تلكم الجدة الدار فورية.. الولايات المتحدة السودانية .. والعزلة المجيدة!

قامت الادارة الاميركية (في اطار حملتها المختلفة الوسائل والمتعددة الاوجه لمكافحة ما تطلق عليه الارهاب العالمي والتطرف الديني والذي مقصودا به بطبيعة الحال الاسلام) قامت بتبني مشروع يسعى لاستقطاب صفوة العقول الشابة ذات الموهبة من مختلف انحاء العالم وذلك باغرائها عن طريق اتاحة وتسهيل فرص الدراسة الجامعية وما فوق الجامعية لها بل وامكانية التحاقها بارفع الجامعات الاميركية مع خلق بيئة تجعلهم يندمجون دراسيا واكاديميا واجتماعيا مع نظرائهم من صفوة الطلاب الاميركيين فالهدف من هذا المشروع كما جاء على لسان عرابته وزيرة الخارجية الاميركية السابقة الآنسة/ كونداليزا رايس هو (جلب العالم الى الولايات المتجدة الاميركية لتقراه واقعا ملموسا ومعاشا لتتعرف عليه وتحتك به ومن ثم تعرف طريقة تفكيره من اجل وضع انسب الطرق والوسائل المؤدية للتفاهم معه) مما يجعلنا نتساءل هل تراجعت الولايات المتحدة الاميركية عن اقوال منظرها صامويل هنتغتون القائمة على صراع الحضارات ليصبح احتكاك الحضارات؟! فالاحتكاك وان تولدت عنه يوما ما حرارة فهي لن تصل الى ما اوصلت اليه الولايات المتحدة الاميركية العالم من فوضى خلاقة حتى تبدلت الادوار ما بين المتهم بالارهاب مع الذي يسعى لمكافحة الارهاب!!
ولكننا نرى ان الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو ايجاد اجابة عن السؤال الذي اصبح يدور في دهاليز منظمات المجتمع المدني الاميركي ويسير بين الناس في الطرقات وهو (لماذا يكرهنا هؤلاء الناس هذه الكراهية العميقة الجذور؟!!) ومن ثم السعي لابتكار واستنباط وسائل للتعامل معهم وتطويعهم ليتم اخيرا وضع ختم التدجين الاميركي المكون من ساندوتشات ماكدونالدز والكولا. فلما لا تنقلب الآية فنقراهم كما يقراونا فليس عيبا ان تعترف بقوة خصمك اعتراف لا يقصد به الشعور بالدونية بل القصد منه قراءاة عدوك لتتعرف على الاسباب التي ادت الى تفوقه عليك لتأخذ منها ما يتماشى مع حضارتك ولا تكتفي بذلك فتسعى لتطويرها وعندها ستتكشف لك تلقائيا نقاط ضعفه المختبئة خلف تلك العجرفة الاستعلائية الجوفاء يسندك في ذلك مساهماتك وبصماتك الواضحة على معالم الحضارة البشرية ويكفينا هنا فقط عالمنا (الخوازرمي) والذي لولا اصفاره لما كان هناك كمبيوتر وبالتالي لما كانت شبكة المعلومات العالمية وهذا التدفق المعلوماتي.
فتداعيات مصرع د. جون قرنق دي مبيور النائب الاول لرئيس الجمهورية وقائد الحركة الشعبية جعلتنا نرى مدى التشابه الذي يصل احياناً حد التطابق ما بين السودان والولايات المتحدة الاميركية مما كان سيؤدي لترجيح كفة الوحدة التي ان كنا عملنا بجد على اظهار ايجابياتها لاصبحت جاذبة شمالاً وجنوباً، السودان الدولة القارة بتعدد مناخاته واختلاف اثنياته واحتياطه البترولي الضخم ومعادنه الكامنة في جوفه ذهباً ويورانيوم (بالطبع هو يورانيوم غير مخصب!) وتفرد انسانه بتدرج الوان بشرة افراد الاسرة الواحدة! واراضيه الواسعة وسهوله الممتدة وصحاريه اللاهبة، ولكن يوجد فرق بسيط ما بين السودان وبلاد العم سام وهو انه لا يوجد بها (منبر للسلام العادل) ما ان تندلع شرارة عنصرية كامنة تحت رماد العلاقة ما بين الامريكان ذوي الاصول الافريقية والامريكان ذوي البشرة البيضاء حتى يسارع بالمطالبة بفصل ولاياتها الجنوبية عن ولاياتها الشمالية!
