الفائزة الأولى بجائزة الطيب صالح الروائية ليلى صلاح : : الجائـزة منحتنى الثقة والجدية تجاه مشروعى الأدبى

حوار/رحاب محمد عثمان:

لأول مرة منذ إنشاء جائزة الطيب صالح للإبداع الروائى قبل تسع سنوات،تحظى بالمركز الأول إمرأة كاتبة وصحفية ،ولاينتقص من ريادتها المشاركة مع أديب آخر..إنها الأديبة السودانية المقيمة بدولة قطر ،والإعلامية بقناة الجزيرة الإخبارية :ليلى صلاح ميرغنى الفائزة بالجائزة الأولى فى المسابقة عن روايتها(الغابة السرية..وقائع من حكاية الوجع والجنون)،ولأن الإبداع فى غاياته هو الأنسنة ،ولأن الإبداعى والإنسانى عند ليلى صنوان فقد تبرعت بقيمة الجائزة لشاعر الشعب محجوب شريف،ولم تعد إلى مقر عملها صفر اليدين..فقد حملت كنوزا من محبة الناس وتقديرهم لصنيعها.فمن هى ليلى صلاح؟… (الصحافة) حاولت أن تقرأ سطورا من السيرة الإنسانية والإبداعية للأديبة عبر النت من الدوحة ،ودونكم إفاداتها:
؟ قارئك فى السودان يود أن يتعرف على ليلى :المولد والنشأة،والدراسة؟
رحاب أنا دخلت الجامعة سنة 89 -90 وبيني وبينك أنا سأكمل ( والله صعب كتابته شديد) المهم سأكمل 42 سنة في يوم 27 يناير القادم ،يعني أنا أتعرفت ككاتبة في العمر الذي غالباً ما تكتب فيه المرأة وتعرف ،أي بعد انجاز المشاريع الأخرى الزواج والإنجاب والوظيفة وغيرها من مشاغل ، وفي رأي رغم ان الكتابة في هذا الوقت المتأخر تجعل الكاتب في سباق مع الزمن يريد أن ينجز فيه مشروعه الإبداعي، لكن في رأي الشخصي أن الكتابة في هذا السن لها مميزاتها أولها النضج الوجداني والفكري وتراكم الخبرات واتساع الرؤية بجانب اكتمال المقدرة على المواجهة فنحن كنساء نجبن كثيرا في بداياتنا إلا من رحم ربي ….هذا لا ينفي بالطبع أن هناك كاتبات قد تجاوزن ذلك وقد استطعن أن يعلن عن مشروعهن في زمن أبكر
-أنا من مواليد مدينة القطينة لكن عشت معظم حياتي في مدينة الدويم التي درست بها كل مراحلي الدراسية حيث كان يعمل والدي عليه رحمة الله موظفا ( مفتش زراعي) في زمن كان فيه الموظفين أفندية، أنا البنت الكبري لأسرة مكونة من خمس بنات وثلاث أولاد ، ورثت عن أمي ملامحها، وعن والدي حب القراءة فقد كبرت في منزل الكتب والقراءة فيه ليست رفاهية فقرأت معظم روايات نجيب محفوظ وأشعار نزار قباني وروايات الهلال المترجمة ، وعرفت قدري مبكرا كنت أعرف أنني سأكون كاتبة يوما ما لذلك لا اذكرني في أي مرحلة من مراحل عمري الا واذكر الكتاب في يدي أو دفتري الصغير بين أحضاني..
-»الدويم»سكنتني هذه المدينة دوما وحملتها معي في كل حلي وترحالي مهجسة أنا بشوارعها.. ناسها.. نيلها الذي كنت أدمن الجلوس على شواطئه الآن رحاب الآن اسمع صوت تكسر أمواجه واشم رائحة رماله ومائه الممتلئ بأعشاب النيل وارى في الأفق البعيد عباراتها تتهادى بين ضفتيها، في الدويم تشكل وعيّ الأول بالعالم و فيها تفتح عقلي وقلبي حيث أصغيت إلى همسهما الأول .. هناك مدن نسكنها ومدن تسكننا الدويم سكنتني طوال حياتي، درست المرحلة الابتدائية بمدرسة»ب» والمتوسطة بمدرسة خليل والثانوية بمدرسة صفية ثم دخلت كلية التجارة بجامعة النيلين وتخرجت من قسم الدراسات الاقتصادية والاجتماعية.
متى أصابتك جرثومة الكتابة،ومتى أحسست أنك تحتاجين لإخراج مالديك على الورق؟
