رأس السنة: هل كان النيل وعقد الجلاد أرحم بالسودانيين؟..حفلات (فخيمة) في ظل أوضاع (وخيمة)

محمد غلامابي:

يقين ظني أن الفرح الذي يستقبل به السودانيون والسودانيات مايعرف بـ(إحتفالات رأس السنة) هو من نوع الفرح المسروق، إذ أن ساعات الفرح لديهم تنحصر بالكاد في المناسبات الخاصة، او "بعض" المناسبات العامة غير الرسمية مثل الاحتفالات الدينية التي يرتادونها بحثاً عن الترويح، كما هو الحال لدى "الجمعة في حمد النيل"، وغيرها ، لهذا كانت حفلات الفنانين برأس السنة الجديدة 2012م التي أنتظمت صالات وأندية الخرطوم والخرطوم بحري الفخمة محبطة لقطاعات كبيرة من السودانيين والسودانيات الذين كانوا يتطلعو ن لساعات "محدودة" من الفرح مع من يحبون من الفنانين، بينما كانت أم درمان وحدها المكان المناسب لرأس السنة، إذ أن الحفل الذي أقامته عقد الجلاد لم يتعد الدخول إليه سوى "عشرة جنيهات".
شوارع الخرطوم ومن وقت مبكر حملت لافتات عند مداخل العاصمة المختلفة، وفي الأسواق والجامعات، وغيرها من أماكن تواجد الجمهور تحث على حضور ليلة رأس السنة بالمكان "الفلاني"، وقد وجدت تلك الحفلات طريقها هذه المرة للإعلان عنها من خلال القنوات الفضائية السودانية، مما يعني أن توافقاً قد حدث هذه المرة بين السلطات ومنظمي تلك الحفلات، لكن وبنظرة سريعة نجد أن أسعار هذه الحفلات كانت فلكية، أو هي أسعار "فخيمة" جداً في ظل أوضاع اقتصادية "وخيمة" تعيشها البلاد منذ فترة، فكيف بالله عليكم فنان تكون حفلاته طوال العام لا تتعدى العشرة جنيهات تقفز عند ليلة رأس السنة لـ(80) جنيهاً للفرد الواحد دون أي "عشاء"، تلك البدعة الغريبة التي تلزم الشخص بشراء التذكرة (حاوية) للعشاء.
قد يقول قائل (وإنت مال أهلك)، لكنني بالقطع لا أتحدث عن الظاهرة في شكلها الخارجي، صحيح أن هناك فئات تستطيع دخول الحفلات مهما كان سعرها كما حدث مع الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب بنادي الضباط بالخرطوم، لكن بالمقابل هناك قطاعات عريضة وكبيرة من السودانين والسودانيات، بل والسواد الأعظم منهم، ليس في مقدورهم دخول مثل هذه الحفلات، وبتلك الأسعار خاصة بعد تعرض الاقتصاد لهزة صاعقة شملت ارتفاعاً كبيراً في أسعار جميع السلع والخدمات، فهل جاء الدور على الأغنياء ليستمتعوا هم فقط بغناء فنان ــ مهما كان مركزه ــ بنى تاريخه واسمه من خلال الدعم الشعبي العريض له، بسبب إمتلاكهم للمال؟ .. لكن لم يكترث كثير من الناس للأسعار الفلكية لحفلات هذا العام، فيمم البعض وجوههم شطر (بقعة المهدي) حيث (عقد الجلاد) بإستاد ودنوباوي وبعشرة جنيهات فقط للحفل، صحيح أن جمهور عقد الجلاد جمهور نوعي لكنه الذكاء الذي جعل عقد الجلاد تستجيب لحال جمهورها وحال معظم السودانيين، وأضافت إليها جمهور جديد إستمع إلى أغنياتها، وعرف يومها أن عقد الجلاد ليست فرقة غنائية لكنها مشروع اجتماعي عريض.. من جهته كان النيل رحيماً هو الآخر بالكثير من الأسر السودانية التي ترتاده في مثل هذه المناسبات، بحثاً عن ساعات من الفرح، ورغم أن السودانيين يعطون ظهورهم للنيل وهم جلوس إلى جواره لكنه كان محتملاً لضجرهم وصراخهم وأصواتهم المختلطة، يستمع إليهم وكأنه يذكرهم أن السودان لم يعد هو السودان هذه المرة وهم يحتفلون بالعام 2012م.

الاخبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..