محجوب شريف: يا هذا الهمام ..

(من أرشيفي)

لمحجوب شريف طريق سالك أخاذ إلى الحق والشعر والناس. وبينما يعاظل (أي يجد المشقة) بقية الناس هذه المعاني معاظلة فإن لمحجوب تخريمة سهلة لبواباتها. أذكر كنا في معتقل كوبر بعد فشل انقلاب يوليو 1971. وبعد السماح للمعتقلين بالاطلاع علي الكتب لاحظ الرفاق أن محجوب لا يقرأ مثل ما يفعلون. فهو يقضي يومه من حلقة أنس إلى أخرى ومن عنبر إلى آخر. فلا المتنبيء بلغ ولا أمل دنقل. وحمل الرفاق إشفاقهم هذا إلى بوصفي المسؤول الثقافي بالمعتقل. وكنت قد لاحظت نفس الشيء. ولم أكن منزعجاً مثلهم. فقد رأيت عصبة القاريئن المشفقين في صف الفراجة علي مجلات عنابر المعتقل الناطقة حين يحل الليل بينما كان محجوب “الأمي” بلبلها الصادح.
وقد حمتني خبرتي في الفلكلور من التورط في التبرع بالنصح لمحجوب بما يقرأ. فلم يكن الحاردلو بقاريء ولا همباتة البادية. وقد علمت من عملي الفلكلوري أن الشفاهة ليست أمية مذمومة تنتظر المحو. بل هي “وديان” أخرى. وتذكرت في هذا الخصوص ما حكاه لي المرحوم محمد عبدالله التريح، الأمي (الذي هو مصدر كتابي “فرسان كنجرت “1999، من جامعة الخرطوم للنشر) في بادية الكبابيش عام 1966. فقد قال إنه كان في البادية رجل أمي اسمه ود الجاهل عظيم الحكمة يئم الناس في الصلاة بما تيسر. ومر بفريق هذا الرجل عالم ما. واستنكر إمامة هذا الأمي للناس في الصلاة فسأل العالم ود الجاهل باستنكار: “هل حفظت القرآن؟” قال ود الجاهل “لا. ولكن لي أنا الآخر سؤال. في نواحينا هذه ثلاث وديان إناث تصب في ثلاث وديان ذكور. هل تعرفها؟” قال العالم: “كيف أعرفها وأنا لم أشقها؟” قال ود الجاهل: “وأنا القرآن ماشقيتو.” ووديان محجوب لوح لدني محفوظ علمه سهل ممتنع.
جدد هذا المعني عن محجوب ما قرأته قبل ايام عن تدشينه لفرقة نفاج للفنون الشعبية التي هي جزء من ورشته الثقافية بسوق حلايب بمدينة الثورة الحارة 21. (ومن يعرف عيشة الحارة 21 في سوق غزل الصفوة؟). وتتكون الفرقة من أبناء هامش المدينة من أمثال شول الذي قال إنه لما جاء إلى الورشة ظن أنه سيلقي أطفالاً “لابسين حلوين ملونين من وين وين وأوربا ودول تانيه. ..لكن لقيتهم ديل ناس وجعي… مغبشين”. ومعجزة محجوب أنه بَلَغ هؤلاء الغبش أبان مسوحاً “قدر ظروفك” في حين اعتصمت الصفوة اليسارية بالاعتذار لهم عن السفر إلى جهتهم حتي يتسع هامش الحريات وتلغي حالة الطواريء وتتفككك الإنقاذ كابر عن كابر ويتحلب لبن الطير. وهذا التباطؤ عن الشعب مما علمنا في أيام مضت أنه من “استنكاف البرجوازية الصغيرة” التي تلهج بالشعب وتتقطع انفاسها دونه.
وكنت قد زرت ورشة محجوب في الصيف الماضي ووقفت علي الطريقة العذبة التي يرعي بها محجوب خيال غمار الناس من الصدأ تحت وابل الاهمال والسلطات حكومية ومجتمعية. وبهذا وضع محجوب أصبعه علي أم المسائل في تحررنا عن تبعية الغرب. وهي إطلاق سراح خيالنا من النماذج والوصفات المعلبة سلفاً في الغرب التي يستعمر بها خيالنا حتي لو لم يعد يستعمر أرضنا. فقد أعجبني كيف استرد محجوب للحبوبة منزلتها في الاسرة بجعلها جزءاً من قافلته الثقافية تحجي الأطفال جنباً إلى جنب المكتبة الجوالة في هامش المدينة. وقد سعدت بالتمرينات التي يجريها محجوب لخيال صبيان الهامش بترويضهم هكر المدينة الظالم أهلها وجعله خلقاً جديداً.
يا لوديان محجوب الأخرى! وما أيسر سبيلك إلى الحق والشعر والشعب يا محجوب!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أوصى محجوبنا العظيم قبل وفاته بأن لا يسير في جنازته حكومي واحد …

    وهذا يمكن أن يشمل أيضا ألا يكتب في رحيله حكومي .. أو ذنب إنقاذي (من أذناب )…

    مجمل عمايل عبدالله علي إبراهيم لا تؤهله أخلاقيا للكتابة عن الراحل الكبير محجوب شريف ..

    وبعض مقالات عبد الله في “مع ذلك ” هي مديح رخيص للنظام الإنقاذي … وارجعوا للأرشيف ..

    وقد دعا عبد الله في ندوة دبي الناس للإنقاذ مردفا ذلك بضحكته الغريبة ( راجع في ذلك

    موقع التوثيق الشامل )… وآخر مقالات الخاتم عدلان التي كتبها قبل رحيل تتحدث عن الدور

    المشبوه لعبد الله إبراهيم…

  2. لا خطير و الله!! و كمان من “أرشيفك”؟؟؟؟ إيه العظمة دي كلها؟؟ ياخي بقيت عندك جلابية -أو قل كفن- مخيط من زمان لكل مناسبة و تجي تطلعو و تقول لينا يا جماعة الكفن دا للمرحوم شخصيا. بقيت يا عبد الله إبراهيم زي القرادة تمتص دم الأحياء و ألأموات و داير تعضى خصومك الشايلين الجنازة كمان. يا لك من قرادة إنقاذ متفردة

  3. الاقرع الانتهازى ماداير حتى يكلف نفسو كتابة نعى اورثاء فى حق المرحوم محجوب شريف
    موت بغيظك وحقدك وحسدك وماتقول لى شهاداتك واكاديمياتك مابتلحق حتى ولو ضفر من شاعرنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..