ثورة العوالم الإفتراضية

ثورة العوالم الإفتراضية

أحمد ابن عوف
[email protected]

لم تكن تلك الأوجه العابسة التى يتداولها مستخدموا الإنترنت على نطاق واسع فى مداخلاتهم اليومية إلا بداية هذه الغضبة الإلكترونية التى يطغى حراكها على جميع الأصعدة فى الوطن العربى الآن ، فبعد تونس وهبتها الإلكترونية العظيمة ، هاهى “مصر أم الدنيا” تترنح تحت قبضة الثوار الإفتراضيين الذين كانوا يجوبون مواقع الإنترنت حشداً ونفيراً لإطلاق عنان ثورة تشكلت جذورها قوية وراسخة على طبقة الكترونية إفتراضية أسست لبداية عهد إجتماعى جديد مادار بخلد إبن خلدون فى كتاب مقدمته الشهير.
لقد كان لهذا الشباب الإفتراضى القدح المعلى فى عمليات الحشد كلها من خلال عمليات الكترونية لعبت فيها المواقع الإجتماعية دوراً عظيماً لما لها من خواص لاتتوفر فى الخدمات الإلكترونية الإجتماعية الأخرى ، بجانب الجهد العظيم الذى بذله هولاء الشباب والعمل المنظم الذى يدعوا للدهشة والإعجاب فى حين واحد.
لقد أتت تلك الجلسات الطويلة للشباب فى مقاهى الإنترنت والمنازل أُكلها بعد أن كانت مثار ضجر ونكد لعائلات هولاء الصبية الذين بدلوا جلسة النرجيلة الشهيرة مع شاى ” الكشرى” بما يفيد البلاد والعباد ، فلقد كانت تلك الجلسات بداية الثورة التى إعتملت فى دواخلهم لزمن ليس بالقصير حتى إنفجرت كما البركان.
لقد إتسعت رقعة خدمة الإنترنت فى الوطن العربى بطريقة تسمح معها بتشكيل هذه المجتمعات الإفتراضية ، فإن تحدثنا بطريقة عامة فى هذه العجالة عن التحولات الإجتماعية التى صاحبت عصر تطور الإنترنت فى المنطقة العربية ، فلربما وجدنا الإجابة سريعا على أسئلة كثيرة تدور حول ماهية هذه الأحداث المتلاحقة وكيفيتها.
إن إنغلاق الشعوب العربية الشابة وإنكفاءها فى العقود الأخيرة برغبة حكام يحاولون قدر المستطاع الإنفراد بالسلطة وتغييب الشباب وإبعادهم عن دوائر إتخاذ القرار ، يؤدى الأن ويسمح الى تكوين هذا العالم الإفتراضى الموازى. فلقد عمل هولاء الشباب على تطوير مقدراتهم فى مجال التواصل الإجتماعى عبر الإنترنت وحفظوا عن ظهر قلب كل تطبيقاتها المعقدة وتداولوها فيما بينهم بطريقة سهله مكنت الكثير منهم من الدخول الى ذلك العالم الموازى بطريقة أسهل ، لاسيما وان الإنترنت يعج بالمصادر المترجمة للغة العربية والمواقع المجانية التى تقدم خدماتها لكل من يطرق أبوابها ، أضف لذلك ، المنتديات التى يتداول فيها الشباب كل ماهو جديد ومبتكر بطرق مبسطة وسهلة. هنالك أيضاً الكثير من الكفاءآت العلمية فى مجال برمجيات الكمبيوتر والإنترنت الذين فضلوا العودة الى بلدانهم بعد فترات إغتراب طويلة وهجرات ممتدة فى الدول الغربية والأوربية ، فضلوا العودة وإستخدام الإنترنت لمواصلة أعمالهم فى تلك الدول بينما يقومون فى الوقت ذاته من إستخدام كفاءآتهم العلمية فى نشر خبايا وأسرار علوم الكمبيوتر بأسعار تقل كثيراً عن تلك التى تقدمها بعض المعاهد المعتمدة لدى الدولة أو المعترف بها عالمياً . فلقد ساهم هذا بطريقة مباشرة فى نشر وعى شعبى جديد بما تقوم به الإنترنت وبدورها الحيوى فى ربط الشعوب والمجتمعات مما أدى الى تكوين تلك الخلايا الشبابية بهذا الأسلوب الخلاق.
