قراءة في أهداف مجلة جديدة في عالم العقلانية “العقلاني “

قراءة في أهداف مجلة جديدة في عالم العقلانية: “العقلاني”
تسلمت العدد الأول من المجلة الجديدة “العقلاني من مديرها المسؤول الأستاذ الدكتور محمد محمود (السودان)، وهو شخصية علمية وباحث أكاديمي وكاتب وصاحب كتاب “نبوة محمد”، الذي أصبح حديث ونقاش واسعين بين مثقفي الدول العربية في الداخل والخارج، كما كتب عنه الكثير، وهو كتاب مثير للجدل ومنشط للفكر. تصدر هذه المجلة غير الدورية بلندن وهدفها، كما جاء على غلافها، ترسيخ رؤية عقلانية وقيم أخلاقية إنسانية” بين الشعوب العربية وقراء العربية من غير العرب. وبعد مطالعتي للدراستين اللتين تضمنتهما المجلة، يمكنني اعتبارها رقماً مهماً وحيوياً وضرورياً جداً في عالمنا الراهن حيث تنتشر فيه الرؤى غير العقلانية وتهيمن على ساحة النشر الفكري والسياسي في العالمين العربي والإسلامي وفي سوق الكتب والمجلات والصحف على نحو خاص. إنها رقم كبير على يمين المجلات التي تصدر في منطقة الشرق الأوسط وباللغة العربية، وهي بالتالي إضافة نوعية، إذ إن العالم العربي بحاجة ماسة إلى مثل هذه المعالجات العلمية لقضايا الدين من منطلق النقد الموضوعي والهادف والفاعل.
صدر العدد الأول من مجلة “العقلاني” في آذار/مارس 2014، بقطع صغير أشبه من حيث الحجم بكتب الجيب. واشتمل العدد على دراستين مهمتين: الأولى للأستاذ الدكتور محمد محمود بعنوان “قصة الخلق والعصيان في القرآن: غياب حواء ومركزية إبليس”. وهي دراسة قيمة وتحتاج إلى قراءة خاصة لها. أما الدراسة الثانية فهي للباحث والأكاديمي والكاتب الأمريكي الأستاذ الدكتور دانيال بالز بعنوان “نظريات الأديان: الأرواحية والسحر. وهو صاحب كتاب “المدخل في الدين” و “ثماني نظريات للأديان” وكتب أخرى. ويهمني اليوم أن استعرض بشيء من التكثيف المقدمة المكثفة التي كتبها الأستاذ الدكتور محمد محمود لتوضيح وجهة مجلة العقلاني ومهمتها في المجتمعات العربية من حيث النشر والمعالجات الفكرية.
يطرح الدكتور محمد محمود مسألتين تبدوان متناقضتين هما نهوض محسوس في الوعي في العالمين العربي والإسلامي من جهة وبشكل خاص بين الشباب والشابات، وصعود للإسلام في الكثير من البلاد العربية والإسلامية من جهة أخرى. هذه الظاهرة التي رصدها الكاتب صحيحة وناشئة بفعل عوامل كثيرة داخلية وخارجية في عالمنا المعاصر، وتحمل معها تركة الماضي والحالة الراهنة. ويعود هذا النهوض المحسوس في الوعي بشكل أساسي ومهم إلى أن هذا الصعود المشوه للإسلام مرتبط بالوعي المزيف الذي ما تزال تحمله الغالبية العظمى من بنات وأبناء المجتمعات العربية والدول ذات الأكثرية المسلمة، إسلامي اضطهادي، قسري وقهري ويجسد الرؤية الشمولية في الإسلام ولدى قوى الإسلام السياسي والتربية الإسلامية والرغبة الجامحة في الهيمنة على الإنسان وعقله ووجهة تفكيره وفرض القيود عليه وزيادة المحرمات التي تفرض على سلوك الإنسان الفردي والجمعي، مما يولد رغبة متصاعدة لدى الشبيبة في الإطلاع والمقارنة والرفض والتمرد. وهي عملية، أو سيرورة وصيرورة، معقدة وطويلة الأمد ومحفوفة بمصاعب كبيرة لأنها تواجه: مجموعة من العوامل السلبية الفاعلة:
1 . النظم السياسية الرجعية السائدة في الدول العربية والدول ذات الأكثرية الإسلامية التي تحاول منافسة قوى الإسلام السياسي في نشر الوعي والتربية المزيفين والتي تمارس القمع ومختلف صور التهديد والتعذيب ضد منتقدي الدين. ولا شك في أن هذه النظم مهورة أو منخورة من الداخل وتسعى للبقاء بما تمارسه من أساليب عدوانية وقهرية ضد المتنورين من أبناء وبنات المجتمع.
