د. جون قرنق.. حضور فى سونامى الغياب

د. جون قرنق
حضور فى سونامى الغياب
ملاحظات فى دفاتر الستنيات وميلاد أسر عند الممات
ياسر عرمان
تمرالذكرى الثانية لرحيل و إستشهاد المفكر، الزعيم ، المناضل الوطنى الكبير الدكتور
جون قرنق دى مبيور اتيم المولود فى منطقة وانقلى من ريف مدينة بور فى اعالى النيل بجنوب السودان و رئيس للحركة الشعبية لتحرير السودان ? القائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان و المنتمى لاسرة فقيرة و من بين فقرها وعوزها صنع من نفسه انسانا كبيرا اطل على الفضاء الانسانى الواسع ومضى مع ترك البصمات. ستحيى هذه الذكرى فى داخل السودان و فى مناطق عديدة على جنبات الكرة الارضية من محبيه و المؤيدين لافكاره و هذه المقالة مكرسة لاحياء هذه الذكرى و تحية الدكتور جون قرنق دى مبيوراتيم. و قرنق مبيور الذى اودعته العالم امه السيدة قاك ملوال ثم حبلت به كل النساء فى قاع المدينة و هامش الريف ، انتمى لكل البشر و الارض وولدته جميع النساء فى الساحة الخضراء و الناس يستقبلونه بعد ان قاد حرب التحرير و كتب اتفاق السلام و اعطوه شهادة ميلاد ومحبه باسمهم جميعا دون قابلات الحبل او الليزر وفى مولده السابق انتمى لاسرة و عشيرة واحدة وهو اليوم ينتمى لكل البلاد فى القرى و المدن و الازقة و الحوارى و الشوارع و القلوب المفعمة بالحب و العقول النيرة و عند اصحاب النوايا الخيرة و قرنق مبيور اتيم حينما اختتم حياته لتبدأ من جديد و هو يمضى في الحضور ويرحل ليولد من جديد و يغيب فيزدان المكان برؤيته نحو سودان جديد و لازال ملهما بل ان بعضا من الذين خاصموه من قبل يفتقدونه اليوم و تتضح رؤيته وتفصح عن نفسها ببيان شديد الوضوح اكثر من اى وقت مضى فى وقت توقف فيه عن الادلاء بالاحاديث و المحاضرا ت و المؤتمرات الصحفية فى مختلف المنابر و اجهزة الاعلام. و هذه المقاله تسعى لتحقيق اكثر من هدف و لخدمة اكثر من قضية فى الذكرى الثانية لاستشهاده إن استطاعت فهى تحتفى بالالاف من الشباب السودانيين من النساء و الرجال الذين التقيتهم فى ريف و مدن السودان فى العامين الماضيين. و فى ذكرى حدثين هامين كان لى شرف تحمل بعض المسئولية خلالهما و هما استقبال الدكتور جو ن قرنق دى مبيور فى الخرطوم و حملة تنظيم و بناء الحركة الشعبية لتحرير السودان مابعد اتفاقية السلام وفى ذكرى الحوارات العديدة حول رؤية السودان الجديد مع اولئك الشباب و التى لا يمكن تناولها الا بالمرور عبر بوابة الدكتور جون قرنق و فى ذكرى افادات عديدة تطرقت فيها لاسماء مثل انتا ديوب ووالتر رودنى و قد سالنى الكثير من اولئك الشباب عن من هو انتا ديوب ووالتر رودنى وهانذا احاول الادلاء باجابة اكثر شمولا عنهما وعن المصادر الفكرية و السياسية، الاحداث، الشخصيات والمناخ الذى شكل رؤيه الدكتور جون قرنق حول السودان الجديد و سيتضح فى سياق هذه المقالة اهمية و موقع الشيخ انتا ديوب ووالتر رودنى فى عالمه وقد طلب منى عدد من الاصدقاء والمعارف من داخل الحركة الشعبية و خارجها للكتابة عنه وعن تجربتنا فى الحركة الشعبية و قد
فشلت فى اكثر من محاولة للقوص و الكتابة عبر فضاءات احزاننا الخاصة و عن الدكتور جون قرنق فى حضوره الكبير و فى (سونامى) الغياب و الرحيل و حدث هذا من قبل عندما حاولت ان اكتب عن بعض اعزاءنا فمنذ مدة ليست بالقصيرة شرعت فى كتابة مقالة بعنوان ” يوسف كوة مكى إنسان من ازمنة قادمة ومحترمة” ولم تكتمل تلك المقالة حتى يومنا هذا رغم تشجيع الذين اطلعوا على جزءها المكتمل.
ونحن على اعتاب الذكرى الثانية لرحيل زعيمنا الدكتور جون قرنق دى مبيوراتيم فاننى اود ان ارسل له التحية عبر هذه المقالة و ان ابدا من حيث كانت البدايات بمحاولة تحفها المحاذير فقبل الكتابة عنه او عن تجربتنا فى الحركة الشعبية لتحريرالسودان لنحاول الاجابة على سؤال طالما حاولت الحصول على اجابته فى حوارات مباشرة مع الدكتور جون قرنق امتدت على مدى عقدين من الزمان عن مصادره الفكرية و السياسية والاحداث ، الشخصيات ، الامكنة ، الازمنة ، التجارب والمناخ الذى اسهم فى تشكيل رؤيته و شخصيته الذكية الباهره و المتوقدة. الدكتور جون قرنق الذى يتمتع بكاريزما الحضور و الغياب.و فى تقديرى المتواضع فان الدكتور جون قرنق اهم قائد سياسى سودانى فى القرن العشرين ولولا التحيزات العرقيه لتم الاعتراف بذلك منذ زمن!! و فى القرن التاسع عشر كان الامام المهدى. و تاثيرقرنق على مستقبل السودان يقع فى منطقة شديدة الحساسية بالنسبة للسودان منطقة ان يكون السودان او لا يكون و ما ان ياتى عام 2011 عام الاستفتاء على حق تقرير المصيراذ سرعان ما تتكشف هذه الحقيقة البسيطة الكبيرة لا سيما و ان الدكتور جون قرنق قد حسم اجابته دون ان يترك مساحة للشكوك فهو مع وحدة السودان على اسس جديدة لا مع غيرها و هو صاحب احلام كبيرة تبدا من السودان و لا تنتهى عنده بل توصل الى موقفه من وحدة السودان عبر احلامه الكبيرة تلك التى تمتد من القاهرة الى الكيب تاون. و فى تلك الحوارت والذكريات الممتده على طول الطريق تناولت معه سنوات بدايته الاولى وحتى مدرسة رمبيك الثانوية و سنوات اللجوء ، سنوات الانانيا ، سنوات شرق افريقيا ، الولايات المتحدة الامريكية، ما بعد اتفاق 1972 و الانانيا الاولى ، سنوات الحركة الشعبية و لاسيما البدايات. و بالمصادفة فاننى اسجل هذه الملاحظات فى زيارة للجامعة و الولاية التى امضى فيها الدكتور جون قرنق نحو ثمانى سنوات من سنواته التسع فى الولايات المتحدة الامريكية و قد اتاحت لى مكتبة جامعة ولاية ايوا ?