الشيخوخة الجميلة

أجدني أحب التفكر والتأمل في شؤون خلق الله وكيفية مسيرة حياتهم من اجل العبرة والعظة ومن اجل الإلهام أيضا، ماذا كانوا والى أين انتهوا ؟ البعض يبدأ جيدا ولديه الكثير من الموارد والفرص وينتهي به الأمر بلا شيء تماما (مادياً أو معنويا) وفي الغالب الأمرين مرتبطين معا وهي تشير إلى أن هذا الفرد تمكن من تصميم خطة تتناسب معه ومع ما حباه الله به من إمكانات وموارد ومضي في الحياة قدما بجد واجتهاد وأمل وايجابية وصبر، لا بد أن يصل إلى حيث ما يريد والحديث الشريف الذي يوضح أن الأحلام كلها يمكن أن تتحقق بالعمل الجاد وحسن الظن بالله ( إذا تعلق قلب ابن ادم بالثريا لنالها). علم الفلك الحديث أوضح لنا أن الثريا هي ابعد النجوم عن كوكب الأرض!
والبعض الأخر يبدأ من الحضيض وينتهي به الأمر إلى كونه شخصا ملء السمع والبصر جميلا محبوبا مفيدا لنفسه ومجتمعه وأحيانا للإنسانية جمعاء. لا أجد مثالا اصدق على هذه الحالة سوى المذيعة الحوارية الأشهر : اوبرا وينفري التي تقول عن نفسها : لقد جئت من رحم المعاناة. انفصل والداها عندما كانت طفلة وكل منهما لا يرغب فيها وذهبت لتعيش عند جدتها التي لم تلبث أن تبرمت منها وأخذتها إلى دار إصلاحية الأحداث لإيداعها فيها، إلا انه لم يكن من مكان شاغر. هربت من جدتها ولنا أن نتخيل كيف عاشت. وألان أوبرا وينفري أشهر من علم على رأسه نار وتتصدر قائمة (فوربس) لاغني نساء العالم … فهي أغنى من الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا العظمى! وكلنا رأينا أعمالها الخيرية العجائبية التي تقوم بها عندما تحدث كوارث طبيعية من فيضانات وزلازل وأعاصير، إنها تقوم ببناء مدن كاملة وفرش المنازل وتأثيثها وتتم إعادة السكان الذين تشتتوا في الأنحاء بلا مأوى …. المشهد خرافي عندما ترى الفرح العارم المجنون وهي معهم تحتضنهم وترقص وتبكي! تم عمل استطلاع للرأي في أمريكا : إذا ترشحت اوبرا وينفري للرئاسة في أمريكا … هل تمنحها صوتك؟ (استطلاعات الرأي عندهم تعطي نتيجة حقيقية تماما). كانت النتيجة أن الشعب الأمريكي برمته سيصوت لها! يقال أن الرئيس الأمريكي الحالي باراك اوباما لم يكن ليصل إلى سدة الحكم في أمريكا لولا مشاركة اوبرا ودعمها العلني والقوي له في حملته الانتخابية في كل مراحلها. عندما أراها على شاشات التلفزيون أو اقرأ أخبارها أجدني أدعو الله أن يهدي قلبها للإسلام، فذاك نهج إسلامي بحت وهكذا هو الإسلام وفي الحديث الشريف: ( إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس). وفي مثلنا السوداني الدارجي البسيط العميق في معناه: من كفى نفسه فقط فهو ناقص،( البقى داب رقبتو ناقص) أي من قام بشؤون نفسه فقط فهو أناني وناقص، كلنا شركاء في الإنسانية وكل البشر إخوتنا …جاء في الحديث الشريف أيضاً (والله لا يؤمن… )، كلمات بسيطة وعبارة موجزة وألفاظ واضحة قوية كررها الرسول صلى الله عليه وسلم على مسامع أصحابه الكرام «ثلاث مرات»، نافياً عن صاحبها مظاهر الإيمان وشواهده ودلائل التوحيد وبواعثه، فاستفسر الصحابة مستنكرين ومتعجبين قائلين: «مَن هو يا رسول الله؟» فأجاب الرسول الكريم قائلاً: (من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم).
الغرض من الحياة والمسعى والهدف ليست إيجاد ذاتك أو البحث عنها وإنما كيفية خلق ذاتك واسمك ورسم خريطة طريق لمسيرتك ذات رسالة معينة ورؤى وأنشطة وفعاليات وممارسات واستراتيجيات تحقق بها الهدف الأساسي من وجودنا، قال الله تعالى ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدوني) وفي نفس الوقت تقودك إلى تحقيق أهدافك الدنيوية بصورة مرحلية، فكل مرحلة في العمر لها ما لها وعليها ما عليها.
