قبيلة الفور ماذا أصابها (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

القبيلة كيان إجتماعي وجدت وسط المجتمعات السكانية المختلفة و التي كانت تتصارع فيما بينها من أجل الهيمنة أو الوصول الى الموارد التي وفرتها لهم الطبيعية في ظل تنامي التنافس حولها بين تلك المجموعات السكانية, فكان لا بد من إيجاد كيان قادر على حماية مصالحهم الحياتية و التي إرتبطت معظمها بما جادت به الطبيعة ليلتف حوله الأفراد, فكان ميلاد العشيرة و من ثم القبيلة و الأمة كتطور تلقائي للإنسانية . ميلاد القبيلة بهذه الصورة إرتبط بدوره بوجود الزعيم و هو الشخص الذي يتوفر فيه صفات القيادة من بين المجموعة , تلك الصفات أهمها الشجاعة و الأمانة و الكرم و رجاحة الرأي و غيرها من الصفات الحميدة , هذا ما جعل أفراد المجموعات ينصاعون لتوجيهات زعاماتهم بالسمع و الطاعة لثقتهم في أن الزعيم لا يعمل إلا لتحقيق مصالحهم .
هكذا نظن ظهور وجود القبائل . و قبيله الفور هي واحدة من القبائل التي أوجدها الله سبحانه و تعالي في أرض السودان كما القبائل الأخرى , حيث لا وجود لها في أي بقعة خارج أرض السودان فهي متجذره في كل أراضيه, و قد أشار عيزانا ملك أكسوم الحبشية في مذكراته عن غزوته لمملكة مروي سنة 350 ملادية بأن أول معاركه مع قوات مملكة مروي كانت قد بدأت في منطقة (كمالى) و هي منطقة القلابات الواقعة شرق القضارف حالياً. أيضاً أشار بعض المؤرخين إلى أن هذا المسمى لا تفسير له إلا في لغة الفور و التي يعني الجِمال بإعتبار أن المنطقة كانت نقطة تلاقي طرق التجارة العابرة الى الهند عبر باب المندب, كما أن أسماء بعض الكهنة الذين قتلهم في معبد جبل البركل قد وردت أسمائهم في تلك المذكرات بلغة الفور, و كذلك هنالك بحوث علمية يقوم بها بعض النشطاء أمثال العم الباحث زكريا سيف الدين شمين و المهندس عبد الشافع عيسى مصطفى في موضوعات أصول قبيلة الفور و لغتهم , حيث تمكن الأخير من فك طلاسم اللغة المروية و رموزها الكتابية التي ترجمها علماء الآثار و اللغات من الرسومات التي وجدت في آثارهم الى الحروف اللاتينية . إستطاع المهندس عبد الشافع عيسى مصطفي من قراءة تلك الكتابات بصريح لغة الفور مما أعطاها مدلولات و معاني أوضحت ماهية تلك الكتابات , إذن ما هي علاقة قبيلة الفور بكل تلك الشواهد التاريخية ؟. سؤال نضعه أمام الباحثين للإجابة عليه .
تاريخ الفور ضارب في الأعماق و لكنه لم يصلنا بالكامل لأسباب عديدة يحتاج منا الى تنقيب, و لكن أن ما وصلنا منه يجعلنا نحس بالفخر و الإعزاز و الشموخ و الإباء , و لكن علينا دور يجب أن نلعبه بإجراء المزيد من البحوث لتحديد أصول هذه القبيلة العريقة , لأن عملية إختصار تاريخ قبيلة الفور في سليمان (صولونق) و هو السلطان السادس عشر في سلسلة سلاطين مملكة الفور يجافي الواقع و الحقائق التاريخية الماثلة.
أما ما سطره لنا أولئك الأجداد في صفحات التاريخ المدون من إنجازات رغم محاولات الكثيرين لتحريفها, يجعلنا نعتز بهم و الإنتماء اليهم و يكفي أنهم قد تمكنوا من إنشاء سلطنة إسلامية في وسط بيئة تحفها عبادة الأوثان بدلاً عن عبادة الواحد القهار , إمتد عمرها لما يقارب السبعة قرون , فقد إستطاعوا صهر جميع المكونات الإجتماعية في بوتقة أمة دارفور بفضل الإستهداء بما جاء به تعاليم الدين الإسلامي التي ظلت راياته مرفوعة في دارفور لم ينطفي نورها إلا بدخول الإستعمار عام 1916م بغزوتهم المشؤمة للسلطنة و قتل السلطان المجاهد علي دينار و هو ساجد يؤدى فريضة العصر.
