انفجار فى عصر الشعوب و ليس نهاية التاريخ اا

انفجار فى عصر الشعوب و ليس نهاية التاريخ

سعاد سيد بيومى ابو زيد
[email protected]

السؤال هو هل العفوية فقط القادرة على أحداث التغيير الثوري ؟في رائي أنها تساعد على أثبات الدور الاساسى للتنظيم في تحقيق الأهداف الثورية وحسب التعريف أن غير المنظمين هم الذين يثورون بشكل عفوي فالثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر وثورة الصين روسيا في القرن العشرين كانت قائمة على ألانتفاضه ألشعبيه العفوية الضخمة للفلاحين فهجومهم على البني صاحبة الامتياز في مجتمع زراعي كان عبارة عن شد زناد الانتفاضات في المدن وبالتالي وضع الأسس لتنظيم ثوري ثابت . إن الانتفاضة العفوية شيء لا يمكن التنبؤ به والدليل على ذلك فشل دعاة العفوية في إحداث انتفاضات عفويه يعتبرونها شيئا أساسيا للثورات (بلان- باكونين- سوريل ?لوكسمبورغ- دانييل كوهن- بيندت) فدعوات بلان المتكررة لحرفيي باريس وعمالها للثورة وقعت على آذان صم ومع ذلك فان هذه الطبقات نفسها وبدون عون من زعماء ثوريين أو إيديولوجيه انتفضت بشكل عفوي للاطاحه بملكية آل بوربون فى 1830 والملكية الاورليانزيه فى 1848 ونويس ?نابليون فى 1870 والطبقات الاجتماعية نفسها وبنفس القدر من العفوية هاجمت السلطات الملكية من كوبنهاجن الى باليرمو ومن باريس الى بودابست وذلك فى ثورات 1848 .ورغم الادعاءات فان ثورة شباط الروسيه كانت عفويه .وإضرابات النمسا الصناعية 1918 كانت عفويه وفى المجر وفى كل مناطق الرور وسيليزيا العليا وفى المانيا الوسطى وفى شنغهاى 1925 وفى فيينا 1927 وفى اعقاب الفوز الانتخابي للجبهه الشعبيه الممثله لليسار الفرنسى عام 1936 أشعلت الطبقه العاملة الفرنسيه إضرابا عاما ابتداء من باريس مكتسحا الأقاليم عائدا مره اخرى الى باريس معبئا العمال والفلاحين والطبقات الحرفية المدنية وفى تشيكوسلوفاكيا والمانيا الشرقية في عام 1953 وفى هنغاريا 1956 وفى بولندا 1956, 1970, 1980 قام العمال بالإضراب عفويا احتجاجا على الأجور المنخفضة وارتفاع الأسعار وللتعبير عن عدائهم للنظام القائم
ولكن عندما أصبح العمال أفضل تنظيما وأحسوا بأنهم ممثلين في الحكومة عن طريق أحزاب الطبقة العاملة فان إمكانياتهم للعمل الجماعي العفوي أخذت في النقصان وعندما يكونون مستنفرين فان ذلك غالبا ما يكون تبعا لعمل الطلاب العفوي .ففي باريس عام 1968 أدى عنف البوليس الذي حذر الطلاب المستمرين في مقاومة السلطة إلى جذب العمال إلى الصراع ,بالرغم من اعتراضات الحزب الشيوعي الفرنسي واتحاد العمال وفى هنغاريا 1956 كانت البطولات المبدئية لطلاب بودابست أيضا هي التي استنفرت النشاط الثوري للعمال ومن ثم الفلاحين وفى شنغهاى وهونغ كونغ 1925 كان العمال هم البادئين بالعمل إلا أن الطلاب وسعوا مدى الحركة باللجؤ الى مظاهرات الشوارع والمبادرة في مقاطعة السلع والخدمات البريطانية
وعندما تكون إمكانية المجتمع الثورية متدنية بشكل خاص وعندما لا يكون في متناول الطلاب اى مجال مؤسساتي للتعبير عن مصالحهم فان العمل الجماعي للطلاب غالبا ما يكون عفويا والعمل العفوي للفلاحين والعمال والطلاب من الممكن إن يكون مستحثا بالعديد من الإحداث والظروف- بطالة ،تضخم، أزمة سياسيه، انفجار عفوي للمهمشين والأقليات إذن فان العمل العفوي للجمهور ليس بالضرورة هادفا إلى تغير ثوري ،ولكنه قد يكون في سبيل التعبير عن شكاوى آنية فقط ويبقى للزعماء الثوريين والايديولوجيه والأحداث المتتالية إعطاء الحركة هدفا اشمل واتجاها ثوريا