احمد الله حمدا طيبا كثيرا مباركا أن جعلنا مسلمين ، فالأهداف واضحة وخارطة الطريق مرسومة وجاهزة مما يجعل المهمة أسهل كثيرا. لم يخلقنا الله عبثا ولم يحدث شي صدفة ، فكل شي بقدر.
دخل (مقاتل بن سليمان) على المنصور يوم بويع بالخلافة، فقال له المنصور: عظني يا مقاتل !
فقال : أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟
قال: بما رأيت.
قال: يا أمير المؤمنين إن عمر بن عبد العزيز أنجب احد عشر ولداً وترك ثمانية عشر ديناراً ، كفن بخمسة دنانير، واشترى له قبر بأربعة دنانير ووزع الباقي على أبنائه.
وهشام بن عبد الملك أنجب احد عشر ولداً، وكان نصيب كل ولد منهم من التركة مليون دينار.
والله يا أمير المؤمنين : لقد رأيت في يوم واحد احد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله. واحد أبناء هشام يتسول في السوق.
فتأمل……
ليست الشيخوخة بالأمر الجميل وسماها الله سبحانه وتعالى (أرذل العمر)، وفي المثل الدارج (الكبر شين). إنها أمر حتمي لا بد أن يحدث ومعه الكثير من التدهور في قدرات الفرد العقلية والجسمانية والنفسية، قال تعالى في محكم تنزيله (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون). لا ادري متى تبدأ الشيخوخة تحديدا ولكن عندما يبلغ المرء الأربعين من العمر فتلك مرحلة مفصلية من النضج والوعي. الشيخوخة هي عملية الهرم والتقدم بالعمر التي تصيب الكائنات الحية نتيجة تناميها وزيادة عمرها. التعريفات الحديثة لعملية الشيخوخة تعتبرها عبارة عن خلل وتلف وبطء في العمليات الحيوية تبدأ بالحدوث تدريجيا بداية من النصف الأول في العشرينات من العمر! الشيخوخة أصبحت تدرس حاليا كعلم يتناول النواحي الثقافية والاقتصادية ودراسات الوعي والتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والعقلية والنفسية، وكيفية السبل لمعاكسة تلك الأمور وإعادة الشباب.
شخصيا لا اعتقد انه يمكن معاكسة أمر الشيخوخة هذا، فهو أمر حتمي لابد له أن يحدث بصورة بيولوجية بحته و لكن يمكن لنا أن نجتهد في أن نخلق شيخوخة جميلة خالية من الأمراض ومفعمة بالحب والحياة والأمل. يجب الوعي بمرحلة الشيخوخة والاستعداد لها مبكرا. هناك عدة عوامل عندما تجتمع تكون معادلة (الشيخوخة الجميلة)، هذا المصطلح من تأليفي وربما هو هجين من المصطلح الذي يستعمله الغرب ( شيخوخة بلا أمراض ) والمصطلح الموجود في الثقافة السودانية (سعادة الشيب).
الطبيب الأمريكي الشهير د. اندرو ويل : يقول إن الجسم البشري بإمكانه أن يعمل بصورة جيدة تماما حتى الثمانين من العمر، إذا تلقى بعض الاهتمام البسيط المبكر من الفرد من الناحية الروحية والنفسية والرياضية والتغذوية والبعد عن المخاطر والسلبيات.
الجينات الوراثية تلعب دورا رئيسيا، البنية الجسمية وما يجري في الأسرة من أمراض وراثية كالضغط والسكري وأمراض القلب وغيرها من الأمراض والعلل، طبيعة الأكل وكميته ونوعه، الرياضة البدنية والحركة، العلاقة مع الله سبحانه وتعالى ومستوى الصحة النفسية والروحية. إلا إن الأمر الأهم والحاسم هو الكيفية التي أفنيت بها شبابك. من لم ينجز شيئا في شبابه ? على أي صعيد كان ? فهو على الأرجح لن يكون مسنا سعيدا. من هذب وأصلح من شان نفسه الأمارة بالسؤ واحكم لجامها، من حاز على رضا والديه، وتعهد أمه بالرعاية والحنان … بر الوالدين يلقي بأبعاد وظلال جميلة على حياة الشخص ويلفها بالبركة والسعادة والتساهيل، من أدى واجباته الدينية الأساسية والتزم بها، من تعب وكد في شبابه في الاستثمار في علاقته مع الشريك وأرسى دعائمها وانفق وقته ومشاعره وماله على تربية أطفاله، من رتب لنفسه بعض الوضع المادي المستور. من عاش حياته وهو نظيف السيرة والسريرة عفيف اليد واللسان، من تجنب مهالك السؤ من خمر وتدخين وحياة لاهية عابثة …. أولئك هم المرشحون لقضاء شيخوخة جميلة.
