أحلام اليسار السوداني.. هل تَبْتَلِعَها رِمَالُ سِيَاسةُ الإسْلَاميين المتحركة؟

(التأريخ السياسي السوداني.. يعيد نفسه).. عبارة يمكن من خلالها وصف سيناريوهات التحولات السياسية التي تدور الآن، والتي يُمكن تأريخها بخطاب البشير الذي دشن من خلاله المؤتمر الوطني (الوثبة) التي أفضت إلى فتح بوابات الحوار بينه وبعض القوى التي تُصنف (أيدولوجياً) في خانة اليمين المعتدل، فيما اعتصم اليسار بخياره القديم لإسقاط النظام.. خطاب البشير خلق أزمة في أوساط المعارضة السودانية على حد تعبير خبراء سياسيون، إنعكست ظلالها على علاقة الحد الأدنى من التحالف لإسقاط نظام (المؤتمر الوطني)، والتي تعاقدت عليها قوى الإجماع الوطني.. خروج الشعبي والأمة، عن (إجماع) المعارضة، حرّك بعض الراكد في طبيعة العلاقة بين اليمين واليسار السياسي السوداني، التي إتسمت تأريخياً باللاإستمرارية..
ما بعد خطاب الوثبة
(موافقة المؤتمر الوطني على مبدأ الحوار غير المشروط.. مع القوى السياسية) الجملة المفيدة الوحيدة التي خرجت بها القوى السياسية المعارضة التي سجلت حضورها في ذلك اليوم.. حيث أعلن وقتها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إعتزامهم دراسة فحوى الخطاب الرئاسي ثم إعلان قرار بشأن ذلك، ليأتي الرد سريعاً من خلال إنخراط (الأمة) في (تداعيات) الحوار التي إنتهت بإعتقال زعيمه لشهر ثم إطلاق سراحه، ليعلن بعدها إنسحابه من طاولة المفاوضات.. زعيم المؤتمر الشعبي بالرغم من تصريحاته السالبة في حق الدعوة، إلا أن حزبه لم يشارك فقط في جلسات الحوار، بل بدأ في مواجهة قوى المعارضة الرافضة للحوار على لسان كمال عمر القيادي بالحزب.. بينما غاب (اليسار) وخاصة الحزب الشيوعي السوداني الذي قال وقتها أنه لا يرفض الحوار من حيث المبدأ، وإنما تحفظ على طريقة إدارته، مطالباً بعقد مؤتمر جامع لمناقشة كافة قضايا السودان، للوصول لاتفاق سياسي طويل الأمد، عبر خطة تصبح خارطة طريق لحل القضايا.. قبول اليمين الوسطي للحوار مع المؤتمر الوطني، ورفض اليسار يعيد للأذهان، ما يراه الباحث السياسي (د. عصام الدين الصادق) أمرأ طبيعياً في التركيبة النفسية لقادة الأحزاب ذات التوجه (اليميني).. وخطاب رئاسة الجمهورية بالرغم من تعاليه المفاهيمي، إلا أنه لامس أشواق بعض قوى المعارضة، خاصة بعد تراجع الجهد الذي ترتب له لإسقاط النظام.
خروج اليمين
التبدلات في موقف أحزاب (الأمة، الشعبي والإتحادي) من منصات المعارضة لطاولة الحوار، يرى مراقبون أنه أحدث هِزة في صفوف المعارضة، وبالرغم من أن خروج الإتحادي والأمة كان محتملاً وفق قراءات اليساريين للواقع السياسي، إلا أن موافقة (الشعبي) أعادت للأذهان الصراعات الفكرية والتنظيمية التي دارت في أروقة الأحزاب اليسارية، لحظة تقديم الأخير طلبه للصعود إلى قطار المعارضة السودانية، في أعقاب أشهر مفاصلة سياسية في تأريخ سلطة الأخوان المسلمين.. حيث إنقسمت عضوية اليسار بين مؤيد لدخول الشعبي، واتجاه آخر يرفض منحه حق التعارض من داخل قنوات التجمع الوطني الديمقراطي (آنذاك)، وينطلق الرافضون من إشتراكه في صناعة نظام الخرطوم القائم الآن، ويجب أن يتحمل تبعات ما يحدث، بينما ترى قيادات المعارضة أن الوقت ملائم لإستيعاب المؤتمر الشعبي في إطار الحد الأدنى وتوحيد الجهد النضالي.. دعم هذه الرؤية إنخراط عضوية المؤتمر الشعبي بشراسة في مواجهة الحزب الحاكم..
