تأهيل مصانع النسيج والقطن المفقود

قرأنا في الأنباء ما يَسُر من تأهيل مصانع النسيج في كوستي والدويم بنسبة 100% وتأهيل مصنع شندي بنسبة 70% تتقدم نحو التكملة. هذا خبر جيد بل ممتاز ولكن ألا يعتبر ذلك مثل العربة أمام الحصان؟ هل بُحِثت مشكلة إنتاج القطن في المبتدأ قبل تأهيل المصانع؟ وهل وُجِد لها الحل؟ تأهيل المصانع يكلِّف شوية وشويات.. وبعدها لا تجد المادة الخام الرئيسية وإن وجدتها تكون بكميات قليلة لا تفي بحاجة المصانع وبهذا تكون تكلفة الإنتاج أعلى من المتوقع ولا تستطيع منافسة المستورد وهنا سيسقط في يد المصنع والقائمين على أمره.

عن القطن المروي كتب أساتذتي البوني وأحمد المصطفى حتى جفت أقلامهم وتحدثوا حتى تحشرجت أصواتهم ولكنهما ومن معهما يؤذنون في مالطا. فقد قبرت سياسات الحكومة (الرشيدة) إنتاج القطن إلى غير رجعة. وكل من يحاول إحياء زراعة القطن في الجزيرة يكون كمن يؤذن في مالطا، أو يحرث في البحر. السبب الرئيس لهذا التجاهل والإهمال واضح وضوح الشمس في يوليو الخرطوم. ولكن أساتذتي الكرام لا يودون أن يعرفون أو يعرفون وضاربين طناش. زراعة القطن وتجارته لا تجذب عمولات وكوميشنات عالية القيمة مثل بناء الكباري التي لا فائدة منها إلا أن تعبر المياه من تحتها.

كانت جبال النوبة تنتج كميات من القطن كبيرة بحيث يستمر ترحيلها من مناطق الإنتاج حيث المحالج الحديثة آنذاك حتى هطول الأمطار لتُجمّع كلها في السميح بولاية شمال كردفان من المحالج في كل من أبو جبيهة، كلوقي، تلودي، أمبرامبيطة، كادقلي، لقاوة، الدلنج. واليوم أصبحت تلك المحالج أثر بعد عين. وهرب المزارع في جبال النوبة من إنتاج القطن للعمل في الزراعة العادية لإنتاج السمسم والذرة، وذلك بالطبع في المناطق الآمنة من جبال النوبة. ولعامل السعر القدح المعلّى في تدني إنتاجية القطن المطري في جبال النوبة.

المعروف أن للقطن تكاليف إنتاج عالية جداً مقارنة بتكلفة إنتاج السمسم والصمغ العربي والذرة، المحاصيل الثلاث الرئيسية في جبال النوبة، بجانب منتجات زراعية وغابية وبستانية أخرى في الجبال. ولهذا لن يلتفت المزارع لزراعة القطن ما لم تُحسّن أسعار شرائه من المزارع.

إشترى التجار قنطار السمسم من المزارع هذا الموسم بسعر 750 جنيهاً وكذلك نفس السعر لقنطار الصمغ. ولا توجد تكاليف إضافية على المزارع عدا دفع الزكاة. حيث يمده التاجر بالجوالات للتعبئة ويستلم منه المحصول سواء السمسم أو الصمغ العربي في المشروع أو منطقة الإنتاج، ويتحمّل التّاجر تكلفة الترحيل والرسوم الحكومية الأخرى. ولا ننسى تدخُّل إنتاج الذهب كعامل منافس حتى للسمسم والصمغ، حيث وصل سعر الجرام 400 جنيهاً تسليم المنجم، مع إنعدام تكلفة الإنتاج للعمال حيث يقوم صاحب المنجم بتوفير المواد التموينية للعمال على أن تخصم من قيمة الإنتاج. وفي حالة عدم الإنتاج تضيع تكلفة المواد التموينية على صاحب المنجم وعلى العمال مجهوداتهم اليدوية والبدنية.

إننا نرى أنه ما لم يصل سعر شراء قنطار القطن الخام قصير التيلة في جبال النوبة سعر 1,000 للقنطار تسليم مناطق الإنتاج فلن يتجه المزارعون لزراعته. للقطن تكاليف أخرى تتمثل في الكديب ثلاث مرات لا كما السمسم الذي يكتفي بعمليتي كديب. كما أن نظافة الأرض من العودي لها هي الأخرى تكلفة يتحملها المزارع ?العودي هو سيقان أشجار القطن، لأنه بعدم إزالتها تتسبب في ظهور دودة القطن التي تؤثِّر على الإنتاج في الموسم المقبل.

كما يجب توفير التقاوي المحسّنة للمزارع بدون مقابل كما كان في السابق وتعتبر هذه من أكبر الحوافز للمزارع ليزرع القطن، على أن يقوم البنك الزراعي بتمويل المزارعين بطريقة وآلية تختلف عن الآلية التي يتبعها البنك الآن، خاصة وأن كل القائمين على أمر البنك الزراعي ? أقول كل وأتحدى أن يكون حديثي خطأ- لا فكرة لديهم عن متطلبات زراعة القطن قصير التيلة في جبال النوبة. وإن حاولوا العمل بنظرية Trial & Error المعروفة لهذا النظام فسوف يخسرون الموسم ويدخل المزارع في ديون لا قبل له بها ولم يكن محتاج لها من أصله.
(العوج راي والعديل راي)

كباشي النور الصافي
لندن – بريطانيا
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..