كقاعدة فان الانفجارات العفوية تبدأ عندما يكون اهتمام الشعب منصبا على حدث اساسى مرافق لنوع من المواجهة مع السلطة أو عاقبا مباشرا لها ففي دراسة لسبع وستين مظاهرة ضد العنصرية في الولايات المتحدة وجد أن اثنين وخمسين منها كانت عقب صدام عنصري كذلك انتشار الخبر وخطوط المواصلات ووسائل الترفيه المتاحة ودور الاتصالات العامة وكذلك فرص الاتصال المباشر وجها لوجه كل هذه الأمور من الممكن أن تؤثر على تعبئة الجماهير للعمل الجماعي مما يفعل المشاركة الوجدانية والتلاحم والتضامن الذي يأخذ في النشؤ ويكف المشارك عن الاحتجاج ، في النظر إلى نفسه على أساس انه فرد في بنيه اجتماعية مفككه ويبدأ وبشكل متزايد في محاكاة الآخرين ويصبح منقادا بالقوة الإيحائية للمشاركة الجماعية فلم يكن من المهم احيوا أم ماتوا شيء واحد يدخل في الاعتبار هو الحصول على دعم قوى فيقومون أولا بالاستيلاء على الأسلحة من الشرطة والهجوم على رموز السلطة الأكثر وضوحا ،مكتب جمع الضرائب،عزبة السيد، مراكز التجنيد العسكري، مركز للشرطة أو ثكنة عسكرية حيث سلطة النظام واضحة بشكل اكبر وحيث السلاح والذخيرة مخزونه كما حدث في (الباستيل)
إن قياس نظامية الجمهور الجماعية وهدفه السياسي إنما يكون عبر رفضه للمشاركة في العنف العشوائي والسلب العام ،ففي انتفاضة بودابست قام الجمهور بالهجوم على محطة الراديو في سبيل إذاعة مطالبه كما قاموا بالهجوم على تمثال ستالين وكسروه كما انه هاجم مراكز للشرطة واعدم أعضاء معروفين من الشرطة السرية المكروهة إلا إن أهداف الجمهور كانت ذات طبيعة انتقائية ولم يكن هنالك سلب ولا تدمير للمتاجر ولا خروج عام على النظامية كما إن الجماهير لم تبدى حتى اضطهادا عشوائيا للشيوعيين . تبين هذه الامثله إن الجمهور في حالة التمرد العفوي ليس بالكامل مبعثرا بلا دليل أو اتجاه .إن جزءا مهما من تاريخ الحركات الثورية ذات القاعدة الجماهيرية هو القصة غير المكتوبة وغير المروية للأفراد الذين كانت لديهم القدرة على رؤية ما يجب أن يفعله والمبادرون في ذلك .من هم العمال الذين كانوا أول من بادر في ثورة 1905 الروسية و أول من قرر ضرورة التنظيم و انتخاب مندوبين إلى مجالس سوفيت العمال ؟ والرجال والنساء في ثورة فبراير 1917 الذين تآخوا مع الجنود وحولوهم بالتالي إلى صف الشعب؟ ففي الثورة الهنغارية 1956 قام مقاتلو الشوارع بتنظيم أنفسهم إلى جماعات وأوكلوا إلى كل جماعة عملا عسكريا معينا .وبالاستفادة من تجربة مجالس العمال في يوغسلافيا وتجربة البلاشفة مع مجالس السوفيت ،قام العمال في هنغاريا وبولندا عام1956 بإنشاء مجالسهم العمالية الخاصة بل وفى هنغاريا طوروا مجلسا للتنسيق لعموم البلدان . ولكن من كان صاحب المبادرة في هذه المجهودان التنظيمية ؟وفى باريس فيما لا يقل عن ست حالات من النشاط الثوري العفوي بين عامي 1789و1968 ومن كان مسؤلا عن تنظيم إنشاء متاريس الشوارع من احتلال المصانع، نقل الطعام ،البطانيات والمواد الطبية ،شبكة المخابرات التي جعلت الجمهور مدركا لتحركات الشرطة والجيش؟ إن تلك الجماهير الغاضبة هي النواة الاساسيه والهامة والمركزية التي تتولى مثل هذه الأعمال الاوليه ، إلا أن الدافع إلى شكل أولى من التنظيم ، حتى في حالة التمرد العفوي يوضح استحالة تدمير بنيه سائدة معينه بدون إقامة بنيه أخرى مكانها.
إن الثورة في هنغاريا 1956 وفى فرنسا 1968 قد تكون أفضل تأكيدا على إصرار روزا لوكسمبورغ على القوة الخلاقة للثورة العفوية فهي ترى أن الزعماء والتنظيمات الثورية متخلفة بشكل حتمي عن الأحداث وينقصها الإبداع الملازم للجماهير ألمعبئه بفعل قوتها الخاصة ،وقد كانت مصيبة . إلا أن كلا الثورتين فى هنغاريا وفى فرنسا أخفقت وذلك مثل العديد من الثورات التي افتقرت إلى وسائل لتنسيق الحركة الثورية فيما بعد انفجارها الثوري الأول .فالجماهير بنفسها وحتى بالتحالف الذي تفرضه الاحداث بين الفلاحين المستولين على الأرض،والعمال المحتلين للمصانع ،والطلاب فى الشوارع غير قادرة على تحقيق التغيير الثوري ،فألعفويه قد تدل على القوه الكامنة للمشاعر الثورية ،إلا أن التنظيم وحده هو القادر على إعطائها أثرا باقيا .

سعاد سيد بيومي ابوزيد
كاتبة سودانية
e-mail:[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..