هذه المكانة المرموقة لم تصل اليها القبيلة إلا لأن كان القائمين علي أمرها تمتعوا بصفات القيادة الحقة لم يكن نظرتهم محصورة تحت ارجلهم كما ينظرها القيادات الحالية , الذين لا يهمهم في القبيلة إلا إسمها و تاريخها بما يمكنهم من تقديم أنفسهم الى الجهات الأخرى حتي للأعداء , بسبب ذلك تضعضعت أوضاع القبيلة و تردت بصورة خطيرة تنذر بالنهاية , و الأسباب هي عديدة بعضها داخلية تعني أبناء القبيلة أنفسهم , خاصة قيادات الإدارة الأهلية و الذين نعول عليهم كثيراً في إصلاح الحال إذا إستقاموا, أيضاَ القيادات السياسية بمختلف فئاتهم و ولاءاتهم فقد أوردوا القبيلة مورد الهلاك و أصبحوا لا يهمهم في القبيلة شئ إلا التنافس على المواقع فتشرزموا الى مجموعات و شلليات و حركات مسلحة يطعنون بعضهم بعضا من الخلف و تبلدت تبلد ذاكرتهم لقراءة تاريخ الأجداد بالطريقة الصحيحة الذي يحفظ مكانتهم في نفوس الأمة.
ايضاً هنالك أسباب خارجية تتمثل في الغزوات التاريخية الخارجية لمعاقل القبيلة مثل حملة محمد البك دفتردار صهر الخديوي الذي إنتقم لمقتل اسماعيل باشا في شندي بصب جام غضبه على مملكة المسبعات و التي كانت جزء من سلطنة الفور , فقد دفعوا ثمناً باهظاً(قتل , تشؤيد , إسترقاق و فقدان الدولة) لجريرة لم يكن لهم فيها يد . كذلك من الأسباب الخارجية حملات عامل المهدية في دارفور عثمان جانو الذي لم يترك قرية قائمة في دارفور إلا وصلها جنوده بالخراب و الدمار, هذا بالإضافة الى حملة المستعمر الإنجليزي في عام 1916م الذي قام بإلحاق دارفور الى السودان بإجراءات أمنيه فقط دون إتخاذ الإجراءات المطلوبة لضم دولة ذات سيادة في دولة أخرى قائمة تختلف عنها في أسس الحكم , و الأخطر من كل ذلك نفي القيادات المحتملين من الأمراء الى خارج دارفور كي لا يلتف أهل دارفور حول أي منهم حتى لا تقوم الثورات ضدهم , فأصيب كل أهل دافور في مقتل إقتصادياً و إجتماعياً و أمنياً , و أخيرا هنالك إستراتيجيات بعض الجهات المحلية التي هدفت الى إضعاف نفوذ قبيلة الفور بأي وسيلة بما في ذلك الإستهداف المباشر لأفراد القبيلة في أنفسهم و أموالهم و أراضيهم لتهجيرهم و إسكان أخرين مكانهم , هذا الإستهداف إمتد لعقود دون أن تتحرك أية جهه لإيقافها مما دفع بعض أبناء القبيلة الى إعلان التمرد ضد الدولة التي إتهموها بالعجز في حماية أهليهم من تلك الإعتداءات , فإغتنمت تلك الجهات المحلية هذه الفرصة لمقاتلة هذه القبيلة المتمردة من وجهة نظرهم و ساقوا معهم الدولة التي فوجئت بتلك التمرد في ذات الإتجاه , مما ساعد على تنفيذ تلك المخطاطات المرسومة مسبقاً و التي كانت قد تسربت في شكل منشورات معلومة للجميع ؛ فكانت النتيجة إمتلاء معسكرات النازحين بعناصر القبيلة.
هذا المقال إفتتاحي لمناقشة الأوضاع المتردية لهذه القبيلة العريقة و التي ظلت تتعرض لهزات عنيفة طوال حقب من الزمان دون أن يحرك ذلك وجدان أبنائها الذين تاهوا في ملذات الحياة لا غيرة لديهم , مما جعل الآخرين يشفقون على وضعها أكثر منهم , و آمل أن أكون قد قذفت حجراً في بركة الفور الساكنة ليدلي المهتمين بدلوهم , أما من جانبي و على الرغم من أنني لست متخصصاً لا في فنون الكاتبة و لا في علم الأنثربيلوجي و لكني مضطر في أن أساهم بما أستطيع في الموضوع لعلي أصيب الهدف و الله من وراء القصد . ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ نواصل إنشاء الله

