مأزق الإسلاميين في حزب البشير

وليد الطيب:

من المفارقات في مقابلة الرئيس البشير مع قناة النيل الأزرق مطالبته بمحاسبة مقدمي المذكرة التصحيحية من الإسلاميين رغم إقراره بأن كل ما ورد في المذكرة جاء في توصيات المؤتمر العام.
ويعلل مطالبته تلك بأنها محاولة من (البعض) لفرض وصاية على الحزب و(البعض) الذي يشير إليه الرئيس البشير هم (الإسلاميون) لا غيرهم، فبعض هؤلاء الإسلاميين هم من أعد هذه المذكرة. وقطع البشير بأن من « غير مقبول وصاية على المؤتمر الوطني لا من أفراد ولا من كيانات» سواء أكان هؤلاء الأفراد من المجاهدين أو كانت هذه الكيانات هي الحركة الإسلامية نفسها التي جاءت بالدولة أول مرة في يونيو 1989م.
هل بهذا الموقف الحازم من أصحاب المذكرة والمذكرة من باب أولى ستنتهي محاولات (الإسلاميين) التصحيحية داخل كيان المؤتمر الوطني أم ستدفع الإسلاميين التصحيحيين إلى اختيار الخيار الثاني الذي دعت له مذكرة الإسلاميين (التغييرين) وتدعو إلى إعادة تأسيس الحركة الإسلامية بعيدا عن الدولة وبمعزل عن المؤتمر الوطني وبمنأى عن المؤتمر الشعبي؟ والسؤال بصيغة أخرى: وهل بدأ موسم الشقاق داخل الوطني؟
قطع موقف الرئيس الطريق أمام الإصلاحيين الإسلاميين أصحاب مذكرة الـ (1000 أخ) ولم يشفع لهم تأكيدهم (إننا لن نسعى لشق صف أو تكوين جسم جديد مهما حدث وسنتعاهد على ذلك، بل سنظل داخل البيت ننافح ونبشِّر بهذه الرؤية) التي حملتها المذكرة كما لم يشفع لهم ورد الرابطة الإخواني في تليين موقف الرئيس (اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك وتوحّدت على دعوتك وتعاهدت على نصرة شريعتك فوثق اللهم رابطتها وأدم ودَّها واهدها سبلها واملأها بنورك الذي لا يخبو واشرح صدورها بفيض الإيمان بك وجميل التوكل عليك واحيها بمعرفتك وأمتها على الشهادة في سبيلك إنك نعم المولى ونعم النصير)
إذن ما السبيل أمام هذا التيار الإصلاحي .. هل الانتظار حتى تطالهم عقوبات مجلس المحاسبة وهي معلومة وتتراوح بين الفصل والإيقاف لأمد معلوم أو العزل من كافة المناصب والمسؤوليات؟ أي هل يختارون الإلتزام الحزبي على الموقف الإصلاحي؟ أم يختارون الطريق الثاني الذي افترعته بوضوح كامل وحسم واضح مذكرة التيار (الراديكالي) نشرتها صحيفة التيار بتاريخ 26 يناير 2012م، تدعو هذه المذكرة صراحة إلى إعادة تأسيس الحركة الإسلامية بعيدا عن الحزبين المتشاكسين (الشعبي والوطني) وبعيدا عن الدولة نفسها ويأتي هذا الاختيار على خلفية أن جهود الإسلاميين الرامية إلى تأسيس وتطوير حركة التغيير الاجتماعي والإصلاح السياسي الوطني (قد بُعثرت وأن حركتنا تلك قد حُولت عن مسارها ووظُفت في غير ما قصدنا) على حد وصف المذكرة. ويبدو أن هذا الخيار سيكون هو الخيار الراجح في نهاية المطاف بل على المدى المنظور وهو لا يتعدى الفترة التي تسبق الانتخابات المقبلة في 2015م ، ولكن وفق اشتراطات معينة وهي:
الأول: ظهور قيادات مؤثرة ومشهود لها بالنزاهة على رأس تيارات الإصلاح داخل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني
الثاني: أن تستطيع التيارات الإصلاحية المتعددة داخل الحركة الإسلامية جناح المؤتمر الوطني من توحيد جهودها وقياداتها الإصلاحية بدلا من الحركة العشوائية الراهنة، التي يعبر كل فريق فيها بمذكرة حتى سمعنا بأن هناك خمس مذكرات!