إمز الضخمة الرجوع الى معلومات متنوعة عن احداث و شخصيات فى متن هذه المقالة. و قد اخترت التركيز على شخصيتين هامتين فى حياة الدكتور جون قرنق و فى مصادر ثرائه الفكرى و السياسى و هما ليس مجرد شخصين ردد الدكتور جون قرنق اسمائهما وانتهى الامراو شارك مع احدهم فى العمل الحركى(رودنى) و لكنهما يمثلان و يعبران عن تيار سياسى وفكرى ، جذرى هام داخل مجموعات (البان افريكان) التى ينتمى الى مدرستها بصدق الدكتور جون قرنق و يعتبر واحدا من الناطقين باسمها. احد الشخصيتين صديق و معاصر و زميل كفاح و رؤية مشتركة معه هو البروفيسور والتر رودنى و الاخر اثر على نحو كبير فى مسالة الابعاد التاريخية لاطروحة السودان الجديد و هو البروفيسور السنغالى الشيخ انتا ديوب واحد من زعماء المثقفين الافارقة الجالسين فى مقدمة الصفوف و قد كان لهما من ضمن عوامل اخرى قدرمهم فى حياة الدكتور جون قرنق. و الشخصية المحورية الاخرى التى تناولتها فى هذه المقالة لسبب مختلف هو المهاتما غاندى فى محاولة لاعاده قراءة لمواقفه من قضايا وحدة الهند على اسس عادلة و العلمانية و المقاومة السلمية و هى قضايا متداخلة و ذات اكثر من صلة بما يجرى فى السودان. تتناول المقالة ايضا احداث و شخصيات شكلت المناخ العام الذى اثر بشكل مباشر فى بلورة رؤية و شخصية الدكتور جو ن قرنق دى مبيور و هنالك بعض الشخصيات و الاحداث التى تطرقت لها ذات صلة غير مباشرة و لكنها تصب فى المجرى العام بان قضايا التحرر و العدالة الاجتماعيه هى قضايا ذات سمات و خصائص انسانية عامة و عالمية. و هذه الملاحظات الاولية علها تجاوب على بعض اسئلة الشباب ذوالبصائروالعزائم الحية و علها ايضا تشحن رصيدهم الفكرى و السياسى ببطاقة جديدة و ترد القليل من بضاعة سلفت و دين مستحق للدكتور جون قرنق. و فى ذكرى حواراتنا وعملنا معه من اجل الناس العاديين فى الرصيف و هامش الحياة و بعضهم ” من هول الحياة موتى على قيد الحياة” (نجيب سرور) و لا يزال الحوار مع الدكتور جون قرنق لم ينقطع و لا تزال روحه المرحة المطبوعة بالدعابة والسخرية اللازعة التى ترصد مفارقات الحياة و الوجود و حواراته المثقفة لحمتها و سداتها الفكر الانيق وهولا يكل ولا يمل فى نشر رؤيته والدعوة لوحدة السودان على اسس جديدة. و الشخصيات الواردة فى المقالة كثير منها من الابطال الشخصيين بالنسبة لى و الذين اشكرهم على المساهمة فى تشكيل عالمى الداخلى و لهم افضال شخصية على ففى سنوات الحرب والرهق وإغراءات النفس باختيار ايسر السبل واسهلها كان هؤلاء البشر الاسوياء الغائبين الحاضرين يبثون الينا الاشارات عند الملمات و حينما تنبهم الطرق و لطالما سعدت بالتعرف عليهم و قد اجتهدت فى ان احذف كثير من تفاصيل حياتهم المغرية بالتناول واتمنى ان يكون التطرق لهم قد اضاف على نحو جيد لهذه المقالة و لم ينتقض منها.
ذات مرة و نحن نواصل مناقشة امتدت طوال فترة المفاوضات و حتى مجىء الدكتور جون قرنق للخرطوم و كان يرغب فى اقناعى بالمشاركة فى جهاز الدولة لما بعد الاتفاقية و مؤسسات الحركة الشعبية و ذكرت له فيما يخص جهاز الدولة فانى اود التصويت لمجموعة هى اقلية شاركت فى حركات التحرر ولم تشارك فى جهاز الدولة و ذكرت له عدد كبير منهم فاجابنى ساخرا ” لماذا تصوت لاقلية لا تكسب عليك التصويت لاغلبيتنا التى ستكسب و تشارك فى جهاز الدولة و تغير المجتمع فى ان معا” . و بعد الاتفاقية لاحظت مثل اخرين تنامى النزعات الفردية و السعى لحل القضايا الشخصية و الزهد فى التضحية من اجل الاخرين والقنوط احيانا من امكانية التغير و غياب النموذج الذى يشعل الحماس فى خوض المعارك من اجل التغير فى بعض الاوساط لاسيما الشباب والعالم من حولنا كله يمر بظرف دقيق ومخاض مؤلم يحجب الرؤيا الصحيحة احيانا ولا نرى الا ضباب كثيف و تكاد تغيب النماذج التى تصنع الشجاعة فى زمن الجوع و العولمة و لذا فان هذه المقالة ترغب فى استعادة نماذج بشرية خيرة و تاتى على اسماء ذات حضور و رنين و جرس مكانه الحياة لا اضابير الكتب والمكتبات و المتاحف و لان المضى نحو المستقبل يحتاج للتوقف عند الماضى ولا يمكن قياس نجاحات الحاضر و فشله الا بالرجوع بالماضى الذى نحاول الرجوع اليه بعيدا عن زحام المعارك السياسية و ضغوط الحياة اليومية و نستعيد هؤلاء البشر الذين يزودون النفس و رئة الحياة بهواء نقى و من المدهش إن قضايا الامس التى واجهتها جميع الشخصيات التى توقفت عندها لا تزال فى جوهرها و اعماقها و كانها قضايا اليوم، ونحن جميعا نحتاج للتوقف عند تلك الشخصيات حتى نتزود بقطرة ماء قبل ان نقطع صحراء الربع الخالى. ولابد من القول ان هذه المقالة و الحديث الوارد بها عن الدكتور جون قرنق دى مبيور لم يكن المقصود منه مطلقا تناول سيرته وحياته ذلك مكانه سياق مستقل اذا ما اسعفتنا الحياة ببقية لرسم صورة إنسانية عن قرب للدكتور جون قرنق دى مبيور كانسان ومفكر، مثقف ثورى،زعيم و قائد، و مناضل من اجل الحرية . منى و من اخرين كثر عايشوه على مدى سنوات و ماورد عن الدكتور جون قرنق اقتضته القضية مدار البحث و هى كيف توصل لمصادره الفكرية و السياسية و ماهى هذه المصادر.
