هل يجوز لرموز فشل الحكم الوطني أن يجمعهم حوار دون تفويض من الشعب لينقذوه من مأساة هم صناعها

لماذا قال الدكتور منصور خالد إن تسليم عبدالله خليل السلطة للجيش أفضل من الديمقراطية

كيف يكون انقلاب 69 مؤامرة مصرية وعلى رأس ضحاياه تأميم بنك مصر

إذا كان تأييد الميرغني للنميرى لأنه تآمر مصري فلمن من المتآمرين كان تأييده لإنقلاب حزب الأمة ا في نوفمبر

إنقلاب مايو بدأ التخطيط له عام 67 ولم يكن بابكر مشاركاً في التخطيط له حتى يكون دليلا على تآمر مصر

المخرج للسودان لن يتحقق الا باستخلاص العبر من فشل حكم الطائفية والعقائدية والعسكر وإحلال المؤسسية الديمقراطية بديلا لهم

لابد أن يصدر قانون يضمن الممارسة الديمقراطية ويحظر نشاط أي حزب يخرج عن مبادئ الديمقراطية وفق القانون

اختتم في هذه الحلقة الجزء الأخير من مقالة الدكتور عبدالله محمد قسم السيد والتعقيب عليها حيث قال فيها:

(تكرر التدخل المصري السالب فيما يتعلق بالديمقراطية في السودان مرة أخرى عام 1969 م بدعمها لإنقلاب جعفر نميري المتعارف عليه بنظام مايو. غير أن هذا التدخل لم يكن كسابقه تم من خلال دعم القوى المساندة لوحدة وادي النيل ولكنه جاء من خلال دعم القوميين العرب بالتعاون مع الاشتراكيين التقدميين من جانب كما أنه صحبته توجهات عملية في إزالة كيان الأنصار وحزب الأمة بإعتبارهما قوى رجعية تعمل ضد مصلحة السودان وشعبه. لهذا لعب النظام المصري دورا كبيرا ليس فقط في التخطيط والإعداد والتنفيذ للانقلاب ولكن على نجاحه وإستمراريته. ففيما يتعلق بالإعداد والتنفيذ لانقلاب مايو نجد أن مصر إستقلت البلبلة السياسية التي تلت طرد الحزب الشيوعي السوداني من الجمعية السياسية بعد حادثة معهد المعلمين بأمدرمان وبدأت في التخطيط له من قبل القوميين العرب من خلال بابكر عوض الله وتقديم تمويل للإنقلابيين من خلال بنك مصر بالخرطوم ومديره محمد عبد الحليم. وبالطبع كان الموالين لمصر سباقين لتأييد الإنقلاب كان على رأسهم الميرغني والشيخ علي عبد الرحمن .1 كذلك كان الشيوعيون أول من بارك الإنقلاب ودعمه ووقف ضد أي معارضة له.

يؤكد شوقي ملاسي الدور المصري في التخطيط والتنفيذ للانقلاب في مذكراته التي عرضها الصحفي مصطفى البطل في جريدة الأحداث. يقول شوقي ملاسي تكونت أول خلية بعثية في السودان عام 1961 بإشراف حسن عبد الهادي حيث عقد سلسلة اجتماعات مع البعثيين السودانيين بغرض التأسيس والتنظيم وتم انتخاب سعيد حمور أمينا لسر حزب البعث في الدورة الأولى، وانتخب شوقي ملاسى أمينا للسر في الدورة التالية مباشرة. وبعد انتفاضة أكتوبر 1964 حدث الانقسام الأول حيث انفصلت بعض الكوادر من تنظيم الطليعة التقدمية لتؤسس تنظيما ناصريا بعد تحسن العلاقات بين البعث وجمال عبد الناصر. وقد قام اللواء مصطفى عبد العزيز وكيل وزارة الداخلية المصرية، بتكليف من وزير الداخلية زكريا محي الدين بزيارة السودان حيث التقى بقادة التنظيم الناصري الجديد، حضر اللقاء بابكر عوض الله نائب رئيس القضاء. وبهذا يكون رئيس القضاء شارك في تأسيس تنظيمات سياسية عقائدية بحضور مسئولين من دولة أجنبية لها مصالح إستراتيجية في السودان وتتصل بطموحاتها السياسية الإقليمية ومقتضيات أمنها القومي.

بهذا التنسيق لانقلاب مايو من قبل بعض السودانيين ذوي التوجه العقائدي وبالتنسيق مع مكتب الشئون العربية برئاسة الجمهورية المصرية والذي تم بمشاركة رئيس القضاء بابكر عوض الله تتأكد خيانة هذا البعض الذين دائما نطفي عليهم ألقاب مثل الوطنيين. وكما يقول البطل كان بابكر عوض الله “ضالعا في التخطيط السياسي العقائدي بينما هو جالس فعليا على منصة القضاء “مستندا في حديثه على مذكرات شوقي

1- علي عبد الرحمن الأمين؛ الديمقراطية والاشتراكية في السودان، ص (40)

ملاسى التي يقول فيها إن بابكر كان ناشطا في حركة الناصريين أثناء إضطلاعه بالتكليف القضائي … إن الاشتراكيين العرب والناصريين السودانيين كانوا على اتصال منتظم بمكتب وزير الرئاسة فى مصر سامي شرف، عن طريق مسئول الشئون العربية برئاسة الجمهورية المدعو فتحي الديب. وكان يمثل الطرف السوداني الناصري بابكر عوض الله والعميد احمد عبد الحليم والطاهر عوض الله، وقد قامت السلطات المصرية من جانبها بتعيين محمد عبد الحليم (شقيق احمد عبد الحليم) بدرجة مدير ببنك مصر بالخرطوم، وكان هو المسئول عن تمويل الانقلاب “. نقلا عن صحيفة ” الأحداث “- 24 مارس 2010 بعد نجاح الإنقلاب تم التوقيع على ميثاق طرابلس بين السودان ومصر وليبيا في عام 1969 م والذي نص على الدفاع المشترك بين تلك الدول الثلاث في حالة التعرض لغزو أجنبي أو لخطر داخلي.

لم يكن خافيا على المعارضة لنظام مايو الدور الذي لعبته مصر في نجاحه وإستمراريته لهذا كتب الإمام الهادي زعيم الأنصار لعبد الناصر رئيس مصر قائلا “في 25 مايو قامت جماعة من الضباط الشيوعيين والناصريين بإنقلاب فألغت الدستور وصادرت الحريات وسجنت الناس ولا تزال تمارس طيشها في كل مرفق في البلاد. وتأكدنا أنكم قد اشتركتم في تدبير هذا الإنقلاب في إجتماع عقد بالقاهرة بين سيدتكم وبابكر عوض الله وعبد الكريم ميرغني كان سفير العهد الديمقراطي في بلادنا “. ويواصل الإمام الهادي حديثه “وبمرور الأيام تنكشف الحقيقة وتنفضح إذ إنهال عونكم على الإنقلابيين بشكل ملفت خاصة في مجال الأمن والإستخبارات “ويؤكد لعبد الناصر بأنه بإسم الشعب يرفض سيطرة أي جهة خارجية على الشعب السوداني في قوله” إنني بإسم المعارضة في بلادنا وهي الشعب كله بإستثناء الشيوعيين والموصومين بعدم الولاء للوطن – أرفض أي إجراء أو إقرار يخضع السودان لسيطرة غير سيطرة أبنائه تحت أي شعار ( أنظر نص الخطاب في آخر الكتاب).

