هل سينعم الجنوب بالاستقرار والامن في ظل الصراع؟‎

هل سينعم جنوب السودان بالامن والاستقرار في ظل الصراع على السلطة, ماحدث يوم الخامس عشر من ديسمبر العام الماضي من اطلاق الرصاص في محيط قصر الرئاسةوداخله بين جنود حرس الرئاسه في العاصمة جوباا, والذي راح ضحيته عدد من الجنود أثار الكثير من التساؤلات حول الاسباب والدوافع التي تكمن وراء التفجر دون ارهاصات او مقترحات ظاهرة للعيان.
بدأ الخوف والذعر ينتاب المواطنين والسياسيين أي اطراف المجتمع ليشمل اهم الولايات جونقلي وبانتيو واعالي النيل وبور, عندما خرج رئيس الدوله قائد الحزب الحالكم معلنا عن أن ماحدث عبارة عن تمرد دبرته وتقوده مجموعه من القيادات السياسيه والعسكريه والمسئولين في الدوله تحت قيادة نائبه, الدكتور رياك مشار,. المتابعون للاحداث والذين يعنيهم الامر في الداخل والخارج انما حدث يفوق التصورات والاحداث والتحليلات حول مستقبل الجنوب بعد اتفاقية نيفاشا وتنفيذ حق تقرير المصير , والذي مهد لاعلان دولة جنوب السودان المستقله.
كان هنالك شبه اجماع محليا وعالميا للدول التي لها ثقلا عسكريا وسياسيا , والتي انتصرت في كل المعارك التي ادت الى استقلال الجنوب, قد استقر لها الامر وان مصير الجنوب اصبح بين يديها ولاينازعها عليه منازع, ويبدو ان الراي العام الذي كان يسير في هذا الاتجاه كان خاطئا , لم يقدر حجم التركة المثقله التي تراكمت عبر مرحلة الاستعمار, واثناء سنين الاستقلال السياسي المخضبه بدم الحرب الاهليه التي تواصلت دون انقطاع على مدى أكثر خمسين عاما, صحيح ان الحركة الشعبيه لتحرير السودان تحت قيادة الراحل العظيم د جون قرنق استطاعت ان تبني جيشا قويا وان يكون لها منفستو برؤيه علمية تؤسس لسودان جديد وتخلق علامات جيدة نضالية مع بقية القوى السياسيه على نطاق الوطن, وشاركت في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي التي خاضها وتحملت العبء الاكبر في القتال ضد النظام الحاكم. والحركة الشعبيه لتحرير السودان أثناء مسيرتها النضاليه لم تكن خاليه من الصراعات والخلافات الداخلية سواء كان على مستوى القيادة أو القاعدة كشأن كل الحركات المسلحة التي عرفها التاريخ خاصةً في بلدان العالم الثالث لكن وبفضل صلابة وحنكة وحكمة وثقافة قائدها الفذ جون قرنق استطاعت أن تحقق الكثير مما كانت تصبو اليه من مهام وأهداف. أبلغ مثال يمكن أنن يساق في هذا الصدد هو الثورة الكوبية وماتعرضت من انقسامات وخلافات استطاعت أت تتغلب عليها وتحافظ على وحدتها الشعبية وكذلك خطت به عالمياً لا سيما الدعم من قبل المعسكر الاشتراكي وشعوب امريكا اللاتينية.
مع فوارق كبيرة وكثيرة لكن هذا لا يعني القواسم المشتركة المرتبطة بالنضال المسلح كاستراتيجية للاستيلاء على السلطة وما يترتب عليه في عملية التغيير بعد الانتصار حيث الطابع السلمي والمشاركة الديمقراطية في السلطة واجهزة العمل السياسي وفي ضوء ما اسلفت ذكره اعتقد ان الحركة الشعبية لتحرير السودان لم تستغل الفترة الانتقالية بتركيز محدد وبوضوح حول طابع الدولة المرتقبة التي تحقق وتضمن الحرية والديمقراطية والعيش المشترك لكل المواطنين و المشاركة في الحكم وادارة البلاد على ان يثبت ذلك في برنامج مرحلي محدد المعالم ومبسط.
