الشيخ أبو نارو فارس الشرق الذي ترجل

التقيته أول مرة عام 1985م بمسجد المسرة بالصافية، وقد سمعت عنه كثيرا من قبل، وتعاملت معه كثيرا بعد ذلك، فوجدته كما قيل عنه وأكثر؛ آية في الزهد والبساطة والصلابة في الحق.. إنه الشيخ سليمان أبونارو الذي انتقل إلى رحمة ربه فجر الثلاثاء الماضي الثاني من ديسمبر 2014م، وشيعه عدد من إخوانه وتلاميذه إلى مثواه الأخير بمقابر الكدرو ببحري.
ولد الشيخ سليمان بقرورة جنوب طوكر بشرق السودان، في بداية أربعينيات القرن الماضي، وعاش معظم حياته في مدينة بورتسودان؛ قبل أن يستقر مؤخرا وأسرته بالخرطوم بحري بحي أم القرى شمال قبل أن يتوفاه الله تعالى.
رغم فارق السن الكبير بيننا؛ فالعلاقة بيننا لفترة طويلة كانت علاقة التلميذ بشيخه؛ فقد تشرفت بأن صحبت الراحل الكبير كثيرا في السفر والحضر؛ داخل وخارج السودان، فلم يترك قيام الليل في حله ولا ترحاله في كل الليالي التي صاحبته فيها؛ وكان رحمه الله يتسلل في الهزيع الأخير من الليل ويصلى ما شاء الله له أن يصلي؛ ويحرص على ألا يشعر به من حوله، ثم يعود إلى فراشه قبل الآذان الثاني للفجر؛ حتى يبدو وكأنه لم يغادر سريره.. تكرر هذا منه كثيرا نسأل الله تعالى أن يتقبل منه.
قدم إلى القاهرة عام 1991م، وذهبت معه لمقابلة المرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك الشيخ محمد حامد أبوالنصر رحمه الله بحضور نائبه آنذاك الشيخ مصطفى مشهور رحمه الله، ورحب به المرشد العام ترحيبا حارا وأشاد بجهوده التي يبذلها في خدمة الدعوة؛ وقد كان الشيخ سليمان يحمل مشروعا لمرشد الإخوان من أجل حل الأزمة التي نشأت بين الإخوان المسلمين في السودان وأدت إلى انشقاق الجماعة عقب مؤتمر يوليو 1991م، ولكن جهوده ذهبت أدراج الرياح ولم ترَ مقترحاته النور لأسباب غير مفهومة.
لم يهادن الحكومات قط إلى أن توفاه الله؛ وحينما كانت الإنقاذ لا تتورع عن استجواب أو اعتقال كل من يعارضها في عهدها الأول؛ لم ترهبه الاستجوابات والاعتقالات التي نالت الصف الأول من الجماعة وعلى رأسهم الشيخان علي أبو صالح ـ شفاه الله ـ وياسر عثمان جاد الله حفظه الله؛ لكن شيخ سليمان لم يغير رأيه في الإنقاذ إطلاقا؛ وظل على ثباته في الوقت الذي كان بريق السلطة لاحقا يخلب أنظار آخرين ويدفعهم إلى تغيير مواقفهم وتبديل جلودهم ومقايضة آرائهم.
في السنوات الأخيرة اختلفنا مع الشيخ سليمان في خطه الفكري والسياسي و(التنظيمي)، مما نجم عنه مفارقتنا للجماعة التي يترأسها والتي غيرت اسمها بعد ذلك إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة.. ولكن ذلك لم يمنع من زيارته في منزله أو مكتبه كلما سنحت الفرصة، وتبادل الأحاديث الودية في الشأن العام أو الخاص، وفي مرضه الأخير زرته في منزله قبل حوالي شهر بصحبة أحد الإخوان،ودخلنا إلى غرفته الخاصة حيث كان يستلقي، فاستقبلنا بترحيب حار وود عميق، وتبسط معنا في الحديث؛ فغالبت بصعوبة الدموع التي كادت أن تفلت؛ لكن أخي لم يستطع فانهمرت منه بغزارة.
رحم الله الشيخ سليمان أبو نارو وتقبل جهده وجهاده في سبيله.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..