الهزيمة النفسية.. أقسى أنواع الهزائم

أن تنهزم أمة عسكرياً ليس نهاية مطافها، فالدولة تلملم أطرافها وتستعد لحروب جديدة وانتصار يعوضها الهزيمة التي منيت بها، هكذا تقول وقائع التاريخ…!
ولكن أن تنهزم أمة نفسياً فهذه هي الطامة الكبرى، فالمنهزم نفسياً قابل لأن يكون أي شيء وقد انكسر قلبه، فعاد كالآلي يُحرك يمنة ويسرى دون يدرك ما يفعل..!
هكذا حال المنكسرين نفسياً ومن هؤلاء تقوم الحركات الإرهابية التي تتسم بالقسوة التي تصدر من قلب منكسر. وسبب هذا الانكسار استضعاف الأنظمة لشعوبها، التي أجرت وما زالت تجري تجربة واحدة تنتظر منها نتيجة مختلفة..!
والتجربة أياً كان نوعها يجب أن يتوفر لها وسط مساعد، ولسوء حظ الشعوب العربية والإسلامية أن أنظمة حكمها – غالبيتها إن لم تكن كلها – ليست ذلك الوسط المساعد على نجاح التجربة…!
لقد استهدف الإسلام فيما استهدف المستضعفين – بل في مقدمة من استهدف – «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض» فكيف بأنظمة تدعي الإسلام وتريد تطبيقه على المجتمع يكون أول من تستضعف هو ذلك المجتمع المسلم..؟!
«ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» هذا هو المن الذي مَنَّ به المولى عز وجل على المستضعفين ولكنهم وللأسف يستضعفون من قبل أؤلئك الذين يحفظون هذه الآيات عن ظهر قلب. بعد أن استطاعوا هزيمتهم نفسياً، وهذه أعلى درجات الاستضعاف كسر الهمة في النفوس، والمستضعفين الذين كانوا ونزلت الآيات بخصوصهم كانوا يعانون صنوف العذاب ولسان حالهم يقول سراً وعلناً.. أَحدُ.. أحد…!
لم ينكسروا نفسياً لذلك كانوا الأئمة وكانوا الوارثين، لم تفلح أجهزة الأمن والقمع في كسر نفسياتهم ولم ينهزموا نفسياً كما يحدث الآن..!
الأنظمة القمعية مهما تزينت بالشعارات الإسلامية فهي السبب في هذا الانكسار النفسي، وكسر النفوس أصبح له أدوات أخرى بجانب القبضة البوليسية، الأمنية، الاستضعاف أخذ أشكالاً أخرى، كالضغط على المعيشة بفرض الضرائب الجائرة، وجعل المواطن لا يفكر إلا في لقمة العيش له ولأسرته، كما يؤثر سلباً على أخلاقيات المجتمع وتشيع فيه الفاحشة، وتفتح الأبواب للأفكار الهدامة والمتطرفة التي تصب في ضعف عقيدته وأخلاقه..!
{ ثم يكون عرضة لدخول الكراهية في نفسه المنكسرة الفارغة ويكون نتيجة هذا الكثيرون عرضة لقبول الحركات المتطرفة، والتي تجعل من أهم أهدافها إشاعة الرعب في أوساط المسلمين الذين يدعون الدفاع عن عقيدتهم..!
ولنضرب مثلاً من أمثلة القرارات التي تصدر اعتماداً على الانكسار النفسي للأمة، رفع الدعم وزيادة الضرائب وهي تجارب أجريت من قبل كثيراً، من ناحية اقتصادية هي قرارات صائبة، أما من ناحية عملية وتطبيقية فهي فاشلة ومجربة، وسبب فشلها أن الوسط الذي تجرى فيه هو وسط غير مناسب، ذات الأشخاص، ذات النظام منذ ربع قرن يجري ذات التجربة وينتظر نتيجة مختلفة وهذا هو المستحيل بعينه..!
حتى تنجح التجربة يجب أن تجرى في الوسط الملائم لها والذي يعمل على نجاحها، فربع قرن من الزمان كان كافياً لليابان وألمانيا ليصبحا من أكبر اقتصاديات العالم، لكن الفرق بين هؤلاء وبيننا أنهم هُزموا عسكرياً أما نحن فهزيمتنا كانت نفسية، وهي من أبشع الهزائم، ومن دلالات هذه الهزيمة تلك الحجة الواهية..«يعني نجيب منو، جربناهم كلهم» وكأن حواء السودان قد عقرت بعد أن أنجبت هؤلاء…!!
الحوار الأطرش، والمصالحة بين «الإسلاميين» كلها تصب في استمرار الانكسار والهزيمة النفسية، ولي أن أسأل «الإسلاميين»، على ماذا اختلفتم وعلى ماذا اجتمعتم مرة أخرى؟، أستطيع أن أقول إن الذي فرقكم هو الاستئثار بالحكم، والذي جمعكم مرة أخرى ليست تلك الكلمة السواء التي تجمع المسلمين حين يختلفون، ونحن نرى قيادات المختلفين الذين كانوا في المهجر والسودان اليوم وقبل إعلان المصالحة يركبون السيارات الفارهة وقد تحسنت أحوالهم المالية. وكفى..!
إن الوسط الصالح والمساعد لنجاح تجارب الحكم في إجابة للسؤال المنكسر «يعني نجيب منو»، هو حكومة التكنوقراط التي يمكن أن تبني ما تهدم من مؤسسات اقتصادية تجعل المواطن يحس بالمواطنة، وهذه أولى خطوات علاج الانكسار النفسي، فالمواطن الذي تعود إليه حقوقه من صحة وتعليم وعمل ومسكن، لا شك ستعود إليه تلك النفس التي انكسرت ويعود إليه بناؤه النفسي وتتحقق نهاية الآية الكريمة «ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون» صدق الله العظيم.