دلفت إلى الجامعة ( بزوادة) دفتر به بعض كتابتي اليافعة ..وعبارات التشجيع من معلماتي ووالدي وصديقاتي هم كل رصيدي من القراء ، قادتني هذه ( الزوادة) إلى المنتدى الأدبي والذي أستطيع أن أقول عنه انه كان النافذة والمدرسة التي عمدتني كاتبة ، فجلسات القراءة والنقاش والتي مثلت ورش عمل لنا جميعا خاصة و أن المنتدى كان حينها يضم عدد من الزملاء والزميلات الذين أصبحوا فيما بعد من الكتاب المعروفين ، عبّد المنتدى الأدبي طريقي ليس فقط بما يقدمه الزملاء من نقد وإرشاد وإنما بدعمهم إنتاجي من قصص قصيرة بنشرها في الملاحق الثقافية الصحفية والتي كان يتولى تحريرها عدد من الزملاء.
عرفت أنك كنت تعملين فى حقل الصحافة الأدبية فى السودان..متى كان ذلك؟وماهو أول نص قصصى نشرته؟
كانت قصصي القصيرة بداية لمسيرة طويلة في شارع صاحبة الجلالة أو مهنة المتاعب كما يدللها بعض سدنتها حيث أتيحت لي الفرصة للعمل كمحررة للصفحة الثقافية بجريدة «صوت الشارع «التي كان رئيس تحريرها وقتها الزميل عبده الحاج وكنت حينها ما أزال طالبة بالجامعة.
وللحقيقة وجدت نفسي في مهنة الصحافة والتحرير والحوارات الثقافية ، فاتخذت قراري باللعب في ميدان الصحافة كمحترفة ، فالتحقت بدورة تدريبية في التحرير الصحفي وجلست لامتحان المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ،ثم احتقبت هذه التجربة والذكريات وهاجرت إلى دولة قطر للالتحاق بزوجي ، وهذه قصة أخرى أو يمكنك أختي رحاب أن تسميها رواية رومانسية أبطالها هو وأنا وشهد ابنتنا الكبرى القادرة على أن تحيل كآبة الكون إلى فرح مقيم ،ومحمد ومؤيد وعمرو ، ومكتبة تضم مئات العناوين ومجموعة أصدقاء وصديقات نحتفي بهم في صالون» أبنوسة» و يحتفلون بنا .
الدوحة مدينة لا تجعل لإحساس الغربة مسامات ليتسلل إليك فالمجموعة المتميزة من السودانيين المهاجرين بقطر وبساطة وطيب القطريين وحلو معشرهم وخاصة الناشطات القطريات اللائي التقيت بهن في دروب الحياة هنا وغيرها من أشياء ودودة وحنينه تتسلل إليك و تنسيك رهق الغربة ، باختصار الدوحة مكان آخر أعشقه حتى الثمالة ( ألم احكي لك عن ارتباطي وعشقي لبعض المدن؟.. الدوحة إحداها )
غربتي يا صديقتي منحتني الكثير ،ففتحت الدوحة ليّ صحفها على مصراعيها واحتضنتني وقد كانت سمعة الصحفي السوداني التي زرعها أساتذتنا من الرعيل الأول من الصحفيين السودانيين تسبقني ، لهم التحية جميعا.
عن نفسي أقول أنني كنت محظوظة حتى في غربتي فالغربة أنضجتني يا صديقتي كما عرفتني على الآخر في معظم تجلياته ، لاكتشف أن الإنساني يجمعنا جميعاً وهكذا ترين أن الغربة ليست قدراً سيئاً في بعض الأحيان .
قلت فى أحد الحوارات الصحفية:كتابتى لاتجيد المواربة ولا المجاملة كما أفعل فى الواقع..إنها صادقة بجد،مامدى التشابه والتقاطع بين الكاتب ،وكتاباته؟
– لا ادعي أن لي أسلوب مجدد ، لكن أستطيع أن أقول أن كتابتي تعتمد « الصدق» ساساً ومدماك، فانا اكتب دفقي الأول كما يدور بخاطري بالضبط.. فاللحظة هي التي تملي علي وأنا مجرد وسيط يكتب ما يملى عليه ، مع أن السرد عندي كما هو عند غيري من المبدعين « فعل واعي» وأرجو ألا تسأليني عن شفرة فك هذا التناقض ، فلا إجابة لي على هكذا سؤال، ولكن ما اعلمه يقيناً أن هذا ما يحدث فعلاً ، بعدها تنتهي لحظة الغيبوبة لتبدأ بعد ذلك مرحلة إعادة الكتابة ..أعني الجزء الخاص بالحرفية أن تستخدم مهاراتك في إعادة الكتابة ،هذه اللحظة ليست خالصة حيث يتدخل فيها الوعي والرقيب وغيرها من أشياء وعندها يكون الحكم في النهاية هو شجاعتك وموازنتك بين ما تريد أن تقوله وما تخشاه ليخرج النص في النهاية وفق تقديرات الكاتب الشخصية والقيم التي ينحاز لها ويتبناها أنا شخصيا يعز علي كثيرا أن اشطب ما كتب في غيبوبة لذلك هي كتابة صادقة ولهذا أخشاها أحيانا ولذلك سميتها بالفضيحة ..