ولابد لاى حديث رصين و بحث متعمق فى شخصيته،البيئة،المناخ و العوامل التى شكلت طريقه و رؤيته و جعلته شخصا اوسع من الحياة و مكنته من ممارسة كل هذا التاثير الهائل و إمتدادته التى ستاتى من ان يتوقف عند مراحل و ازمنة بعينها كانت بمثابة دفقات و موجات قوية دفعت بالرياح فى اشرعته كمفكر و مثف ثورى بارز و مناضل من اجل التغير و التحرير و إعادة البناء الوطنى و فى ذلك من الطبيعى ان تكون الاولوية و البداية فى التركيز على البيئة الداخلية منذ نشأته و مولده داخل السودان ثم التاثيرات الاحقة فى مراحل حياته المختلفة ولكن ما نحن بصدده فى هذا المقالة هو محاولة إبراز صورة واضحة ما امكن ذلك لمرحلتين هامتين ساهمتا بوضوح على المستوى الفكرى والانسانى فى بلورة رؤيته و شكلتا المراجع و المصادر الفكرية و السياسية له دون التقليل من العوامل الاخرى مثل تجربة الانانيا مابعد اتفاقية 1972 و الصراعات السياسية التى دارت داخل السودان بعد الاتفاق و قبله و فى ذلك ركزنا على مرحلتى شرق افريقيا- تنزانيا و فترة الولايات المتحدة الامريكية و الاولى تنزانيا كانت مركز من مراكز الوعى و حركات التحرر الوطنى و منبر من منابر المثقفين الافارقة من ذو الطموحات الكبيرة فى نهضة و وحدة افريقيا و الثانية كلية قرنيل بايوا فى امريكا فى الستينيات كانت فترة معاصرة لقمة نهوض حركات الحقوق المدنية والاحلام الكبيرة للافارقة الامريكان و اطروحاتهم ذات الاثر المتعاظم و التى تتوخى هذه المقالة رسم صورة للمناخ و الشخصيات المؤثرة فى تلك الحقبة و التى تفاعل معها كناشط و مثقف لم يخطىء ذهنه و عينه الفاحصة الصلة بين تلك الاحداث وما يدور داخل السودان و املنا ان يساعد ذلك فى إزالة كثير من التشوهات التى حاول خصوم الدكتور جون قرنق الصاقها به عبر التحيزات العرقية و الدينية ونظرية المؤامرة و المصالح الخارجية فى محاولة لبناء جدار سميك من العزلة بين افكاره و بين من تقدصهم تلك الافكار. رغم ان هذه المسألة قد تمت الاجابه عليها عمليا فى الساحه الخضراء.
من المهم بالنسبة لى ان اذكر وبشكل واضح وقاطع ولا لبس فيه فى مقدمه هذه المقاله اننى من المؤمنين بان اتفاقية السلام الشامل تعد بحق انجازسودانى فكرى وسياسى جرئ لمعالجة قضايا مزمنه راوغت شعبنا منذ الاستقلال وانها نتاج تقاطع مشروعين قديم وجديد مثل احدهم الدولة السودانية ما بعد الاستقلال على نحو عام وليس كامل والاخر مثل احلام المهمشين على نحو عام وليس كاملا ايضا مع ذلك يمكن للاتفاقيه ان تحدث نقله جديده وهى افضل خيار متاح لحل قضيتى التداول السلمى الديمقراطى للسلطه والوحده الطوعيه. رغم الملاحظات وعدم الرضا عن بعض جوانبها عند كل الاطراف الا انها تمثل البديل المتاح، وما يدعو للقلق ان بعض النافذين والمؤسسات القديمه الراسخه لا تقيم وزنا للاتفاق وتتعامل معه على نحو مرحلى. وبديل الاتفاق على الضفه الاخرى لا تسلم الجرة فى كل حين.
الدكتور جون قرنق ربما يكون الاقتصادى الوحيد المتخصص الذى وصل الى قمة السلطة فى الدولة السودانية منذ الاستقلال و لديه افكارعديدة حول إحداث نقلة تنموية تقوم على اساس شامل يستهدف إيجاد صلة عضوية بين الريف و المدينة و لما كانت قضية التخلف و إنتاج ثروات جديدة و التوزيع العادل للثروات و ربط اجزاء البلاد المختلفة ببنية تحتية قوية وهى ذات صلة وثيقة بوحدة السودان احدى اهتماماته العميقة و التى بلور حولها افكار واضحة و محددة و تناولها فى المنابر الداخلية و مع بعض المؤسسات العالمية و غيابه يعد ضربة موجعة حينما ياتى الحديث عن التنمية والتخلف،الاقتصاد و الوحدة، هذا الجانب من شخصيته لم تتح للناس بهجة التعرف عليه.
عرف عن دكتور جون قرنق قوة العارضة و الحجج و النفس الطويل فى التعامل مع خصومه و محاصرتهم وكشفهم و لكنه و هوالاهم يفكر فى ايجاد المخارج و المعالجات و الارضية المشتركة و محاولة النظرة بموضوعية لمازق الخصم و كيفية التعاون معه لايجاد نقله نحو المستقبل. لقد كانت لديه افكار واضحة حول مابعد اتفاقية السلام فى اخر مناقشة لى معه بفندق الهيلتون الخرطوم. و كان دائما ايجابيا ينطلق من الماضى نحو اصلاح المستقبل. ومن المفيد ان تدرك المؤسسة الحاكمة فى الحكم او فى المعارضة انها تحتاج لزيارة افكار الدكتور جون قرنق مرة اخرى اذا ارادت ان تعبر الى الضفة الاخرى من مازقها التاريخى عبر مساومة تاريخية فالدكتور جون قرنق و رؤيته حول السودان الجديد تعد الممثل الفعلى والحقيقى الاكثر دقة و صرامة لقوى الهامش من كل الاديان والاثنيات و النوع، مما يضع قومية مثل الرشايدة و جماهير النساء فى الجانب الذى تمثله اطروحة السودان الجديد من التاريخ و تقع المصالحة الوطنية الحقيقة ووحدة السودان حيثما يقع السودان الجديد. و قضياتان يحفهما غياب دكتور جون قرنق بالحنين والاشواق اليه و يذكراناه والنهار مودع هما المساومة التاريخية التى تعنى الحفاظ على وحدة السودان على اسس جديدة والتنمية الاقتصادية المتوازنة.
الدكتور جون قرنق هدية التاريخ لشعبنا و قد كان قارئا جيدا للتاريخ و من قراءته لتاريخ السودان توصل للصلة و الترابط بين شعوبه و مناطقه الجغرافية المترامية وجيرانه ، بحث باستمرارعن ايجاد الصلة بين الدعوة للسودان الجديد و تاريخه القديم والمعاصر. ويظل التشويه المتعمد وغير المتعمد والدراسة غيرالمنهجية لتاريخ السودان التى ادت وتؤدى الى تزايد البون والتباعد بين اجزاء و شعوب السودان وتكرس الفرقة والشقاق و تقلل من قيمة السودان نفسه وعمق إنتماءاته التاريخية والحالية و المستقبلية والقراءة الصحيحة و الصحية و المتوازنة وحدها هى التى ستدفع بالسودان نحو المصالحة الوطنية الداخلية و التفاعل الصحى خارجيا دون افتعال المعارك بين ماهو افريقى وعربى و شمالى و جنوبى و غربى و شرقى. والسودان الموحد على اسس صحيحة وحده المفيد للعرب و للافارقة و الانتقاص من تاريخ السودان سيؤدى حتما للانتقاص من جغرافيته!! و لذلك التوقف عند الابعاد التاريخية لاطروحة السودان الجديد فى فكر الدكتور جون قرنق هو التوقف بعينه عند قضية وحدة السودان. و الحركة الشعبية لتحرير السودان كمجسد لرؤية الدكتور جون قرنق التى تسعى لاقامة كيان سياسى عابر للاثنيات والاديان واجزاء السودان الجغرافية تعد احد اليات وحدة السودان على اسس جديدة مع إمكانية التوصل لتحالفات عريضة للوصول للسودان الجديد.ولقد ظلت الحركة تمارس دور اكبر من ان يمارسه اى تنظيم سياسى بل اصبحت جزء من عملية البناء الوطنى فهى كيان نادر يجمع قوة مهمة من كافة ارجاء السودان بدات بالجنوبين،النوبة، واهل النيل الازرق و تنتشر فروعها و مكاتبها الان فى بقية اجزاء السودان مما يجعل من عملها السياسى جزء من عملية البناء الوطنى التى تجمع اناس من اعراق و اديان و ثقافات و لغات مختلفة على نحو طوعى فى تنظيم سياسى واحد ولا شبيه لها الا ما قامت به المهدية بتجميع السودانيين من قبائل مختلفة فى اطار واحد وساهمت فى اعادة التشكيل و البناء الوطنى و لذلك فان الحركة الشعبية بالنسبة لى ليست مجرد تنظيم سياسى بل هى جزء من عملية البناء الوطنى التى تجمع (خلق الله ) من كل حدب و صوب و لذا التمسك بها اكبر من مجرد التمسك بعضوية تنظيم سياسى.
