هل تم اختطاف المفاجأة؟

تفاجأ المواطنون ، الذين تمت تعبئتهم، على مدى ايام، لتلقى ما أسمته وسائل الاعلام بـ”المفاجأة” ، بأن خطاب الرئيس لم يحمل اى “مفاجأة”. ربما كانت المفاجأة الوحيدة والحقيقية، هى افراغ الخطاب الرئاسى ، من كل ماهو استثنائى اوغير مألوف فى الخطب السياسية ، او مفاجئ .

غير ان لغة الخطاب المتعالية ، التى لم يألفها الناس فى الخطاب السياسى ، من محمد أحمد المحجوب الى الشريف الهندى، ، يمكن ادراجها فى عداد المفاجآت ، التى توقف عندها المواطنون طويلا. وقد عدها البعض “فرشة فلسفية” ،التى تتفادى، متعمدة، ملامسة الواقع المأزوم وقضاياه ،وتحلق عاليا فيما اسماه الترابى بالوعود الازلية. وهو ماجعل الخطاب ، من ناحية أخرى، يفاجئ الجميع – بمن فيهم الترابى شخصيا، الذى وصف الخطاب بالمحبط – من حيث لايحتسبون،

بمخالفته لكل التوقعات، الفردية والجمعية ، التى شغل المواطنون بنسجها وقتا طويلا، منذ ان تم تعبئتهم وحشدهم ، لهذا الحدث- المفاجأة. وهو مايمكن عده مؤشرًا للهوة التى تفصل بين الحكم من جهة، وتطلعات المواطنين من الجهة الاخرى، مؤشرا للعزلة الشعبية.

غض النظر عما تضمنه الخطاب من وعود، كعادة الخطابات الرسمية ،منذ البيان الاول، فى الثلاثين من يونيو عام 1989،والتى اسهمت بدورها فى احداث فجوة بين القول والفعل ، فجوة المصداقية ، فان السؤال الذى يفرض نفسه ، هواين ذهبت المفاجأة. ولماذا تمت الاستعاضة عنها بمجرد “فرشة فلسفية”؟

فلم يتنح الرئيس كما توقع البعض . مثلما لم يعلن الرئيس بأنه قد تراجع عما اعلنه فى هذا الصدد. ومنذ وقت سابق ، بدا ان بعض الجهات ، اوبعض مراكز القوى داخل النظام، والتى ارتبطت مصالحها باستمرار البشير فى الحكم ، قد أبدت ? دائما – معارضة علنية لرغبة الرئيس، بصورة أو أخرى،والتماس السبل لاحتمال تراجع البشير عن تلك الرغبة المعلنة، والحيلولة دون طرحها للنقاش العام ، وقطع الطريق امام اى تنافس مشروع على خلافته، داخل الحزب الحاكم وخارجه، أوالمشاركة فى ترتيبات تلك الخلافة ، ابتداء.

وقبل ذلك، تم قطع الطريق على التداول العام ، حول ما اذا كان الدستور يسمح للبشير بالترشح لولاية جديدة،أم لا ، وهى مسألة اثارها الدكتور غازى عتبانى، على الرغم ان البشير ، قد عبر عن رغبته فى التنحى فى نهاية ولايته الحالية ،علنا ، فى اكثر من مرة ، وفى منابر عامة.

غير ان تلك المسألة قد تم اختطافها ، وحجبها من منابر الحوار . ويمكن الاستنتاج ، ان تلك المراكز قداختطفت “المفاجأة الموعودة” من الخطاب الرئاسى، والتى لاتبعد كثيراً، والتىتتصل بصلة وثيقة بالترتيبات التى تجرى فى قمة الحكم، خصوصا ، بعد مغادرة الكادر الاساسى لفريق 89. سواء كانت المفاجأة ، تتعلق بترتيبات تنحى الرئيس ،او بتكوين حكومة قومية ، برئاسته ، مشاركة حزبى الامة والمؤتمر الشعبى.

ويبدوان حضور زعيمى الحزبين للحدث ، يمثل جزء من تلك ترتيبات إعلان تلك المفاجأة، التى تم حجبها، ربما ، فى الساعات القليلة التى سبقت الخطاب. لذلك فإن الخطاب لم يلب “أشواق”

الترابى والمهدى، على الاقل. مما جعل الترابى يصفه بالمحبط، ويمتنع المهدى ، عن اطرائه، بحجة دراسته اولا.وتختلف توقعات الترابى والمهدى، التى جاءت بهما لشهود المفاجأة ، عن توقعات عامةالناس. اذ انها ترتبط بتدابير مسبقة ، نتجت عن الحوارات والاتصالات ،التى جرت بين كل منهما ، مع الحزب الحاكم.

فمع اتساع نطاق التكهنات بفحوى المفاجأة، بدأت بعض دوائر الحزب الحاكم، لمحاصرة التكهنات ، والتراجع عن وعد المفاجأة، واعادة دوزنة مزاج المواطنين واستعدادهم النفسى لتلقى خطاب عادى، يبشر بمشروع اصلاحى يعده الحزب الحاكم. مايمكن عده بادرة صراع حول المفاجأة، نتيجة انقسام الرأى حولها، ومن ثم اخراجها من اطار الحدث، ليصبح مفاجأة منزوعة المحتوى.

ان التراجع عن وعد المفاجأة، يعيد الى دائرة الضوء مجددا ، جملة الصراعات الداخلية فى الحزب الحاكم ، والتى اتخذت لنفسها عنوانا عريضا ، هو الاصلاح والتغيير. وعلى الرغم من ان تغييرات جذرية قد حدثت فى قمة النظام مؤخرا ، والتى مهدت للتقارب الجارى بين الحزب الحاكم ، من جهة ، وحزبى الامة والشعبى ، من الجهة الاخرى ، الا انه لازالت ، فيما يبدو ، بعض الجيوب التى لاتزال تقاوم ، حفاظا على مصالحها ، التى قد تتضرر بدخول شركاء جدد فى تركيبة النظام.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..