ولما كان الأنصار وحزب الأمة يمثلون القوة الشعبية والتي يتخوف منها دوما الشيوعيون في الوقوف ضد مشروعهم السياسي والأيديولوجي، كان التركيز على إقصاء قيادتهم جسديا متى ما توفرت الفرصة لهذا وفي عام 1970 م، دعا الحزب الشيوعي سلطة نظام مايو (الثورية!) للتدخل وتمكين القوى التقدمية على قيادة الحركة النقابية تحت شعارات ( حاسم حاسم يا أبو القاسم ).

وعند تصاعدت الإحتجاجات والمعارضة لنظام مايو من قبل الشعب ممثلا في أحزابه الأمة وجبهة الميثاق بحكم توجهه الشيوعي، قام الإنقلابيون بمساعدة الطيران المصري بضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي بحجة معارضتهم لنظام مايو وفق ميثاق طرابلس للدفاع المشترك بين السودان وليبيا ومصر. كان المسئول المباشر على الطيران الحربي المصري حسني مبارك الرئيس الحالي لمصر. كانت حصيلة ذلك الهجوم 12 ألف قتيل من بينهم إمام الأنصار الهادي المهدي والذي قتل وهو في طريقه مغادرا السودان من ناحية الشرق

1- يصف محمد أحمد محجوب الدور المصري في قصف الجزيرة أبا بقوله “في 27 آذار أمر طائرات الميغ بقصف الجزيرة بالصواريخ، وفي ذلك الوقت لم يكن السودان يملك طائرات ميغ ولا طيارين يستطيعون قيادتها. مما جعل الكثيرين مقتنعين بأن القصف جرى بطائرات مصرية وطيارين مصريين”. ويؤكد قوله ببيان صادر من وزارة الخارجية الليبية .

2- بعد ضرب الجزيرة وصلت الكثير من برقيات التأييد لضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي بينما خرج الشيوعيون في مظاهرات صاخبة تأييدا “للثورة الظافرة”. فمثلا أرسل عبد الخالق محجوب بيانا مؤيدا ما حدث للأنصار جاء فيه “إن تصاعد الصراع السياسي والطبقي في بلادنا والذي اتخذ من الجزيرة أبا وودنوباوي مسرحا له ليس أمرا عابرا لأننا قد إستقبلنا بالفعل نقطة في تطور الحركة السودانية … نستطيع أن نقول بأنه قد وجهت ضربة قاضية للتنظيم المسلح الرجعي في بلادنا، الضربة أنزلت بمجموع قوى اليمين في بلادنا ساحقة وأضعفت فعاليتها وقدرتها … إن أي تقليل من شأن ما جرى يؤدي إلى التقليل أيضا من فرص العمل الثوري ومكانته في هذه الظروف وإن الضربة التي وجهت للتنظيم تفتح السبل أكثر من أي وقت مضى نحو حركة الجماعة الثورية بصورة حاسمة وفي مستويات أعلى الدرجات مما كانت عليه قبل معركتي أبا وودنوباوي كما يؤدي إلى تعاظم دور الحزب الشيوعي السوداني في الحياة السياسية “3! هذا هو موقف الحزب الشيوعي وزعيمه في الأنصار وحزب الأمة والذي يؤكد على ضرورة تصفيتهم جسديا حتى يتعاظم دور الحركة الشيوعية ودور الحزب الشيوعي في السودان. وهو إتجاه عكس ما ينادي به الحزب في أدبياته والتي دائما تكتب أو تنقح بعد وقوع الأحداث والتأكد من خطئها كما جاء في مجلة (الشيوعي) “أن تحرير الجماهير العاملة من نفوذ الطبقات الرجعية لا يتم بقرار إداري تصدره السلطة .. (و) أن التنظيمات الديمقراطية ليست أجهزة رسمية، بل أدوات شعبية في يد الجماهير، ويجب أن تظل كذلك، وقد ناضل الحزب الشيوعي في كل الظروف لتحافظ تلك التنظيمات على هذه الصفة “(م / الشيوعي، ع / 134).

ضرب الجزيرة أبا من قبل الطائرات المصرية لم يتم توثيقه من قبل الصحافة وقتئذ فقد ضرب على الجزيرة أبا حصار من قبل أجهزة الأمن لمنع أي تسجيل إعلامي لما حدث ولكن الكثيرين ممن عايش تلك الأحداث ما زال على قيد الحياة وكان من الممكن الإتصال بهم لمعرفة الحقيقة. وأخيرا بدأت تظهر بعض الحقائق فمثلا الصحفي إدريس حسن بصحيفة الأيام بعد ثلاثة أيام من مجزرة الجزيرة أبا وفي يوم 1970/03/04 كتب يقول “ليس هناك آثار لدمار أو خراب وليس هناك بقايا لآثار معارك عنيفة فإن قوات الأمن لم تستعمل إلا أقل قدر من العنف وهي تستولي على الجزيرة، المنازل قائمة في أماكنها، المواطنون الذين لم يشتركوا في المؤامرة يعيشون حياتهم العادية في بيوتهم ويتجولون في قراهم) (البادي ص 104). هنا يتجلى تهاون قيادات حزب الأمة والأنصار في معرفة الحقيقة. فقد كان من المتوقع أن يقف الحزب لمتابعة من شارك في تلك الأحداث من الجيش وأجهزة الأمن خاصة الذين شاركوا فيها بصورة مباشرة.

هذه الرواية التي يحكيها الصحفي إدريس في جريدة الأيام لم تكن هي الحقيقة وقد كشف هو نفسه عن شهادته الكاذبة التي أدلى بها في ذلك الوقت بعد 40 عاما. ففي مقابلة تلفزيونية بقناة النيل الأزرق (ببرنامج حتى تكتمل الصورة في 14/6) يقول “إنهم حينما ذهبوا لزيارة أبا حجزوهم خارجها ساعات طويلة ولم يسمحوا لهم بالدخول في الحال، وأنه حينما استفسر بعدها بزمان من أحد الضباط المسئولين (التاج حمد) حول سبب ذلك التأخير قال له: كنا مشغولين بدفن الناس بالجرافات وقد كانت أعدادهم مهولة “نقلا عن رباح الصادق صحيفة الأحداث في يوم الثلاثاء 22 يونيو 2010 م.

