الاعتراف ليس كافيًا

حامد إبراهيم حامد

أخير اعترف الرئيس عمر البشير شخصياً أن الخدمة المدنية بالسودان قد عانت من سياسة التمكين والتطهير التي مارستها الإنقاذ منذ فجرها في يونيو عام 1989 ولم تسلم منها لا الخدمة المدنية ولا الجيش والشرطة وحتى الطلاب حيث تم تطهير جميع مؤسسات الدولة وإحلال بعضها لصالح القادمين الجدد الذين عاثوا فيها فسادا وإفسادا على مدى أكثر من عقدين ولذلك فإن اعتراف البشير وحده ليس كافيا لعدة أسباب يعرفها القائمون على الأمر أكثر من غيرهم.

وإن المطلوب ليس الاعتراف فقط لأن الاعتراف لا يزيد الأمر إلا تعقيدا وإنما المطلوب الاعتذار الصريح الواضح للشعب السوداني بجميع طوائفه على جميع جرائم الإنقاذ ومنها التمكين، لأن سياسة التمكين وتطهير الخدمة المدنية هي أس البلاء والداء، فالبلاوي التى أصابت السودان في مقتل جاءت بسببها لغياب الخدمة المدنية المحايدة والمؤهلة والمدركة بالعواقب ولغياب المؤسسة العسكرية والشرطة المحترفة التى تعمل من أجل حماية الوطن وأيضا لغياب جهاز أمنى محترف غير خاضع للحزب يعمل من أجل الوطن لا من أجل دولة الحزب.

فتوجيه البشير بمحاربة سياسة التمكين وعدم تطهير الخدمة المدنية من الذين لا يوالون الإنقاذ تعد خطوة مهمة في إطار بناء دولة راشدة ولكن السؤال المطروح من يحارب من خاصة أن الذين يتولون مهام الخدمة في كل مؤسسات الدولة هم من الموالين وتولوها بسبب ولائهم وليس بسبب كفاءاتهم؟ وهل سيرضون للآخرين بأن يحلوا مكانهم؟ من المؤكد أن الرئيس أراد فقط إلهاء الشعب لأنه يعرف حقيقة أنه لا مكان للكفاءة في الخدمة حيث يتولى الموالون من أصغر الوظائف إلى الوزراء وأن الإسلاميين التابعين للمؤتمر الوطني تغلغلوا في دولاب الخدمة المدنية والعسكرية ولا نقول الأمنية على مدى أكثر من 21 عاما وبالتالي فليس هناك مكان لغيرهم بل بعضهم يتحول من وظيفة إلى أخرى كل ثلاث سنوات وبعضهم يتولى أكثر من وظيفة.

فسياسة الإنقاذ كانت واضحة ولا يجب أن ينكرها أحد، فهي تقوم على تمكين كوادر الحركة الإسلامية والمواليين للإنقاذ في مفاصل الحياة بغرض الانتفاع بالخيرات من الأموال والمناصب مقابل الولاء التام وهذا النهج الإنقاذي في الخدمة المدنية والعسكرية هو السائد ولا يزال رغم أنه أخطر سلبيات النظام لأنها أفرغت جميع مؤسسات الدولة من محتواها بحيث حل الولاء محل الكفاءة والخبرة وهذه السياسة قادت إلى كوارث السودان الحالية والتى ما كان لها أن تحدث في ظل وجود مؤسسات خدمية وعسكرية مؤهلة ومحايدة تنظر للأمور من زاوية المنفعة العامة للشعب وليس المنفعة الخاصة بالأفراد والحزب.

فاعتراف الرئيس بأضرار سياسة التمكين التى مارستها حكومته لن يعيد للسودان ما فقده بسبب الإنقاذ، وإنه كان الأجدر أن يقرن النظام الاعتراف باعتذار صريح وواضح وطلب العفو من الشعب السوداني وأن تتبعه خطوات أخرى كثيرة تعيد للسودان لحمته وروح التسامح المفقود، فقبل الاعتراف هل نظر الرئيس إلى آثار سياسة التمكين، وتطهيرالخدمة المدنية، فكم سوداني كفؤ ومؤهل غادر السودان غصبا عنه بعد أن استغنت الدولة التي دربته وأهلته، كم عسكري عزل وهو يحارب في أحراش الجنوب، وكم أسرة تفرقت وتشتتت بسبب فقد عائلها الوظيفة، وكم جريمة ارتكبت لا لسبب إلا لفقد الوظيفة والدخل، فمن المسؤول عما حدث لسفير سابق قبض عليه يسرق "موبايلات" من موظفي أحد البنوك، هل كان ذلك يحدث إذا لم يطرد هذا السفير من وظيفته؟

إن المطلوب قبل الاعتراف أن ينظر الرئيس إلى العواقب السالبة التى حدثت بالمجتمع السوداني بسبب سياسات التمكين، وهي كثيرة ومرئية وأشهرها على مرمى حجر من القصر الجمهوري وهي تحدث في دار المايقوما للأطفال مجهولي الأبوين والذين تزايد عددهم ولكن الحكومة الرشيدة بدلا من التعامل مع الأمر بجدية حورت حتى الاسم وسمته الأطفال "فاقدي السند" للتقليل من الجريمة.

