المؤتمر الوطني.. تحول أم تمويه؟

بعد انفضاض سامر المؤتمر العام للحزب الحاكم بدون مفاجآت تذكر على مستوى الأوراق والتوصيات والترشيحات للمناصب الرئاسية والقيادية، لا يجد المتتبع لهذه الفعالية إلا أن يتجه إلى جملة من الملاحظات التي تصلح كمؤشرات لوجهة وانعطافة جديدة، جاءت مقترنة بميقات إقامة هذا المؤتمر في وقت تشهد فيه مساحات التحرك للحزب الحاكم وحكومته في الساحة الدولية والإقليمية والمحلية، ضنكا وضيقا وحصارا في ظروف غير خافية على مستويات الحزب والحكم والاقتصاد. واهم هذه المؤشرات بالطبع ما هو ذو ارتباط بالوجهة السياسية والايدولوجية للحزب الحاكم.
منها إقامة المؤتمر في وقت اعقب زيارتي الرئيس عمر البشير، لكل من المملكة العربية السعودية، ومصر، وهما دولتان تقودان حلفا مؤثرا في مواجهة القوى الإسلامية والمتعاطفين معها في العالم العربي والإسلامي، فضلا عن تأكيد السودان الوقوف مع الدولة في ليبيا، وما حدث من تبدل في الموقف تجاه إيران ليس ببعيد، ولاشك أن الاتجاه الجديد للدولة والحزب في المرحلة القادمة سيعبر عن هذا التحول، خصوصا أن التمهيد له قد بدأ بإزاحة وجوه قيادية كبيرة ظلت ترمز لسنوات طويلة للمجموعة الإسلامية إذ خلفتها مجموعة رفعت مؤخرا شعار الإسلام السوداني.
وما عضد هذا الزعم أن الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر الكبير، حوت إشارة غاية في الأهمية، هي تواري الرموز الحزبية الإسلامية خصوصا الاخوان المسلمين من منصة الحديث بل ومن مقاعد الضيوف فقد غاب خالد مشعل، الذي يمثل السودان بالنسبة لهم المزار الأقرب طوال السنوات الماضية، وذات الأمر يتصل بزعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي، أما غياب تنظيم الاخوان المسلمين في مصر، فقد ظل أكبر الإشارات، بل إن قياديا من هيئة العلماء المسلمين ارسل تصريحات ناقدة للرئيس عمر البشير، قبل أيام ليصبح الأمر من البراهين الدالة على تغير كبير في خط الحزب الحاكم عن المسار الإسلامي الإخواني.
ويمكن أن يتم النظر إلى حديث الرئيس وتحذيراته من تكوين أي مراكز قوى داخل الحزب، ولاشك أن مجموعة من أصحاب الأشواق الإسلامية لن ترضى بالابتعاد عن الوجهة التي تفصلها من إطار الفكرة الإسلامية بالقدر الذي يدفع هيئة علماء المسلمين تهاجم البشير.
ولابد من أن يمر الحديث عن موقف المؤتمر الوطني الجديد ووجهته المختلفة إلى الحماس الذي أبداه الدكتور الترابي لهذه الوجهة، باعتبار أن ظل طوال أكثر من خمس عشرة سنة، يحاول الفصل بين الفكرة المركزية لحركته وبين الشوكة التي تمسك بزمام الأمور. وهذا نفسه يعتبر تحولا كبيرا في فكر الرجل، يمكن أن يضاف إلى سلسلة التحولات التي ما فتئ يفاجئ بها حلفاءه وأعداءه على السواء في كل حين.
لكن ومثلما ظل عراب الإنقاذ يردد على الدوام أن ثورة الإنقاذ مع ميلادها الأول قبل ربع قرن اخفت هويتها خوفا من أن تضرب، يمكن أن تكون هذه التحولات محاولة لإخفاء لحيتها من ذات المصير على أن تبقى النوايا هي النوايا ومافي القلب في القلب.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..