في السودان الحق ليس على الطليان

رشيد شاهين

دولة جنوب السودان الفتية والتي لم يبلغ عمرها “المديد” عاما بعد، لم تتردد في القيام بهجوم عسكري على منطقة هجليج الغنية بالنفط واحتلالها، لتبدأ حربا هي الأولى- في سلسلة من الحروب قادمة- مع الدولة الأم التي انسلخت عنها كما ستنسلخ أقاليم أخرى بفضل “حنكة” قائدها الفذ، الذي قاد بسياساته “الحكيمة” إلى هذا الواقع البائس.

السودان الذي قفز إلى حكمه الجنرال عمر البشير، كان قد حكمه جنرال آخر قل نظيره في النظام العربي الرسمي المعاصر يدعى سوار الذهب، هذا السوار الذي تفتقر أمة العربان إلى أمثاله، ربما سيكون “عملة” نادرة في واقع هذه الأمة، سوار آثر أن يخلص البلاد من ديكتاتور حكم البلاد باستبداد، وانقلب على رفاقه في الحكم، وأعدم البعض منهم، وألقى بكل القيم والمبادئ خلف ظهره، ولم يخلص البلاد والعباد منه سوى هذا السوار الذهبي، الذي نقل البلاد من الديكتاتورية إلى الديمقراطية وترك الحكم طائعا بلا إكراه، معتقدا أنه قد ثبّت ديمقراطية حقيقية في بلاد نخرها الفساد والظلم والظلام.

واقع الحال أن عمر البشير جاء إلى سدة الحكم من خلال انقلاب على الحكم الديمقراطي، وقام خلال سنوات حكمه الطويلة بإعدام العديد من رفاقه من العسكر الذين اتهمهم بمحاولات الانقلاب عليه، وأدخل البلاد في أتون حروب كانت في غنى عنها، كما ربطها بمجموعة علاقات أقل ما يقال عنها إنها مشبوهة، وساوم على الكثير من القضايا، وقيل إنه سهل عملية تهريب كثير من يهود إفريقيا إلى إسرائيل، عدا عن دوره في تسليم المناضل العالمي كارلوس إلى فرنسا في محاولة منه لنيل الرضا الغربي عن مواقفه وسياساته.

الهجوم الذي قامت به دولة الجنوب ليس غريبا، خاصة عندما نعلم أن قائدها قام بزيارة إسرائيل في أول زيارة للخارج، وأقام سفارة لدولته الوليدة في مدينة القدس التي تعتبر بحسب الشرائع والقوانين الدولية مدينة محتلة، خطوة لم تقدم عليها دولة مثل أمريكا التي تعتبر الدولة الأولى في العالم دعما للكيان.

ما يجري في السودان، هو النتيجة الطبيعية لبقاء مثل هكذا أنظمة ديكتاتورية، أنظمة لديها الاستعداد للتضحية بثلاثة أرباع أوطانها من أجل البقاء في سدة الحكم، ولديها الاستعداد أن تقتل عشرات الآلاف وأن تجرح مئات الآلاف وأن تعتقل أمثالهم، وأن تتسبب في لجوء “الملايين” أحيانا- كما حصل في العراق-، ليس مهما ماذا سيحدث للأوطان أو الشعوب، المهم أن يبقى الرئيس رئيسا وأن يبقى الحاكم بأمره على كرسي الطغيان والظلم، ومن بعده ليكن الطوفان.

ما يجري في السودان ليس سببه الغرب القبيح الذي ترعرعنا على بغضه وكراهيته لأنه السبب في كل مصائب أمة العربان، وليس صحيحا أن كل ما يجري لهذه الأمة هو من فعل دولة الاغتصاب في فلسطين، فهناك العديد من الأسباب التي نعلمها وندفن رؤوسنا في الرمل من أجل أن لا نراها، ما يجري في السودان سببه جنرال أتى من قرية منسية أغواه المنصب والجاه، ولم يعد يميز بين الخبيث والطيب، وهو على دراية أن دارفور ستكون الثانية بعد الجنوب.

دولة الجنوب الفتية، ستكون خنجرا ليس فقط في الخاصرة السودانية، بل في القلب الإفريقي، كما كانت دولة العدوان في فلسطين، ذات دور مشبوه وتقوم بأدوار سرطانية لا تقل خطورة عما تقوم به دولة صهيون، ولكن علينا مراجعة الأسباب والمتسببين.