فى اعتقادى المتواضع و بالرجوع لمناقاشات عديدة مع الدكتور جون قرنق استمرت لسنوات طويلة. و بمرور متانى فاحص لفترتى تنزانيا وامريكا فى حياة الدكتور جون قرنق و مع اهمية الفترات اللاحقة لما بعد اتفاقية 1972 وفترة دراسته لنيل درجة الدكتوراة من جامعة ولاية ايو-امز و حتى 16 مايو 1983 تاريخ تاسيس الحركة الشعبية لتحريرالسودان فانه يمكن القول بكثير من الإطمئنان إن الدكتور جون قرنق قد خرج من رحم الستينيات و إن الفترة التى تلت ذلك كانت مرحلة طويلة من الهضم و الإستيعاب و المزيد من التعرف على التركيبة الداخلية للمجتمع السودانى. و الجدير بالملاحظة ان شخصية الدكتور جون قرنق و لغته و احلامه كثير ما احس الناس العاديين و عبروا عن ذلك فى اكثر من مناسبة بانه يذكرهم بقادة حركات التحرر الوطنى الكبار فى الستينيات، إنه رجل استمد دمائه و رائحته من احلام حركات التحرر الوطنى العظيمة و ظل على الرغم من تراجع الدعوة لكيانات كبيرة على مستوى العالم و غياب و تمزق بلدان عديدة متمسكا بوحدة السودان على اسس جديدة و الابطال حقا من استشهدوا دون ان يدروا ان الاستشهاد بطولة!!.
ملاحظة اخرى هامة ان الدكتور جون قرنق الشديد الحساسية تجاه مكونات السودان و لاسيما تجاه عاملى العروبة و الاسلام كعوامل هامة و جزء لا يتجزأ من تلك المكونات لم يغفل مميزات و خصائص الواقع السودانى مع احتفاظه بتوجهاته العامة تجاه وحدة افريقيا، و قد بلور اطروحته حول السودان الجديد إستنادا على تلك الخصائص و هى فى محتواها مشروع للتعايش و المصالحة على نحو ديمقراطى و العمل المسلح ما هو الا الية يمكن استبدالها باخريات، و قد عكف على تطوير مشروعه من خلال الوقائع الداخلية للسودان دون القفز الى دعاوى كبيرة لا تاخذ الواقع العيانى الملموس، و فى نفس الوقت كان يدرك ان توحيد السودان يحمل فى داخله بذرة صالحة و نموذج لافريقيا بل يتعداها فى قضيتى التعدد و التنوع التاريخى و المعاصر قضايا ذات ابعاد سودانية، افريقية، و عربية (الجزائر و العراق) نموذجا، عالمية فى ان معا. بمعنى اخر توصل دكتور جون قرنق الى إمكانية و ضرورة وحدة السودان من منصة افريقيا، و هبط بمظلتها للواقع السودانى ، و توصل لرؤية حادة و دقيقة بان قصة النجاح و الفشل فى السودان هى قصة افريقية و عالمية، و هى جوهر مساهمته السودانية ذات الابعاد الانسانية و العالمية لاسيما ان قضايا الاثنيات و الثقافة و التعدد و التنوع فى اطار الوحدة اصبحت هماَ عالميا. و قد لخص كل ذلك بان ينتمى السودانيون قبل كل شىء للسودان اولاَ لان هذا ما يجمعهم، و دعا لمشروع وطنى ( السودان الجديد) قائم على روابط و ارضية سياسية، إقتصادية، و ثقافية جديدة.
كنت اود التطرق فى هذه المقالة لجون لينون مغنى البيتلز العظيم و احد رواد حركة السلام العالمية وذوى البصمات الواضحة عند الشباب فى امريكا الستينيات، و احد ابطال تلك الحقبة حتى إغتياله فى 8 ديسمبر 1980 والذى اكن له اعجابا بلا حدود. ولاسباب متعلقة بالقضية الرئيسية للمقالة ولطول المادة التى جمعتها عنه فسوف اعدها على نحو منفصل فهو انسان يستحق التحية قبل شارات الوداع. و اخيرا اود ان اختتم هذه المقدمة بالقول إننى طوال زمن كتابة هذه المقالة تذكرت العديدين ممن يجدرالتوقف عندهم، بعضهم اصدقاء احياء وشهداء، ولكنى اتوقف عند ثلاثة شخصيات، صديقنا جمال نكروما الذى يجمع العالمين الافريقى والعربى و الذى استمتع دائما بمناقشة قضايا و اطروحات (البان افريكان) معه كل ما التقينا والمناضل العريق للانانيا والحركة الشعبية لتحريرالسودان العم مايكل شار الذى كان يتمنى ان يعود الى جوبا و هاهوذا قد عاد، وعزيزتنا اتونق قرنق مبيور صغرى كريمات والدها شديدة القرب من قلبه والتى لم ينساها فى خطبه التاريخيه فى مفاوضات السلام، والتى هى من اكثر الناس فقدا له.
كان المساء مساء غير عادى وغير قابل للتكرار، المهاتما ( الروح العظمية ) فى طريقه الى صلوات المساء التى ستشهد مولده من جديد رغم انه قد ولد بالفعل كما هو موضح بجلاء فى شهادة ميلادة فى بروبندار ? ولاية قجرات الهنديه- فى الثانى من اكتوبر 1869 ولكن مثله لا يولد مرة واحده بل ان ميلادة الحقيقى سيكون هذا المساء الثلاثين من يناير1948.
كان البوليس الهندى يبحث عن مجموعة تنتوى الشر بالروح العظيمه وكانت المجموعه تسابق الزمن خوفا من الاخفاق والجسد النحيل والبالى لمها ندراس كرشماند غاندى وهو اسم مولده الموثق فى شهادة ميلاده هو المستهدف وهو جسد متعب من رحلة طويله وشاقة وقابل للفناء أما الروح العظيمه للمهاتما غاندى فلن يطالها احد بل هى فى طريقها الى الخلود الابدى ذلك المساء.
صادف مولده فى بروبندار- قجرات ? ازمنة صعبه تعيشها الهند وبعضها لا يزال!! عنوانها الفقر،البؤس ،الاميه وقبضة صارمه وقتها للمستعمرين البريطانين على مقاليد الامور، ولا ضوء فى نهاية النفق ورغم كل الظلام شق غاندى طريقه وعبر المحيط نحو الكليه الجامعيه بلندن ودرس القانون ونال رخصة المحاماة ثم عاد غافلا للهند وليس بغافل فى عام 1891 .
