حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا.. حلقة “2”

حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا.. حلقة “2”

كنت متعباً جداً تلك اللحظة. نمت كالأطفال ليلتي تلك، بلا وداع أو مقدمات. نمت على ملاية على الأرض متوسداً حقيبتي، ليس في الغرفة المزيد من الأسرة ولا الألحفة أو المخدات فقط سرير دبل واحد ومخدتان. فتحت عيني عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، أخذت قسطاً من الثواني الأولي لأتبين مكان وجودي من العالم، ثم رفعت رأسي فابتسمت بتلقائية من وقع مشهد لوحة تشكيلية سريالية مرسومة فوق السرير عدة سنتمترات مني. كانت البنات الثلاثة ما زلن في سبات عميق، شبه عاريات، تختلط سيقانهن بأذرعهن بشعرهن بأنفاسهن بعطر الواين الأحمر وبدهشتي. بحثت عن فانيسا صديقتي الشهمة في تلك اللوحة. أخذت عدة ثواني لأتحقق من موقعها!. إذ بدين لي متشابهات إلى حد كبير وكأنهن نسخة واحدة مكررة ثلاثة مرات من لوحة المونليزا.

خلعت فانيسا كل “الهتش” الذي تلبس قبل أن تأوى إلى السرير. كانت ترقد هامدة في الناحية القصوى من السرير ناحية النافذة وساقها الأيسر بدا وكأنه يسقط على الأرض. تأملتها ملياً وهي في حالتها تلك، فوجدتها الأجمل والأطول والأكثر نسقاً، كان وجهها متقداً وكأنه يبث أشعة ما في الآفاق. لم تعتريني أي مشاعر غرائزية بايلوجية تلك اللحظة، كنت وكأنني في محراب مقدس، راهب صام لله وأبتهل.
ثم شعرت ببعض المسئولية!. نزلت إلى البقالة الباكستانية القائمة في الناحية اليسرى من خلف مبنى الفندق وجئت ببعض الحاجيات التي تصورتها ضرورية، ليس الكثير: فرش أسنان وعصائر منوعة وبعض الأجبان والحلويات وفتيل عطر من الطراز العادي.

المؤتمر سيبدأ أول جلساته عند الساعة الواحدة وعشرة دقائق في قاعة المؤتمرات “2”
Conference Auditorium 2
كانت محاضرتي الأولى تتضمن عرضاً للبيانات بالبروجيكتر. لست جيداً في إستخدام البروجيكتر تلك كانت واحدة من نقاط ضعفي الفنية التي أعلم.
قبل النوم بقليل جلست لوهلة مع فانيسا في البلكونة، عدة دقائق لا أكثر، لكنها كانت لحظات مهمة أستطعت خلالها أن أتعرف على معلومة تخص مهمتي في طبيعة دراسة فانيسا “برمجة الكمبيتور بجامعة هيل، الصف الثالث”، كانت الإجازة الصيفية. فأستفتيتها في إمكانية مساعدتي في عرض البيانات عبر البروجيكتر أثناء أدائي للمحاضرة فوافقت فانيسا في الحال. المعلومات المتعلقة بالبروجيكتر (فحوى محاضرتي) عبارة عن تخطيط بياني للمجتمعات المدنية على مدار الكرة الأرضية في مقابل أجهزة الأمم المتحدة الرسمية كنواة لدولة كونية موحدة يسودها العدل والمساواة والسلام وإحترام الإنسان والإنسانية والبيئة والكائنات الأخرى والكون!.

وصلنا القاعة قبل بداية جلسات المؤتمر بحوالي عشرين دقيقة، وجدنا خلال تلك المدة سانحة لعمل بروفة لعرض البيانات، كانت موفقة. وأدت فانيسا في نهاية المطاف مهمتها بطريقة ممتازة وصفق لي ولها الناس طويلاً عندما أنتهينا من عرضنا وكرر مدير جلسات المؤتمر عبارة “هذا باهر” ثلاثة مرات.

وفي الإستراحة الأولى جاءت إحدى النساء الحاضرات إلى فانيسا حيتها بحرارة ثم ألتفتت ناحيتي “صديقتك جميلة” وذهبت في شأنها.
فانيسا لم تكمل معي كل جلسات المؤتمر وقفلت راجعة إلى الفندق ثم سوق ليدز حيث أبتاعت بعض الحاجيات الضرورية وعادت إلى الغرفة بالفندق في إنتظار عودتي. البنتان الأخرتان “ليليان وأليكسا” ذهبن إلى شأنهن فأصبحنا أنا وفانيسا وجهاً لوجه، ليس بيننا عهد ولا وعد غير كلمة القدر!. في الطريق إلى الفندق كنت أفكر في فانيسا، أستعيد في خاطري مشهدها المهيب لحظة رفعت رأسي من النوم.
عندما وصلت الغرفة طرقت الباب برفق عدة مرات لا أحد فتح لي، فطرقت من جديد بوقع أشد، أيضاً لا أحد هناك، المفتاح مع فانيسا، نزلت إلى الريسيبشن، جاء أحد موظفي الإدارة فتح لي الباب ثم ذهب. وجدت الغرفة تعج ببخار الماء وهناك فتاة بالداخل تستحم وتغني أغاني سمعتها بالأمس، أنغام من التاريخ السحيق بلغة غارقة في الأعجمية ففهمت طبعاً أنها “فانيسا”. أعتراني شعور غريب، مزيج من الراحة والإنتصار ونغزة رهيفة من الأرق.