هذا الإعتراف الصريح من الصحفي جاء بعد أربعين عاما أي بعد واحد وعشرين عاما من سقوط حكومات حزب الأمة الخمسة. وحتى بعد معرفة هذه الحقيقة كان يجب على الذين تهمهم تلك الأحداث ومعرفة ما جرى خاصة الباحثين في الجامعات ومراكز البحوث العمل على دراسة تلك الفترة. إن الكثيرين من الضباط والصحفيين ما زالوا على قيد الحياة وبالتالي فمن الممكن معرفة الحقيقة كاملة بدأ بدور الأجهزة الأمنية وانتهاءاً بالجهات الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية. أقول من الذين تهمهم تلك الأحداث وأقصد تحديدا حزب الأمة ولكن كما عودنا هذا الحزب أنه لا يهتم بتاريخه إن لم يكن مرتبطا مباشرة بأسرة الإمام المهدي خاصة أنه قد تم تكريم للإمام الهادي ونقل رفاته من المكان الذي قتل فيه بشرق السودان وتمت إعادة دفنه في قبة الإمام المهدي بأمدرمان. بينما تم إهمال بقية الشهداء من الأنصار حتى من ذكر أسمائهم عندما تم التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية بالمدرسة الأهلية حينما عرض الشيوعيون صور زملائهم الذين قتلوا بعد 19 يوليو حين قاموا بإنقلابهم على جعفر نميري. والغريب في الأمر أن من تم وضع صورهم هم أنفسهم الذين أيدو ضرب الجزيرة أبا وهللوا لها كما قال عبد الخالق محجوب رئيس الحزب الشيوعي. فهل هناك إهانة للأنصار توجه لهم من قادة حزب الأمة أكثر من أن تهمل مجاهداتهم وتنسى بينما توضع صور الذين قاموا بقتلهم وتدميرهم بإعتبار أنهم شهداء.

أسمحوا لي أن أعيد نشر هذه الفقرة التي وردت في مقال للدكتور فيصل عبدالرحمن على طه والذي تناول فيه التعليق على بيان حزب الأمة حول تلك الأحداث حيث وثق في هذه المقالة فقرة وردت على لسان المستر ريتشيرز المفوض الانجليزي التجاري والتي قال فيها إن حوادث أول مارس أثبتت للحكومة إن سعيها للوحدة مع مصر سيكون ضربا من الانتحار لان الأنصار سيقاومونه وان حوادث أول مارس أوحت لهم أن اسلم الطرق الابتعاد عن مصر وبذلك يتلاشى خطر قيام الأنصار بثورة)

بهذا انتهى مقال الدكتور عبدالله محمد قسم السيد وفيما يلي تعقيب على ما ورد في هذا الجزء

أولا لا بد من وقفة مع حديث الدكتور منصور خالد والذي قال فيه أن تسليم عبدالله خليل السلطة للجيش أفضل من الديمقراطية فهل كان وهو مدير مكتب عبدالله خليل أن يقول غير ذلك وهو شريك في الخسارة التي ستلحق بعبدالله خليل من الممارسة الديمقراطية بعد توحد حزب الأغلبية كما إن مواقف الدكتور نفسه جاءت متناقضة تاريخيا فهو نفسه كان حليفا لمايو وشريكا في السلطة ولما خسر موقعه كأهم مستشار لرئيس الانقلاب جعفر نميرى انقلب على الانقلاب رافعا راية مكافحة الدكتاتورية وأصبح من دعاة الديمقراطية وهذا يؤكد إن مواقفه كشأن قياداتنا تمليها المصالح الشخصية.

وهذا نفس ما فعله الإمام الهادي الذي أورد الدكتور نص خطابه لعبدالناصر الذي أدان فيه الانقلاب لأنه صادر الحريات وسجن الناس والإمام محق في ذلك فهذه هي شيم الانقلابات العسكرية إن تصادر الحريات وان تسجن وتصفى مخالفيها الرأي فلماذا لم يكن هذا موقف الإمام من انقلاب حزب الأمة في نوفمبر الذي صادر الحريات وسجن الناس وفى عهده تمت تصفية الكثيرين من العسكر الذين رفضوا إقحام الجيش في السلطة (على حامد وشنان من العسكر والقرشي من المدنيين) ولماذا لم يخاطب رئيس أمريكا التي كانت متهمة بالوقوف خلف الاتقلاب والذي جاء على رأس قراراته قبول المعونة الأمريكية كما خاطب مصر .

ثانياً: لا أختلف مع الدكتور حول ما جاء في تعقيبه عن مساوئ الانقلابات العسكرية وما تعنيه من تعدى على حقوق الآخرين لدرجة تصفيتهم فالانقلابات كلها وأيا كانت المبررات فهي ضد الديمقراطية فلولا هذا لما كان الانقلاب ولا اسنثناء لأي ى منها سواء كان في نوفمبر 58 أو مايو 69 أو يونيو 89 ويجب أن تكون المواقف الرافضة لها مبدئيا لا تتناقض في مواقفها منها ومن سبق له المشاركة في بعضها أو تأييدها يجب أن يعود لكلمة الحق ويعترف بأنه ساهم في هذا الجرم وأنا شخصيا أقول هذا وأنا احد المعنيين بالحديث لأنني خلال انتمائي للحزب الشيوعي كنت من مؤيدي انقلاب مايو تمشيا مع موقف الحزب وهو ما اعتبرته في مقالة سابقة خطأ أعتذر عنه يوم شاركت في تأييد الاعتداء على الديمقراطية وان كان تأييدي له بسبب انتمائي لحزب ارتبط بالانقلاب ولا ترفض نظريته الدكتاتورية حتى لو كانت للطبقة العاملة ولكن لا افهم أن يصدر حديث الإدانة لمايو من الدكتور عبدالله الذي سعى لتبرير انقلاب نوفمبر الذي لا يختلف عن مايو ويونيو واعتباره موقفا وطنيا وهو رأس الحية الذي عبد الطريق لكل الانقلابات. فهذا هو مأخذي على ما جاء في مقالة الدكتور لأنه يتسم بالتناقض.