فتح مكتبا للمحاماة فى بومباى دون ما نجاح يذكر وبعد عامين من ذلك فى 1893 حدث ما سيغير حياة المحامى الشاب وتاريخ الهند بكاملها. ولان الحياة تنتخب من تشاء من ذوى العزائم والارادات أخطأت شركه قانونيه تعمل فى الهند، وذات فرع ومصالح فى جنوب افريقيا، بالتعاقد مع المحامى الشاب كمستشارا قانونى لمكتبها فى مدينه ديربان، ويا له من خطأ لا يغتفر، لاحقا ستدفع الامبراطوريه التى لا تغيب الشمس عنها ثمن هذا الخطأ العظيم وسينتزع محامى مدينة بومباى الشاب، اغلى درة فى التاج البريطانى تم الاستيلاء عليها بالغصب والحديد والنار، الذى دفعت ثمنه اجساد الهنود المتعبه، ومع ذلك فان تلك الاجساد تستطيع ان تغيب شمس الامبراطوريه التى لا تغيب شمسها (ومحبى المهاتما من بنات وابناء شعب السودان على مر اجيال الامس واليوم يتوجهون بالشكر والتحيه !! لتلك الشركة على هذا الاختيار الذى صادف اهله والعاقبه للمستعمرين فى المسرات….). وصل المحامى الشاب الى جنوب افريقيا واصدم ضميرة الحى صدمة عنيفه ورأى بأم عينيه ان المهاجرين الهنود الذين تم جلبهم الى جنوب افريقيا يعاملون كجنس ادنى فى نظام الفصل العنصرى، فى ظل حرمان تام من الحقوق المدنيه والسياسيه وتعرض هو نفسه لمهانات عديده، و قذف به الى خارج القطار لانه اصر على الجلوس فى الدرجه الاولى ولان مكان الملونيين هو الدرجه الثالثة و…..و…..الخ تعرض لها فى الحياة اليوميه. ونسى محامى ديربان مهمته الاولى ( واللعنة على النقود للابد) وتزعم النضال من اجل الحقوق الاساسيه للمهاجرين الهنود فى جنوب افريقيا، واوفى مهمته حقها، غير عابئ او وجل، لاحقا قال المهاتما غاندى معتزا بسنوات نضاله فى جنوب افريقيا، غير متناسيا افضال الحياة وجنوب افريقيا علية ( انا ولدت فى الهند ولكننى صنعت فى جنوب افريفيا ).
كان البوليس الهندى يسابق الزمن للحيلوله دون مجموعة ( نهرام قودسى) وكانت المجموعة تسابق البوليس والزمن للوصول الى الروح العظيمه وقامت بتجهيز كل ما يلزم المسدس سريع الطلقات……!! كان المهاتما فى طريقه الى صلوات المساء، وفى تلك الليلة على نحو اخص كان مثقل الضمير كثير الهموم والمخاوف، خائفاَ على الهند لا على نفسه وهو فى حزن طويل….. طويل نال منه اى ما نيل، دائم الاسى والاسف ان جاء استقلال الهند على حساب وحدتها وتفجر العنف الطائفى، بين الهندوس والمسلمين، صام المهاتما من اجل وقف العنف ومن اجل انصاف المسلمين وذكر ان الهند التى عرفها هى التى تجمع الجميع هندوسا ومسلمين وغيرهم، وبذل جهدا خارقا فى الحفاظ على وحدة الهند التى كانت مركز همه، غير عابئ بالمواقع فى السلطه الجديده كان مستعدا لان يكون على رأس الهند مسلما لينقذ راسها وجسدها من التشظى، قدم عدة اقتراحات من بينها ان يكون وكلاء الوزارات من المسلمين كل ذلك فى ظل تواطئ جماعتين من جماعات المثقفين الطامحه فى السلطه وتراها بلونيين اسود او ابيض كارهة لما عداهما من الوان، مضيقة افق الحياة المتسع دافعة الهند نحو رؤية ذات ظل قصير ( المؤتمر الهندى والرابطه الاسلاميه ?نهرو وجناح ) خرجت من رحم الهند باكستان، ومن رحم باكستان بنغلاديش، ولا تزال كشمير فى رحم المجهول، ولايزال الاسى يعتصر المهاتما، وماتزال اموال الفقراء تذهب الى جيوب سباق التسلح. وظل المهاتما على موقفه ضد قيام دولة هندوسيه ومع علمانية الهند، وهو الهندوسى عند مولده المسجل والموثق فى بروبندار ? قجرت وفى صورة هى الاكثر اشراقا فى صفحات المهاتما كثيرة الاشراق وحينما التهم العنف الطائفى الهندوس والمسلمين فى كلاكاتا واحده من اكبر المدن الهنديه، صام المهاتما ضد الحرق والقتل الذى لايعرف تميزا وهويه حتى توقفت المواجهات……(فعباد الله هل فينا من يصوم قبل الطوفان الذى سيشقنا عما قريب !!)
فى 13 ينابر 1948 صام المهاتما غاندى مرة اخرى واخيرة ونجح فى جلب السلام بين الهندوس والمسلمين فى مدينة نيودلهى. عند ذلك المساء السرمدى فى 30 يناير 1948 كان المهاتما فى طريقه نحو صلاة المساء والمتطرفيين القوميين الهندوس يغلى مرجلهم ضيق الافق، والذى لا يتسع لتك الروح العظيمه وهم يرفعون الرايات والقيم الهندوسيه ضد صاحبها ومع ذلك فان المهاتما ذهب الى صلوات المساء، وهو الذى قال من قبل اننى عشت حياتى الاولى طفلا ولم اعرف الى اي الديانات انتمى فمن الهندوسيه والاسلام والمسحيه اخذت …….وكان افقه المتسع يستعصى هضمه على القوميين الهندوس، وهم الاغلبية ولسان حالهم يردد بان يشرب غيرهم كدرا وطينا بعد ان يوردو الماء صفوا ومالهم و تلك الروح العظيمه!!.
عاش المهاتما عشرون عاما او يزيد قليلا فى جنوب افريقيا وبدأ اولها فى تدريس سياسه المقاومه السلبية التى الم بها من مصادر عديده ذكر بعضها فقد تأثر بالكاتب الروسى الكبير ليو تولستوى وتعاليم المسيح والكاتب الامريكى فى القرن التاسع عشر هنيرى ديفيد توريو، ومقالته المشهورة عن ( العصيان المدنى) وهو من قبل ذلك نهل من قيم وتراث الديانه الهندوسيه. وذكر المهاتما لاحقا، ان المقاومه السلبيه والعصيان المدنى اقل من ان توصفان طريقته ومسيرته ونهجه المتكامل وغاياته ” نهج الحقيقة والحزم” وارض جنوب افريقيا التى وطأها المهاتما غاندى ستحبل (بالحقيقة و المصالحة). شارك المهاتما فى اثناء حرب البوير فى الصليب الاحمر وبعد الحرب عاد للدعوة الى الحقوق الاساسية للمهاجرين الهنود، وفى 1910 اسس مستعمرة تولستوى وهى مزرعة تعاونية للهنود بالقرب من مدينة ديربان وفى عام 1914 قدمت حكومة جنوب افريقيا تنازلات هامة لغاندى وحركته من ضمنها الاعتراف بالزواج الهندى والغاء بعض الضرائب، ولا بد ان المهاتما الذى لا يتورع عن حبه للعدالة، اينما كان وكانت خرج من هذه المعركة شديد الثقة بنفسه وبشعبه فى جنوب افريقيا وفى الهند البعيدة وشديد التذكر لمباراة قادمة ولملايين الهنود الذين ينهكهم الجوع و المرض فى شبة القارة الهندية التى منها اتى واليها يرجع، كان على موعد مع مأثرة انسانية كبرى بعد ان اسهم وساهم وزرع وحصد وتعلم الزراعة وكانت جنوب افريقيا تمرينا اوليا لما سياتى ، التى ستثمر مؤتمريين هنديين فى جنوب افريقيا وفى الهند وسينجب المؤتمر الهندى فى جنوب افريقيا، شخصيات كبيرة من رفاق مانديلا وكرست هانى امثال احمد كاثرادا رفيق سجن مانديلا الطويل واسماعيل،فاطمة مير ويوسف دادو الذى سيرحل فى اوربا وتقاتل جنازته وهى فى طريقها الى جنوب افريقيا وجي ناندو النقابى واول وزير مواصلات فى حكومة مانديلا الاولى والذى يعشق النساء والنضال وتحكى قصته تلك بطريقة عذبة زوجته الكندية، فى كتاب يؤرخ للسياسة و الحب.