[email][email protected][/email]

‫8 تعليقات

  1. شكرا لك الاخ باسى لهذا المقال الجيد و الذى يعد من المقالات المطلوبه في هذا الوقت
    و اضيف ان من العوامل التى ادت لهذا هو طمع الذين يدعون بانهم اوصياء على قبيلة الفور
    و مستواهم التعليمى في الحضيض ليكنزوا الذهب و الفضه على حساب اهاليهم

  2. نشرك اخى كثيرا علي هذه اﻻضاءة و احيلك لمزيد من المعلومات الواردة حديثا عن الدراسة الجينية التي قام بها معهد اﻻمراض المتوطنة و التي خلصت الى تشابه جينات الفور و الزغاوة و البرقو مع جينات النوبيين مما يشير بوضوح الى الجذور العميقة لهذة القبائل مجتمعة و عﻻقتها بالحضارة المروية و ازيدك ان قبائل الميدوب يدعون كذلك انحدارهم من منطقة شمال السودان و لديهم الكثير المشترك لغويا. عموما هذا الموضوع يحتاج لمزيد من البحث و اﻻستيثاق و ﻻ اشك
    فى ان صﻻت القربي بين القبائل السودانية اعمق و اكبر مما توصل الية الدكاترة فى معهد اﻻمراض المتوطنة.

  3. الاخ عيسى أود أن ألفت إنتباهك إلى مسألة شاعت فى بعض المفاهيم التى تحاول تجيير أصل الفور إلى العروبة وهى مسألة السلطان سليمان سولونج (سولونقا) والذى يدعى موهومو العروبة بأنه جد الفور وهذا غير صحيح،، كما إن حقيقة وجود سليمان سولونج نفسها ليست مؤكدة وبذلك فهى تصير مثل الأساطير السائدة إذ أنه لا يوجد وثيقة معتمدة تؤكد وجوده،، وحتى فى حالة وجود مثل تلك الوثيقة فإن أحمد المعقور والد سليمان قد تزوج من أميرة من قبيلة الكنجارة وهم أبناء عمومة الفور والأميرة إسمها خيرى (كيرا) ورثت الملك من والدها ثم ورثتها لإبنها سليمان والنتيجة هو أن تلك السلالة الملكية عرفت بسلالة الكيرا،، إذا سليمان بن أحمد المعقور يمكن بحسب هذه الرواية الأسطورة أن يكون مؤسسا أو جدا لسلالة الفور الكيرا وليس كل الفور إذا أن هؤلاء ظلوا فى مملكتهم فى قمم جبل مرة منذ الأزل قبل ظهور سليمان بمئات السنين،، أنظر كتاب تاريخ الفور عبر العصور لأحمد عبدالقادر أرباب والمقالات المبكرة للدكتور حسين آدم الحاج.