ولعل من اهم اسباب نجاح الولايات المتحدة السودانية لتصبح امبراطورية عظمى هو انها بعد انتهاء حربها الاهلية الطاحنة التي اندلعت ما بين شمالها وجنوبها دخلت فيما يعرف بـ(العزلة المجيدة) واثناءها لم تشارك او حتى تكون ضمن الدول الاستعمارية بل انغلقت على ذاتها وتفرغت لمعالجة ومداوة مشاكل وتعقيدات مجتمعها المتباين الاثنيات والمتعدد الديانات، وايجاد الحلول لمشكلة العنصرية وفوارقه الطبقية التي تشكل تهديدا حقيقيا يمكن ان يعيق عملية انصهارها، كما تفرغت لاستغلال امكانياتها وتطوير قدراتها وبناء اقتصادها ولم تلتفت للعالم ومشاكله الا بعد ما غدر بها الجيش الياباني على حين غرة في الحرب العالمية الثانية وذلك عندما قام بتدمير واغراق اغلب قطع اسطولها البحري الرابض بميناء بيرل هاربر ليترك المارد مغارته المغلقة ليبطش بالامبراطورية اليابانية بطشته النووية تلك في هيروشيما ونجازاكي منهيا بها الحرب لصالح الحلفاء، بل ولم يكتف بذلك بل قام بانقاذ الاقتصاد الاوربي بواسطة مشروع مارشال.
مما جعلني اتساءل هل نحن بحاجة للدخول في (عزلة مجيدة) كالعزلة الاميركية نضمد فيها جراحنا ونلتقط فيها انفاسنا؟ ولكن ما فرص امكانية نجاحها في مثل هذا العالم المتشابك المصالح ذو الشركات المتعددة الجنسيات، وشبكة معلوماته التي لم تجعل العالم عبارة عن قرية صغيرة بل مجرد منزل مشرعة نوافذ غرفه بعضها على البعض مما جعل مصطلحات مثل السيادة الوطنية بمعناها ومفهومها المتعارف عليه من المخلفات التاريخية ذات الاستهلاك السياسي المحلي الشيء الذي يبين استحالة الدخول في مثل هذه العزلة المجيدة لاختلاف الظروف التاريخية مما يعضد مقولة ان التاريخ لا يعيد نفسه.
ولكن بما ان الحاجة ام الاختراع وحتى لا نصبح من ساكني وادي الصدى لما لا نستبدل مصطلح العزلة المجيدة بمصطلح (الانكفاء على الذات) وذلك من خلال ترتيب اولويات اهتماماتنا السياسية والاعلامية باعطاء مشاكلنا الداخلية الاولوية القصوى بسعينا وراء مصالحنا الوطنية، فما الفائدة التي عادت علينا وطناً وشعبا من وراء تلكم التغطية الاعلامية اللاهثة التي تناولت بالتحليل صور الرئيس العراقي السابق / صدام حسين نص العارية بسجن ابو غريب غير تضييع وقتنا وتشتيت انتباهنا، فماذا يضيره ان يصور عاريا ونصف نساء ورجال الامة العربية يتعرون على بلاجات وشواطيء شرم الشيخ والكوت دازور وجزر هاواي صيفا.