حزم المهاتما حقائبه وقضاياه وعاد راجعا الى الهند على موعد مع التاريخ وفقراء الهنود ليس فى مكتب محاماة فاشل فى بومباى بل فى محاكمة تاريخية للاستعمار ومرافعة ضمن المرافعات، الاكثر نجاحا على طول تاريخ التصدى للاستعمار الحديث، وماثرة قابلت القوة بالحقيقة والحزم كان ملهمها الاول قائد سياسى وروحى وعلمانى، دونما انفصام بين هذه المكونات وكان عاشقا للهند بمكوناتها المتعددة اثنا وديانات ونوعا ممثلا فى النساء الاكثر اصابة بالظلم فى المجتمع الهندى والانسانى، وكان ما خلف المهاتما بجنوب افريقيا امامه فى الهند.
كان المهاتما فى طريقه لصلاة المساء الاخيرة، شق الطريق اليه نهرام قودسى وصديقه نارايان ابتى ويعاونه اخوه قوبل يملأ قلوبهما التعصب وضيق منظار الحياة مع اتسعاها وابعدا فتاة تكاد تحجب المهاتما عن مرمى النيران وان لم تبتعد سيفشلا فى مهمتهما،الزمن و البوليس يطاردانهما مع توتر فى الاعصاب وهم حضور عند الروح العظيمة.
وصل المهاتما الهند، قادما من جنوب افريقيا يتمتع بثراء وغنى واسع بعد ان حصد التجارب ومقارعة الاستعمار، لا المال من جنوب افريقيا وكانت الحرب العالمية الاولى فى بدايتها تشد ثوب بريطانيا فى اتجاه، وغاندى سيشده فى الاتجاه المعاكس وبدا فى اختبار الارض الجديدة ممسكا بحبال الصبر و الحكمة ، الحقيقة و الحزم، شخص الداء وقدم الدواء ذو الجرعات الطويلة و الامبراطورية العجوز تحتفظ بافضل عقولها فى الهند تراقب نشاط المحامى الشاب ولديها تقارير مفصلة عن مواقفه فى جنوب افريقيا ويبدأ ( جرالحبل) غير المتكافىء بين طرفى القوة و الغطرسة و الحقيقة و الحزم تدرك عقول الممثلين للامبراطورية التى لا تغيب الشمس عنها، ان الارض تمور وتدور فيجيز برلمانها فى عام 1919 اعطاء سلطات طوارىء لمكافحة النشاط الثورى و النشاط الثورىفى الهند بطبعه وتاريخه الانسانى، لا يكافح وبموجب لائحة الطوارىء وفى اعظم اختبار لها ترتكب مجزرة ارمستار الشهيرة فى عام 1920 و مقابل القوة والغطرسة، يطرح غاندى الحقيقة بحزم وهو فى ريعان الشباب ممتلىء بالطاقات طرح حملة عدم التعاون مع السلطات الاستعمارية، و استقال المتعلمين من الوظائف العامة، قاطع الهنود المحاكم ، ارجعوا الاطفال من المدارس، واقفلت الشوارع باجساد مكدسة من البشر رافضين التحرك و الانفضاض، رغم الانقضاض و الضرب المبرح من البوليس وتم مقاطعة البضائع البريطانية وطرح غاندى حكم الهنود لانفسهم بأنفسهم وجرب لمس الامبراطورية العجوز فى اهم ادوات قهرها ودافع استعمارها الاقتصاد!! وطالب بوقف استغلال الريف الهندى ووقف تحطيم الصناعات البدائية الهندية وتدمير مرتكزات حياة القرية الهندية وهى قضايا الاغلبية الساحقة من المهمشين الهنود.
اصبح المهاتما رمزا عالميا لثورة الهنود وعاش حياة روحية مليئة بالصلوات و الصيام وانتهت علاقته مع زوجته او كما قال هو “علاقنتا اليوم مثل الاخ واخته ” ورفض تملك اى شىء على وجه الارض ولبس ملابس الطبقات الدنيا فى الهند التى بالكاد تستر جسده، واشتهر بها واشتهرت به مثل كوفية ابا عمار وعاش على لبن الماعز وقليل من عصير الفواكهه وبعض الخضروات احيانا واصبح فى نظر الهنود مقدس وسمى ” الروح العظيمة” وارتفعت النفس فارتفعت المكانة ” دخلوا الى الدنيا فقراء وكما دخلوا منها خرجوا” مقاومته السلمية دون عنف ترجع بعض جذورها الى تقاليد الديانة الهندوسية عميقة الجذور فى التربة الهندية، ارتبك البريطانيين واساطين مكرهم فى وزارة المستعمرات وقلم المخابرات وهم يحاولون التعامل مع ظاهرته وفى قمة ارتباكهم اعطاه زعماء المؤتمر الهندى المجموعة التى تزعمت الحركة على المستوى الوطنى اعطوه السلطة التنفيذية الكاملة بما فيها تسمية خليفته.
لا يزال البحث مستمر حول فشل مؤتمر الخريجين فى بلادنا فى اكبر مهامه بناء دولة حديثة على الرغم انه راى الشعاع و النور الهندى مع بعد المسافة وفشل فى ان يقود حركة مستنيرة مرتبطة بوجود جماهيرى فاعل، لبناء دولة حديثة دون التمسح باستار البنى التقليدية للمجتمع السودانى وسيظل البحث قائم لا سيما وإن جمعية الاتحاد السودانى وحركة اللواء الابيض اولى الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى الحديثة، التى انتظمت سياسيا خارج البنى التقليدية وقاومت فى اتجاهين مطلقه سهمها الاول صوب الانجليز، وسهمها الثانى نحو توفير قيادة مستنيرة حديثة مرتبطة بوجود جماهيرى فاعل وهى قضية لا تزال مشرعة، مفتوحة للتداول فى دوائر الحداثة و الفكر ولا يزال على عبداللطيف،عبدالفضيل الماظ، عبيد حاج الامين و الاخرين ينتظرون الانصاف ورد الاعتبار فى ذكرى شرف المحاولة لا سيما انهم عند عودة المهاتما الى الهند كانت نيرانهم موقدة وخيولهم مسرجه وعلى عبداللطيف يطرح الاسئلة الكبرى ?ان السودانيين ليسواجميعا بعرب ومن الاوفق و الاوقع مخاطبتهم كسودانيين ثم تاتى امرأة من اسيا البعيدة من اليابان، وتعرج على السودان لتحرر شهادة ميلاد جديدة لعلى عبداللطيف ومصادر الثورة السودانية ولا تزال الاسئلة قائمة تنتظر مزيدا من الاجابات.