فبسبب التمكين فقد السودان ثلثه باستقلال الجنوب والذى لم يتم إلا كرد فعل لممارسات الإسلاميين الذين لا يرون في الجنوب الا بئرا للنفط وضخ الأموال، ولذلك لم يجد الجنوبيون الا التصويت لقيام دولتهم والتى خدع الإسلاميون الشباب للجهاد والاستشهاد من أجلها، ففقد السودان خيرة شبابه في حرب عبثية نتيجتها فصل الجنوب وقيام جنوب جديد بأزمات جديدة أدخلت السودان في حرب جديدة.

بسبب سياسات التمكين التي اعترف البشير بأضرارها لأول مرة يعاقب السودان بأكثر من30 قرارا دوليا في مجلس الأمن، ولأول مرة تطالب الجنائية الدولية الرئيس شخصيا ووزير دفاعه بجرائم حرب، أزمات السودان مع المجتمع الدولي بسبب دارفور ما كان لها أن تحدث إذا لم يغيب الدبلوماسية السودانية المؤهلة عمدا لصالح دبلوماسية التمكين التي لا ترى الأمور إلا بمنظار التحدي ورزق اليوم باليوم.

لأول مرة يعرف السودانيون القوات الدولية والمختلطة والاثيوبية ولأول مرة يكون لجميع الدول الكبرى مبعوثون خاصون بالشأن السوداني ولأول مرة تتدول وتتأقلم أمور وقضايا السودان وتخرج عن اليد، لأن سياسة التمكين أرادت ذلك بعدما فشلت في نيل ثقة الحل الوطني للأزمات غربا وجنوبا وشرقا.

نعم الاعتراف غير كافٍ والمطلوب أكثر من الاعتذار وان ما يتطلع اليه أي سوداني هو الاعتذار والتحرر من سلوكيات دولة الحزب الواحد ليصبح السودان دولة الوطن للجميع ويتحرر من سيطرة الحزب ومنسوبي حزب المؤتمر الوطني الذين ظلوا يتمتعون بالتمييز الإيجابي في التوظيف المدني والعسكري والأمني والاستثمار والسيطرة على الاقتصاد، فلو لا محاربة الكفاءات لما حدثت الأزمات الحالية والتى عجزت حكومة الإنقاذ عن مواجهتها، فالاعتراف يجب أن يكون البداية لإجراء مؤلم يطال دولة الحزب لصالح دولة المواطنة.

الراية

تعليق واحد

  1. وايه يعنى الاعتذار ما الفائدة بعدما عم الفساد الادارى الذى ادى الى الفساد المالى والاخلاقى والسلوكى ماذا يفيد بعد ما اصبحت الرشوة تسهيلات والتمسك بالقانون معوقات ودراسة الموضوعت مماطلة وجبن والاحاطة بالقانون خوف وعدم سرعة الايقاع والاحتفاظ بوظيفتين شاطرة والفهلوة اصبحت ذكاء والامانة اصبحت عباطة وغفلة الا رحمة الله الخدمة المدنية فالن تقم لها قائمة الا @

  2. كنت منا اوئل من اكتوى بنار صالح الكيزان العام وتم تشريدنا ايما تشريد والحمدلله الذي ابدلني باحسن, الامر الذي اريد ان اعرفه هو هل صحى ضمير المشير أم ان صحوة الشعب السوداني ومعرفتة من هو الصالح ومن هو (اللاهط) من شردوا وتشتت ابنائهم وتفككت اسرهم ام تلك الاسر المفككة المتاجرة باسم الدين وزواج الحور العين, ان صحوتكم اليوم جاءت بعد فوات الاوان حيث لم تعد هناك خدمة مدنية.

  3. أنتم صدقتوه ، هذه فرفرة مذبوح فقط .

    هذا الرقاص كذاب اشر وما عنده سلطة في الدولة (ريسوهو وتيسوه )

  4. ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;(

    قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)

    ربنا يصلح الحال !!!

    من سوء أعمالنا سلط علينا !!!