ثالثاً: اخذ على الدكتور عبدالله والذي إصر في تناوله للأحداث التي شهدها السودان أن يحمل كل سوءاتها لمصر دون غيرها وهو يعلم انها واحدة من سوءات المرحلة ولكن أين شركائها من الجبهات الأخرى أجنبية ومحلية

رابعاً الدكتور في حملته العنيفة على مصر التي يبدو أن له موقفا مبدئيا منها حملها وقائع ليست طرفا فيها كما صور في مقالته فمصر ليست هي التي خططت لانقلاب مايو وان ارتبطت به بعد نجاحه ولعبت دورا في استقراره و وشاركت في أحداث الجزيرة أبا حيث إن ما أشار إليهم من شخصيات لها ارتباط بمصر وإنها كانت حلقة الوصل بين الانقلاب ومصر فبابكر عوض الله ومحمد عبد الحليم وغيرهم فإنهم لم يكونوا من المخططين للانقلاب وان أصبح لهم دور فيه بعد ذلك فانقلاب مايو خططت له مجموعة من الضباط لأي متون بأي ى صلة لمصر أو لأي حزب سياسي في مطلع عام 67 وبابكر عوض الله لم يكن بينهم اذكر منهم تحديدا الرواد خالد حسن عباس ومامون عوض ابوزيد وابوالقاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد احمد عبدالقادر وفاروق حمد الله ومرسى ويعقوب – وأنا شخصيا شاهدا على تلك الفترة – وليس بينهم من له ارتباط بمصر ولم يكن النميرى نفسه واحدا منهم وقتها بل كان واحدا من ثلاثة مرشحين رشحهم مخططو الانقلاب لاختيار قائدا لهم من بين قائمة ضمت احمد الشريف الحبيب والرشيد نور الدين واستقر أخيرا رأيهم على النميرى ليصبح حينئذ فقط طرفا أساسيا بينهم وقائدا لهم من منتصف عام 67 ثم جاء في وقت لاحق اختيارهم لبابكر عوض الله بسبب موقفه في ثورة أكتوبر وهو من قادة العصيان المدني بجانب مولانا عبدالمجيد إمام وموقفه من طرد نواب الحزب الشيوعي لما رفضت الحكومة حكم المحكمة الدستورية ببطلان قرار طردهم فهذا ما رشح شخصيته كرجل مدني صاحب مواقف وطنية وليس لارتباطه بمؤامرة مصرية بل لم يكن معروفاً عنه يومها انه رجل انقلابات بل لم يظهر إلا مدافعاً عن الديمقراطية ضد دكتاتورية نوفمبر وهو الانقلاب الذي ارتبط به اكبر حلفاء مصر المراغنة وأتباعهم

خامساً: اتخذ الدكتور من تأييد الميرغني للانقلاب في يومه الأول دليلاً على أنها مؤامرة مصرية لما يجمع المراغنة بمصر ولكن هل يكون تأييد الميرغني للانقلاب دليلاً على تآمر مصر أليس هم المراغنة أنفسهم الذين أيدوا انقلاب نوفمبر الذي كان مؤامرة من رئيس حكومة حزب الأمة فهل كان انقلاب حزب الأمة الذي أيدوه مؤامرة مصرية وهل انقلاب يونيو 89 الذي أصبح المراغنة أكبر حلفائه ومشاركين فيه هل هو مؤامرة مصرية أم إن الحقيقة تقول إن الطائفتين درجوا على الارتباط بكل الانقلابات لان مصالحهم هي التي تحكم مواقفهم لهذا ليس هناك انقلاب لم تؤيده الطائفية او تتحالف معه في واحدة من مراحله فحتى انقلاب مايو الذي وصمه الدكتور بأنه مؤامرة مصرية فان أحزب الأمة ألد أعداء مصر أصبح من حلفائه بعد المصالحة مع انه الانقلاب الذي صفى أمامه في إحداث الجزيرة أبا وهو نفس النظام الذي صفى قيادات الحزب الشيوعي وحظي بتأييد حزب الأمة على هذه التصفية وهذا ما يؤكد يا دكتور علة الحكم الوطني حيث يتعين علينا جميعا إن ندين التصفيات التي تعرضت لها كل القوى السياسية بدون فرز في كل الانقلابات التي شهدها السودان بدلا من أن تكون إدانتنا حسب التصنيف السياسي.

سادساً: إذا كان الانقلاب من صنع مصر وان بنك مصر تحت إدارة محمد عبدالحليم موله فكيف إذن كان هذا البنك من أوائل ضحاياه بين البنوك التي أممها الانقلاب في أول عام له وفى احتفاله بأول عامله في 25 مايو 70 وكان حضورا فيه عبدالناصر رئيس مصر فهل يؤمم الانقلاب مموله

ثامناً: الأستاذ شوقي ملاسى ليس المرجعية حتى يعتمد على ما ورد في مذكراته التي رفضها رفقاء دربه من مؤسسي حركة البعث والقوى الاشتراكية العربية وبعضهم اصدر ما يدحض مذكراته وعلى رأسهم مولانا اسحق القاسم شداد

سابعاً: تعرض الدكتور لما أوردته عن صلاح سالم وأظنه لم يفهم مقصدي فانا لم أعنى به تصفية الجنوب عنصريا ولكنى رأيت بان عدم ممانعة المصريين في التزاوج من الجنوبيين كما هو حال الشماليين فانه سيقارب الشقة بين السودانيين الذين كان تعنصرهم حتى بين القبائل العربية يقف حاجزاً ضد التزاوج بينهم وهو ما يضر بالانصهار الاجتماعي بين ابناي البلد الواحد وهو ما يحتاجه السودان لترسيخ وحدته والتي كان سيرسخها لو تحقق.

خلاصة القول فان الوقائع التي قدمها الدكتور والتي أراها في غاية الأهمية والتي لم يعيبها إلا رؤيته الاستنتاجية لدعم نظريته وموقفه من مصر الذي استهدف تحميلها كل ما لحق بالسودان والحقيقة إن ما لحق بالسودان هو فشل القوى السياسية السودانية بلا استثناء من الطائفية والعقائدية اليسارية الإسلامية ولا مخرج للسودان من أزماته إلا بكنس هذه القوى من الخارطة السياسية واستخلاص العبر من تاريخ إفشالها للحكم الوطني. وان تحل بديلا لها أحزاب سياسية تقوم على مؤسسات ديمقراطية. تحت ظل قانون فاصل وحاسم يضمن الممارسة الديمقراطية في أحزاب غير عنصرية أو جهوية أو طائفية أو تحمل أي دعاوى دينية أو عقائدية من إسلامية وشيوعية وبعثية وناصرية والتأكيد على عضويتها المفتوحة والتدرج من مؤتمراتها القاعدية حتى المؤتمر العام تحت الرقابة القضائية ومسجل الأحزاب على أن يحظر قانون الأحزاب الممارسات السياسية في دور الطوائف والطرق الصوفية والمساجد وكل من يخل بهذا يجمد من أي ممارسة سياسية

بهذا اختتم وقفتي مع مقالة الدكتور عبدالله محمد قسم السيد.

بعيداً عن مقالة الدكتور عبد الله فلقد اطلعت على تعقيب للأستاذ محمد عروة قال فيه انه كان أفضل للسودان لو حقق استقلاله تحت التاج البريطاني واكتسب عضوية الكمنولث فهذا أفضل من الواقع الذي عاشه تحت الحكم الوطني واراه معذور فيما ذهب إليه فالحكم الوطني محبط ولكن الحقيقة إن امتلكنا الشجاعة لنعترف بها إننا شعب غير راشد العقل ولو كان للعالم راعى نأمنه لكان أولى أن نكون تحت رعايته حتى نبلغ سن الرشد وعلى العموم خروج الانجليز لم يكن لمصلحة الشعب لأنه لم يتحقق قي الوقت المناسب وبالطريق الأنسب.

