فيلم جسد يضع المرأة العربية في "وعاء التفريغ والتفريخ"

– "المرأة العربية كوعاء للتفريغ والتفريخ" إنها حقيقة يصعّب أن أنطق بها مرة تلو الأخرى لكنها فعليا نظرة المجتمع العربي الذكوري للمرأة، تقول المخرجة الفلسطينية الشابة ريتا اسحاق (26 عاما) من قطاع غزة التي أخرجت مؤخرا فيلما صامتا بعنوان "جسد" .

تلعب الممثلة فايقة النجار دور المرأة في الفيلم في أول عمل سينمائي لها. تدور أحداث الفيلم الصامت لمدة 15 دقيقة حول قصة فتاة مدرسية أجبرت على الزواج. تتناوب عدسة الكاميرا ما بين واقع الفتاة في بيت الزوجية وبين المشاهد الصحراوية التي تعبر عن الحالة النفسية للمرأة. تنتقل المشاهد ما بين البيت حيث تُعنف الزوجة وتستغل جسديا ونفسيا من قبل الزوج والابن لاحقا، إلى الصحراء حيث تموت المرأة بعد أن داهمها العمر وهي لا زالت تجر في خيط مربوط برجلها مريول المدرسة وكتابها وفستان زفافها. تعود المخرجة في نهاية الفيلم إلى بدايته بمشهد للابنة التي تُغصب هي أيضا على الزواج.
فيلم جسد يضع المرأة العربية في "وعاء التفريغ والتفريخ"

بالطبع لا تنطبق رؤية المخرجة على المجتمع بأكمله لكنها توجه فيلمها بالأخص "إلى المرأة التي ترضى لنفسها أن تعيش في أربعة جدران بحكم ضغط المجتمع عليها".
اختارت إسحاق أن تخرج فيلما صامتا "لأن المرأة نفسها صامتة عن حقها" كما تقول. وتلقي بالمسؤولية واللوم على المرأة التي تخضع للضغط وللعادات التي يفرضها عليها المجتمع ويسلب حقوقها في التعليم واختيار الشريك.
هل يُعقل أن تلقي اللائمة على الضحية ذاتها؟ "علينا كنساء أن نلوم المرأة على صمتها وخضوعها لأننا كنساء عربيات مررنا بالتجربة ذاتها واجتزناها، بإمكانها هي أيضا أن تحقق مطالبها".
ربما تجسد شخصية الإعلامية والمخرجة الصاعدة ريتا اسحاق مثال لهذه المرأة التي تخطت هذه العقبات كما تقول. "هنالك عوامل كثيرة وقفت في طريق أن أكون مخرجة، لكني اجتزتها وعملت الفيلم رغما عن الكل". "و خلال عملي كمراسلة لقناة الآن، تردني انتقادات كثيرة لأني غير محجبة واعمل جنبا إلى جنب مع زملائي من الرجال".
في فيلم جسد يرى المشاهد فقط أنصاف الشخصيات الذكورية غير الكاملة "لأن نظرة المرأة للرجل الذي يراها كجسد استهلاكي لا تتعد النظر إليه كنصف رجل فقط، ولا ترى النصف الآخر له الذي يتجسد في مشاعره وأساسيه واحترامه لها كشريكة وحبيبة، كما ترى إسحاق.

ردود الفعل التي وردت المخرجة حتى الآن "سلبية جدا". "لا من أحد تفهّم الفيلم لأنه احتوى على مشاهد جريئة". واحد من المشاهد الجريئة كما تصفها المخرجة هو مشهد ليلة الدخلة التي تُظهر فيه فم العريس الذي تغمره الشهوة وكأنه يريد افتراس عروسته بشراسة.
تعتقد إسحاق أن الانتقادات التي وردتها انبعثت من عدم معرفة وتفهم للصورة التي كانت تحاول إيصالها لأن "الكثير اتهموني بأني أريد تشويه صورة الرجل وتعريته لكنهم إذا تمعنوا في الفيلم سيرون أني ألوم المرأة في الفيلم أكثر من الرجل".
المرأة الغزيّة نفسها كانت أيضا منقسمة حول الفيلم كما تقول إسحاق : "ردود الفعل النسوية كانت ما بين معارض ومؤيد". البعض رأى في طرح قضايا المرأة من خلال الدراما السينمائية المحلية مبادرة جديدة وجيدة، والبعض الآخر ارتأى أن الصورة التي ترسمها إسحاق في فيلمها لا تعبّر عن الواقع لأنها صورة من الماضي و "دقة قديمة". تقول إسحاق "هؤلاء لم ينخرطوا في المجتمع الغزي كما انخرطت أنا من خلال عملي الصحفي."

لم يكن من السهل على اسحاق أن تعرض فيلمها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ عام 2006 "بعد عمل جاد حصلت على تصريح من وزارة الثقافة في الحكومة المقالة بأن أعرض الفيلم مرة واحدة فقط". وحتى الآن لم تتمكن إسحاق من عرض الفيلم على قنوات محلية لكنه عُرض في عدد من القنوات العربية "لأن فكرة الفيلم تمثل الواقع العربي إجمالا وليس خاصة بفلسطين فقط".

اختتمت إسحاق فيلمها الصامت بالعودة إلى بداية حلقة مفرغة تتكرر فيها قصة الأم مع ابنتها. لماذا هذه النهاية المتشائمة؟ وكيف ستخرج المرأة العربية من هذه الحلقة المفرغة؟ "نحن بنات غزة سئمنا ورش العمل والمؤتمرات النسوية التي يرتادها النساء دون جدوى. علينا التوجه إلى الرجال والمجتمع ككل". من هذا المنطق ترى إسحاق أن الدراما يمكن أن تلعب دورا كبيرة في "نخز" المجتمع وتوعيته. "مسلسل مهند ونور التركي مثلا عمل تغيرات كبيرة في المجتمع الغزي" كما ترى إسحاق.

عبير صراص ? إذاعة هولندا العالمية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..