أمراء الحرب الصومالية أم جنجويد بلدنا؟

الحالة في السودان وصلت مرحلة بعيدة من الصوملة الحقيقة وليست المنتظرة أو المستقبلية..

قبل حوالي إسبوعين قصدت أحد مكاتب الأمم المتحدة المحصنة بمتاريس من شولات التراب ومن خلفها جنود الإتحاد الإفريقي أمِيصوم في مقديشو. قابلت إيفا الألمانية والتى قضت ما يقارب الخمسة عشر عاما في الصومال..

يا إيفا مقديشو غالية!!؟؟!!
رفعت إيفا حاجبيها الكثفين وقضبت من تجاعيد جبينها وإتسعت حلقتا عينيها الخضراوتين وأجابت بخُلعة سودانية-صومالية:
-بسم الله!!! مقديشو أغلي عاصمة في العالم.

لم أندهش من إجابتها علي الرغم من إنني إنفقعت بالضحك في تلك اللحظة من كوميدية الإجابة. فالسودان قد تصومل من زمن بعيد وأصبحت حالة الخرطوم أسوأ من مقديشو. فنحن نعيش الآن في عصر صوملة السودان وليست هناك صوملة مستقبلية أسوأ مما يحدث الآن.

بينما وصل سعر الدولار في السودان إلي سقف العشرة جنيهات ظل وضع الدولار مستقرا في الصومال لسنوات عديدة. بل أن الصوماليون إستغنوا نهائيا عن الشِلن الصومالي وأستبدلوه بالدولار الأمريكي. حتى عملية إرسال وإستلام رصيد أصبحت بالدولار الأمريكى. كذلك طور الصوماليون نظاما للدفع بالدولار بواسطة الموبايل وأصبحوا لا حوجة لهم بالفيزا كارد وهم ينقلون الدولار حيثما يشاؤون داخل الصومال طالما يتم إيداع الدولار مباشرة في موبايلاتهم من أموال المغتربين الصوماليين.

لقد إحتاج الصوماليون لثلاثة وعشرون عاما لتدمير وإنهيار الدولة الصومالية وهي نفس الفترة التى تمارس فيها الإنقاذ تدمير أو بالأصح صوملة الدولة السودانية وتفكيكها. خلال تلك الفترة الزمنية تناسي الصوماليون إنهيار الناقل الوطنى، الخطوط الجوية الصومالية. وحتى لا ينقطع إتصالهم بالعالم أسأسوا شركات طيران خاصة بهم جمعوا لها طائرات الأنتنوف والإليوشن واللإمبرير والبوينج من الموديلات القديمة. وافقت ثلاث دول علي إستقبال تلك الطائرات التى لا تخضع لأي قواعد للسلامة هي الإمارات، جبيوتى وكينيا. وهو بالظبط ما فعلته الإنقاذ بسودانير والشعب في حالة نسيان والإستسلام لواقع سودانير في الإنهيار. وحلت محلها طائرات الأنتنوف والبوينج المُستهلكة في الصين وأكرانيا علي شاكلة بدر للطيران وطيران الغرب وغيرهما. سقطت الطائرات بالكوم في السودان وبمعدل أعلي من سقوطها في الصومال. عندما سقطت طائرة الإنتنوف في جنوب كردفان مات معظم ركابها لكن عندما تعرضت طائرة من نفس الموديل في الصومال إستطاع الصوماليون إنقاذ جميع ركابها رغم تدنى مقدرات قوات الدفاع المدنى. في زمن الإنقاذ سيطرت البعثات الأممية العسكرية اليوناميس واليوناميد علي نصف مطار الخرطوم المتهالك. وكما الصومال تكفل طيران الأمم المتحدة بنقل الإغاثة للنازحين في معسكرات اللجؤ في دارفور وجنوب كردفان ومدن جنوب السودان قبل الإنفصال.

آخر الإحصائيات تشير إلا أن عدد الجياع في السودان يقدر بخمسة ملايين ونصف يعيش نصفهم في معسكرات النزوح وعلي هوامش المدن. بينما لا يتعدي عددهم نصف المليون في الصومال. كيلو اللحمة في مقديشو يكلف خمسة دولارات بينما يصل سعره في الخرطوم إلي عشرة دولارات. الصوماليون أكثر شعوب الدول العربية إستهلاكا للحوم الطازجة والتى يذبحونها حتى بدون رقابة بيطرية في أنحاء متفرقة في مقديشو. لكن مع تدنى الرقابة البيطرية وخراب النفوس وجدت لحوم الحمير والكلاب طريقها للسوق في الخرطوم عاصمة المشروع الحضاري.

مليشيات الجنجويد لا تختلف كثيرا عن مليشيات أمراء الحرب في الصومال لكنها أكثر عتادا وتسليحا منها. فمقديشو لا يسيطر عليها جيش أو شرطة نظامية بل مجموعات أو مليشيات مسلحة أطلقت علي نفسها قوات الدعم السريع أو شركات أمنية خاصة. كمية السلاح بأنواعه المختلفة الموجود في مدن السودان في أيدي الجنوجويد والحركات المسلحة يفوق بكثير ما موجود في أيدي الصوماليون. وأن معدل القتل والاعتقالات والتعذيب والتشريد والنزوح هو الأعلي في السودان.

السودان وصل مرحلة بعيدة في الصوملة فلا قانون ولا عدالة ولا أمن بل أنهيار في جميع النواحي. في ذات الوقت قطع الصومال شوطا كبيرا في الخروج من صوملته.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا أستاذ سيف نحن مشروعنا الحضاري ماشي بخطا سريعة: لأنو معاهو عرضة وهزة وسط وحفرة دخان… وهذا مالا يوجد في الصومال ومعمول به خصيصا في السودان… تشكر على توضيح الحقائق ووجب علينا الاعتذار للصومال الشقيق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..