دكتور هاشم حسين بابكر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. من الذي قال لكم إنهم كانوا على انشقاق؟
    أنا سمعت الترابي بأم أذني يقول ضمن برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة ومقدمه أحمد منصور حيث سأل مقدم البرنامج الترابي عن مشاكل السودان وكيفية الخروج منها فقال الترابي “السودان يحتاج إلى عمل درامي كبير” وبعده حصل الانشقاق المزعوم في فترة لا تتعدي 45 يوماً.

    والان بدأت ملامح العمل الدرامي تتضح شيئاً فشيئاً.

  2. نحن لا نعاني من هزيمة نفسية وانما من خواء فكري … كنت على يقين بأن المؤتمر الشعبي سيرجع لاحضان المؤتمر الوطني لان السياسة عندنا مثل الهلال والمريخ تلعب لمن يدفع اكثر ليس هنالك من يصمد امام سياط الجلاد وحصاره الاقتصادي دون فكر وعقيدة واضحة .. نحن ينقصنا الفكر السليم و بدونه سيتساقط الجميع .. 0123652351

  3. الهزيمة النفسية التي لحقت بناء جراء تقسيم السودان لن تفارقنا حتى نفارق الحياة بل ستغور جراحها فينا كلما رأينا خريطة السودان وقد آلت الى ما آلت اليه. لن ينكر ذلك إلا مكابر اهبل أو جاهل مريض لا يعرف معنى ان يكون لك وطن جميل مساحته ميلون ميل بأجمل خريطة في الوجود مع اجمل شعب في الكون بجميع الوانه ولهاجته وثقافاته واعراقه ثم بضربة غباء من الحمير يصبح بذلك الشكل القبيح الذي يجعلك لا تتحمل النظر اليه مرتين……

    نعم شعب مهزوم مأزوم نفسيا في مناحي كثيرة ولكن الهزيمة الكبرى هي تقسيم السودان وذلك سيخلق منا متطرفون عنيفون تظهر اعمالهم الارهابية يوم يسقط النظام فقد يشاهد العالم ما لم يشاهده ابان سقوط القذافي وربما يظهر منا باقري البطون وآكلي الكباد وشاربي الدم ومع ذلك فلن ينشفي لنا غليل…….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..