  4. الاخ عيس باسي شكرا على مقالك الرصين حقيقة قبيلة الفور من القبائل العريقة في السودان هي امة احتوت بداخل نسيجها الاجتماعي كل القبائل ولكن عنصرية بعض تلك القبائل سعت الى تصنيف الفور كقبيلة متمردة و نشروا منشوراتهم باطلاق جهالهم فدمروا دارفور والمؤسف حكومة الانقاذ استمعت اليهم و تنكرت الى الفور.
    الامر الثاني بعض من ابناء الفور افقهم ضيق ومتعفن ذي الزبالة ساهموا في تقتيل اهلم مثل الشرتاي جفعر عبدالحكم و عبدالله خميس محمد و دكتور فرح و غبرهم انهم لا يفهمون المخطط الذي هم فيه هذا المخطط لاحراق الفور بادوات الدولة و باشراف علي عثمان و قوش و البشير و حسبو و صافي النور و ادم حامد و السميح الخخخ

  5. التحية لك اخ عيسى محمد آدم على ما تفضلت به من معلومات غائبة عن بال الكثيرين من أبناء الفور و حتى عن غيرهم من عناصر القبائل الاخرى حقيقة جعلتني احس بالاعتزاز لانتمائي الى تلك القبيلة العريقة عراقة جبال مرة ووادي أزوم و غيرهما من معالم الطبيعة في دارفور .لك مني التحية مرة اخرى .

  6. لقد أعجبت بمقالك الجميل. التى من خلالها حاولت أن توقظ أمة الفور من سكونها وسباتها العميق والتي بسببها وصل حال القبيلة أو بالأحرى الشعب الفوراوي لما عليه الحال اليوم. وذلك لعدة أسباب بعضها داخلي وأخرى خارجية كما حاولت أنت تفصيله. لذا أوافقك الرأي بأن الأوان قد حان لدرء ذلك وإلا قد يحدث ما لا ينفع الندم بعده، ونذر ذلك يحكيه ما آل عليه حال أهلنا في من جراء الحرب الذي نعيش مأسيها الآن.
    الأمة كبيرة في عددها وغنية بمواردها الإنسانية والمادية بالإضافة إلى تاريخه الناصع مما يؤله للعب دور كبير في تحسين واقعها المزري، والمساهمة مع الأخرين لتحسين الوضع العام في السودان ودارفور على وجه الخصوص.
    الجانب المهم في الأمر هو الإنتباه الى ثقافتنا ولغتنا المهددتان بالفناء والتلاشي وقد بدأ معالم ذلك. فيما يختص باللغة، أرى أن بعض الأخوان يعملون بجد ومثابرة لتطوير لغة الفور، وهم يحتاجون ليد المساعدة والمساهمة في من كل الجوانب الفنية والمادية. وهذا الأمر يجول بخاطري: وأتساءل لما لا يكون لجنة مختصة بذلك؟
    كما ذكرت أنت، تاريخ الفور لم يبدا من سليمان سولونق، بل هو ضارب إلى أعماق بعيدة ، وهذا هو اللغز الذي يسعى كل إنسان فوراوي لمعرفته. وأنا من أشد الناس توقا لحل ذلك. وأتسائل يوما بعد يوم من أنا؟ ماهي أصولي التاريخية؟ من أين أتينا؟ وكيف وجدنا هنا؟ “أي البقعة الجغرافية للفور” كلها أسئلة تجول في ذهني وذهن كثير من أبناء وبنات أمة الفور العريقة التي إختلطت عليها الحال. والذي ذاد الوضع سوءا، هو محاولة البعض للنيل من الفور بكل السبل ناسين كل الذي قدمناه لهم في الماضي والحاضر.
    الإنتباه إلى أننا يجب أن نتوحد ونلتفت إلى حالنا يجب أن لا يفهم بأننا نسعى إلى القبيلية والعنصرية والنيل من الأخرين، كما يسهل للبعض أن يوسمونا بها زورا وبهتانا وتاريخنا يظهر عكس ذلك. على أي حال، أخى واصل في مقالاتك ونحن معك مناصرين وداعمين.

  7. اخي عيسى حبابك عشرة
    اولا قصة سليمان صولون وأحمد المغفور هذه أسطورة وتشبه لي باحاجي الغول وهذه التواريخ كتبها هواة إعادة إنتاج الانسان السوداني ولا علاقة لها بالحقيقة مطلقا ولكن قد حان الوقت لتصحيح الامور

  8. أود أن اشكرك على هذا البذل المجهود يا بشمهندس /عيسى
    وتعجز الكلمات
    كل عام وانت بخير وصحة وسلامة يارب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..