الثالث : فشل مؤتمر الحركة الإسلامية – بقيادة نائب الرئيس السوداني علي عثمان – المقرر أواخر هذا العام في مخاطبة قضايا الحركة خطابا يستجيب لتطلعات الإسلاميين في هذه المرحلة، وهو أمر متوقع إذا استصحبنا الجدل الذي اكتنف محاولة تأسيس الحركة الإسلامية في 2004م، ولكن من المتوقع أيضا أن تتجه العناصر الإصلاحية لحشد المؤيدين لها داخل مؤتمر الحركة الإسلامية من أجل انتخاب أمين عام بديل للسيد علي عثمان طه، من اجل إحداث مفارقة نسبية بين الحركة والدولة تسمح بإمكانية تجديد الحياة في الحركة الإسلامية. ولو حدث هذا من تيار المذكرة التصحيحية (1000 أخ) فإنه يمكن أن يلتقى فهذه النقطة من المسار الإصلاحي مع تيار الراديكالي صاحب مذكرة التيار (معالم الإصلاح والنهضة) في مناداة بضرورة «بإخراج الحركة الاسلامية وإحيائها لتتوفر البيئة اللازمة للمراجعة الأمينة والنقاش الحر اللذين يمهدان الطريق لإعادة التأسيس واستكمال البناء بعيدا عن الدولة ومؤسساتها وحزبها الحاكم» ويمكن أن تلتقي المواقف بين التيارين مرة أخرى « إذا وقعت المفارقة بين هذه المرجعية والحزب الحاكم» وعندها « لا مناص من أن تخرج الحركة الاسلامية من عباءة الحكومة وحزبها الحاكم وتعود إلى موقعها الطبيعي بين الجماهير» وتؤسس تيارات الإصلاح مجتمعة حركة إسلامية جديدة ليس لها من تجربة الأمس إلا العظة والعبرة والشهادة.
الرابع: ظهور عناصر إصلاحية على المستوى القيادي في الدولة مؤيدة لمطالب الإصلاح وخاصة على المستوى البرلماني لأنها عناصر منتخبة وفي أمن من العزل والإقصاء على الأقل حتى الانتخابات المقبلة في 2015م.
الخامس: أن تجد قبولا وتأييدا من القاعدة الصامتة للحركة الإسلامية وهذا يستدعي من الإصلاحيين اقتراع آليات جديدة في تنشيط هذه القاعدة ثم حشدها خلف داعي الإصلاح ولعل شبكات التواصل الإجتماعي الجديدة سيكون لها قدح معلى في ذلك على الأقل في مستوى الشباب والطلاب.
السادس: أن تجد الدعوات الإصلاحية قبولا شعبيا لمطالبها وتحركاتها، باعتبار أن قوى المعارضة الأخرى فشلت في إحداث تغيير وأن الإسلاميين هم الآن الكتلة الفاعلة في المجتمع السوداني وأن المستقبل السياسي السوداني في المدى المنظور رهين بهذه الكتلة الحية.
السابع: أن تلقى ترحيبا من قوى المعارضة وقبولا المحيط الإقليمي وربما العالمي، وهذا الشرط لم تعره مذكرات الإصلاح اهتماماً
« إن كل هذا رهين بمدى قدرة الحركة على إنتاج نفسها خارج الحكم من ناحية الرؤية والفكرة ليتقبلها الشعب من جديد» كما يقول الباحث معتزمحجوب.
ويلح سؤال في سياق مقابلة الرئيس البشير الأخيرة وماعلق به من مطالبة بمحاسبة التيار الإصلاحي، إلى أي مدى كانت قراءة مذكرة (الإصلاح والنهضة) دقيقة وهي تقرر إن: المشروع الاسلامي تحت وطأة الحصار والحرب تحول من مشروع ثقافي فكري منفتح يتدرج نحو المسار الديمقراطي إلى مشروع عسكري أمني منغلق عليى نفسه يضيق بالديمقراطية في داخله ويضيق مسالكها في الخارج؟

٭ صحفي وباحث في شأن الجماعات الإسلامية

الصحافة

تعليق واحد

  1. القشير واثق انه لا توجد مذكرة من اصله فهؤلاء المجرمين تواثقوا على الكذب و الفساد….لا فرق بين مؤتمر وثنى و جبهة اسلامية….تمرغوا فى نعيم السلطة و تلوثوا بالمال الحرام سواسية…المذكرة و ان وجدت عبارة عن اوهام قديمة اكنوا يخادعون الناس بها و لكن….الى مزبلة التاريخ حسن الترابى و الجبهة القومية الاسلامية و الاخوان المسلمين و كل الكذبة الفجار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..