آرتور آدموف ? وسطية العبث

‏ تمثل مسرحية (المحاكاة الساخرة) لآرتور آدموف ، نقطة بين طرفي المسرح ‏البرجوازي والعبثي ، يعتقد آدموف أنه يمثل المسرح التجريبي ، ولكن مع مقارنة ‏بسيطة مع صمويل بيكيت نجد أن الفارق كبير بين المسرحين ، فآدموف لم يتخلص ‏تماماً من الخضوع للزمان وللمكان ، رغم أنه اعتمد على تأكيده علينا بذلك من خلال ‏بناء خشبة المسرح .‏
‏ في المحاكاة الساخرة ، ليلي الفتاة التي يعشقها الجميع ، فبعضهم من يتمنى أن ‏تقتله ليرتاح وبعضهم من دخل السجن ، وبعضهم من لا يستطيع العمل إلا وهي بقربه ‏‏. وتقف شخصية الصحفي الذي يلعب أدواراً متعددة كمحامي مثلاً موقفاً وسيطاً ، ‏وليلي الفتاة ذات العاطفة المضطربة تظهر كمحبة له ولكن ليس أكثر من ذلك ، ‏ويبدو الخطاب العبثي بين شخصيات المسرحية واضحاً ، ورغم ذلك فإن المسرحية ‏وفي آخر مشهد فيها ، تبدوا أكثر كثافة ، تماماً كالمسرح العادي ، الذي يريد أن ‏يوصلنا إلى روابط نهائية بين كل شخصيات القصة أو ليطهر الحبكة من العبثية ‏المطلقة .‏
من هي ليلي؟ وما الذي ترمز إليه؟ هذا هو السؤال الجوهري داخل المسرحية ؟ وتبدو ‏الشخصيات الأخرى محيط ثانوي يطرح هذا السؤال ؟ وماذا تفعل ليلي؟ ومن تحب ‏ليلي؟ ‏
وتساؤلات أخرى تأتي مرتبطة بالمرأة أيضاً ، كالمومس ، فهذه الأخيرة هي الوحيدة ‏التي تعرف كم هي الساعة ، وترتبط بها ، في حين أن الساعة أو الظرف الزماني ‏والمكاني لا يلعبون دوراً واضحاً عند الباقين ومن بينهم ليلي ، يَـنفَقْ (ن) وهو عاشق ‏لليلي حتى النخاع بعد أن دهسته سيارة ، يقبع الموظف في السجن ، دون أن تتضح ‏الجريمة التي اقترفها ؟ يظل الصحفي وحيداً ، تذهب ليلي مع مدير الصحيفة في آخر ‏مشهد ، وتظل الحياة متحركة عبر كنس جثة (ن) من الطريق وكأنه مجرد قمامة . ‏ويبدو كل شيء متحركاً بغير ترابط واضح ، حتى ليلي نفسها تكتشف ذلك في آخر ‏المسرحية ، إنها تعيش وحيدة في أعماقها ، وهي تحاول ارضاء الجميع ، فهي ليست ‏مومس ، ولكنها كائن لطيف ويرغب في المباشرة والوضوح ، مع ذلك فهذا الكائن ‏اللطيف ، يمارس دوراً رذيلاً جديلاً حين تسخر من (ن) سخرية لاذعة لمجرد عشقه ‏لها . ‏
ماذا يمثل مسرح أرتور ؟
إنه يمثل حالة من حالات التناقضات البشرية ، ورفض مباشر لمحاولة تأطير البشر ‏بقانون محدد ، أو حكم مطلق ، إن مسرح آرتور يشبه إلى حد كبير جزيئات المادة ‏الغازية التي تنطلق ذراتها في الهواء بغير ترابط واضح في اتجاهاتها المتباينة . وفي ‏هذه المسرحية بالذات قد تمثل ليلي الوهم أو الحلم أو الرغبة أو التطلعات البشرية ‏للانتظام داخل مجتمع متناسق ؟ لكنها ?هي نفسها- لا تجد ذاتها سوى كذرة من ‏ذرات هذه المادة الغازية ، وأنها هي نفسها تحتاج إلى حلم أو وهم أو قانون يربطها ‏بوجودها لتقف على أرض صلبة . ‏
هذا التشتت في وعي ليلي ، هو تشتت عام (بحسب رؤية آدموف المتوقعة) ، وأن ‏حالة التشظي الإنساني تستمر رغم محاولات مستميتة وفردية لإيجاد نقطة ارتكاز ‏يستند عليها الإنسان في هذا العالم المتضارب وغير المتجانس . العالم الفردي.‏

أمل الكردفاني
‏11يونيو2014‏
الساعة 1:10 ظهراً
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..