لماذا قال الدكتور منصور خالد إن تسليم عبدالله خليل السلطة للجيش أفضل من الديمقراطية

كيف يكون انقلاب 69 مؤامرة مصرية وعلى رأس ضحاياه تأميم بنك مصر

إذا كان تأييد الميرغنى للنميرى لأنه تآمر مصري فلمن من المتآمرين كان تأييده لإنقلاب حزب الأمة في نوفمبر.

إنقلاب مايو بدأ التخطيط له عام 67 ولم يكن بابكر مشاركا في التخطيط له حتى يكون دليلا على تآمر مصر.

المخرج للسودان لن يتحقق إلا باستخلاص العبر من فشل حكم الطائفية والعقائدية والعسكر وإحلال المؤسسية الديمقراطية بديلا لهم

لابد أن يصدر قانون يضمن الممارسة الديمقراطية ويحظر نشاط أي حزب يخرج عن مبادئ الديمقراطية وفق القانون

النعمان حسن

اختتم فى هذه الحلقة الجزء الاخير من مقالة الدكتور عبدالله محمد قسم السيد والتعقيب عليها حيث قال فيها:

(تكرر التدخل المصري السالب فيما يتعلق بالديموقراطية في السودان مرة أخرى عام 1969 م بدعمها لإنقلاب جعفر نميري المتعارف عليه بنظام مايو. غير أن هذا التدخل لم يكن كسابقه تم من خلال دعم القوى المساندة لوحدة وادي النيل ولكنه جاء من خلال دعم القوميين العرب بالتعاون مع الإشتراكيين التقدمين من جانب كما أنه صحبته توجهات عملية في إزالة كيان الأنصار وحزب الأمة بإعتبارهما قوى رجعية تعمل ضد مصلحة السودان وشعبه. لهذا لعب النظام المصري دورا كبيرا ليس فقط في التخطيط والإعداد والتنفيذ للإنقلاب ولكن على نجاحه وإستمراريته. ففيما يتعلق بالإعداد والتنفيذ لإنقلاب مايو نجد أن مصر إستقلت البلبلة السياسية التي تلت طرد الحزب الشيوعي السوداني من الجمعية السياسية بعد حادثة معهد المعلمين بأمدرمان وبدأت في التخطيط له من قبل القوميين العرب من خلال بابكر عوض الله وتقديم تمويل للإنقلابيين من خلال بنك مصر بالخرطوم ومديره محمد عبد الحليم. وبالطبع كان الموالين لمصر سباقين لتأييد الإنقلاب كان على رأسهم الميرغني والشيخ علي عبد الرحمن .1 كذلك كان الشيوعيون أول من بارك الإنقلاب ودعمه ووقف ضد أي معارضة له.

يؤكد شوقي ملاسي الدور المصري في التخطيط والتتنفيذ للإنقلاب في مذكراته التي عرضها الصحفي مصطفى البطل في جريدة الأحداث. يقول شوقي ملاسي تكونت اول خلية بعثية فى السودان عام 1961 باشراف حسن عبد الهادى حيث عقد سلسلة اجتماعات مع البعثيين السودانيين بغرض التأسيس والتنظيم وتم انتخاب سعيد حمور أمينا لسر حزب البعث فى الدورة الاولى، وانتخب شوقي ملاسى أمينا للسر فى الدورة التالية مباشرة. وبعد انتفاضة اكتوبر 1964 حدث الانقسام الاول حيث انفصلت بعض الكوادر من تنظيم الطليعة التقدمية لتؤسس تنظيما ناصريا بعد تحسن العلاقات بين البعث وجمال عبد الناصر. وقد قام اللواء مصطفى عبد العزيز وكيل وزارة الداخلية المصرية، بتكليف من وزير الداخلية زكريا محى الدين بزيارة السودان حيث التقى بقادة التنظيم الناصرى الجديد، حضر اللقاء بابكر عوض الله نائب رئيس القضاء. وبهذا يكون رئيس القضاء شارك فى تأسيس تنظيمات سياسية عقائدية بحضور مسئولين من دولة اجنبية لها مصالح استراتيجية في السودان وتتصل بطموحاتها السياسية الاقليمية ومقتضيات أمنها القومى.

بهذا التنسيق لانقلاب مايو من قبل بعض السودانيين ذوي التوجه العقائدي وبالتنسيق مع مكتب الشئون العربية برئاسة الجمهورية المصرية والذي تم بمشاركة رئيس القضاء بابكر عوض الله تتأكد خيانة هذا البعض الذين دائما نطفي عليهم ألقاب مثل الوطنييين. وكما يقول البطل كان بابكر عوض الله “ضالعا فى التخطيط السياسى العقائدى بينما هو جالس فعليا على منصة القضاء” مستندا في حديثه على مذكرات شوقي

1 علي عبد الرحمن الأمين؛ الديموقراطية والاشتراكية في السودان، ص 40

ملاسى التي يقول فيها “ان بابكر كان ناشطا فى حركة الناصريين أثناء إضطلاعه بالتكليف القضائى … ان الاشتراكيين العرب والناصريين السودانيين كانوا على اتصال منتظم بمكتب وزير الرئاسة فى مصر سامى شرف، عن طريق مسئول الشئون العربية برئاسة الجمهورية المدعو فتحى الديب. وكان يمثل الطرف السودانى الناصرى بابكر عوض الله والعميد احمد عبد الحليم والطاهر عوض الله، وقد قامت السلطات المصرية من جانبها بتعيين محمد عبد الحليم (شقيق احمد عبد الحليم) بدرجة مدير ببنك مصر بالخرطوم، وكان هو المسئول عن تمويل الانقلاب “. نقلا عن صحيفة “الاحداث” – 24 مارس 2010 بعد نجاح الإنقلاب تم التوقيع على ميثاق طرابلس بين السودان ومصر وليبيا في عام 1969 م والذي نص على الدفاع المشترك بين تلك الدول الثلاث في حالة التعرض لغزو أجنبي أو لخطر داخلي.

لم يكن خافيا على المعارضة لنظام مايو الدور الذي لعبته مصر في نجاحه وإستمراريته لهذا كتب الإمام الهادي زعيم الأنصار لعبد الناصر رئيس مصر قائلا “في 25 مايو قامت جماعة من الضباط الشيوعيين والناصريين بإنقلاب فألغت الدستور وصادرت الحريات وسجنت الناس ولا تزال تمارس طيشها في كل مرفق في البلاد. وتأكدنا أنكم قد إشتركتم في تدبير هذا الإنقلاب في إجتماع عقد بالقاهرة بين سيدتكم وبابكر عوض الله وعبد الكريم ميرغني كان سفير العهد الديموقراطي في بلادنا “. ويواصل الإمام الهادي حديثه “وبمرور الأيام تنكشف الحقيقة وتنفضح إذ إنهال عونكم على الإنقلابيين بشكل ملفت خاصة في مجال الأمن والإستخبارات” ويؤكد لعبد الناصر بأنه بإسم الشعب يرفض سيطرة أي جهة خارجية على الشعب السوداني في قوله “إنني بإسم المعارضة في بلادنا وهي الشعب كله بإستثناء الشيوعيين والموصومين بعدم الولاء للوطن – أرفض أي إجراء أو إقرار يخضع السودان لسيطرة غير سيطرة أبنائه تحت أي شعار (أنظر نص الخطاب في آخر الكتاب).

