أهي الحالة الباكستانية في السودان؟

رأي

أهي الحالة الباكستانية في السودان؟

علي المزروعي: ترجمة: سيف الدين عبد الحميد

إن الاستفتاء في السودان والذي سيتمخض عن انفصال الجنوب يعتبر هو أول إعادة ترسيم حدود استعمارية إفريقية عن طريق التصويت الشعبي. والسؤال الذي يسأله الكثيرون هو ما إذا كان هذا الإجراء سيخلق سابقة على نطاق القارة. فعندما قام رؤساء الدول الإفريقية بتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963م تعهدوا بمحاربة الاستعمار وموروثه ومع ذلك فإن الإرث الذي لم تكن لديهم نية في إنهائه هو حدود أقطارهم ذاتها. وبعض هذه البلدان ألغت أسماءها القومية التي وضعها الاستعمار، حيث أصبحت ساحل الذهب هي غانا وأصبحت روديسيا الشمالية هي زامبيا وأصبحت نيازالاند هي ملاوي ولكن لم تكن هناك واحدة من هذه البلدان تقريباً مستعدة لإلغاء حدودها الاستعمارية. وقد قام الاتحاد الإفريقي الذي تم تأسيسه عام 2002م بتجديد هذا الالتزام، لذا كان استفتاء جنوب السودان تاريخياً في الحقيقة، ففي هذا البلد الذي تبلغ مساحته حجم غرب أوربا كانت هناك حربان أهليتان ومصرع أكثر من مليون شخص ونزوح ملايين آخرين ليتم الوصول إلى قرار بسيط يسمح للجنوبيين بتقرير مصيرهم القطري. ولقد ناقشت موضوع الحروب الأهلية السودانية مع الرئيس السوداني السابق جعفر نميري ومع الرئيس عمر البشير وكان كلاهما مدافعين دفاعاً عنيداً عن التماسك القطري بيد أنهما ــ شأن القادة الأفارقة الآخرين ــ كانا يخافان من أثر تناثر قطع الدومينو . وحتى الآن هناك كثيرون في الخرطوم يخافون من احتمال أن يفضي استقلال جنوب السودان إلى ذات المطالب الانفصالية في دارفور.
إن حدود البلدان الإفريقية كانت نتيجة لمؤتمر برلين (1884- 1885م) والذي ناقشت فيه 14 بلاداً أوربية تسابقها لإفريقيا حيث رسمت الحدود لتناسب القوى الاستعمارية مع قليل اعتبار لتاريخ الشعوب المستعمَرة أو تماسكها الثقافي. فالشعوب الأوربية قامت في كثير من الأحيان بتقسيم الناس المنتمين لبعضهم وأغلقت قسراً المجتمعات التي لم تكن لديها تجربة حكومة مشتركة أو تعاون اقتصادي. والأكثر عبثاً كان هو تقسيم الشعب الصومالي إلى خمسة أجزاء ــ جزء بريطاني منفصل ومستعمرتين إيطالية وفرنسية مع شريحة صومالية رابعة تم دمجها في إثيوبيا وشريحة خامسة أدمجت في كينيا، ولم يسترد الشعب الصومالي وضعه أبدا. وبدا تغيير الحدود الإفريقية بالتوحيد آنذاك أفضل طريقة، وفي عام 1960م اتحدت أرض الصومال البريطانية والإيطالية في دولة الصومال المستقلة ولسوء الحظ فإن تجربة الدمج الصومالية انهارت لاحقاً تاركة أرض الصومال الإيطالية السابقة في فوضى في حين أن الجزء البريطاني السابق منها خضع لتجربة ديمقراطية مستقرة لكن دون اعتراف دولي.
لقد عانت إفريقيا ما بعد الاستعمار من الأسباب الرئيسة للحروب الأهلية: صراعات الهوية (مثل حالة الهوتو في مواجهة التوتسي في رواندا) والصراعات حول الموارد (مثل قضية النفط في دلتا النيجر). وعلى أية حال فإن محاولة إعادة رسم الخريطة السياسية لإفريقيا قد تسبب مشاكل حول كلتا القضيتين أكثر مما تحسمها، وبعد كل شيء هناك أكثر من 2000 مجموعة عرقية في القارة فإذا مُنح تقرير المصير القطري حتى لعُشر هذه المجموعات العرقية فإنه سيختزل إلى عشرات الدويلات المتحاربة خاصة عندما يتطابق موضع المعادن مع الخلافات العرقية. ومنذ عام 1960م كانت هناك محاولات أكثر لتغيير الحدود عن طريق الانفصال لا عن طريق الدمج، فبعد 30 عاماً من الحرب للاستقلال (1962- 1992م) انفصلت إريتريا انفصالاً ناجحاً من إثيوبيا وتطور الصراع من حرب أهلية إلى حرب تقليدية بين دولتين سياديتين منفصلتين. وللأسف فإن الحرب بين الدولتين سلحت تسليحاً جيداً بالمدرعات والطائرات الحربية على كلا الجانبين حيث تصاعد حجم الإصابات. أما الحرب الأهلية النيجيرية في 1967ــ 1970م فقد كانت محاولة من جانب الإقليم الشرقي لخلق دولة منفصلة هي بيافرا ولكن نيجيريا الفيدرالية انتصرت فيها وأعادت التماسك القطري للبلاد بيد أن نيجيريا ظلت منذ ذلك الحين لديها صراعات عرقية ودينية أقل من مستوى الانفصال. أما التغيير الحدودي الأكثر ديمومة والذي تم عن طريق الدمج فقد كان هو اتحاد تنجانيقا وزنزبار في عام 1964م الذي أدى لمولد تنزانيا.
إن معظم الحركات الانفصالية في إفريقيا منذ الاستقلال تكونت من مجموعات عرقية ــ لا مجموعات دينية ــ كانت تحاول الانفصال، ففي الخمسينيات كان كوامي نكروما خائفاً مما سماه بـ»الحالة الباكستانية» أي الانفصال على أسس دينية، فالقوميون الأفارقة لم يرضوا عن تقسيم الهند البريطانية حلاً للتوترات بين الهندوس والمسلمين لا سيما أن الدولة الضعيفة آنذاك كانت هي نيجيريا بشمالها ذي الأغلبية المسلمة وجنوبها ذي الأغلبية المسيحية. والآن وأخيراً فإن الحالة الباكستانية وصلت إلى السودان حيث سينفصل الجنوب من الشمال ، فالجنوبيون لعبوا بالبطاقة الدينية متهمين الشماليين بعدم التسامح الديني. وفي هذا الصدد فإن أثر هذا الاستفتاء سيحجب قطعاً في أهميتها الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس نميري في 1985م والثورة الشعبية في الخرطوم ضد الرئيس إبراهيم عبود في 1964م. وحتى جنوب السودان نفسه متعدد عرقياً في الداخل، فبعد ذهاب نشوة الاستقلال سيكون هناك قلق من أن المجموعات الأصغر في الجنوب قد تبدأ في الاستياء من علوية الدينكا عليها باعتبارهم «القبيلة» المهيمنة حيث يجب عليهم أن يتعاملوا مع إخوانهم الجنوبيين بحساسية شديدة. وكل هذا بعيداً عن التنافس حول الموارد البترولية، فالمجادلات حول من الذي يستفيد أكثر عملت على تمزيق نيجيريا إرباً إرباً فيجب على جنوب السودان أن يكون أكثر حذراً.

* الغارديان

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..