هناك مثل صيني يقول ( عندما تبلغ الأربعين من العمر … فانه يكون لك الوجه الذي تستحقه) رأيت كثيرا من الرجال الوسيمين والنساء الجميلات وهم وهن في مراحل متقدمة من أعمارهم وأعمارهن، لا اقصد الجمال التقليدي (خلقنا الله تعالى كلنا في أحسن صورة)، ولكن بعض الناس يحملون قلوب مظلمة ونفوس شريرة وينعكس ذلك على وجوهم، الفجور والظلم واكل الحرام والكراهية والحسد والانتقام والشماتة وعدم طاعة الله وعقوق الوالدين وكثرة الأكل وتعاطي الخمر تجعل الوجه قبيحا .. منفرا .. مظلما … كأنك لا تريد أن تعاود النظر إليه. أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس الطيبة يظهر ذلك أيضا في وجوهم ولهم (وضاءة في الوجه وسماحة في النفس لا تخطئها العين)، نعم ضعيفي الحركة ويلبسون نظارات طبية ووجوههم مليئة بالتجاعيد، إلا انك تستطيع أن ترى شخص جميل … مرح … أنيق … متفائل ومرتب في ملبسه تزين الابتسامة وجهه ولا زالت له مشاريع وخطط وأحلام، ويستطيع أن يتبادل معك حوارا ايجابيا ومفعم بالحكمة والبصيرة، والأمر المهم وربما بيت القصيد أو مربط الفرس أنك تستشعر طاقات من الحب والتسامح والتعاطف. عندما يصادفني هذا النوع افرح كثيرا واطلب منهم (الوصية) ، فهم عقلاء و خبراء في الدنيا هذه ولو لم يكونوا كذلك لما استطاعوا أن يكونوا بهذه الصحة والسعادة والايجابية وهم في هذا العمر. أبي، الله يطراه بكل خير، ينتمي إلى هذه الفئة من المسنين، دأب على منحي الوصية كلما طلبت منه ذلك، إحدى وصاياه كانت بيت الشعر الشهير للإمام الشافعي:
ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمـرك
وإذا قصـدت لـحاجـة .. فاقصد لمعترفٍ بقدرك.
جمعتنا مناسبة نسائية وكانت والدة إحدى الحاضرات من هذه الفئة، ملأت المكان جمالا وحبا والقا وفرحا وحكمة: أوصت الحاضرات من النساء مختلفات الأعمار، بان يرحبن بزوجة الابن العروس الجديدة ويحترمنها ويفسحن لها مكانا ويقدمن لها الدعم والمساندة حتى يشتد عودها وترسي دعائم بيتها الجديد ويسامحنها إن اخطات …. ألا تغلط معكن بنات بطونكن ؟ واستمرت السيدة في وصيتها، إن فشلتي في ذلك وساءت العلاقة بينك وبينها وبالتالي توترت بينك وابنك، فلا تدعي الأمر يتصاعد وتدوري في المجالس وبيوت الجيران والأهل تشتكي وتتحدثي عن (كعوبية) زوجة ابنك الشابة الصغيرة، انك تديني نفسك مرتين، فأنت لم تقومي بالواجب معها وهو منحها الحب والدعم والاحترام، والأمر الثاني لم تستري عيبها وتقصيرها !
النفسية الجيدة أمر مهم في هذا العمر وهذا الأمر يعززه مستوى علاقاتك مع أسرتك ومجتمعك الصغير والمجتمع الإنساني ككل. يجب أن تكون محاطا بمنظومة قوية ومترابطة من الأحباب، أثبتت الدراسات انه عندما يكون الإنسان وحيداً متعبا نفسيا ويمر بظروف من الحزن أو الفقد تهاجمه الأمراض ويكون جسمه ضعيفا مخترقا ويكون جهازه المناعي في اضعف حالاته. هناك مجموعة كبيرة ممتدة من الأمراض تعرف باسم (النفس جسمانية).