ولما كان الأنصار وحزب الأمة يمثلون القوة الشعبية والتي يتخوف منها دوما الشيوعيون في الوقوف ضد مشروعهم السياسي والأيديولوجي، كان التركيز على إقصاء قيادتهم جسديا متى ما توفرت الفرصة لهذا وفي عام 1970 م، دعا الحزب الشيوعي سلطة نظام مايو (الثورية!) للتدخل وتمكين القوى التقدمية على قيادة الحركة النقابية تحت شعارات (حاسم حاسم يا ابو القاسم). وعند تصاعدت الإحتجاجات والمعارضة لنظام مايو من قبل الشعب ممثلا في أحزابه الأمة وجبهة الميناق بحكم توجهه الشيوعي، قام الإنقلابيون بمساعدة الطيران المصري بضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي بحجة معارضتهم لنظام مايو وفق ميثاق طرابلس للدفاع المشترك بين السودان وليبيا ومصر. كان المسئول المباشر على الطيران الحربي المصري حسني مبارك الرئيس الحالي لمصر. كانت حصيلة ذلك الهجوم 12 ألف قتيل من بينهم إمام الأنصار الهادي المهدي والذي قتل وهو في طريقه مغادرا السودان من ناحية الشرق .1 يصف محمد أحمد محجوب الدور المصري في قصف الجزيرة أبا بقوله “في 27 آذار أمر طائرات الميغ بقصف الجزيرة بالصواريخ، وفي ذلك الوقت لم يكن السودان يملك طائرات ميغ ولا طيارين يستطيعون قيادتها. مما جعل الكثيرين مقتنعين بأن القصف جرى بطائرات مصرية وطيارين مصريين “. ويؤكد قوله ببيان صادر من وزارة الخارجية الليبية .2

بعد ضرب الجزيرة وصلت الكثير من برقيات التأييد لضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي بينما خرج الشيوعيون في مظاهرات صاخبة تأييدا “للثورة الظافرة”. فمثلا أرسل عبد الخالق محجوب بيانا مؤيدا ما حدث للأنصار جاء فيه “إن تصاعد الصراع السياسي والطبقي في بلادنا والذي اتخذ من الجزيرة أبا وودنوباوي مسرحا له ليس أمرا عابرا لأننا قد إستقبلنا بالفعل نقطة في تطور الحركة السودانية … نستطيع أن نقول بأنه قد وجهت ضربة قاضية للتنظيم المسلح الرجعي في بلادنا، الضربة أنزلت بمجموع قوى اليمين في بلادنا ساحقة وأضعفت فعاليتها وقدرتها … إن أي تقليل من شأن ما جرى يؤدي إلى التقليل أيضا من فرص العمل الثوري ومكانته في هذه الظروف وإن الضربة التي وجهت للتنظيم تفتح السبل أكثر من أي وقت مضى نحو حركة الجماعة الثورية بصورة حاسمة وفي مستويات أعلى الدرجات مما كانت عليه قبل معركتي أبا وودنوباوي كما يؤدي إلى تعاظم دور الحزب الشيوعي السوداني في الحياة السياسية “3! هذا هو موقف الحزب الشيوعي وزعيمه في الأنصار وحزب الأمة والذي يؤكد على ضرورة تصفيتهم جسديا حتى يتعاظم دور الحركة الشيوعية ودور الحزب الشيوعي في السودان. وهو إتجاه عكس ما ينادي به الحزب في أدبياته والتي دائما تكتب أو تنقح بعد وقوع الأحداث والتأكد من خطئها كما جاء في مجلة (الشيوعي) “أن تحرير الجماهير العاملة من نفوذ الطبقات الرجعية لا يتم بقرار إداري تصدره السلطة .. (و) أن التنظيمات الديمقراطية ليست أجهزة رسمية، بل أدوات شعبية في يد الجماهير، ويجب أن تظل كذلك، وقد ناضل الحزب الشيوعي في كل الظروف لتحافظ تلك التنظيمات على هذه الصفة “(م / الشيوعي، ع / 134).

ضرب الجزيرة أبا من قبل الطائرات المصرية لم يتم توثيقه من قبل الصحافة وقتئذ فقد ضرب على الجزيرة أبا حصار من قبل أجهزة الأمن لمنع أي تسجيل إعلامي لما حدث ولكن الكثيرين ممن عايش تلك الأحداث ما زال على قيد الحياة وكان من الممكن الإتصال بهم لمعرفة الحقيقة. وأخيرا بدأت تظهر بعض الحقائق فمثلا الصحفي إدريس حسن بصحيفة الأيام بعد ثلاثة أيام من مجزرة الجزيرة أبا وفي يوم 1970/03/04 كتب يقول “ليس هناك آثار لدمار أو خراب وليس هناك بقايا لآثار معارك عنيفة فإن قوات الأمن لم تستعمل إلا أقل قدر من العنف وهي تستولي على الجزيرة، المنازل قائمة في أماكنها، المواطنون الذين لم يشتركوا في المؤامرة يعيشون حياتهم العادية في بيوتهم ويتجولون في قراهم) (البادي ص 104). هنا يتجلى تهاون قيادات حزب الأمة والأنصار في معرفة الحقيقة. فقد كان من المتوقع أن يقف الحزب لمتابعة من شارك في تلك الأحداث من الجيش وأجهزة الأمن خاصة الذين شاركوا فيها بصورة مباشرة.

هذه الرواية التي يحكيها الصحفي إدريس في جريدة الأيام لم تكن هي الحقيقة وقد كشف هو نفسه عن شهادته الكاذبة التي أدلى بها في ذلك الوقت بعد 40 عاما. ففي مقابلة تلفزيونية بقناة النيل الأزرق (ببرنامج حتى تكتمل الصورة في 14/6) يقول “إنهم حينما ذهبوا لزيارة أبا حجزوهم خارجها ساعات طويلة ولم يسمحوا لهم بالدخول في الحال، وأنه حينما استفسر بعدها بزمان من أحد الضباط المسئولين (التاج حمد) حول سبب ذلك التأخير قال له: كنا مشغولين بدفن الناس بالجرافات وقد كانت أعدادهم مهولة “نقلا عن رباح الصادق صحيفة الأحداث في يوم الثلاثاء 22 يونيو 2010 م.

