وزير العدل ورئيس القضاء.. شٍنْ قولكم؟!!

يربط العديدون بين مُصطلح الـ(جريمة) وبين الـ(مرض)، لا سيما الـ(نفسي)، باعتبار أن السلوك الإجرامي يندرج ضمن الأمراض، ولا يعكس سلامة مرتكبه! رغم آراء البعض المتقاطعة مع هذا الرأي، والقائلة بأن الجريمة صنيعة مجتمعية، كون الفاعل جزء من المجتمع المعني ويتأثر بما يدور في إطار أو داخل هذا المجتمع. هذا الاختلاف قاد مجموعة من الخبراء والمهتمين القانونيين للبحث عن مفهوم واضح وثابت لمصطلح (جريمة)، والذي صنفته مجموعة من الأدبيات القانونية الرصينة إلى أنواع عديدة بحسب المنظور أو الزاوية التي يُنظر بها إلى الجريمة.
فمن المنظور الـ(مجتمعي)، تُعرف الجريمة بأنها كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة أو المجتمع وما هو عدلٌ في نظرها، أو هي إنتهاك العرف السائد بما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه، أو هي انتهاكٌ وخرقٌ للقواعد والمعايير الأخلاقية للجماعة. ومن المنظور النفسي، فالجريمة هي إشباع لبعض الرغبات الإنسانية الـ(شاذة) بطريقة تتعارض مع فطرة الإنسان الغريزية، ويستصحب هذا الشذوذ في الإشباع علة (أو أكثر) في الصحة النفسية مع إنهيار للقيم والغرائز السامية، وقد تأتي الجريمة، وفقاً لهذا المنظور، كنتاج للصراع بين غريزة الذات والشعور بالانحطاط الاجتماعي! ومن جهة نظر القانون، فإن الجريمة هي كل عمل يُعاقَبْ عليه الفرد بموجب القانون، أو هي (أي الجريمة) ذلك الفعل الذي نص القانون على تحريمه و(مُجازاة) أو (مُعاقبة) مرتكبه!
وبصفةٍ عامة، تعتبر جريمة القتل من أشد أنواع الجرائم، وهي تأخذ أشكالاً عديدة وفقاً لوجهة النظر القانونية، لعل أبرزها القتل العمد وهو يعني أن يقصد الجاني وينوي أو يعتزم من يعلمُهُ آدمياً معصوماً – سبب العصمة الإسلام أو الأمان – فيقتله بما يغلب على الظن موته به، وهنا إشارة إلى أداة القتل التي يشترط فيها عند جمهور الفقهاء أن تكون مما يقتل غالباً. وبعبارةٍ أخرى، فإن القتل العمد هو ما اقترن فيه الفعل المزهق للروح بنية قتل المجني عليه.
والقتل العمد محّرم وهو من أكبر الكبائر، والكبيرة هي ما أتبعت بلعنة أو غضب أو عقوبة أو حد ونحو ذلك (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً) ? سورة الفرقان (آية 68)، وقوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قُتلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يُسرف في القتل إنه كان منصوراً) ? سورة الإسراء (آية 33). وهناك قول النبي عليه الصلاة والسلام اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلاّ بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. وعن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
ونظراً لفظاعة جريمة القتل، فقد أكدت الكثير من آراء الفقهاء وعلماء الإسلام على عدم سقوط هذه الجريمة بدعوة إطاعة الـ(أوامر) والـ(رؤساء). حيث أشارت جبهة علماء الأزهر الشريف في بيانٍ سابقٍ لها، إلى أنَّ أحكام الإسلام في القتل وسفك الدماء نصت على التحريم والجزاء والتحذير بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، بحيث لا يعذر أحد يدعي الجهل بها ولا يقبل من فاعلها عمدًا إدعاؤه الإكراه عليها، لما يترتب على ذلك من وجوب القصاص الصارم في الدنيا، وإلا تحمل أفحش الذنوب، واستحق أشد العذاب، وذهب في حياته ومماته ثم في بعثه مغضوبًا عليه من الله تعالى وملعونًا مطرودًا من رحمته وتعذرت عليه التوبة الخالصة لتعلق حق المقتول برقبته. كما أشارت الجبهة في بيانها، إلى أن الله جعل عقوبة القتل عمدًا هي أغلظ العقوبات، ليكون الجزاء من جنس العمل، وليتناسب مع شناعة الجريمة، وذلك بالقصاص في الدنيا ثم بالعذاب في الآخرة إن أفلت من القصاص، مُستشهدين بـ(تكثيف) القرآن والسنة و(تحذيراتهم) من الاقتراب منها (جريمة القتل)، مع بيان شناعة هذه الجريمة والتنبيه إلى خطر عاقبتها فيما لا يحصى من الآيات والأحاديث حتى لا يقترب المسلم منها تفكيرًا أو تنفيذًا.