العلاقة مع الله سبحانه وتعالي والثبات الروحي كذلك أمر مهم، تتعب الروح وتشقى إذا ظلت هائمة لا تدرك أول الأمر من أخره، نحن المسلمين ندرك بعض الأشياء … ونخاف من كثير من الأشياء ولكننا أيضا ندرك أن رحمة الله وسعت كل شيء. الممارسات الدينية من صلاة وصيام وقراءة القران والدعاء والتسبيح والصدقة والعطف على الفقراء والأيتام لها مردود كبير عاجل واَجل وأيضا مادي ومعنوي، كثير من الأغنياء محسنين ويحبون الصدقة والإنفاق على الفقراء … البعض يعتقد إنهم ينفقون لأنهم أغنياء ولكن الحقيقة إنهم أغنياء لأنهم ينفقون!
التعلم أمر حيوي، هناك خلايا في الدماغ تنكمش وتتضاءل عندما لا يتم استعمالها … تعلم أي شي أمر مفيد ويبقي خلايا المخ في حالة نشاط وعمل. هناك عجوز بريطانية حصلت على الشهادة الجامعية بعمر 95 عاما، ثم حصلت على الماجستير وهي في 98 من عمرها …. ثم الفت كتابا عندما بلغت 100 عام من العمر بعنوان (اليأس خيانة) ! إنني أضع صورة هذه السيدة العجوز بابتسامتها البهية وشعرها الأبيض على مكتبي وهي تلبس برنيطة التخرج وتتسلم شهادتها من مدير الجامعة، إنها ملهمة جدا !
ممارسة الرياضة أمر مفصلي، ليس بالضرورة أجهزة ونادي رياضي وهكذا أشياء، أداء الصلوات رياضة جيدة وتحرك الكثير من عضلات الجسم وتحافظ على ليونتها. أيضا المشي رياضة جميلة وسهلة ولا تحتاج معدات أو أدوات. التغذية أمر هام بالطبع ولكنه ليس شديد الأهمية، جاء في الحديث الشريف ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) وعرف عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام انه كان قليل الأكل. الوصية التي تركها (ابوقراط) أبو الطب وهو صاحب القسم الشهير الذي يقسمه الأطباء الجدد قبل بدء مزاولة مهنة الطب، والذي عاش حتى بلغ 95 عاما كانت هي الإقلال من الأكل. كما عرف عنه انه كان قليل الأكل كثير الصيام. إنني اعتقد جازمة أن أبو قراط كان من هذه الفئة (المسنين الايجابيين) فهو كان وضيء الوجه رقيق الحاشية متواضعا عطوفا مهذبا وكان يشير على بعض المرضى بالاستعانة بالصلاة والدعاء. ما لا يعرفه كثير من الناس أن حجم المعدة يساوي حجم قبضة اليد فقط، إنها صغيرة جدا واقل كمية من الأكل تكفي، إلا إنها مطاطية وبإمكانها أن تتمدد وتزيد مع كميات الأكل والشراب الكثيرة. يجب المحافظة على المعدة بحجم صغير والإكثار من الفاكهة والخضار وشرب الماء فقط. سمعت طبيب القلب الأمريكي الشهير د. اوز ( أجرى جراحة القلب المفتوح للرئيس السابق بيل كلينتون) يتكلم عن العصائر الطبيعية وقال انه من الأفضل أكل الفواكه بدلا عن شرب عصيرها … وسئل عن الحليب فأجاب انه مفيد للأطفال والمراهقين وليست له فائدة تذكر للكبار. وأشار إلى أضرار الخمر وأوضح أن لها بعض الفوائد ولكنها غير ذات جدوى مقارنة بأضرارها ! أوضح أن البيبسي يغرق الجسم بكميات مهولة من السكريات مما يجعل البنكرياس يفقد القدرة على التعامل معها … مما يؤدي إلى إصابة الجسم الحتمية بالسكري والسرطان ! حسنا د. اوز ماذا نشرب؟ أجاب انه شخصيا لا يشرب أي شيء غير الماء ! وأحيانا مشروب الزنجبيل أو النعناع الدافئ مع عسل النحل. كل هذه الأفكار تتسق تماما مع الحديث الشريف (ما ملأ بن ادم وعاءا شرا من بطنه).
أسال الله العلي القدير أن يكفينا شرور الأمراض والعلل ويجعلنا من عباده الذين يقضون حوائج الناس ويملا قلوبنا بالحب والخير ونفوسنا بالعطف والتسامح والتواضع ويجعل القبول في وجوهنا ويرزقنا حياة طيبة وشيخوخة جميلة ويرزقنا الشهادة عند الموت وحسن الخاتمة.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أولاً أهنئك يا استاذة على هذا المقال رائع ..