إ نحيازك وتوجهك الفكرى..هل ترين أنه يبدو فى كتاباتك؟
-بالنسبة للانحياز الفكري في يوم ما يا رحاب كنت ملتزمة حزبيا لقناعاتي أن التغيير يحتاج إلى أدوات أولها التنظيم وقد أفادتني هذه الفترة على مستويات كثيرة لكن مع الأيام اقتنعت أن التزامي يجب أن يكون تجاه الكتابة فهي أداتي التي أجيد استخدامها والتي اعرف مساربها وأسرارها ولقناعتي كذلك أن الكتابة أيضاً قادرة على التغيير فيكفي أنها من يبشر ومن يلهم ومن ينبه الآخرين للأسئلة الحقيقية ومن يدلهم على موضع الجرح و الكاتب الذكي في رأي هو الذي لديه مقدرة على الرؤية والاستبصار و الذي هو في الغالب كوني منفتح على العالم بآسره..
هل تحسين أن كتاباتك كامرأة تميزك عن كتابات زملائك من الكتاب الرجال؟
– أن تكون المرأة كاتبة هو قدر ممتع وفاجع وكان الله في عون من ابتليت بالكتابة وذلك لان الناس تعودوا على التلصص والشك ومحاصرة المرأة الكاتبة .
المرأة الكاتبة تعيش ادوار كثيرة الكتابة إحداها إذ يجب أن تظل زوجة كاملة وأم كاملة ..حكت مرة الكاتبة المصرية الدكتورة نوال السعداوي أن الرجل الكاتب يحظى بامرأة تطبخ وتغسل له وتفرح بنجاحه بينما هو جالس ليكتب قصة حبه لامرأة أخرى ، في حين تحظى المرأة الكاتبة برجل يطلب منها كل شي ويبتئس كلما شاهد نجاحها هذه هي الصورة العامة ماعدا بعض الاستثناءات..
– كثير من الأديبات يأفل نجمهن بعد دخولهن المؤسسة الزوجية،وأصابع الإتهام دائما تشير للرجل..إلا أنك فى رأيى بدعا منهن فقد إزدهرت تجربتك الإبداعية ،وتفتقت أكمامها ،وازدادت نضجا وألقا بعد زواجك ..إضاءة فى هذا الجانب؟
– بالنسبة لي أنا فقد كنت محظوظة ،فقد تلاقت خطاوينا وزوجي عبد الجليل في دروب الأدب وجمعنا المنتدى الأدبي ، فكان دائماً سندي ، اذكر في بداية علاقتنا ترافقنا إلى قاعة الشارقة لحضور احتفالية جامعة الخرطوم بتوزيع جوائز مسابقة أدبية في الشعر والقصة القصيرة امتطينا صهوة بصات أبو رجيلة ( ربنا يطراها بالخير) في الطريق قرأ طالعي على أرقام تذاكر الحافلة وكتب على تذكرتي…..
نفس التذاكر البيها سافرنا وشهدنا انفجارك في الأرض يا سمراء يا واضحة
ما غنيت يوم جيتك صدفة قبل أبداك كان غصنك بشر
فصدقت نبوءته وبدأ انفجاري بفوزي بجائزة القصة القصيرة لتلك المسابقة ،وكان ذلك عام 1990 …قاسمني الهم ولحظات الفرح وأوجاع مخاض أبنائنا ، ومخاض كتاباتي ونزقها.
صالون أبنوسة فى قطر والذى سارت بذكراه العطرة الركبان..هل هو عودة إلى عهود الصالونات الأدبية النسوية كمى زيادة ،وولادة بنت المستكفى؟،وماذا تودين أن تقولى عبره؟
– صالون أبنوسة كان حلماً منذ التقينا وتخلق إلى أن صار حقيقة يمنحنا وأصدقاؤنا وضيوفه كثير من ثمار المثاقفة والنقاش ومتابعة كثير من مبدعي الوطن ومحاولة الانفتاح على الإبداع الإنساني .
المبدعة تتألق ويلمع نجمها ،وسرعان ما يخبو بعد إذ هو ساطع،مايشى بأنها لاتهتم بتطوير أدواتها ،وصقل موهبتها ،وتأخذها مشاغل الحياة بعيدا عن إبداعها ،لماذا؟
