نؤمن علي ان تأثيرة قد تجاوز الحدود وكان بمثابة الحافز القوي لقيام انقلابات اخري في ليبيا..في فاتحة سبتمبر 69 ..وفي الصومال اكتوبر من نفس العام و حركة الأسد في سوريا في. تشرين من مطلع السبعينيات.وفي وقت لاحق في اثيوبيا عام 1974.. وانداحت الموجة تغمر بلاد عدة ..من أفريقيا..وغيرها..
وعودا الي انقلاب نميري..ووفقا للرواة التي تكون عليهم العهدة فان جعفر نميري حينما أختير قائدا للانقلاب ذي الصبغة العسكرية التي أمسك بفرشات رسم المستقبل اللاحق فيها لحقبة متفردة من الحكم في السودان ضباطا صغارا في السن والرتب تسنده اياد يسارية من الشيوعين والقومين العرب والبعثيين.. انما كان أختيارا له باعتباره اضعف الحلقات في الرتب الكبيرة التي رشحوها كواجهة من قبيل فكرة اختيار شلة عبد الناصر للواء نجيب..الذي استطاع اؤلئك الشباب من التخلص منه بعد أداء مهمته.. علي خلاف جعفر النميري الذي ( اصبح مقلبا كبيرا ) وعظما في حلق جماعته بل وسيفا سقط علي رقابهم من أعلي مقاصل طموحه ولم ينجو منهم الا من جثا علي ركبتيه زاحفا في ركب النميري ..الذي حكم من بعد ذلك ستة عشر عاما..اسال فيها بحورا من دماء الكيانات الطائفية والحزبية ..بدءا بأنصار ودنوباوي و الجزيرة ابا .. ومرورا بشيوعي انقلاب هاشم العطا المسمي بالتصحيحي لمايو .. وليس انتهاء بعدة انقلابات وغزوات وانتفاضات ساعدته الظروف علي ابادتها..فضلا عن العشرات من السياسين الذين قضوا نحبهم في الشتات بحثا عن وسائل ايا كانت لهدم نظامه و كسر شوكة حظه الذي ابقاه في الحكم مستأسدا بدور البطل ..بعد ان نصبه جماعته في البداية .. ( كعبيط الفلم ) الذي يمكن ان يذهب باشارة من المنتج أو المخرج الي خارج الكواليس.. فبقي هو بعد ذهابهم جميعا الي ان ذهبت به انتفاضة ابريل 1985 الي حيث ما ذهب ككل الطغاة الذين تطويهم عجلة التاريخ..
ولعل الصورة التي رسمها عرابو ومخططو انقلاب الانقاذ 30 يونيو 1989. لشكل ومضمون واجهتهم من الضباط .. لم تكن بعيدة عن الملامح للفكرة ذاتها التي يتوخاها مخرجو ومنتجو الأنقلابات.. فالعميد وقتها..عمر حسن أحمد البشير والذي كانت رتبة هي الأعلي بين ضباط الانقلاب ..ورغم انه ينتمي من الناحية التاريخية للحركة الاسلامية ويمثل مكان ثقة عند قادتها الا انه كان في نظر احلامهم البعيدة..ماهو الا محطة للعبور الي سدة الحكم كواجهة عسكرية مؤقته..ثم يتدبروا له و ضباطه الاخرين الذين لم يكونوا كلهم من الاسلاميين الخلصاء.. طريقة لازاحتهم.. ومن ثم تؤول الأمور الي ولاة المشروع المخطط له منذ عقود..وتزويد اولئك الضباط ببطاقات شكر ومعها مظاريف الأتعاب المستحقة نقدا او رغدا في عيش التقاعد ان هم ذهبوا بالحسني..
وحيث ان كل اللعبة كانت في يد الحاوي الكبير في بدايات المسرحية الهزلية..يحركها من خلف الكواليس تارة ومن داخل الخشبة احيانا.. الا ان الأمور لم تمضي كما تشتهي سفنه التي عامت في بحور الأستخفاف بالعسكري الذي يبدو زاهدا طيبا ..مؤمنا بالفكرة العقائدية دون تشبث بعز السلطة وجاه الحكم ..ولطالما هتف معهم هي لله هي لله..فخاب ظن العراب في زرعه .. ولم يجد علي بيدر حصاده ..ما كان يحلم به في مساحات الحقل..وانطبقت عليه طرفة ذلك الظريف الذي علق وقتها علي بيع جماعة الانقاذ عسكريين ومدنيين للشيخ الترابي ..اذ قال .. الظريف في حكمة البسطا ء..كنا نسمع في كل الأزمان ان الثورات تأكل بنيها.. ولكن لم نسمع بثورة أكلت ( ابيها ) الا عندنا في السودان..
ونقول لذلك الظريف بأسي شديد لسنا نادمون علي اكلها لابيها ..ولكننا الان أمام قضمها لجسد الوطن قطعة قطعة دون شعور بالذنب .. بل وبمنطق المثل السوداني وبطريقة ( ضرب المنخلع للدابي ) فان قائدهم الذي اختاروه (……للفلم ) قد توهم انه اصبح البطل الذي سيسحق كل من يسميهم خونة الفلم..فاتحا صفحات ذلك الكتاب المقدس الذي سحبه من جعبة عرابه الآفل السلطان للبحث عن أشد..عقوبات شرعه المنزلة لا للانتقام ولا للتشفي وأنما للاصلاح الذي يعقب العدل وتوفير الظروف التي لا يضطر حيالها جائع ليسرق رغيفا اوحرة ليبع ثديها.. سحب ذلك الكتاب بباطل النوايا.. ورفعه علي نصل السيف مهددا ومتوعدا.. فشكل من جديد مقلبا لا لجماعته وعرابه تحديدا وانما لشعب .. فعلا استحق منه الجزاء بذلك الشكل..وهو الذي خرج مدافعا عنه بروح الطيبة السودانية والاصالة حماية له من مزلة الأصفاد التي يطقطق بها( اوكامبو ) متربصا في كل مطار وميناءْ..ظنا من شعبنا انه سيقدر ذلك كله.. فزاد له من الشعر بيتا بانتخابه بتلك الطريقة لاكسابه شرعية تصون كرامة السودان في شخصه ..عساه يرعوي و يقوم بانقلاب دستوري لمصلحة الشعب ..مقابلا لتسلط جماعته الذي بلغ سيله الزبا.. فانقلب عو ضا عن ذلك علي ما تبقي من كرامة الأمة .. وتماسك الحد المعقول من نسيجها الاجتماعي.. مهددا بمسح البقية الباقية في مساحة الشمال النازف جراء الانفصال ..وتعددها الثقافي والديني والأثني .. ومن أراد الأمتثال .. فليتوضأ ويصلي ركعتين للتوبه في محراب غده الدموي ساجدا أو منبطحا. علي قبلة مشروعه المؤود.. الذي سيحييه ببراثن جديدة وحادة. ومن أبي فالقبور التي حفرها نظامه لازالت تتسع للمزيد ..وبوابات الوطن المشرعة علي كل مواطن الشتات تسع للارض ان ارادت ان تخرج باهلها .. كارهين أو راغبين.. ليبقي هو في الحكم .. وجماعته.. وليستمر المقلب الكبير الذي شربه من ظنوه.. موسي.. فاصبح فرعونا .. ظالما ..و مقلبا كبيرا ..ولكن لكل الوطن.. والله المستعان ..وهو من وراء القصد..

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..