    ثانياً في رأيي أننا يمكن أن نجعل شيخوختنا سعيدة وجميلة بأمور عدة أولها أن ندرك أن لكل مرحلة عمرية نكهتها ومذاقها المميز وألا ننظر إلى الشيخوخة باعتبارها بعبعاً مخيفاً يوشك أن يغتال كل شيء جميل في حياتنا .. يجب أن ننظر إلى الشيخوخة بقناعة تامة على أنها مرحلة لابد ولا فرار منها وأن نتعايش معها ونتقبلها بهذا المفهوم .. وهذا لن يكون بإنكار حقيقة أعمارنا عندما نسأل ، أو بالسعي إلى إخفاء معالم الشيخوخة عندما تظهر كالشيب في الرأس بالصبغة وشد جلد الوجه وغير ذلك من الأمور التي يلجأ إليها البعض.

    الإيمان بالله واليوم الآخر وبالجنة والنار ضرورة قصوى ومن العوامل المساعدة في أن يعيش المرء شيخوخة جميلة كما أسميتيها .. فكل يوم نحياه يمضي ليقربنا يوماً إلى إلهنا وخالقنا وربنا الله الغفور الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ويقربنا إلى الآخرة وإلى الجنة التي أعدها لعباده المتقين .. يقربنا من ساعة الخلاص من سجن الجسد وانعتاق الروح وخلاصها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ورحابتها .. لن تكون شيخوختنا سعيدة إلا إذا تخلصنا من رهبة الموت والخوف منه بل ننظر إليه إلى أنه ميلاد ثاني وأن الخروج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كالميلاد الأول وكالخروج من رحم الأم إلى الدنيا الواسعة و الإيمان بأن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة مقارنة بالآخرة ..

    حتى الأمراض التي تغزو أجسادنا كلما تقدمت بنا السن هي مكفرات للذنوب وزيادة في أجورنا إذا احتسبناها كذلك كما في الحديث الصحيح : ما يصيب المسلم ، من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه ..

    بهذا المفهوم وبهذه القناعة فقط نحيا شيخوخة جميلة لا يكدرها شبح الموت ولا ينغصها المرض ونستمتع بكل لحظاتها ما دمنا طائعين لله تعالى ..

    أخيراً: ملاحظة في الآية التي استشهدت بها حدث تقديم وتأخير في لفظ الجن والإنس وإضافة ياء للفعل الأخير .. والصحيح هو: قال تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)..
    مع خالص التحية ..