-ليس صحيحا أن المرأة لا تعمل على صقل أدواتها فانا اعرف الكثيرات اللائي يملكن أقلاما ناضجة ربما فقط المساحة الضيقة التي تتحرك فيها المرأة وانشغالاتها إذ عليها أن تقوم بكل أدوارها بجانب الكتابة أتمنى أن تدرك كل أسرة تحتضن مبدعة أهمية أن تمنحها مساحة تخصها مساحة تجعلها تنمو بشكل صحي وطبيعي يجعلها قادرة على أداء دورها المقدر لها.
هنالك كثير من الأدباء يحجمون عن المشاركة فى المسابقات الأدبية ،وآخرون ظهروا ولمعوا من خلالها ،جائزة الطيب صالح،وعلى المك،وأمير الشعراء نموذجا..برأيك هل تعتبر مثل هذه المنافسات مقياسا حقيقيا للإبداع؟
-المسابقات الأدبية في نظري يا رحاب ليست مقياسا للإبداع لكن في حالتي مثلا اعتقد أنها اختصرت علي الطريق وعرفت الناس بي كما أنها حفزتني ومنحتني ثقة بابداعي احتاجها وقالت لي بصوت واضح أنتي كاتبة جيدة اجلسي اكتبي وكوني جادة تجاه مشروعك الإبداعي وهذا هو ما سأفعله.
ماهى الأشياء التى تثير شبقك للكتابة،وتدفعك دفعا إليها؟-
يحفزني على الكتابة القراءات أعني تلك النصوص الجيدة التي تلمسك في أعماقك وتستفزك وتجعل حيرتك وأسئلتك تبدءا بمجرد الانتهاء من قراءتها ، تحفزني على الكتابة حساسيتي تجاه العالم فاشعر أن وراء كل وجه قصة وخلف كل ابتسامة حكاية ،يحفزني على الكتابة إعادة اكتشاف نفسي من جديد يوميا فاستغرب لابنتي شهد التي صارت صبية تقاربني في الطول ، أما عندما يتقافز محمد ومؤيد وعمرو حولي ساعتها أدرك أن الكون خباء، أعظم أسراره في أرحامنا نحن النساء تحفزني على الكتابة تجاربنا مع المخاض والأمومة ،تحولاتنا من فتيات صغيرات إلى صبايا يانعات، تعرفي يا رحاب أنا أمي زمان كانت دائمة الشكوى من أني (شترا) ادخل المطبخ فأكركب الدنيا حتى يكاد المطبخ أن ينهار فوق رأسي ..اشرب فادلق الماء.. أتحدث فتتداخل في فمي القصص والحكايا ،لكن عرفت السبب مبكرا لذلك لم اعد انزعج من هذه التفاصيل أنا مسكونة بأشباح وأرواح آخرين هم داخلي حولي ومعي ولأنهم يسكنوني فقد عرفتهم وأحببتهم وصادقتهم وتصالحت معهم وعرفت أنهم أشباح غير مؤذية ولا لون لها ولا عقيدة ولا جنس وأنا سعيدة بها لأنها تؤانسني ،وهي تمسكني من يدي أحيانا ومن شعري أحياناً أخرى بل وتوقظني في وقت متأخر من الليل وترجوني أن اكتبها وأنا سعيدة بأنني أصبحت افعل …

الصحافة

تعليق واحد

  1. المبدعه ليلي ….هنيا لك بما نلتي وبما هو اتي فقد بعثي في نفسي شى من التفاؤل …اتمني لك التوفيق ولنا السير في دربك….;)

  2. استاذه لقد تربعتى بقيمه الجائزه لعلاج شاعرنا محجوب شريف,اماكان لهذه اللمسه الانسانيه افضل ان تكون فى الخفاء من غير ضوضاء اعلاميه حتى لاتجرحى مشاعره؟؟ ام لك مارب اخرى؟؟؟

  3. لاول مرة اسمع بالكاتبة ليلى……لكن من خلال ماقرات الان فقط احسست اننى فى محراب كاتبة متميزة ….من عظمائنا الذين تحتفى بهم الشعوب الاخرى وتعرف قدرهم قبل ان نعرفهم نحن ……….. لقد احسست بانفاس الطيب صالح وانا اقرأ افاداتها هذه……..فطوبى لنا بها……….والتهنئة للجنة الجائزة بتوفيقهم فى اختيار من هو اهل للجائزة ………..هذا مجرد حدس واحسا س تملكنى وانا اقرا الحوار اعلاه …………….لكن حتما الايام ستثبته

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..