فانيسا، البنت الصغرى من أربع بنات لمعلمة عتيقة بمدرسة الأساس تدعى “مارغريتا أكرمان” منفصلة عن والد فانيسا المحامي “دانيل مونتجمري” منذ سبعة عشر عاماً. عاشت فنيسا كل الوقت مع والدتها مارغريتا بقرية سيلبي.
فنيسا يسارية، متطوعة بمنظمة محلية تعمل على حماية البيئة، وهي نباتية لا تتعاطى مع أي نوع من اللحوم ولا أي من المنتجات الحيوانية منذ قررت ذلك قبل عدة سنوات خلت. تهوى الموسيقي والسينما وقراءة روايات الخيال العلمي، مشتركة في نادي التنس والبولينق بمدينة هيل حيث تدرس هناك.

“أنا هنا للتو” صحت أنبهها إلى وجودي بالغرفة من باب الإتكيت وكي لا تخرج عارية “مرحباً صديقي” ردت من داخل الحمام ثم واصلت بمنتهى الأريحية غناءها الغارق في الأعجمية. بعد عدة دقائق خرجت بالبكيني ووقفت من أمامي في عادية لا شك في صدقها تسألني عما جرى في المؤتمر من بعدها، بينما كانت في ذاك الأثناء تزيل بالبشكير حبيبات الماء العالقة على كتفيها وساعديها وبطنها وساقيها. وعندما أنتهت من تلك العملية الشهية والعادية “كل الناس لديها إعتقاد أننا أصدقاء قدامى” قالت تلك العبارة ودخلت مرة ثانية إلى الحمام، رجعت من جديد وقفت من أمامي وهي ترتدي هذه المرة فستان جديد جلبته للتو من سوق المدينة “حلو” سألتني “حلو وحلو الفريم (الشماعة)” أجبتها بفكاهة ثم ضحكنا معاً. كانت الأمور حتى تلك اللحظة عادية، شبه عادية، لا يوجد خطر محتوم.

لوهلة أصبت بالإرتباك، لم أكن أدري ماذا أفعل بالضبط، فهربت إلى البلكونة، أراقب المارة من على البعد، كانت غرفتنا بالطابق الثالث، عدت بعد عدة دقائق فوجدت فانيسا تشرع في لبس أشيائها الفضية والذهبية الكثيرة ففهمت أنها ستخرج وربما لا تعود أبداً، لم يكن الأمر كذلك. رأت الحيرة في عيني وأنا أنظر إليها وهي تلبس أنفها الزمام الرابع وتبدأ في لبس بقية الأشياء: “هذي عشان تعمل موازنة للكهرباء في الجسم”، “انت عندك كهرباء زائدة؟” سألتها، “كل الأجسام عندها كهرباء” فكدت أقول لها “إنت الكبانية ذاتها”. وفجأة مدت لي قشة ذهبية صغيرة وأشارت إلى ثقب صغير في الطرف الأقصى من جفن عينها الأيسر، أخذت من يدها تلك القشة الذهبية برفق ثم مسكت بحنكها من الأسفل وشرعت في إجراء العملية، أغمضت عينيها، تأملتها لثانية ثم غرزت الإبرة بنجاح في مكانها الموعود، فتحت عيونها من جديد، عيون الفتاة صافية وجميلة ووجها يشع بالبريق. وفي اللحظة التي أكملت عندها إجراءات غزر القشة العجيبة في مكانها المعتاد وضعت فانيسا جلة صغيرة في يدي ومدت هذه المرة لسانها القرمزي ناحيتي، فلم أتمالك ذاتي من الضحك، ثم هدأت بعض الشي وشرعت أنجز المهمة الخطرة وأنفاس فانيسا في أنفاسي. تلك اللحظة شعرت بعدة حواجز تنهار بيني وفانيسا، ستة حواجز أنهارت دفعة واحدة ولم يتبقى غير الحاجز السابع والأخير!.

كانت هناك لحظات من الإرتباك المفضوح أعقبت إجراءات إتمام عملية غرز الجلة في اللسان القرمزي قطعتها فنيسا أظنه عمداً “أنا عازماك عشاء هذه الأمسية”، “أين؟”، “دعها تكون مفجاة” وأدرفت “ألا تثق بي؟!.

يتواصل.. حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا.

محمد جمال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..