2 . المؤسسات الدينية بمختلف مذاهبها التي تحاول السيطرة على فكر الناس ومواجهة التفتح الذهني ونقد الفكر الديني والدين في آن وتتهم المساهمين فيه بالفكر والزندقة والهرطقة وما إلى ذلك، والتي قادت وتقود إلى عواقب وخيمة للمفكرين والباحثين في حركة النقد الديني!
3 . التراث الإسلامي في جوانبه السلبية والتركة الثقيلة للقرون المنصرمة التي تركت عاداتها وتقاليدها وطقوسها المتخلفة في ذهن وممارسات الإنسان.
ورغم وجود خلافات معينة بين القوى في العامل الأول والقوى في العامل الثاني، فإنها تلتقي وتتحالف في سياساتها ومواقفها ضد القوى المستنيرة والناقدة للدين والفكر الديني.
ورغم كل ذلك فأن العصر الذي نعيش فيه، عصر الثورة المعلوماتية والاتصالات، عصر العولمة، بالرغم من طبيعتها غير المتكافئة وغير المتوازنة المرتبطة بالقوانين الاقتصادية الفاعلة فيها، قوانين التطور الرأسمالي، قد فتح الأبواب على مصراعيها أمام الشبيبة للاطلاع والتزود بالمعرفة وإجراء المقارنات والتعرف لا على الواقع الذي يعيشون فيه حسب، بل وعلى الأسباب الكامنة وراء هذا الواقع المزري. ويمكن أن تمنحنا الحركات الشعبية في ما أطلق عليها بـ “الربيع العربي” وإسقاط نظم سياسية بعينها ومن ثم التصدي لمحاولة سرقة الانتفاضات الشعبية من جانب الأخوان المسلمين يجسد هذا الوعي المحسوس الذي يتحدث عنه الدكتور محمد محمود، رغم إن المخاطر ما تزال قائمة وتتخذ أساليب أخرى للمواجهة، كما إن هذه العملية التي انطلقت في العام 2011 لم تنته بعد بل هي في بداياتها وسوف تأتي بثمار ناضجة في المستقبل.
إن ما يميز المرحلة الراهنة، وبرغم المصاعب غير القليلة ومحاولات تكفير المفكرين من جانب المؤسسات الدينية وقوى الإسلام السياسي، فأن عملية نقد الدين والفكر الديني آخذة بالنمو والتقدم والاتساع بخطوات مهمة. ولم يكن غريباً أن تسقط ضحايا على هذا الطريق، سواء أكان هذا بمصر، كما في حالة الشهيد الأستاذ فرج فودة أو كامل شياع وهادي المهدي والأستاذ الشهيد محمود محمد طه من السودان وغيرهما بالعراق أو سوريا وليبيا وغيرها من الدول العربية أو الدول ذات الأكثرية الإسلامية.