  2. موضوعك جميل لذيذ وافي في ظل كآبة المواضيع الاخري خاصة لي ناس زينا كده في اول اعتاب الشيخوخه

  3. مقالك جميل و الله يا بنتي يا شذى ،، يرد الروح للإيجابية في التحرك و يبث الطمأنينة و يبعث الأمل في النفوس ،،، شكرا لك ،،، خمسيني

  4. تسلمي يا بنتي هذا موضوع جميل تناولتي فيه جميع الجوانب الصحية والانسانية والدينية والأخلاقية والاجتماعية والرياضية والنفسية والعادات والتقاليد العرفية … بحق انه موضوع شامل … أعجبني تطرقك لموضوع زوجة الابن انه من الأهمية بمكان … والحمد لله زوجة ابني عسل فهي محبوبة ومحترمة وتكن لي حبا وأبادلها نفس الشعور … وكلما سئلت أقول لهم هذه حياتها لماذا أنكدها عليها ليمتد النكد الى ابني … وأقول لكل أم اذا كنتي تحبين ابنك حبي زوجته يحبكم الله ويجعلكم سعداء …

  5. والله موضوعك جميل ويذكرنا ما كنا نقراه في الزمن الجميل . اقول وامري لله انه لا يوجد خير مطلق ولا شر مطلق فرغم ان الدنيا ضاقت بنا الا اننا اصبحنا نطبق معلومتك الجديدة حقا وهي ان المعدة في حجم قبضة اليد فاصبحنا نملاّها علي قدر حجمها وبوجبة واحدة في اليوم ورب ضارة نافعة ! هذا الجيل سوف يكون تسعيني او ثمانيني علي اقل تقدير ولله الحمد والمنة

  6. أفكار متفائلة ومشرقة صيغت بأسلوب متناسق و جميل، مذاقه يقترب كثيراً من أسلوب الكاتب المجيد اسامة عبد الحفيظ رحمة!
    اتفق مع الأستاذة شذي في الكثير من الأفكار واختلف معها فلسفياً في بعض المناحي والتشعبات. اذا عشنا كما أُمرنا فإننا سنحيا حياة طيبة
    ومن ذلك ان نقوم بالكثير مما ذكرته كاتبة المقال وعددت الكثير منه علي انه من أسباب السعادة والراحة النفسية والشيخوخة الجميلة.
    جزاك الله علي افعامنا بالأفكار الإيجابية ووفقك الله الي ما يحب ويرضي.

  7. أعجبني سياق االمقال الجميل وفوائده الثرة، فالشيخوخة الجميلة هي ما أرتبطت بمعية الله (وأبونا شيخ كبير) ، فقد يكون الشيخ صغيرا في عمره كبير العقل وذو حكمة، أو أن يكون شيخا كدرجة أهولية أو مجتمعية، أو أن يكون شيخا بعامل السلطة والرئاسة بغض النظر عن عمره. فتختلف جماليات المشيخة باختلاف حيثيات شرف الحصول علي تلك الصفة وباختلاف الشخصية ، فقد تذكرت قصة شيخ وقور قوي، لا تظهر عليه آثار الكبر، وليس بجسده إنحناء أو هزل، وفي التسعين من عمره وهو يلازم ابنه ذو السبعين وهو يحتضر ! فهما منحنيان إحصائيان يشيران إلي تاريخي حياة الأب ةالإبن، فالأب لم تخطو خطاه إلي دروب المعاصي طيلة حياته، بل عاش حياته ذاكرا عابدا وعاملا. أما الإبن فقد تجرع من كؤوس الحياة يمنة ويسري، دون أن ينتبه أن هناك لحظة للحقيقة. هتا تظهر جماليات النهاية، إما شيخوخة جميلة أو شيخوخة ثقيلة علي النفس والغير. قد نطلق أحيانا لفظ (شيخ) علي أهل القرآن، من حفظة في ريعان شبابهم أو مجودين للذكر الحكيم، فهي مرتبة شرف إعتاد الناس علي إيهابها لمن يستحق، إحتراما وتقديرا. فقد إرتبط طول العمر وظهور آثار الشيخوخة في وقتها بالإلتزام بحياة صافية نقية بمعية الله، فالالتزام بالإسلام والدين الحنيف ذلك هو طريق الصحة والنقاء والصفاء الروحي والبدني.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..