أهل القِبلة
قيادة المؤتمر الوطني لمبادرة (وحدة أهل القِبلة) تأتي في وقت ? على تعبير مراقبون ? فشل فيه النظام من الوصول لحلول لأزمات البلاد ليبدأ في البحث عن حلفاء من داخل (الأيديولوجيا).. دعوة الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن العام الماضي لوحدة أهل القبلة، وتأكيد الدعوة من هيئة علماء السودان، ووزير الدولة بوزارة الإرشاد.. ويضيف المراقبون: قيادة المؤتمر الوطني للمبادرة قد يكون لها مبرراً من خلال سعيه لتأكيد قيادته القادمة.. وهذه إحدى الأسافين التي ستُدق في نعش الوحدة، خاصة وأن زعيم طائفة الأنصار ورئيس حزب الأمة تبنى ذات الرؤية، مما يعيق تحقيقها دون تنازلات..
مستقبل التحالفات
في رؤيته حول طبيعة التحالفات في السودان ومستقبلها يرى الباحث السياسي أمجد عثمان بضرورة أن يبحث اليسار السوداني عن حلفاء جُدد.. ويضيف: التحالفات في السياسة السودانية تقوم على أسس خاطئة، تحالفات اليسار واليمين لن تُفضي لأكثر من إزدياد الشقة بين الطرفين، لذا يجب عليه البحث عن حلفاء من داخل (أيديلوجيا) اليسار العريض، وهناك الكثير من النقاط التي تجمعه مع قوى سياسية أخرى مثل (حق، البعث، الناصريين، المؤتمر السوداني، الحركة الشعبية، وبعض الحركات الدارفورية وقوى شبابية تصعد الآن في الفراغات التي خلفها غياب المعارضة.. وهذه الرؤية تنطبق على اليمين السياسي أيضاً.. في الواقع السياسي السوداني نجد العشرات من الأحزاب والجماعات يمكن جمعها في كيانين، يصل أحدهما للسلطة ويبقى الآخر في المعارضة إلى حين انتخابات جديدة، لكن أزمة تكمن الأزمة في عدم قبول الآخر، وإنعدام الروح الديمقراطية لدى السياسيون أنفسهم.. أما بالنسبة لوحدة التيار الإسلامي فيما عُرف بـ(توحيد أهل القِبلة)ستظل مجرد شعارات لن تجد مكاناً على مستوى الواقع، والتأريخ السياسي الاسلامي وصراعات الدولة الإسلامية يدعم هذه الرؤية.. اليسار السوداني أمامه فرصة للظهور خاصة بعد فشل الخطاب الإسلامي وعدم قدرته في الخروج بالوطن من أزماته بالرغم من أنه ظل على سدة الحكم قرابة النصف قرن.
تحالفات (يمينية) تتجمّع وتنفضّ على أمل تحقيق وحدة الهدف الاسلامي، حوارات ثنائية يقوم بها النظام الحاكم لتوحيد (أهل القِبلة) وقطع الطريق أمام تمدد اليسار السوداني، وبالرغم من الإتفاق النظري على الفكرة، يظل تحقيقها رهيناً بعدد من التنازلات يخشى (الأخوان) تقديمها من أجل (الآخر)، فيما يظل (اليسار) السوداني مشاهداً (لمسلسل الوحدة المأمولة) دون أن يسعى بالمقابل لتحقيق وحدة اليسار السوداني.. تُرى هل ستشهد المسارح السياسية القادمة ذات التحالفات بين اليمين واليسار، أم ستبتلع رمال سياسة الاسلاميين المتحركة، أحلام اليسار السوداني؟
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..