فحتى لا يحس المواطن العادي بان وسائل اعلامنا تعيش في ترف اعلامي بعيد كل البعد عما يعانيه من مشاكل فلتكن مشكلة دار فور باستحضار ماساة انسانها بغض النظر عن عرقه، وذلك حتى لا تستغرب تلكم (الجدة الدار فورية) لما وجدت من رعاية طبية واهتمام بنوي من قبل احدى الطبيبات لتقول لها في نهاية المقابلة ان الخواجات نصحوهم بعدم الذهاب للخرطوم (لانه ناس الخرطوم ما دايرنكم)! لكانما الخرطوم اصبحت بمثابة لندن بقوانين هجرتها التي تتعارض مع ديمقراطية وستيمنستر العتيدة!
واين منا مواطن الشرق ذلك الواقع ما بين سندان الفقر ومطرقة السل، ومواطن الشمال الذي لو كان يمتلك غابات بمناطقه لكنا الان في عرض تنفيذ اتفاقية نيفاشية اخرى.
اما انسان النيل الازرق الهائم بالغابات وانسان جنوب كردفان الذي بات يتخذ من (الكراكير) مسكنا! فذاك شان اخر.
وتلك السيول والفيضانات التي اجتاحت العديد من ولاياتنا مشردة عشرات الالاف من اسرنا السودانية فباتت تتوسد العراء وتلتحف السماء.
واين وصلت جهود مكافحة الملاريا وتغلغل حملات التوعية داخل الشرائح الحية للمجمتع، هذه الملاريا التي اصبحت تهدد الاقتصاد السوداني وذلك لان البنية الاساسية لاي دولة وهي الانسان اصبحت تتآكل على يديها.
وذاك النسيج الاجتماعي الشفاف وما تمزق منه في يوم الاثنين الدامي ذاك تعميقاً لانعدام ثقة هي اصلا مفقودة بين ابناء الوطن الواحد.
وانكفاءنا على ذاتنا هذا يجعلنا نقدم مصالح السودان على اي اعتبارات او علاقات دولية وان كانت على مستوى (الاخوات)، فان كان من مصلحتنا قيام سد النهضة الاثيوبي.. فليقم السد. فالسودان اولا والسودان اخيرا.
ولنسعى في نفس الوقت لرتق ما تمزق من نسيجنا الاجتماعي وذلك بجعل مفهوم تقبل الاخر واقعا معاشا باستخدامنا المبتكر لوسائل الاعلام والاتصالات الحديثة استنباطا واعلاء لمفاهيم اجتماعية جديدة وبثها ونشرها داخل صوالينا الموصدة الابواب، والهدف منها هو صهر وتذويب اي فوارق طبقية او شوائب لونية او ضغينة اجتماعية باظهار ان اختلافنا هو سر تفردنا ومنبع قوتنا ومن ينكر ذلك علينا فليطلع على الاستطلاع الذي قامت باجرائة هيئة الاذاعة البريطانية الـ BBC عقب الهجمات التي استهدفت لندن والذي اشار الى ان اغلب الشعب البريطاني يعتقد ان التعددية الثقافية تجعل من البلاد مكانا افضل. ونحن من هنا نحب ان نشيد بالطريقة الحيادية النزيهة التي تم بها اجراء الاستطلاع والتي تمثلت في انه تم اجرائه بعد مرور اكثر من شهر ونصف من وقوع الهجمات اي لم يتم استغلال الجو العاطفي المشحون مثلما فعل منبر السلام العادل من خلال اعلاناته المدفوعة القيمة والتي تطالب اي شخص لديه افلام توثيقية تصور احداث الاثنين الدامي ان ياتي بها اليهم مع مطالبتهم للشعب بترقب مفاجاتهم!!