    (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ؟

  5. شكراً علي مقالك الجميل… بعدين البشير وبقية العصابة عارفين كله شي …عارفين ودوه السودان في ستين داهية …اقتصادياً اجتماعياً سياسياً… إنتشر الفقر ليلفع بعباءته المقيتة السوداء الأعظم من الشعب السوداني… والمعروف أن الفقر والظلم يولادان الغبن الذي يقود بالضرورة إلي التمرد والإنفلات… لذالك لاغرابة أن يضج الناس في كل أنحاء الوطن …دارفور…جنوب كردفان والنيل الأزرق…ومما زاد الطين بلة الفساد المستشري في كل خلايا النظام من قمة الهرم إلي قاعدته… وهنا أتذكر قصة الحكيم الذي ذهب إلي سوق السمك وكان يشم السمكة من ذيلها … قالوا له ان السمك يتعفن من رأسه…. فرد عليهم بقوله : أنا أعلم أن الرأس فاسدة متعفنة ولكنني أريد أن أعرف إذا كان التعفن والفساد قد وصل الذيل…ونتيجة لكل ذالك إستفحل غلاء المعيشة وأصبحت الأسعار حتي المواد الأساسية في تصاعد مستمر وقليلة تلك العائلات التي يستطيع ربها أن يوفر لها وجبتين في اليوم.
    أما من الناحية السياسية فقد أصبح نظام الأنقاذ معزولاً تماماًداخلياً وخارجياً وفقد مصداقيتة…هذا النظام يجب أن يذهب وسيجد شعبنا-كما علمنا – الطريقة المثلي لإجتثاثه من الجذور.

  6. كل سياسات الحكومة التي اتبعتها في ادارة السودان لايمكن اصلاحها ابدا ولن يكفي الاقصاء ولا الاعتزار فهي مثل بقع الزيت الاسود في الثوب الابيض لايمكن غسلها بأي محالييل للنظافة ولابدأن تكون قناعتنا هي تغيير الثوب بآخر جديد ابيض ليس فيه اي دنث ونحافظ على نظافتة أبيض ناصعا من ايدي هؤلاء الذين دنثوه وعبثوا به فلن يجدي منهم اي اعتزار ونقول لهم اعتزارك مابيفيدك ودموعك مابتعيدك العملتو كان بأيدك وربانا هو وحده الذي يعلم بما عملته في هذا البلد

  7. الاعتراف بالذنب فضيلة .. ولا نريد اعتذارا فالله تعالى يغفر لمن يشاء اما نحن فلا .. الحل يكمن فى الحل .. اى بذهاب الحكومة وحزبها .. فهى ثمرة فقه التمكين الفاسد الذى لا يجب ما قبله ..

  8. كيف الاعتذار – بعد ضياع جيل كامل من الخريجين الجامعيين – كيف الاعتذار و ان هولاء الخريجين فاتهم المستقبل و وان معظم الشباب لم ينال حظ من التوظيف فى ظل التمكين – كما ان معظمهم لم يستطيع اتمام سنته بالزواج – حسبنا الله و نعم الوكيل

  9. بالمناسبة ما هو التمكين ؟؟ هل هو التمكين المذكور في القران؟؟ وهل واقع الحال يصدق ذلك ام يكذبه!! ام هو تمكين من لا يستحق لما لا يستحق وتشريد وقتل وافقار واذلال من يستحق بغير حق؟؟ 26

  10. اللهم بما شردوا به المساكين ومكنوا به المنبتين والخائنين والسارقين والمرابين والجاهلين يا ناصر المظلومين ويا سامع انين المغلوبين لا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية

  11. التمكين الكيزاني الاسلامي يعني القتل و التشريد والتعذيب والاغتصاب الجنسى لكل مواطن شريف قال كلمة لا جهرا ام سرا.
    طبعا ترزية الجبهة حللوا كل شي باعتبار ان شرفاء الوطن كفار.
    والان ارتد البشير من عملية التمكين لانه محتاج الى جنود يقاتلوا اخوانهم الجنوبيين بعد ارتدادهم بسد الحنفيه الاسلامية وهذه مقبولة في فقه الضرورة حتي يقتل كافر الشمال اخيه كافر الجنوب ويبقى البترول و النساء الحور لزواج المتعة الالهى

  12. كاتب المقال قال المفيد و هو قوله "المؤكد أن الرئيس أراد فقط إلهاء الشعب لأنه يعرف حقيقة أنه لا مكان للكفاءة في الخدمة حيث يتولى الموالون من أصغر الوظائف إلى الوزراء" لن يتحقق من كلام البشير شيئ يعنى مجرد فقاعات هوائية و متى تحقق من كلام البشير شيئ منذ استيلائه على السلطة و حتى الآن؟ و واضح أن بطانة السوء هى التى تسير الأمور و تسير البشير نفسه الذى فقد السيطرة تماما على الأمور و أصبح كالأطرش فى الزفة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..