كل هذا فى جانب ، وفى الجانب الآخر قدرة الشعوب العربية رغم القهر وخاصة الشباب منهم على كسر الحصار المضروب عليهم من قبل أنظمة الطغيان مما أدى الى تكوين هذا العالم الإفتراضى بمعزل عن أعين رجال الأمن وغيرهم من الجواسيس الذين استهانوا بما يجرى أمام أعينهم حينما يرون الشباب يدخلون ويخرجون من مقاهى النت ويتبادلون القفشات والأوجه العابسة والضاحكة أحيانا ، فيقينى ان تفسيرهم لكل ماكان يجرى أمامهم ماكان ليخرج عن انهم شباب ضائع لا يعى مايفعل ، بل ربما تم اتهامهم “بالصياعة” وعدم الأدب حيث ان كل مايعرفونه ان مقاهى الإنترنت ليست إلا أمكنة للرذيلة.
لقد تمدد الغضب اللكترونى ليشمل مجتمعات ظلت فى حالة من السكون لفترات طويلة ، فلو لا وجود الإنترنت لما قامت الثورة التونسية ولا المصرية التى حتماً ستؤتى أُكلها برحيل الفرعون فى مقبل الأيام ، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فالسودان الآن فى الطريق الى ثورة شبابية الكترونية لن تستطيع معها أجهزة الأمن من قمع ولن تسكت تلك الجموع الثائرة الكترونياً حتى رحيل آخر الطغاة وعودة الحياة الى نصابها فى تلك البلاد التى تزخر بالكثير وتوعد بحياة أجمل لأبناءها الذين شردتهم تلك الأنظمة المتداعية التى لا تقوى على مجابهة هذه الثورات الألكترونية.
إن عامل السرعة فى تداول المعلومة بين قطاعات الشباب المستخدم للإنترنت أدى الى إرباك أنظمة تلك الدول ، فما عادت الدولة هى الجهة الوحيدة التى تتمتع بحيازة المعلومة وإمكانية نشرها أو عدمه ، فلقد دخل الشباب بإمكانياتهم العالية فى إستقاء المعلومات ونشرها على تلك المواقع كطرف أصيل فى عملية التداول هذه ، وهذا فى حد ذاته تحدٍ واضح لما تصدره الجهات العليا فى الدولة من أوامر للشعوب وقرارات يتم إصدارها دون وعى للحيلولة دون وصول بعض المعلومات أو لفرض حصار على جهات تساهم فى نشر معلومات لا ترغب الأنظمة فى نشرها. لكل هذا كان لللإنترنت الدور الأكبر فى فتح ثغرات كبيرة فى البنيات الأمنية لتلك الأنظمة التى لا زالت تستخدم طرق كلاسيكية فى تداول المعلومات وأمنها.
لهذا ، إستطاع الشباب فى تلك البلدان العربية وبحسهم الخلاق وتفرغهم الكامل حيث أن معظمهم لايعملون بأمر سياسات حكوماتهم المتسلطة ، إستطاع الشباب من إستخدام وقتهم ، أو قل “قتل وقتهم” فى تعلم تطبيقات جديدة ساهمت كما أسلفت فى تكوين تلك الخلايا ، فلقد كنت أذكّر طلابى فى معهد تدريب الكبار لعلوم الكمبيوتر الإبتدائية ، أن الكثير من شباب البلاد الأخرى يجيدون إستخدام الكمبيوتر بنسبة أعلى من المهاجرين وذلك لتوفر عامل الزمن وعدم توفر العمل ، بينما نحن هنا نئن ونرزح تحت ساعات عمل طويلة وشاقة لا تمكننا من البقاء لمدة ساعة واحدة أمام شاشة الكمبيوتر بعد إنتهاء اليوم العملى .
لقد إنتهى الآن عهد التسلط مع بداية عهد تسلط الإنترنت فى العالم أجمع ، فلقد تمكنت تلك الآلة من فرض سيطرتها على العالم بطريقة ليس منها فكاك ، فإن سقطت سقطنا معها وتحولت حياتنا الى حياة بدائية لم يسعفنا الوقت للتجهيز لها حيث أننا لازلنا فى مرحلة الصعود الأولى الى قمة هذه الخدمة ومتى ما وصلنا الى تلك القمة سنبدأ حينها فى البحث عن مخرج اذا ما تداعينا الى البدائية ، فبين هذه وتلك ، هنالك حكومات ستسقط وأنظمة ستتغير وشعوب ستنهض لتبدأ المسير نحو عوالم الكترونية إفتراضية لا ظالم فيها ولا مظلوم.

سلامات
أحمد ابن عوف
فرجينيا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..