هذا الإعتراف الصريح من الصحفي جاء بعد أربعين عاما أي بعد واحد وعشرين عاما من سقوط حكومات حزب الأمة الخمسة. وحتى بعد معرفة هذه الحقيقة كان يجب على الذين تهمهم تلك الأحداث ومعرفة ما جرى خاصة الباحثين في الجامعات ومراكز البحوث العمل على دراسة تلك الفترة. إن الكثيرين من الضباط والصحفيين ما زالوا على قيد الحياة وبالتالي فمن الممكن معرفة الحقيقة كاملة بدأ بدور الأجهزة الأمنية وانتهاءا بالجهات الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية. أقول من الذين تهمهم تلك الأحداث وأقصد تحديدا حزب الأمة ولكن كما عودنا هذا الحزب أنه لا يهتم بتاريخه إن لم يكن مرتبطا مباشرة بإسرة الإمام المهدي خاصة أنه قد تم تكريم للإمام الهادي ونقل رفاته من المكان الذي قتل فيه بشرق السودان وتمت إعادة دفنه في قبة الإمام المهدي بأمدرمان. بينما تم إهمال بقية الشهداء من الأنصار حتى من ذكر أسمائهم عندما تم التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية بالمدرسة الأهلية حينما عرض الشيوعيون صور زملائهم الذين قتلوا بعد 19 يوليو حين قاموا بإنقلابهم على جعفر نميري. والغريب في الأمر أن من تم وضع صورهم هم أنفسهم الذين أيدو ضرب الجزيرة أبا وهللوا لها كما قال عبد الخالق محجوب رئيس الحزب الشيوعي. فهل هناك إهانة للأنصار توجه لهم من قادة حزب الأمة أكثر من أن تهمل مجاهداتهم وتنسى بينما توضع صور الذين قاموا بقتلهم وتدميرهم بإعتبار أنهم شهداء

اسمحوا لي أن أعيد نشر هذه الفقرة التي وردت في مقال للدكتور فيصل عبدالرحمن على طه والذي تناول فيه التعليق على بيان حزب الأمة حول تلك الأحداث حيث وثق في هذه المقالة فقرة وردت على لسان المستر ريتشيرز المفوض الانجليزي التجاري والتي قال فيها (إن حوادث أول مارس أثبتت للحكومة إن سعيها للوحدة مع مصر سيكون ضربا من الانتحار لان الأنصار سيقاومونه وان حوادث اول مارس أوحت لهم إن أسلم الطرق الابتعاد عن مصر وبذلك يتلاشى خطر قيام الأنصار بثورة)

بهذا انتهى مقال الدكتور عبدالله محمد قسم السيد وفيما يلي تعقيب على ما ورد في هذا الجزء

أولا لا بد من وقفة مع حديث الدكتور منصور خالد والذي قال فيه إن تسليم عبدالله خليل السلطة للجيش أفضل من الديمقراطية فهل كان وهو مدير مكتب عبدالله خليل أن يقول غير ذلك وهو شريك في الخسارة التي ستلحق بعبدالله خليل من الممارسة الديمقراطية بعد توحد حزب الأغلبية كما إن مواقف الدكتور نفسه جاءت متناقضة تاريخيا فهو نفسه كان حليفا لمايو وشريكا في السلطة ولما خسر موقعه كأهم مستشار لرئيس الانقلاب جعفر نميرى انقلب على الانقلاب رافعا راية مكافحة الدكتاتورية وأصبح من دعاة الديمقراطية وهذا يؤكد ان مواقفه كشأن قياداتنا تمليها المصالح الشخصية.

وهذا نفس ما فعله الإمام الهادي الذي أورد الدكتور نص خطابه لعبدالناصر الذي أدان فيه الانقلاب لأنه صادر الحريات وسجن الناس والإمام محق في ذلك فهذه هي شيم الانقلابات العسكرية أن تصادر الحريات وان تسجن وتصفى مخالفيها الرأي فلماذا لم يكن هذا موقف الإمام من انقلاب حزب الأمة في نوفمبر الذي صادر الحريات وسجن الناس وفى عهده تمت تصفية الكثيرين من العسكر الذين رفضوا إقحام الجيش فى السلطة (على حامد وشنان من العسكر والقرشي من المدنيين) ولماذا لم يخاطب رئيس أمريكا التي كانت متهمة بالوقوف خلف الانقلاب والذي جاء على رأس قراراته قبول المعونة الأمريكية كما خاطب مصر .

ثانيا: لا اختلف مع الدكتور حول ما جاء في تعقيبه عن مساوئ الانقلابات العسكرية وما تعنيه من تعدى على حقوق الآخرين لدرجة تصفيتهم فالانقلابات كلها وأيا كانت المبررات فهي ضد الديمقراطية فلولا هذا لما كان الانقلاب ولا استثناء لاي منها سواء كان في نوفمبر 58 أو مايو أو 69 89 يونيو ويجب أن تكون المواقف الرافضة لها مبدئيا لا تتناقض فى مواقفها منها ومن سبق له المشاركة في بعضها أو تأييدها يجب أن يعود لكلمة الحق ويعترف بانه ساهم في هذا الجرم وأنا شخصيا أقول هذا وأنا احد المعنيين بالحديث لأنني خلال انتمائي للحزب الشيوعي كنت من مؤيدي انقلاب مايو تمشيا مع موقف الحزب وهو ما اعتبرته في مقالة سابقة خطأ اعتذر عنه يوم شاركت في تأييد الاعتداء على الديمقراطية وان كان تأييدي ى له بسبب انتمائي لحزب ارتبط بالانقلاب ولا ترفض نظريته الدكتاتورية حتى لو كانت للطبقة العاملة ولكن لا افهم أن يصدر حديث الإدانة لمايو من الدكتور عبدالله الذي سعى لتبرير انقلاب نوفمبر الذي لا يختلف عن مايو ويونيو واعتباره موقفا وطنيا وهو رأس الحية الذي عبد الطريق لكل الانقلابات. فهذا هو مأخذي ى على ما جاء في مقالة الدكتور لأنه يتسم بالتناقض.