هذا طبعاً لم يحدث والاسباب معلومة ولا مجال للخوض فيها.
في هذا الحيز الضيق الحركة الشعبية لتحرير السودان تتحمل جزءاً كبيراً من المسئولية في الفشل والاخفاق في حل ما اصبح يطلبه والقضايا المصيرية بما فيها تقسيم الحدود بين الدولتين وحسم ملف ابيي المتنازع حولها وفي جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان وقضية المواطنة والاقامة بالنسبة للمنتمين للدولتين ثم القضايا التجارية والموارد والثروة المشتركة وأهمها الثروة النفطية والمشكلة المستجدة والمتعلقة بمياه النيل والفشل الأكبر الذي يلازم سياسات السلطة خلال السنتين الماضيتين وهو انتشار البطالة على نطاق واسع وكذلك الفقر وانتشار أمراض خاصة المستوطنة منها مثل الملاريا و الكلازار ومرض الجدي والبرص والجزام كل ذلك يحدث في ظل اوضاع معيشية متردية للغاية حتى اليوم لا توجد بداية ولو كانت متواضعة بواسطة خبراء في هذا الشأن الاقتصادي لوضع خطة تبعث الحياة في المشاريع التي اندثرت بفضل الحرب الأهلية التي كانت في مشاريع التبغ والارز والقطن والنسيج والصناعات اليدوية التي تعتمد على الاخشاب تبع ذلك اهمال الثروة الحيوانية والسمكية رغم الحوجة الماسة لها لتوفير قدر يسير لمقابلة احتياجات المواطن المعيشية والاهتمام الاساسي بالسلطة انصب في اجهزة الدولة المركزية وفي مقدمتها توفير احتياجات الجيش ثم منصرفات الاجهزة الادارية والامنية حيث اصبحت المناصب الحكومية وتراكم الثروة المالية عن طريق المخصصات والفساد المالي.
من هنا بدأ الصراع السياسي الذي اعقبه ما وقع في 15 ديسمبر العام الماضي وما زالت تتداعى على المواطنين الابرياء الذين سفكت دمائهم واضطروا الى النزوح تاركين منازلهم وثرواتهم خاصة الحيوانية مصدر الرزق والمال والجاه والمكانة,اعادت احداث ديسمبر للجنوبيين ذكرى الحرب والمعاناه بعد ان ظنوا ان اتفاقية نيفاشا عبدت الطريق لهم لسلام دائم وعادل وشامل.
اذا تجاوزنا الاثار المادية والنفسية التي خلفها الاقتتال بين طرفي النزاع داخل الحزب الحاكم سيبقى من الصعوبة بمكان بل ربما من المحال ازالت الثقة المفقودة بين المواطنين والقوات التي شاركت في الاقتتال, في اعتقادي انه يتوجب على الحزب الحاكم بطرفيه ان يعلن امام المواطنين والراي العام العالمي تحمل المسئولية فيما حدث ويعتذروا ويتعاهدوا بمراجعة سياساتهم ومرتكزاتهم في ادارة شئون البلاد التي ادت الى ما حدث وفي مقدمة ذلك اعادة النظر في الاسس والعقيدة التي تكون على اساسها الجيش الشعبي لان الظروف قد تغيرت بعد ايقاف الحرب وتكوين دولة الجنوب المستقلة وهذا يحتم تكوين جيش شعبي تمثل فيه كل الكيانات ويتحمل مسئولية امن البلاد ويحافظ على ثرواتها ووحدتها ومواردها ومما لا شك فيه ان مسالة الامن والاستقرار تشكل الاساس في عملية التطور بجوانبها المتعددة لا سيما عملية التنمية والحياة المعيشية, ولا ننسى ان كل الجهود التي بذلت في الماضي لانهاء الحرب الاهلية والعمل على ارساء قواعد واسس تؤدي لاستتباب الامن وتوفير سبل المعيشة واعادة بناء ما دمرته الحرب لم تؤدي اكلها, واخيراً يأتي بالفشل, في هذا السياق تجدر الاشارة الى الجهود التي بذلت في وزارة شئون الجنوب التي تولى رئاستها الراحل المناضل جوزيف قرنق حيث تبنت الوزارة برنامجاً مبسطاً لم يتعدى الخمس بنود في مقدمتها اعادة التوطين والاعاشة للذين شردتهم الحرب.
