سجناء التاريخ

لم يكن العرب في العصور القديمة حين يتحدثون ؛ يبحثون عن معاني الكلمات ، ومن ثم فلم يكونوا بحوجة إلى قواميس.فهم يفهمون الجانب الإتفاقي للدال من خلال الحدس والممارسة ، وهذا يعني أننا اليوم نخضع أنفسنا لحدسهم ولممارستهم بل ولإتفاق أبرم عرفا في أو قبل عصورهم . فلا بد إذن من قواميس تجتر لنا ذلك الماضي السحيق .
لماذا أقول ذلك؟ لأن خضوعنا غير المهادن هذا يعني حظر تحريك جمود اللغة مقابل حاجاتنا المتزايدة لتعميق قدرتنا على التعبير. نحتاج اليوم إلى نحت المزيد من الكلمات . ومن ناحية لأن هذا الجمود يمنح هامشا واسعا لتدخل اللغات الأخرى قسرا حين نحتاج لمفردة منعدمة عندنا فنضطر إضطرارا إلى منح مفردة جديدة شرعية التواجد داخل الثقافة العربية عبر إستيرادها من لغة أجنبية. لا يحسب البعض أن لغتنا كافية ، فهي ليست كذلك ولا أتحدث عن الفجوة بينها وبين المنتجات العلمية بل حتى على مستوى مدلولات حركاتنا وسكناتنا. إيماءاتنا وإشاراتنا . معنوياتنا التي لا جسد لها. ربما يقول البعض إن قواميسنا لم تخل من مفردة . ورغم أن هذا لهو التعميم المخل بعينه ؛ ولكننا لو افترضنا صدقه فإنه لا يمنعنا من أن نبرم إتفاقاتنا الخاصة المعاصرة وأن نتبع حدسنا الذاتي وممارستنا نحن. لقد فعل القرآن ذلك قبل ألف واربعمائة عام ، فتجاوز محنة الانكفاء على التاريخ وليمنحنا هذه الرخصة الشرعية ، لأن الله تعالى يبث فينا روح التجديد والإبداع .
يقال: قل ولا تقل. ويميزون بين معنى كلمة خاطئ ولكنه شائع. ومعنى كلمة صحيح ولكنه مات وأفل منذ زمان. فلعمري ما رأيت مثل هذا التقديس غير المبرر لإتفاقات الماضي التي لو أبرمها مجتمع من الأتقياء لما أبرها كما نبرها اليوم . أليس ما شاع إلا اتفاقات اليوم وما أفل إلا اتفاقات الماضي فأيهما أصوب بل وأيهما الخطأ؟ بل وما معنى الصحة والخطأ في نسبية آلة اللغة ؟
ولو فتحنا كتب النحو عند الأقدمين لرأينا قواعدها وقد قاربت الألف أو جاوزته . والتي لو استخدمها من عمره الله ألف سنة ما أكمل ربعها .. ولا نحن بمستخدمين عشرها .. فما الذي يبقينا عليها ، بل وما حاجتنا إلى الكثير منها. بل ومن منحها قدسية تمنعنا من تغيرها أو تعديلها أو تطويرها؟
ونحن لو نزلنا للأسواق لرأينا الحقيقة المفجعة، حيث استطاع الناس تجاوز كل تلك المقدسات المتوهمة واستخدموا لغة دارجة بسيطة ففعلوا بها أكثر مما فعلوا بتلك اللغة السياسية المقدسة. وكأنهم ينبذونها بغير وعي.
أمل كردفاني
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. القران نفسه احتوى على عشرات الكلمات الاجنبيه..المسأله ليست متعلقه باللغه بقدر ما هى متعلقه بالعقليه المسلمه التى من اهم معالمها الانغلاق امام كل ايجابى. تحياتى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..