المقالات والآراءيحي فضل الله

علي بابور

تداعيات

طرق متوتر علي الباب ، كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة ليلا بقليل ، افتح الباب اجد امامي الصديق سبف الاسلام حاج حمد الطالب بقسم المسرح بالمعهد العالي للموسيقي و المسرح ، كان سيف الاسلام مستندا علي الحائط مرهقا و مهموما وقبل ان يدخل قال لي :- (( علي بابور وقع من البص بتاع الرحلة و العجل الوراني طلع فيهو ))
(( مات ؟ ))
(( هسه في حوادث امدرمان تعبان جدا و كاضم ))
(( متين و وين وكيف ؟ ))
(( هو حاول ينزل من البص قبل مايلف علي الاوسط و البص ماشي ، اظنوا إنزلق ، المهم انا جيت عشان اكلم اهلو ، انت عارف البيت ؟ ))
كان علي بابور يسكن في الحارة الخمستاشر مجاورا لمنزل الاخ الصديق الممثل الرشيد احمد عيسي ، تحركنا راجلين من الجميعاب الحارة الرابعة الي هناك فالمسافة ليست بعيدة ، مررنا علي الرشيد الذي حمل إنزعاجه في وجهه الحميم ودخلنا بيت علي بابور من حيث لا باب يطرق كعادة المساكن العشوائية ، إيقظت ضرباتنا علي الاكف اخاه الاصغر ، ابلغناه خبر الحادث و نحن نحاو ل ان نداري ذلك الخوف ، كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة وبقي من ذلك الزمن المحدد للتجول اقل من ساعة ، إرتبك سكان ذلك البيت الصغير إذ يستحيل الوصول الي حوادث مستشفي امدرمان قبل حظر التجول لانعدام وسائل المواصلات ، حتي التكاسي لاتملك المغامرة في هذا الليل المسجون داخل ذلك القيد السياسي ، سيف الاسلام يطمئن اهل اليبت بان عددا من طلاب المعهد مع علي بابور في الحوادث ويحاول ان يقنعهم بعدم التحرك في ذلك الليل المحظور فيه التجول ، خرجنا من هناك وتركنا وراءنا هذا الخبر و اصوات بكاء حارق و مكتوم يحتلط بنباح كلاب بعيد ، تركنا الرشيد يرافق هواجسه الي بيته ورافق الصمت خطواتنا علي ذلك الدرب الذي جئنا منه
كان علي بابور متوهجا وصاخبا و هميما كعادنه دائما ، في تلك الرحلة التي إستقبل بها اتحاد طلاب المعهد العالي للموسيقي و المسرح الطلاب الجدد ، يوم جمعة من صيف 1990م ، كان مكان الرحلة هو الحديقة النباتية بالمقرن ، علي بابور كان متوهجا ، يشارك في كل التفاصيل ، كان يرقص بمتعة متناهية ، علي بابور دائما ما يستنطق جسده ذلك المرن في حفلات المعهد و رحلاته ، لايتواني مطلقا في ان يفضح علاقة الرقص بالشفافية و السمو ، كان يرقص علي طريقته مستدعيا اصداء جبال النوبة التي أتي منها فتتوافق تلك الاصداء مع الايقاع و وجهه يشع بإبتسامة نقية ، يرقص و يرقص و يرقص والعرق يبلل قميصه حتي انه خلع ذلك القميص الاخضر و واصل توهجه الراقص بفنلة داخلية حمراء ، علي بابور تسكنه الايقاعات الساخنة وتعربد في دواخله الافراح