عند صلاة المساء الاخيرة اقتربت نيران العنف و التعصب من المهاتما الذى وقف دوما ضد العنف بالرغم من ان اعمال عنف عظيمة وقوى عديدة فى المجتمع الهندى كانت ترى ان السن بالسن و العين بالعين وان غاب حمورابى و البادىء اظلم واربكت هذه القوى خطط المهاتما غاندى احيانا وتكاثرت وتناسلت فى دربه الوعر، من كان يريد ان يوجه العنف ضد الانجليز او من كان يريد ان يصفى حسابات داخلية متعلقة بتركيبة المجتمع الهندى وعلى درب الاخيرة مضى نهرام قودسى شاقا طريقه نحو الروح العظيمة و المهاتما لا يحفل الا بصلوات المساء الاخيرة وهو العازف عن السلطة يعف عند المغنم ولا يخشى البريطانيين وجندهم، ممسكا بعصا السلطة المتمثلة فى نهوض ملايين الهنود خلفه لتحرير الهند مع ذلك النجاح اعترف المهاتما فى عام 1922 ان العنف يكاد يفشل المقاومة السلمية وفى نفس العام ادخل السجن ليخرج فى عام 1924 عام اللواء الابيض فى بلادنا خرج من السجن منسحبا من الحياة العامة مختصرا مهمته وطاقاته نحو توحيد المجتمعات المحلية ثم عاد رويدا رويدا فليس بامكانه الا النضال فحياته تكمن هناك وليس بالامكان تجنب خوض المعارك من اجل استقلال الهند ودعا مرة اخرى الى عصيان مدنى ودعا الشعوب الهندية لرفض دفع الضرائب فى عام 1930 و ستكون كلمة العصيان المدنى متداولة وورافة الظلال على ايام حكم عبود فى السودان تذكرة عبور نحو اكتوبر 1964. دعا المهاتما لرفض ضريبة الملح بالذات و انطلق فى حملته الشهيرة صوب البحر، مكان انتاج الملح وكان نفسه ملحا عظيما لارض الهند تبعته مئات الالاف فى مشهد ما يزال اسراَ ومؤثرا من احمد اباد من كل انحاء الهند وقرى( ومدن الملح) حتى المحيط واعتقل واطلق سراحه بعد وقت وجيز فى عام 1931 ومثلما قدمت التنازلات له فى جنوب افريقيا قدم البريطانيين التنازلات وشمسهم بدات تتجه نحو المغيب وفى نفس العام مثل المؤتمر الهندى، فى لندن، ذهب هذه المرة لا كطالب علم بل مطالبا باستقلال الهند، وممثلا لكل الهند بما تعنيه الهند من كلمة وحضارة وشعوب طلب منه البعض وهو يتاهب لللقاء الحكام البريطانيين فى ارضهم، ان يغير ملابسه ويلبس ملابس تليق بلندن رفض ذلك بحزم وتواضع جم ومثله بالطبع يدرك ان ملابس فقراء الهنود هى تذكرته نحو لندن وعند الصعود الى باب الطائرة تحتاج الى تذكرة صعود وكان يدرك ان المساومة شكلا احيانا تمتد الى الجوهر لم يتوصل لاتفاق مع السلطات البريطانية ومن المعروف فى السنوات اللاحقة ان ونستون تشرشل كان يمقت المهاتما غاندى الذى تحدى جبروته مرارا واثبت تفوقه الروحى وامتلاكه لناصية الحقيقة و الحزم، وعاد المهاتما الى الهند وعاد معه العصيان فى حملة جديدة، وفى 1932 اعتقل مرتين وصام عن الطعام مرات عديدة وطويلة كان صيامه ردا حازما للبريطانيين الذين للمفارقة يخشون موته الذى سوف يزلزل الارض تحت اقدامهم مثل ما يخشون حياته، التى لا محالة ستزلزل الارض هى الاخرى. يبدو لى إن هنالك صلة ما بين المهاتما و مقاومته السلميه و طريقة و نهج الاستاذ محمود محمد طه و قد طرحت هذه السؤال على عدد من الاخوان الجمهوريين الذين اكد بعضهم الصلة على نحو عام و هى قضية تستحق مزيد من التقصى الجاد.
لاحقا وبعد اكثر من ثلاثة عقود من رحيل المهاتما غاندى المناضل عبر صيامه قال بوبى ساندس عضو الجيش الجمهورى الايرلندى الصائم المضرب عن الطعام حتى الموت وعظامه تتفتت، و الجوع يحرق احشائه و القسيس يخاطبه بالرجوع عن اضرابه حتى تقبل روحه و إن لم تقبل فستظل تحوم فى ايرلندا حتى تتحرر، فى صيف عام 1981 كنت اتابع هيئة الاذاعة البريطانية وهى تنقل يوم بعد يوم معركة فريدة بطلها شاب استمد قوته من كل تاريخ الايرلنديين فى العناد ودفع به مرة واحدة فى مواجهة خصومه كان ذلك الفتى هو بوبى ساندس، المولود فى عام 1954 والذى رحل وعمره لم يتجاوز السابعة و العشرون وكتب فى مذكراته اثناء اضرابه عن الطعام، الذى استمر ستة وستون يوما وتابعته وسائل الاعلام يوما بعد يوم “كل الناس عليهم التمسك بالامل و ان لا يفتقده قلبهم و املى فى النصر النهائى لشعبى و هل يوجد امل اكبر من ذلك” جاء ذلك فى مذكراته التى كتبها حتى اليوم السابع عشر وواصل قائلاَ “إن الاكل الذى يتناوله الانسان ليس هو الذى يبقيه الى الابد” “إن قلبى ملىء بالمرارة لاننى اعلم اننى قد حطمت قلب امى المسكينة” ” لقد وضعت كل الحجج فى الاعتبار و قد حاولت تجنب ما اصبح لا يمكن تجنبه” ” لقد فرض على وعلى رفاقى لمدة اربع سنوات ونصف معاملة غير إنسانية” التعذيب الذى الحقته الشرطة ببوبى ساندس، كما ورد فى إفاداته العديدة وفى اشعاره، اخذ مكانة عميقة فى دواخله الانسانية، ولم أقرأ فى حياتى لشخص هزنى حديثه عن التعذيب مثل بوبى ساندس واصل قائلا فى مذكراته التى نشرت بعد رحيله الفاجع “لا يستطيعون تجريمنا و سرقة وإنتزاع هويتنا الحقيقة وفردانيتنا” ” ليس بامكاننا تجريم نضالنا من اجل الحرية” “اذا لم يستطيعوا ان يحطموا رغبتك فى الحرية و التحرر فلن يتمكنوا من تحطيمك” فى اشعاره المؤثرة ومعاركه مع رجال الشرطة قال بوبى ساندس “إنهم جاءوا….. إنهم انفسهم لم يتغيروا” عاش بوبى ساندس حياته بحيوية حاول ان يدفع من روحه ومن جسده فاتورة قضية امن بها واصبحت مسألة استخدام الجسد فى القضايا التى يؤمن بها البشر مسار تساؤل و دراسة وعبر استيفن ماكوين فى مايو 2007 وهو بصدد إنتاج فيلم عن بوبى ساندس ان جسدك حينما يكون وسيلتك الوحيدة للاحتجاج مسألة تحتاج لدراسة ووقفة. وغض النظر عن الموقف من القضية الايرلندية الموقف الانسانى لبوبى ساندس يظل يستاثر الخيال ويلفت الانتباه.
