الـمـطـابـخ فـارغـة ، أيـن الـسـكـاكـيـن ؟

جاءت جائزة البوكر هذا العام ومنطقة الشرق الأوسط لم تختلف تركيبتها عن أعوام خلت ، حروب ونزوح ، قتل ودمار وموت مجانى ، صمت وجهل وغياب لفئات كبرى وأغنيات حزينة ، برغم أن الزمن لم يسعفنى للأطلاع على الرواية الفائزة ” فرانكشتاين فى بغداد ” إلا أن الحظ الذى منحه لى الوقت كان كافياً لأستغرق فى أخرى وصلت للقائمة القصيرة وهى رواية ” لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة ” للكاتب السورى ” خالد خليفة ” ، هذا الرجل وبرغم وطئة الأهوال التى تعيشها سوريا منذ ما يقارب الثلاث سنوات لايزال باقياً بها فى مدينته الحبيبة ” حلب ” وفى ذات المدينة تدور أحداث روايته قبل بدء الأحداث السورية الأخيرة ، يعرف جيداً أن الموت تسلل لها مبكراً لذا نجده يحكى قصة إنهيار الأنسانية بكاملها عبر فصولها ، حين تقرأ لـ” خليفة ” تشعر بصدمة عنيفة وغضب حقيقى ففى رواية أخرى له ” مديح الكراهية ” الفائزة بجائزة البوكر لعام 2008م والتى أستغرق فى كتابتها لمدة أكثر من 10 سنوات تبقى مذهولاً لفترة من هذا الواقع الصادم ، كأنه تنبأ فيها بهذا الصراع المسلح بين حزب البعث هنالك والجماعات الأسلامية ومع ذلك تتسائل من المخطئ ومن المصيب فى وقتٍ غدت فيه الكراهية مصدراً للإحتفاء لمن يعى وليس فيما يتعلق بالعوام الذين لا يدركون ماهية الأشياء ، فهم مصدر الشرور جميعها كما حذر منهم طبيبى الفيلسوف ” أبن رشد ” .
لنعد لهذه المطابخ الفارغة ، ونطالع الصحف اليومية الرتيبة التى حملت خبراً مفاده أن رجلاً قتل أسرته جميعها وحمل سكيناً ليشرع فى قتل نفسه وحين تجمهر الناس حوله للمشاهدة نظر إليهم قائلاَ : الا توجد سكاكين فى مطابخ هذه المدينة ؟ ، سؤال سيبدو للوهلة الأولى عادى جداً ” بالنسبة للعوام أينما وجدوا ” لكن ” خليفة ” والذى جعل من هذه الجملة عنواناً لروايته أختصر فيها مأساة الأنسانية جميعها عبر حياة أسرة تعيش الموت فى كل لحظة وهى لا تدركه ، فالأم تخلصت من عبئها وعارها حين دفنت أبنتها الصغيرة لأنها كانت مصابة بمرض عقلى وبقى بقية الأبناء يذهبون لزيارة قبرها بين حين وآخر حين تشتد بهم نوازل الحياة برغم أن ملامحها ضاعت فى متاهات الذاكرة ، لا نعيش هنا حياة منفصلة بل متوازية مع الأشياء جميعها حتى تصبح القرارات كأنها صنيعة القدر وحده ، يا للعبث الذى لا نكتفى بالتعرف عليه بل نعيشه يومياً لكن التعايش معه يصعب شيئاً فشيئاً حين تدرك ماهيته ومع ذلك لن يكون فى مقدروك التوقف بل ستمضى طالماً أنك لا ترى هذا التداعى ، وطالما أن مطبخك فارغ من الأدوات الحادة .
التغير الكبير الذى يطرأ على الشخوص خلال مسيرتهم يجعلهم أشبه بالدمى المتحركة ، العاقل وحده لا يوجه إنتقادات وعتاب لأن التفاصيل الصغيرة يصعب تعقبها مهما تداعت فى التحليل والسرد وأن هى شكلت محطات فاصلة فى حياة الأفراد فكيف لها أن تكون سبباً فى تغيير حياتهم ومصائرهم هكذا ، من يرسم هذا الطريق ؟ سؤال ستطرحه حين تتعقبهم ولكن فى برهة من الزمن قد تتوقف عن طرح الأسئلة فالله موجود وأنا موجود وهؤلاء الغرباء ، من يمسك خيوط اللعبة ومن ذا الذى يولى دبره هرباً ؟ .
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أصبحت الحياة كالطاحونة يطحن فيها بعضنا البعض من اجل البقاء.. التحولات التي يششهدها العالم حتمت على الانسان رغما عنه أن يغير معايير سلوكه وقيمه ليتعايش مع واقع غارق في المادية حيث لامكان لتنافس الشريف لامكان لاي قيم انسانية تنظم السلوك البشري الذي اوصل الجنس البشري الى مرحلة متأخرة جدا من تاريخ تطور وجوده لذلك يظل هذا الجنس البشري نوع غريب من الكائنات الحية من الصعب ترويضه أوالتعامل معه.
    (فنان تشكيلي)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..