علي بابور العامل بالمعهد العالي للموسيقي و المسرح ، تاريخ من الالفة و التالف في وسط الطلاب و الاساتذة ، حيوية وهمة عالية ، صاخب الضحكات ، صاحب وجه بشوش لا يعرف معني العبوس ، كان علي بابور كائن ليلي حميم وهو يعسكر مع طلاب المسرح ايام بروفات الدبلوم ، علي بابور عامل بسيط – مراسلة – ولكنه داخل نشاطات المعهد فنان متميز وذلك بمشاركته في عروض التخرج بقسم المسرح ، إيقاعات الطبول التي تخللت نسيج عرض مسرحية (اكونكو ) التي اعدها ابراهيم البزعي وتخرج بها حاج ابا ادم كانت تخرج من بين اصابع و دواخل علي بابور ، المسرحية ( اكونكو ) تم اعدادها من رواية ( الاشياء تتداعي ) للكاتب النيجيري( شنوا شبي ) ، كان قد اشرف علي تدريبي و معي الاخ الصديق محمد عبد الرحيم قرني في مشهد الصراع الذي احاله المخرج الي الصراع في جبال النوبة و اذكر انه قد إشتبكت بيني وبينه التفاصيل بحكم علائقي بجبال النوبة ، علي بابور ساهم في تنفيذ الديكورات و الاكسسوارات ، كان يعتلي خشبة المسرح حين يستعان به في مشهد يحتاج الي مجاميع بشرية ، رافق علي بابور الاستاذ عثمان البدوي الي جبال النوبة – موطنه – مساعدا له في جمع المعلومات للمادة العلمية لمشروع تحضيره في لندن ، بدون وجود علي بابور تضيع تلك التفاصيل الخاصة التي يعرفها و كان الكل يستفاد منها ، بدونه لن يستمتع طلاب المعهد بإيقاعات الكرنق و الكمبلا و البخسه و الكيسه و للمردوم مع علي بابور ذلك التلاقح بين رقصة عربية وجسد افريقي ، علي بابور وقف لساعات طويلة امام الاخت الزميلة إحسان محمود الهادي خريجة قسم الديكور بقسم المسرح كموديل واستعرضت به استاذة الازياء بقسم المسرح زينب عبد الله نماذج من ازياء اغريقية و اخري من عصر النهضة ، بدون رقصته تلك المتوهجة تفتقد حفلات المعهد ذلك التميز والتمايز المشع من الطرب النقي و التلقائي ، بدون ضحكته تلك الصاخبة و الحميمة تتكاسل نهارات المعهد و تفقد معني الحيوية التي يوزعها علي الاماكن و الناس و الاشياء ، خطوته تجوب المعهد بقسميه و تسبقه مداعباته في التسلل الي القلوب ، كان علي بابور يوزع طاقته العالية الجمال علي كل التفاصيل
حين وصلنا البيت ومعي سيف الاسلام وجدنا في انتظارنا طالبين من قسم الموسيقي ينتظران عودتنا ، نظر الي سيف الاسلام و انفجر متشنجا بالبكاء ، عرفنا ان علي بابور قد مات وحين كانت خطواتنا تواقع بحزنها ذلك الدرب الذي جئنا منه ومن بين اهات سيف الاسلام سقطت نجمة من السماء الي ارض لا نعرفها في ذلك الليل الدامس ، رجعنا الي اهله بخبر موته و ذاكرتي تتعلق برقصته تلك المتوهجة و الاخيرة

تعليق واحد

  1. لا ادرى لماذا ولكنى تذكرت طباخنا فى داخليات الحصاحيصا الثانويه ود الفن رحمه الله ورحم الله كذلك على بابور ورحم الله زمن الداخليات

  2. رحم الله على بابور ولكن اما كان الافضل لظروف حظر التجول الانتظار حتى الصبح رأفةً بهذه الاسرة البسيطة المكلومة

  3. انت اصلك يا يحي بتاع خرافات ووسواس اوصيك انت تذهب الى طبيب نفسي فدائماً ما تكتب عن القصص الخرافية الخيالية كما كتبت عن البعاتي فهذه الاشياء خرافات لا واقع لها وان تؤمن بما انزله الاسلام وتبتعد عما نهاه فتطمئن قلبك بالايمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..