فعلى من بات يداخله اليأس تجاه استمرار وحدة سودان ما بعد الانفصال وتماسكه وحجته في ذلك ان ما يفرقنا بات اكثر من الذي يجمعنا فليلقي نظرة تأملية على الولايات المتحدة الاميركية ليرى اين اوصلها هذا التباين والاختلاف الضارب في جذور مجتمعها حتى اصبح سياسة فتحها لابواب الهجرة السنوية اليها لكل شعوب العالم، فلم لا نغير قواعد اللعبة (فمن قال ان تغييرها حكر على الغربيين) بان نقراهم بواسطة انشاءنا لمراكز بحوث متخصصة ومختصة بدراسة تاريخ الولايات المتحدة الامريكية بل وكل العالم الغربي تكثيفا لجهودنا التي ستوصلنا حتما الى ما سيعرف يوما ما بـ.. الولايات المتحدة السودانية.

رندا عطية
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أين مبدأ المحاسبة ودولة القانون يا أستاذة في بلد الواسطة والفساد. الدولة في السودان وكل مسئوليها من قمة الهرم الى أخر طوبة في قاعدته لصوص محترفون ومرتشون حيث لا محاسبة ولا قانون. المحاسبة … هذا هو سر تفوق الولايات المتحدة الأمريكية الأول. هل تتابعين هذه الأيام قضية المسئول الأمريكي الكبير الذي سيودع السجن لمدة سبعة عشر عاما هو و زوجته نتيجة تلقيهما هدايا نوعية ومالية في حدود مئتي ألف دولار من أحد رجال الأعمال ؟ مثل هذا المسئول سيكافأ بالترقية لمنصب أعلى في دولة الفساد السودانية. أعيش منذ أكثر من ثلاثين سنة في الولايات المتحدة ولم أسمع ولا مرة واحدة تدخل مسئول في الدولة لحماية اخر تدور حوله مجرد شبهات بالتقصير في واجبه أو استغلال منصبة لكسب المال. القانون هو القانون. أما في السودان فالدغمسة هى مبدأ الحكم.

  2. كلام مأسس ويعجب لكن تطبيقة من الغيورين بعد زوال هؤلاء الحرامية واللصوص تعجبنى صحفيتك ومواضيعيك العميقة ومتابعتك للاحداث العالمية هكذا تكون الصحفية مش زى ام برنيطة شابكانا بكلام قاع المدينة وونسة النسوان ساعات القيلولة

  3. يا استاذة ، عليك الفرز بين الحكومة الامريكية و الشعب الامريكي ، و قولي لهم ان الشعب السوداني يحب الشعب الامريكي و يتأثر به ثقافيا و لكن لاتعجبه سياسة الحكومة الامركية. وقول لهم عليكم ان تفرزوا بين الحكومات العربية و الشعوب العربية. ان الحكومات هنا و هناك تلعب على حكاية كراهية الشعوب بعضها بعضا.
    ثم بعد ذلك عن ما ينبغي و ما لاينبقي وهو حديث طويل ليس هذا زمانه فالعدو على الابواب ولا يمكننل مناقشة البيضة و الفرخة. المهم الان كيف نخلع هذا القراد عن جلودنا فقد مص كل الدم الممكن .

  4. أيها الرندا العطية قد وهبك الله عطية لوالدك ويا نعم الهبة ويا نعم العطية كلامك سمح بالحيل والله ومليان شديد ليتنا نعي ونفهم هذا الكلام الجميل ليت ثقافة التسامح تسود بيننا ليتنا نستطيع كسر كل الحواجز التي تحول دون تكوين مجتمع سليم معافي يتقبل الآخر علي ما هو من ثقافة وعرق ولون وهذه هي مشكلتنا الحقيقة الفوارق الطبقية رغم أننا كلنا أفارقة لكنني لا أعلم سبب هذه الفوارق التي لا سند لها ولا دليل …
    نسأل الله يا أختي الكريمة أن يتحقق ما بين سطورك الجميلة فهو والله طريق السعادة والهناء والعيش الكريم لهذا الشعب الكريم الأصيل الذي أرهقته وأزهقته الحروب والفرقة والشتات …
    لك تحياتي وتعظيم سلام لكل حرف من أحرف هذا المقال الجميل الرائع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..