قادنا لهذه المقدمة التي اجتهدت في اختصارها (عقب الاستعانة بذوي العلم والمعرففة القانوونية) ما شهدته ولاية شرق دارفور خلال الأسبوع الماضي وتحديداً يوم الأربعاء الذي شهد تجدُّد الاشتباكات الدامية بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا، مما أسفر عن مئات الضحايا من الطرفين، وفي روايات أكثر من (248) قتيل و(170) جريح، وفي أقاويل ما يفوق الـ(700) مواطن، بعضهم حالته خطرة تم نقلهم الى مستشفيات عديلة وأبوجابرة والضعين. وما يثير الدهشة والريبة هو صمت الدولة وتراخيها، تجاه هذه الأحداث التي تنقلب فيها حال أي دولة محترمة! بدءاً برأس الدولة وانتهاءً بأصغر منتسبيها، إلا في دولتنا الغريبة، حيث لم يتعد الأمر بعض البيانات الهزيلة والخجولة والخالية من أي موضوعية أو اهتمام لأمر تلك الأرواح وكأن الموتى من كوكبٍ آخر، وليس فقط رعايا (وطنين) يتوجب على الدولة حمايتهم ورعايتهم.
حديثنا بصفةٍ خاصة لكلٍ من وزير العدل ورئيس القضاء، باعتبار أنَّ الإدعاء العام (ويمثله وزير العدل) جهة أو كيان ذو دورٍ فعال في الدعوات الجزائية بكافة مراحلها (مرحلة التحري وجمع الأدلة ومرحلة التحقيق الابتدائي فالمحاكمة ومن ثم طرق الطعن انتهاءً بتنفيذ الحكم)، فضلاً عن دوره الجوهري في تحريك هذه الدعوات (الجزائية) وإجراءاتها كسلطات تقديرية أتاحها له التشريع والدستور فأين أنت يا دوسة من هذا؟ ماذا فعلت تجاه الجرائم التي ارتكبت في أحداث الأربعاء الماضي وما تلاها؟ نتمنى أن نرى ونشاهد بياناً (حتى ولو كان فطيراً ومليئاً بالمغالطات) يعكس اهتمامكم بالأمر، ويشيير إلى عدم تورط العصابة الحاكمة بالخرطوم في هذه الأحداث الدموية ونأمل ألا يطول انتظارنا.
ولكم نقول يارئيس القضاء، أن الـ(قُضاة) هم الأمناء على حماية الحقوق والحريات، ونشر العدالة، وتطبيق وتطوير القوانين التي يقوم عليها المجتمع وعلاقاتها الإنسانية، ونُذكرك بقسمك الذي أديته حينما أوكلوا لك هذه المهمة، وما ينبغي أن تكون عليه تصرفاتك وتصرفات قضاتك التابعين لك وسلوكهم، داخل المحاكم وخارجها لتسموا فوق كل شبهة أو ريبة وترتقي لمستوى الأمانة المودعة لديكم، فماذا فعلت إزاء كل هذه الأرواح؟ ومتى ستتحرك؟!
ولكم أقول يا أهلي الغبش، أهل السودان بلا استثناء، إنها صناعة الفتنة بخبث ودهاء ومكر، تسليح الأهل والأحباب ليقتتلوا ويأكل بعضهم بعضاً، ليخلو المكان لفساد وعبث الإسلامويين، وها أنتم ترون كل الشواهد تدل على أن ما جرى ويجري في دارفور وغيرها من مناطق السودان صنيعة قبيحة ومنحطة من فئة منحطة وسافلة، وعليكم ألا تنجروا خلف هذه الفتن ولتعرفوا عدوكم الحقيقي وتوجهوا إليه اسلحتكم وبنادقكم.. والله م وراء القصد.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..