إننا، في تقديري، نفتقد إلى الشجاعة في توصيف الواقع ووضع الأصبع على الجرح، ونفضل الحديث عن مؤامرة خارجية من هنا أو هناك، وهذا يعود إلى ما تم زرعه في وجدان كل واحد منا عندما ساد بيننا المثل القائل “الحق على الطليان”، وهو تماما كالمثل الذي تعلمنا منذ الصغر “بأن حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس”، أو كالمثل القائل “اليد لا تناطح المخرز”، علما أن اليد تستطيع أن ترمي حجرا أو تلقي قنبلة أو تكتب مقالا، أمثلة ظلت وستبقى عبئا على تراثنا وثقافتنا وتقدمنا، وستبقى الحائط الذي نختبئ وراءه لنخفي عورات فشلنا.

العرب اونلاين

تعليق واحد

  1. نتفق معك فى كل ماقلته ماعدا ان دولة الجنوب ستكون خنجرا فى القلب الافريقى. هذا كلام جانبه الصواب كثيرا.الدولة الوليدة لم تقم بشئ نشاذ .كل الدول العربية تود لوترتمى فى احضان اسرائيل لولا ان بها بقية من خوف اوبقية من حياء .فمابالك بدولة ليست بالطبع فى عداد الدول العربية ولاتريدهى ان تكون فى مؤخرة هذا الصف العربى المائل الحال.دولة وليدة تتحسس طريقها لبناء نفسها .اسرائيل مدت يدها لعونها وقام مسئولوها على اعلى مستوى بزيارتها فهل ترفضها ؟؟؟؟ لمصلحة من تعاديها؟؟؟ ولماذا لم يقم المسئولون العرب بزيارتها والتواصل معها؟؟؟

  2. أيها الكاتب: لايبدو أنك تعرف شيئا عن السودان بتمجيدك لأجبن رئيس و اكثرهم ترددا مر على السودان وهو هذا السوار المصدئ المعدن. لولا هذا الكوز من الدرجة الثالثة الذى أجبر على رئاسة السودان من قبل لجان الإنتفاضة فى إبريل – حسب سلامة نواياهم و عشمهم فيه – لما وصل السودان لما وصل إليه من دمار الآن بسبب توجيه الكيزان له حتى تسلموا السلطة. هذا رجل لا يستحق شرف العسكرية ولا يعرف عن الديمقراطية مجرد تعريفها. ولم يسلم الحكم لمن بعده إلا بسبب عدم قدرته على تحمل المسؤولية وليس لأنه مثالى بأى درجة كانت.
    قال عملة نادرة وسوار ذهبى قال.

  3. من ترفع ورفض السلطه شتم ومن تمسك بالسلطه شتم كلكم لا يريد إن أن يكون هو الحاكم وإن كان معتوها او منغوليا . هل تعرف أن سوار الذهب تقف له الرؤساء فى كل المحافل الوليه وتصفق وتحييه فعو لا يحتاج الى أن تمسح حذائه حتى …..

  4. لو علمت الكاتبة بشنائع سوار الذهب الذي مرغ صورته الزاهية في اوحال المؤتمر الوطني منذ الإبتداء فالبيان الأول للإنقاذ قرأه العميد عمر البشير من مكتب سوار الذهب !! ثم ترأس لجنة لإعادة إنتخاب الطاغية البشير ثم ثم ، هذا غير أنشطته التنظيمية التي يؤديها من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي !!
    نحمد الله أن تكشف المستور و لكن الطاغية يتزوجهم عرفي و مسيار تباً لهم أجمعين.

  5. العرب مخدوعون في سوار الذهب ولا يعلمون مجمل سيرته، فهو بطل زائف، والعرب يصورون انتفاضة أبريل بانها انقلاب من سوار الذهب على نميري وهو حسد منهم و تزييف يكشفه حتى أجهل من عاصر الانتفاضة، سوار الذهب قبل منصب رئيس المجلس العسكري بعد تردد وخوف شديد ومعروفة قصة المفتي الذي أحضروه له لكي يقنعه بعد أن أصر انه لن يحنث بقسمه بالولاء لنميري وسوار الذهب بعد ذلك لم يكن محايداً ووقف مع تنظيم الجبهة ومرر لهم كل مخططاتهم وفتح لهم أبواب منظمة الدعوة الاسلامية لكي يسجلوا فيها بيانات انقلاب البشير، وعند انقلاب ضباط رمضان ال28 الذين أعدموهم كان اللواء الكدرو قد تحصن بسلاح المدرعات فأرسل له جماعة الانقاذ سوار الذهب الذي أعطاه الأمان وبمجرد أن سلم ذبحه البشير وجماعته دون أن يهمهم وعد الشرف الذي قطعه له سوار الذهب لأنهم يعلمون ان سوار الذهب شخص جبان ولن يتكلم حتى ولو دفاعاً عن شرفه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..