حُسن الاختيار

الطاغية المهاب جوزيف ستالين الذي كان يخشاه الجميع حتى وهو ميت، لم يجرؤ أحد أن يدخل على غرفته لمعرفة سبب غيابه عن مكتب الرئاسة!!
هذا الطاغية زار يوماً مصنعاً للنسيج في مدينة ليننجراد «سان بترسبورج حالياً»، هذه الزيارة أرعبت مدير المصنع وكبار المهندسين فيه، وحتى يلتزموا الصمت أمام ستالين كلفوا مهندساً شاباً وصغيراً ليقوم بعملية شرح عمل المصنع من الألف إلى الياء!!
المهندس الصغير السن والشاب الطموح قام بما كُلِّف به خير قيام وشرح لستالين مراحل التصنيع المختلفة ذات الصبغة الهندسية المعقدة بلغة يفهمها حتى من لم تكن له صلة بصناعة النسيج!!
أعجب ستالين بملكات المهندس الصغير وجرأته وتمكُّنه من علمه وأخذ اسم ذلك المهندس الصغير في مفكرته. وعند رجوعه لموسكو أصدر قراراً ستالينياًَ بتعيين ذلك الشاب المهندس الصغير وزيراً لصناعة النسيج!!
كان هذا الشاب الجريء والواثق من نفسه وعلمه هو اليكيسي كوسيجين الذي أصبح فيما بعد رئيساً للوزراء وقيادياً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوڤيتي.
بخلاف كل الزعماء الشيوعيين كان كوسيجين المحبوب لدى الشعب السوڤيتي، فقد أدار اقتصاد البلاد بحنكة واقتدار، وحين وفاته بكاه الشعب السوڤيتي وكان لسان حالهم يقول «اليوم مات صديق الشعب الذي أصبح يتيماً».
حقاً كان كوسيجين رغم اختلافنا معه فهو الذي أدار الاتحاد السوڤيتي اقتصادياً بحنكة واقتدار وقد عمل كل ما بوسعه لخدمة شعبه الذي بكاه يوم مماته وقد ساءت حالة الاتحاد بعد وفاته كثيراً حتى انهار!!
وهذا مثال علمي لحسن اختيار الوزراء، وقد كان من جانب حاكم طاغية هابته حتى رفيقة دربه التي فضلت الموت على العيش معه فانتحرت!!
كان إستالين رغم طغيانه وجبروته وسيرته السيئة يحترم العلماء، فأثناء الحرب العالمية الثانية طلب من أحد العلماء الحضور إليه، وكان هذا العالم مهموماً بعلوم الفضاء وطلب منه إيقاف أبحاثه الفضائية والعمل على الإنتاج الحربي فقام هذا العالم بتصميم طائرة مقاتلة كان لها الأثر الفعال في حماية الأجواء السوڤيتية، كما صمم ما يُعرف الآن بالكاتيوشا التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في تحول مجرى الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بهزيمة النازية!! وبعد الحرب عاود هذا العالم أبحاث الفضاء التي كُلِّلت بإرسال أول رجل فضاء في العالم، وكان ذلك الرائد يوري قاقارين تلك الرحلة التي بهرت كل العالم ورفعت من أسهم الاتحاد السوڤيتي كثيراً!!
هذا مثال لطاغية نختلف معه جملة وتفصيلاً ولكنه عمل على إعلاء شأن وطنه، وكانت النتيجة هزيمة أكبر قوى العالم وهزيمة طاغية آخر هو هتلر وقد ضرب الله ظالماً بظالم آخر!! والمثال الثاني أضربه أيضاً بطاغية وهو هذه المرة لينين، الذي عندما تسلم الحكم بعد الثورة البلشفية كانت الكهرباء في موسكو في منتهى الضعف، وعند عرض أوبرا أو باليه في مسرح البلشوي كانت كل كهرباء موسكو توجه لذلك المسرح، أراد لينين أن تنعم روسيا بالكهرباء وكان هذا في نظر الكثيرين حلمًا صعب المنال، طلب لينين أن يحضروا له مهندساً كهربائياً وسماه بالاسم وكان هذا المهندس معادياً للثورة، واختفى عن الأنظار وعمل سائقاً للترماي بعد أن كان أكبر مهندس كهرباء في روسيا القيصرية!!
بحثت عنه الـ كي جي بي كثيراً حتى عرفت مكانه وداهمت الترام الذي كان يقوده وأخذته إلى لينين، ظن المهندس أنها النهاية، لكن لينين فاجأه قائلاً لن تتعرض لأي أذى ولن نطلب منك أن تكون شيوعياً وكل ما نطلبه منك الكهرباء التي في رأسك وتحولها إلى حقيقة ملموسة تستفيد منها روسيا!!
ذُهل الرجل من العرض المقدم من ذلك الطاغية، وقبل العمل في مجال الكهرباء، ولم تمضِ أعوام حتى كانت روسيا تنعم بالطاقة الكهربية التي كانت سبباً في وصول الاتحاد السوڤيتي أحد أقوى دول العالم!!
أما الطاغية هتلر حين أدرك أن ألمانيا مهزومة لا محالة، طلب من أحد كبار المهندسين الذين كانوا معه أن يختار مهندسين من كل التخصصات بحيث يكونون الأبرز في ألمانيا في ذلك الوقت، قام المهندس بالاختيار واختار صفوة مهندسي ألمانيا، وعندما جاء لهتلر بالقائمة، طلب منه هتلر أن يأخذهم إلى مكان آمن لا تصله الحرب، وقد حدد هتلر ذلك المكان وأمرهم بالبقاء فيه وعدم مغادرته إلا بأمر منه. احتج وزراء ومستشارو هتلر وقالوا إن هؤلاء نحتاج لهم الآن، فقال لهم هتلر إن ألمانيا ستخسر هذه الحرب وستدمَّر وهؤلاء من سيبنونها بعد الحرب. وفعلاً بعد الحرب تعاون هؤلاء المهندسون في بناء ألمانيا من جديد مع المستشار اديناور، ولم يمضِ ربع قرن حتى كانت ألمانيا أحد أكبر اقتصاديات العالم!!. كل الأمثلة التي ذُكرت لطغاة غير محبوبين، ولكنهم جميعاً اتصفوا بحُسن الاختيار لبناء دولهم!!. وحُسن الاختيار يجعل حتى للطغاة حسنات يذكرهم التاريخ بها!! يا طغاة العالم عليكم بالتكنوقراط.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال ممتاز ونحن فى حوجة لمثل هذه المقالات المفيدة اكثر من مقالات السب واللعن والتراشق

  2. من المؤسف جداً أن نكون بمهارات تقافية عالية ومقدرة على إيصال الفكرة بشكل جيد، ولكن رغم هذا لا نستطيع التمييز بين طغاة حكموا بلدانهم بالجبر والاكراه لرفهة شائنها بين الامم !
    و زعيم عصابة يملى عليه ما يجب القيام به لتدمير بلده وشعبهز
    هذا ما لمسته في نهاي مقالك أنك توجه رسالة الى من تزعم أنه طاغية أو طغاة يلامسونناز
    أصحي يا دكتور
    هذا الذي يضرب عساكر جيشه عساكر شرطته أول أمس ليس من الطغاة الذين ذكرتهم، ولا يستطيع الا ان ينفز ما يملى عليه،
    وبكرة جيمي حيقول ليك.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..