ثالثا: اخذ على الدكتور عبدالله والذي أصر في تناوله للأحداث التي شهدها السودان أن يحمل كل سوءاتها لمصر دون غيرها وهو يعلم أنها واحدة من سوءات المرحلة ولكن أين شركائها من الجبهات الأخرى أجنبية ومحلية

رابعا: الدكتور فى حملته العنيفة على مصر التي يبدو إن له موقفا مبدئيا منها حملها وقائع ليست طرفا فيها كما صور في مقالته فمصر ليست هي التي خططت لانقلاب مايو وان ارتبطت به بعد نجاحه ولعبت دورا في استقراره و وشاركت في أحداث الجزيرة أبا حيث إن ما أشار اليهم من شخصيات لها ارتباط بمصر وأنها كانت حلقة الوصل بين الانقلاب ومصر فبابكر عوض الله ومحمدعبد الحليم وغيرهم فإنهم لم يكونوا من المخططين للانقلاب وان أصبح لهم دور فيه بعد ذلك فانقلاب مايو خططت له مجموعة من الضباط لا يمتون بأي صلة لمصر أو لأي ى حزب سياسي في مطلع عام 67 وبابكر عوض الله لم يكن بينهم اذكر منهم تحديدا الرواد خالد حسن عباس ومامون عوض ابوزيد وابوالقاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد احمد عبدالقادر وفاروق حمد الله ومرسى ويعقوب – وانا شخصيا شاهدا على تلك الفترة – وليس بينهم من له ارتباط بمصر ولم يكن النميرى نفسه واحدا منهم وقتها بل كان واحدا من ثلاثة مرشحين رشحهم مخططو الانقلاب لاختيار قائدا لهم من بين قائمة ضمت احمد الشريف الحبيب والرشيد نور الدين واستقر أخيرا رأيهم على النميرى ليصبح حينئذ فقط طرفا أساسيا بينهم وقائدا لهم من منتصف عام 67 ثم جاء في وقت لاحق اختيارهم لبابكر عوض الله بسبب موقفه في ثورة أكتوبر وهو من قادة العصيان المدني بجانب مولانا عبدالمجيد إمام وموقفه من طرد نواب الحزب الشيوعي لما رفضت الحكومة حكم المحكمة الدستورية ببطلان قرار طردهم فهذا ما رشح شخصيته كرجل مدني صاحب مواقف وطنية وليس لارتباطه بمؤامرة مصرية بل لم يكن معروفا عنه يومها انه رجل انقلابات بل لم يظهر إلا مدافعا عن الديمقراطية ضد دكتاتورية نوفمبر وهو الانقلاب الذي ارتبط به اكبر حلفاء مصر المراغنة وأتباعهم

خامسا: اتخذ الدكتور من تأييد الميرغنى للانقلاب في يومه الأول دليلا على أنها مؤامرة مصرية لما يجمع المراغنة بمصر ولكن هل يكون تأييد الميرغنى للانقلاب دليلا على تآمر مصر أليس هم المراغنة أنفسهم الذين ايدوا انقلاب نوفمبر الذي كان مؤامرة من رئيس حكومة حزب الأمة فهل كان انقلاب حزب الأمة الذي أيدوه مؤامرة مصرية وهل انقلاب يونيو 89 الذي أصبح المراغنة اكبر حلفائه ومشاركين فيه هل هو مؤامرة مصرية أم أن الحقيقة تقول أن الطائفتين درجوا على الارتباط بكل الانقلابات لان مصالحهم هي التي تحكم مواقفهم لهذا ليس هناك انقلاب لم تؤيده الطائفية أو تتحالف معه في واحدة من مراحله فحتى انقلاب مايو الذي وصفه الدكتور بأنه مؤامرة مصرية فان ا حزب الأمة ألد أعداء مصر أصبح من حلفائه بعد المصالحة مع انه الانقلاب الذي صفى أمامه في أحداث الجزيرة أبا وهو نفس النظام الذي صفى قيادات الحزب الشيوعي وحظي بتأييد حزب الأمة على هذه التصفية وهذا ما يؤكد يا دكتور علة الحكم الوطني حيث يتعين علينا جميعا أن ندين التصفيات التي تعرضت لها كل القوى السياسية بدون فرز في كل الانقلابات التي شهدها السودان بدلا من أن تكون إدانتنا حسب التصنيف السياسي. .

سادسا: إذا كان الانقلاب من صنع مصر وان بنك مصر تحت إدارة محمد عبدالحليم موله فكيف إذن كان هذا البنك من أوائل ضحاياه بين البنوك التي أممها الانقلاب في أول عام له وفى احتفاله بأول عام له في 25 مايو 70 وكان حضورا فيه عبدالناصر رئيس مصر فهل يؤمم الانقلاب مموله

ثامنا: الأستاذ شوقي ملاسى ليس المرجعية حتى يعتمد على ما ورد في مذكراته التي رفضها رفقاء دربه من مؤسسي حركة البعث والقوى الاشتراكية العربية وبعضهم اصدر ما يدحض مذكراته وعلى رأسهم مولانا اسحق القاسم شداد

سابعا: تعرض الدكتور لما أوردته عن صلاح سالم وأظنه لم يفهم مقصدي فانا لم أعنى به تصفية الجنوب عنصريا ولكنى رأيت بان عدم ممانعة المصريين في التزاوج من الجنوبيين كما هو حال الشماليين فانه سيقارب الشقة بين السودانيين الذين كان تعنصرهم حتى بين القبائل العربية يقف حاجزا ضد التزاوج بينهم وهو ما يضر بالانصهار الاجتماعي بين أبناء البلد الواحد وهو ما يحتاجه السودان لترسيخ وحدته والتي كان سيرسخها لو تحقق.

خلاصة القول فان الوقائع التي قدمها الدكتور والتي أراها في غاية الأهمية والتي لم يعيبها إلا رؤيته الاستنتاجية لدعم نظريته وموقفه من مصر الذي استهدف تحميلها كل ما لحق بالسودان والحقيقة إن ما لحق بالسودان هو فشل القوى السياسية السودانية بلا استثناء من الطائفية والعقائدية اليسارية الإسلامية ولا مخرج للسودان من أزماته إلا بكنس هذه القوى من الخارطة السياسية واستخلاص العبر من تاريخ إفشالها للحكم الوطني. وان تحل بديلا لها أحزاب سياسية تقوم على مؤسسات ديمقراطية. تحت ظل قانون فاصل وحاسم يضمن الممارسة الديمقراطية في أحزاب غير عنصرية أو جهوية أو طائفية أو تحمل أي دعاوى دينية أو عقائدية من إسلامية وشيوعية وبعثية وناصرية والتأكيد على عضويتها المفتوحة والتدرج من مؤتمراتها القاعدية حتى المؤتمر العام تحت الرقابة القضائية ومسجل الأحزاب على أن يحظر قانون الأحزاب الممارسات السياسية في دور الطوائف والطرق الصوفية والمساجد وكل من يخل بهذا يجمد من أي ممارسة سياسية

بهذا اختتم وقفتي مع مقالة الدكتور عبدالله محمد قسم السيد.

بالفعل على تويتر؟

بعيداً عن مقالة الدكتور عبد الله فلقد اطلعت على تعقيب للأستاذ محمد عروة قال فيه انه كان أفضل للسودان لو حقق استقلاله تحت التاج البريطاني واكتسب عضوية الكمنولث فهذا أفضل من ن الواقع الذي عاشه تحت الحكم الوطني واراه معذور فيما ذهب إليه فالحكم الوطني محبط ولكن الحقيقة إن امتلكنا الشجاعة لنعترف بها إننا شعب غير راشد العقل ولو كان للعالم راعى نأمنه لكان أولى أن نكون تحت رعايته حتى نبلغ سن الرشد وعلى العموم خروج الانجليز لم يكن لمصلحة الشعب لأنه لم يتحقق في الوقت المناسب وبالطريق الأنسب.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..