ان تنظيم الحركة التعاونية واعادة اصلاح وبناء مؤسسات التعليم والمستشفيات ..الخ كما اهتمت الوزارة بتقديم العون والتسهيلات اللوجستية للحركة الشبابية والنقابية والفنية, في هذا الاطار لعب مجلس شئون الجنوب الذي كان يضم في عضويته ممثلين عن وزارات الدولة الاساسية وكذلك مدخل للقوات المسلحة في شخص القائد العام وقائد الشرطة في الجنوب.
كما هو معلوم لم تعش التجربة طويلاً ودمرت في مهدها عندما انقلب الجنرال الهالك جعفر محمد نميري وارتد على اعقابه وانتهت وقفل الطريق أمام ما كان ينوي القيام به في المستقبل. اليوم عندما ننظر الى الخلف ونعيد الذاكرة والمأسي التي خلفتها الحرب الاهلية متسائلين عن المصير الذي ينتظر الدولة الفتية في الجنوب في ظل تداعيات الازمة الحالية ربما تتطور الى حرب لا تبقى ولا تذر ولا عذر في ظل الظروف المحلية والعالمية اذا لم تتوقف المعارك والبحث عن حل سلمي يعيد للدولة تماسكها وتوازنها, وللمواطنين العودة الى الحياة الطبيعية دون خوف او رعب والجهود المبذولة حتى الآن من قبل المجتمع الدولي وفي المقدمة الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية كالاتحاد الافريقي والايقاد تؤكد استحالة حل داخلي يقوم به الطرفان المتنازعان وعليه لابد من تدخل المجتمع الدولي لكنني الفت النظر الى حقيقة هامة تتمثل في وجود حركة سياسية تضم احزاب وجماعات سياسية لتشكل جزء هام من النسيج الاجتماعي والتاريخ السياسي للجنوب لديها برامجها ورؤيتها الخاصة فيما يتعلق بالاحداث المحلية والتطورات اللاحقة لدولة الجنوب وهذا يجحض الرأي السائد في وسائل الاعلام العالمية وعند الكثير من المحللين والباحثين الدوليين الذين لا يرون في الجنوب شيئاً يتحرك سواء القبائل المختلفة التي لا شأن لها بالسياسة وبالتالي يصفون الصراع الدائر بالقبلية في حين ان اصل الازمة والصراع سياسي وليس هناك من حل للازمة الحالية دون الحل السياسي السلمي بالاضافة الى ذلك ان النظام السياسي الحالي ارتكز على عملية ديمقراطية سياسية بدأت بالمرحلة الانتقالية مروراً بالاستفتاء وتقرير المصير ثم اجراء الانتخابات العامة التي تمت مراقبتها دولياً والتي تم على اثرها تكوين البرلمان ثم الحكومة ورئاسة الدولة.
الشئ الهام الذي يجب وضعه في الاعتبار ان هذه العملية اعتمدت على صوت الناخب الجنوبي وان الاتفاق الذي تم التوصل اليه مؤخراً والذي يقتضي بوقف اطلاق النار والعدائيات والعمل على اتخاذ الاجراءات باطلاق سراح المعتقلين لا بد ان يطرح على البرلمان والرأي العام السياسي لكي تبدئ رأيها وتوافق عليه وبالتالي يجد طريقه للتنفيذ بعد اجازته.
ان الاتفاق تم بين الطرفين ما هو الا خطوة اولى لابد ان تتبعها خطوات جادة آخرى تعيد الثقة المفقودة بين القوى السياسية والنظام الذي تهيمن عليه الحركة الشعبية وجيشها, ان مفتاح الحل للازمة الحاليةبيد طرفي النزاع هو في يد الحركة الشعبية بوصفها الحزب الحاكم الا ان الحل المطلوب الذي يؤمن ويفرض الامن والاستقرار والسلام لا يمكن ان يتم خارج اطار التوافق ومشاركة القوى السياسية في السلطة الامر الذي يتطلب اشاعة الديمقراطية ونبذ العنف لحل الخلافات.
دكتور محمد مراد الحاج براغ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..