يشير الدكتور محمد محمود في مقدمته إلى ظاهرة مهمة بارزة تواجه الأديان. ومع إن هذه الظاهرة ليست جديدة وكانت تواجه بالقمع سابقاً، ولكنها كانت تقود إلى تفتت وانشقاق الأديان أيضاً. وأعني هنا النقد الذي يمارس إزاء الأديان من داخلها ومن خارجها أولاً وما يثيره من صراعات في ما بينها أولاً وفي داخل كل منها ثانياً، وما ينتهي إليه من تفتت وإضعاف لها جميعاً، وما يعزز قدرة الناقدين على مواصلة دوره التنويري بنجاح أفضل. ومع إن الخلاف الكبير في الإسلام يبرز بين أتباع المذهب الشيعي وأتباع المذهب السني، إلا أن كل من هذه المذاهب منقسمة على نفسها ومتصارعة في ما بينها وأن لم يبد للعيان إلا في إطاره العام سنة: شيعة. وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة صراعاً دامياً بين قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية لا بالعديد من الدول العربية حسب، بل وفي دول كثيرة أخرى يعيش فيها مسلمون من الشيعة والسنة أو يعيش مسيحيون بجوار المسلمين. إن هذا الصراع، الذي يتحول في الكثير من الأحيان إلى نزاع شرس ودموي، يضعف في المحصلة النهائية هذه القوى كلها، ولكنه يقترن بخسائر بشرية ومادية هائلة تتحملها الشعوب دون أدنى مبرر.
ويشخص الدكتور محمد محمود بصواب ظاهرة التفتت الديني مشيراً إلى:
أ‌. الانقسام الشيعي السني وما يرتبط بذلك من رؤية نمطية وما يطلق عليه بـ “ستريو توب” والقائم على ألـ “أنا” و “الآخر”.
ب‌. والانقسام إلى سلفي وتحديثي. وأرى ضرورة الإشارة إلى إن الإسلاميين التحديثيين ينطلقون من موقعين: إما إدراكهم بأهمية الحداثة وضرورتها للمجتمع وهم قلة قليلة جداً وما تزال غير مؤثرة، وإما الخشية من فقدان كل شيء بسبب تدني السمعة على الصعيد العالمي نتيجة ما يحصل من تفاقم العملات الإرهابية باسم الإسلام والمسلمين وتنامي ظاهرة الانفضاض عن المؤسسات الدينية.
ومن الظواهر البارزة في عمل المؤسسات الدينية هي أنها كلما شعرت بضعفها وعدم قدرتها على مواجهة النقد والنضال الفكري بالطرق السلمية والاعتيادية، وكلما شعرت بفقدان الأرضية التي تقف عليها وابتعاد الناس عنها، لجأت إلى اعتماد أساليب قهرية وزجرية ضد الناس المخالفين لها بالرأي أو غير المؤمنين أو من أتباع الديانات الأخرى. كان هذا في الماضي وهو ما يجري الآن، وما يمكن أن يحصل في المستقبل. إنه سلوك الضعيف غير الواثق من نفسه وأفكاره والذي لا يعي ما يعمل ويتخبط في تصرفاته لإدراكه بفشله في تعبئة الناس حوله.
ما يمكن الإشارة إليه هو إن الإسلام كدين والفكر الديني يواجهان أزمة فعلية مستديمة تجد تعبيرها في هذه الاتجاهات الأكثر تطرفاً والأكثر عنفاً وإرهاباً والأكثر عجزاً عن مواجهة النقد. ويتجلى ذلك في أزمة المجتمعات العربية وفي الدول ذات الأكثرية المسلمة وما تعيشه هذه الشعوب من توترات وصراعات ونزاعات هي أقرب إلى الحروب الأهلية والطائفية.
وفي هذا الجو الخانق السائد بالدول العربية والدول ذات الأكثرية الإسلامية، نهضت الحركة الشعبية الجديدة للشباب والشابات الذين جسدوا وعياً محسوساً بمستويات مختلفة، كما برزت للتو مجلة جديدة قادرة أن تشترك بحمل عبء النضال الفكري وأن تلعب دوراً مهماً بفتح فضاءٍ حيويٍ يستطيع الإنسان الواعي والمدرك للواقع القائم أن يتنفس بحرية وان يكتب بحرية مسؤولة وقادرة على تبيان العوامل والأسباب الكامنة وراء ها الواقع وسبل تغييره فكراً وممارسة على صفحات مجلة العقلاني. فأهلاً ومرحباً بالعقلاني وبهيئة التحرير وبكل المشاركين فيها.
? كاظم حبيب اقتصادي عراقي Prof: Dr. PhD. Dsc. rer oec.
19/5/2014
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..