وسط إضرابه عن الطعام خلت احدى الدوائر البرلمانية فى منطقة بوبى ساندس وتم ترشيحه من السجن وكانت المفاجاة ان فاز و اصبح عضوا فى البرلمان البريطانى بوستمينستر من داخل سجنه ولم يتجاوز عمره سبع وعشرون عاماَ واعتقد الكثيريين إن فوزه بمقعد غالى ونادر فى البرلمان البريطانى العتيق سوف يجعله يفك إضرابه عن الطعام الذى كان بسبب مطالبه فى تحسين حياة المعتقلين من اعضاء الجيش الجمهورى و معاملتهم كمعتقلين سياسين لا كمجرمين و السماح لهم بالزيارات و ارتداء ملابس عادية وكانت المفأجاه ان واصل بوبى ساندس اضرابه، غير حافل بالبرلمان وما فتحه من افاق جديدة فى حياته، فى اليوم السادس و الستين(66) لاضرابه عن الطعام وبعد ان ساءت حالته الى اقصى حد واصبح يرقد على سرير مبلول من الماء خوفا على عظامه المهترئه بفعل اضرابه عن الطعام وبعد ان توسط العديدين فى ذلك اليوم و قبله، غاب بوبى ساندس عن الحياة مرة و الى الابد ذلك الانسان الجرىء و العنيد الى اقصى درجات العناد، ولم تغب روحه ابدا ولقد ظللت طوال السنوات التى تلت متابعتى لهيئة الاذاعة البريطانية وهى تنقل مباراة إضرابه عن الطعام، التى فى تقديرى المتواضع انتهت بفوز إنسانيته و انتمائه لقضيته غض النظر عن الموقف منها وما يزال يشدنى عناد بوبى ساندس وبطولته.
كان المهاتما غاندى ينحدر من مراتب عليا فى التقسيم الطبقى الصارم للمجتمع الهندى، لكنه وقف مع فقراء الهند وشن هجوما عنيفا على البريطانيين ومحاولاتهم ترسيخ مبادىء التراتب الاجتماعى الاقتصادى الصارمة و الجائرة فى ان معا، وفى عام 1934 عاودت المهاتما عذابات روحه العظيمه، و استقال من العمل السياسى و اختار نهرو خليفة له وبديلا عنه وقام بحمله طويلةعلى طول الهند، مساندا الفقراء الهنود ولان القانون الثابت ان غاندى ليس بامكانه الابتعاد عن قضيه استقلال الهند وتحريرها وإن السياسة ماهى الا وسيلته فى ذلك وهو مناضل من اجل الحرية لا سياسى تقليدى وعاد فى عام 1939(والعوداحمد) وصام لاجبار حاكم ولاية راجاكوت لتخفيف حكمه الاتوقراطى على سكان الولاية ” ما احوجنا الى الصوم الذى يبتغى مرضاة الله ومصالح العباد” واستجابت السلطات البريطانية و المهاتما ما يزال يفتل حبال الصبر الطويلة من الحقيقة و الحزم و بعزم اكيد ولان العدل غايته فميزا ن المهاتما لا يختل وعند ذاك العام يدخل هتلر اوربا جميعها فى الحرب العالمية الثانية و المهاتما لا يتردد فى اقتناص الفرصة نحو حلم طويل رواده من ديربان فى جنوب افريقيا وحتى راجاكوت وطرح شروطه للبريطانين بان وقوف الهند معهم فى الحرب و استخدام مواردها و ارضها و رجالها بشرط الالتزام التام باستقلال الهند الفورى، و المهاتما لا ياكل الفتات من الموائدهو الذى عاش على لبن ماعزته وما ينسجه من قماش بالكاد يستر جسده و البريطانيين عبثا يحاولون تقديم الفتات و يرفض ثم يرفض و تدخل اليابان الحرب و يواصل رفضه فى ثبا ت معززا شروطه فيدخل السجن من عام 1942 حتى عام 1944، كان النضال الهندى من اجل الاستقلال فى خواتمه وكانت حياة المهاتما نفسها تقترب من نهايتها ونحو ميلادها الجديد، كانت شمس بريطانيا تغيب و شمس المهاتما تداوم الاشراق و ستغيب الامبراطورية التى لا تغيب الشمس عنها و تصبح فصولها عادية،احيانا تحت الصفر، و يبقى درس المهاتما لا تغيب الشمس عنه و يقال إن نهرو اكبر تلاميذ المهاتما قد توقف فى بورتسودان و لاحقا سيؤسس رجال عظام على راسهم دكتور طه بليه مؤتمر البجا تيمنا بالمؤتمر الهندى فلهم منا تحية.
وافق البريطانيين، غير مشكوريين على الخروج من الهند بشرط اتفاق المؤتمر الهندى و الرابطة الاسلامية، وقف غاندى فى اكثر مواضع تاريخه حزنا و مرارة ضد تقسيم الهند وراى ان الافضل للهندوس و المسلمين بناء هند موحدة لمصلحة الطرفين، قائمة على العدل وان تطلب ذلك ان يكون حاكمها الاول من المسلمين، تواطأ ضده الطرفان وطرح خيارات عديدة و لا ح?
Hi Yasir you so imazing I don’t know where to start .John Grang is The Sudan bloved child R.I.P…and long live New Sudan1
لرجال يصنعون المواقف المهمة في حياة الامم والراحل قرنق واحد من هؤلاء الرجال الافذاذ فهو قد سطر اسمه باحرف من نور في تاريخ البشرية جمعا وسيظل العالم يزكره كواحد من المناضلين من اجل السلام الانسانية
( لبناء وطن جديد ، متجاوز للفوراق الاثنية و الدينية و الجغرافية وان الذى يجمعنا هو السودان و قبل ان نكون افارقه ام عرب، مسلمين ام مسيحيين، جنوبيين ام شماليين، من الغرب او من الشرق او من الوسط فلنكن سودانين اولا. و السودان و مثقفيه احوج لانتا ديوب حتى وان تغافله الاخرين فى افريقيا.)
الله عليك
جون قرنق فقد كبير لامه عظيمة لاتعرف قدر نفسها.
وهاهو الجنوب إنفصل فعلياً واصبح الحديث عن الوحدة حديثا يثير الاشمئزاز واتمني من الجميع علي العمل لبناء وطننا علي اساس الجفلن خلهن اقرع الواقفات .
بالنسبة للدكتور جون قرنق فهو زعيم وهو ممن كتبوا اسماءهم ونقشوها في دفاتر التاريخ مع البشير وعلي عثمان ومعهم سلفا كير ولكن بموته ماتت الوحدة لان خلفه سلفا كير انفصاليا هو ومن اعتبر الانفصال فرصة للخروج من وسخ الخرطوم.
انت كتبت كتير كدا ياياسر يا عرمان ليه اقول ليك حاجة اسلخ جلد قرنق وسويهو عبوب…….